هل وباء كورونا هو إنتقامٌ إلهي؟

أهلا وسهلا بالشماس ممتاز ي. بَحّودي

سألَ الشماس قائلاً :” هل هذا الوباء هو غضبٌ من الله أم هو شيءٌ طبيعي، أي موجود في الطبيعة “؟.

عندما يغضبُ الأنسان يؤذي : فيُكَّسِر ويُحَّطِم ويقتل مُنتقِمًا للأهانة التي أصابتْه. أما الله  فليس إنسانًا حتى يغضب وينتقم. إذا كان الآباء لا يُسيئون إلى أولادهم فهل يُسيءُ الله إِلى أَحفادِه؟ (متى7: 9). لو كان الله ينتقم من البشر بسبب إهاناتهم له وعدم سماعهم كلامه لكان أباد آدم من الأول، وما كان يتجَّسد فيتألم ويُهان على الصليب !. الله أبٌ مُحَّب، ومن محَّبته أعطانا من وجودِه، ويعرفُ ضُعفَ طبيعتنا ولا ينسى قوَّة عدُّونا ابليس وقساوتَه ونفاقَه و حسده منا فـ ” يدور كأسدٍ زائرٍ ليفترسنا ” (1بط5: 8). الله رحومٌ ورؤوفٌ، “صالحٌ وغفور .. صبورٌ أمينٌ وكثيرُ الرحمة “(مز86: 5 و 15). يعرفُ أنَّ من يخطأ لا يُدركُ جسامةَ ما  فعلَ. ولو أدرَك دناءةَ الخطيئة وكم تُقَّللُ من قيمته لتاب ” بالمسوح والرماد”؛ ” يا أبتاه إِغفِرْ لهم لأنَّهم لا يُدركون ما يفعلون” (لو23: 34). وقد أرسلَ ” الله إِبنَه الأَوحَد، المسيح، كي لا يهلكَ كلُّ من يُؤمنُ به .. لا ليدينَ العالم ( فيُعاقِبَه !) بل ليُخَّلِصَ به العالم” (يو3: 16 -17؛ 12: 47)؛ ” جِئتُ لتكون لهم الحياة، بل مِلءُ الحياة ” (يو10: 10).

أَخطأ الأنسان منذ البدء. ولا يزالُ يخطأ رغم كلَّ المآسي التي تنتجُ عنها. والرب يسوع بدأَ كرازته بدعوة الأنسان الى التوبة ” توبوا فقد إقترب ملكوتُ السماوات” (متى4: 17). و كرَّر نداءَه مُحَّذِرًا :” إن لم تتوبوا فستهلكون كلُّكم مثلهم ” (لو13: 3 و5). والتوبة تغييرٌ للسلوك في العلاقات الأجتماعية. يجب ان نتعَّلم من الله أن نُحِّبَ محَّبة صادقة مثله حتى الأعداء. وأن نتعَّلمَ ألا ننتقم للظلم الواقع علينا بل أن نسامحَ فنغفِر مثل الله لمن يُسيءُ إلينا :” إِغفِر لنا خطايانا كما نحن أيضًا نغفرُ لمن أخطأ إلينا ” (متى6: 12). وإذا لم يتعَّلم الناسُ الدرس وغرقوا في سوئِهم وأصَّروا على رفض كلام الله عندئذٍ يتبَّرَأُ اللهُ منهم فيرفع عنهم حصانتَه، فتستلِمُهم خطاياهم وتُحرِقُهم بنار الندم. لا يريدُ الله موت الخاطي وهلاكَه بل أن يتوب و يحيا أمامه (حز18: 23). لكنه لا يفرُضُ عليه شيئًا ولا يُرغِمه أن يتوبَ بدون رغبتِه وحُرّيتِه وقراره. الرب يدعوه ويُشجعُه ويُعينه، ولكن الا ضِدَّ إرادتِه. يقولُ سفرُ الحكمة :” الله لم يصنع الموت. ولا يسُّرُه هلاكُ الأحياء… لكنَّ الأشرار جلبوا على أنفسهم الموت بأعمالهم وأقوالهم” (حك1: 13-16). كذلك قال إِشعيا عن السبي وعن دمار مدينةِ أورشليم :”  آثامكم هي التي باعتكم، ومعاصيكم هي التي طلَّقت أُمَّكم ” (اش50: 1-2).

والوبــاء  ؟

والأمراضُ والأوبئةُ والكوارثُ كُلُّها طبيعية ُلكنَّها ثمرة خطيئة الأنسان الأولى. لأنَّ الأنسان سيِّدُ الكون. كما أساء التعامل مع الله أساء أيضًا التصَّرُفَ بالخليقة. سمح بها الله كما سمح بخطيئة الأنسان ليُؤَّدبَ ويُدَّربَ الأنسان على البر وعلى إستعمال الحرية بشكل صحيح. فهي كلُّها علاماتٌ تُذَّكر الأنسان بسوءِ سيرته وهشاشة علمه وتقصير تقنيَّتِه وقصور ماله عن حمايته من الشر الذي يُثيرُه ضِدَّه عدُّوُه الدَّجال المَكّار. فنبَّه الأنسانَ ألا يُصيبَه الغرور فلا يُغريه نجاح السوء (مز62: 10) ولا يتباهى فيتكلَ على نفسِه وينسى إلَهَه :” لا تتكلوا على الحاكم ولا على الأنسان، لأنَّه لا خلاصَ بيده ” (مز 145: 3).

كما في خبر الأبن الضال: عرف الأب سوء نيَّةِ إبنِه لكنه أبَى أن يمنعَه إستعمال حُرَّيتِه. لأنَّ مشيئة الأبن هي حياتُه ومُلكُه. تألمَ لآنحرافِه ، وآنتظر عودتَه. ولو لم يرجع الأبن لكان قد فقد حياتَه وغرق في مآسيهِ. ولم يكن الوالد مُستعِّدًا أن يُجبرَه على العودة. فهو ما يزال يحترمُ كرامته في إستعمال حُريّته. لكنه لمَّا تاب وعاد إلى أبيه تمتَّع بحياة أفضل من الأول. منح الله نورًا لبعض العلماء فأكتشفوا من زمان وجودَ فايروسات كورونا، الذي كوفيد 19 هو أحدُ أنواعه، ماذا فعل الأنسان ليدرأَ نفسَه منها ويستعِّدَ لمجابهتها عندما تـتـنَّشط ؟. لم يصرف رُبَّما ولا ألفَ دولار بهذا الهدف بينما صرفَ وما يزال يصرفُ بليونات البليونات في سباقٍ جنوني للتسَّلح بأسلحة الدمار الشامل. عوضًا عن أن تتحاور الدول بينها وتتعاون لبناء صرحٍ أجمل وأأمن عن طريق المحَّبة والتضامن والتسامح والتكاتف في عمل الخير، إنَّها تتنافس وتتصارع على من يحكم العالم ومن يكون أغنى وأقوى وفي حالة أفضل ليفرض رأيه ونفسَه ومصلحته ويُضَّحي بالملايين من أجل ذلك. وقِسْ على نموذج الدول حالةَ الأفراد. يتحَّدثون عن الله كسلعةٍ إعلامية للتغطية على إلحادهم ونواياهم السّيِّئة. حتى في مجابهة الفايروس صار كلُّ واحد يَمْخُرُ في زورقِه، ويتهم هذا أو ذاك.

الفايروس سمح به الله ليوقظنا من غفوتنا. سمح أن ننعزل عن بعضنا لنعود فنختلي معه. ليُلاطفنا على رُكبِه ويمسح دموعنا، ويقول : لا تخافوا. إنما توبوا. لم يَعُد الموتُ يُخيف. بالموت دخل المسيح مجدَه. بالموت أنقذ لصُّ اليمين حياتَه. الموتُ أمرٌ طبيعي وضروري حتى ندخل مجدَ الحياة الأبدية وراحتَها. وسنموت شئنا أم أبينا. ولا يُعَّجلُ الله في ذلك. ما يُخيف أن نكون بعيدين عن الله، أو نديرَ له ظهرنا ونُهملَه ونرفُضَه. الله خالِقنا وينتظرنا في السماء ليُنعم علينا بتلك الحياة التي نحلم بها. فإذا لم نؤمن به، ولم نسمع كلامه، ولا أحببناه كما هو أحَّبنا، ولا إعتذرنا له عن سيِّئاتِنا، ماذا ننتظرُ منه ؟ هل سيسمع صلاتنا التي نرفعها إليه خوفًا من الموت وطمعًا  بحياة حُرَّة كريمة وهنيئة ؟. كما لو كان اللهُ خادمًا ينتظرُ أَمرنا ليُلَّبيَ مطاليبَنا العاطفية! . الله لا يسمع الى الشفاه بل يخترق الفكر والقلب وعندئذٍ : هل يجدُ إيمانًا؟ هل يشعرُ بمحَّبةٍ صادقة؟. وإذا أهملنا للهيب نارخطايانا ، من المسؤول نحن أم هو؟.

الله لا ينتقم. الله لا يغضب حتى يُسيء إلى أبنائِه. الله يغضب على تقصيرهم في سلوكِ طريق المحَّبة، لأنَّهم يجهلون أنَّ وجودَهم ثمرة هذا الحب، ويرفضون أن يتوبوا ويتعَّلموا العيش مثل الله ومعه من الآن في المحَّبة ومتطلباتِها، لأنَّها ستكون هي أبديَتَه !.