جمعة الشهداء والمعترفين

عــيد الشُــــهداء

تتلى علينا اليوم القراءات :  أع 6: 8-15+7: 10-60  ؛  دا3: 25-45 عب11: 3-11، 32+12: 1-2 ؛  متى10: 16-22

القـراءة : أعمال 6 : 8 – 15+ 7: 10 – 60 :– يُجادلُ رئيسُ الشمامسة اسطيفانوس المُتطَّرفينَ من اليهود ويرُّدُ على تُهَمِهم، ويغلبُهم بحكمتِه، فيَتَّهمونه ويرجمونه. أمَّا هو الذي عاين يسوعَ قائمًا عن يمين الله فغفر لهم خطيئتهم.

القـراءة البديلة : دانيال 3 : 25 – 45 :– ينقل لنا دانيال صلاة عَزَّرْيا من وسط النار، مُعترفًا بخطيئةِ الشعب، وبعدالة الله ورحمته.

الرسالة : عبرانيين 11 : 3-11 و 32+ 12 : 1 – 2 :– يمدح الرسول إيمان الأبرار والصِدّيقين ويُقَّدمُ سلوكَهم وأعمالهم نموذجًا لنا نقتدي به.

الأنجيل : متى 10 : 16 – 22 :– يُنبيءُ يسوع عن إضطهادِ المؤمنين به فيدعوهم إلى الصمودِ. فالحَّقُ سيجلو، وكلُّ واحدٍ ينالُ جزاءَه العادل.

عـيدُ المعــترفين  !

هكذا إشتهر عنوان هذا اليوم. مع أنًّ صلواتِ العيد وأجزاءَها تتحَدَّثُ عن الشهداء. إعترضَ عليَّ أحدٌ مرَّةً لأني نظَّمتُ الأحتفال الطقسي على موضوع الشهداء والشهادة، وآدَّعي أن العيد” للمعترفين” لا الشهداء بدليل العنوان، رغم أن تعليمات البطريركية سبقت وأعلنت تغييرَ العنوان وثبَّتت العيد في التقويم بـ ” جمعة الشهداء والمعترفين بالأيمان”، كما يشهد بذلك تقويم هذه السنة. لأنَّ الشهيد هو الذي واجه تحَّديًا وتهديدًا بالموت بسبب إيمانه، فصمد فيه و” آعترفَ بالمسيح ولم ينكرْه” حفاظًا على حياتِه. معترفون كثيرون لم يُقتلوا. لكنَّ الصلاة الفرضية تؤَّكد على الذين إستشهدوا وسُفِكَتْ دماؤُهم. ومن جهةٍ ثانية لا تحتفلُ ولا تُعَّيدُ الكنيسةُ للأحياء حتى لو عُذّبوا من أجل المسيح. لأنَّ الخلاص لا يثبُتُ إلا بالموت. وقد لا يثبُتُ بعضُهم على إعترافِهم. فالكنيسة تُعَّيدُ االيومَ للمعترفين الشهداء. وليس باطلاً أنْ نُعتَتْ كنيسة المشرق بـ ” كنيسة الشهداء”. وقد أعطت منذ بدايات عهدها مئات الألوف من الشهداء. فالمَلِك شابور الثاني (309-379م) وحده قتل في فترة 40 سنة (339-379) مائتي ألف 200،000 من أبناء كنيسة المشرق.

نحن اليوم في 17/ 4، وهو يوم جمعة. ونتذّكرُ ونحتفلُ بذكرى إستشهاد البطريرك شمعون بر صَبَّاعى مع رفاقه الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان الـ 103، في 17/ 4 من سنة 341م (تيسِّران، الكنيسة النسطورية، قاموس اللاهوت الكاثوليكي). مُفارقةٌ جميلة!. وكان أيضًا يومَ جمعةٍ، وأعظم وأقدس جمعة :” جمعة الآلام”. قُتلَ هؤلاء في كرخ ليدان منطقة الأهواز، حيثُ كان مقَّرُ إقامة الملك شابور. وفي نفس اليوم قُتِلَ عشراتُ الأُلوف من المؤمنين في نفس المدينة وفي مناطق أُخرى. وإذ لا يُحتَفلُ في جمعة الآلام إلا بذكرى آلام المسيح، ولا يُحتفل يوم القيامة إلا بمجد المسيح، حددت الكنيسة الأحتفال بذكرى مجدِ هؤلاءِ الشهداء يومَ الجمعة بعد عيد القيامة.

لماذا هذا الأضطهاد ؟

قاد شابور سنة 339م حملة عسكرية على نصيبين ليستعيدَها من الأمبراطورية البيزنطية التي غزتها وآحتلتها في حرب. لم يفلح ورجع خائِبًا. وعرف أنَّ سببِ فشله كان إيمانُ أسقفها مار يعقوب ومعاونه مارافرام وصلواتُهم: المدينة صمدتْ وشابورُ فشل في اقتحامها. ولما عاد الى فارس أظهر حقدًا على المسيحيين. وأرسل الى البطريرك يطلب منه أن يجمع له من المسيحيين ضريبة الرأس مُضاعفةً ليُعَّوضَ عن خسارتِه في الحرب. أمَّا البطريرك فرفض لأنَّ رعاياه فقراءٌ، ولأنَّه هو يخدم المسيح وليس جابيًا للضرائب. كرَّر الملك طلبه. كرَّر البطريرك رفضَه. كان الملك يحترم ويجُّل البطريرك، لعلمه وقداسة سلوكه. لكنه بدأ يُضايق المسيحيين ويُعَّذبهم ويُهَّددهم بالقتل. وقتل منهم بالآلاف ترويعًا وتهدئةً لغضبه. أمَّا  مستشاروه من عبدة النار ومن اليهود فألَّحوا عليه بقتل رئيسِهم شمعون. فآستقدمه إلى مقَّر إقامته في الأهواز. حضر أمامه يوم خميس الفصح. طلب منه الملك أن يسجد له ويعبد الشمس. ردَّ أنه لن يفعل ذلك لغير الله ومسيحه. غضب الملك وقرر قتله في اليوم التالي مع من معه. نال من الملك رغبتَه أن يُقتلَ آخر المجموعة. وكان يُصَّلي ويُشَّجعُ رفاقه كي لا يخافوا ولا يتخاذلوا فينكروا المسيح. كان ذلك في 17/ 4/ 341م، وكانت جمعةَ الآلام.

لماذا جمعة المعترفين ؟

إستمَّر القتل أسبوعًا أو أكثر. وفي الجمعة بعد عيد القيامة طلب شابور من المسيحيين ألا يُظهروا إيمانهم بالمسيح ولا يعترفوا به علنًا فيعفيهم عن القتل. لكنه تفاجأ عندما رأى الآلاف منهم يتقاطرون أمام قصره مُصّرين على إيمانهم و” معترفين ” بالمسيح. لمَّا رأى هذا الأصرار وهذا الأندفاع برغبة الأستشهاد أمرالملك بالتوقف عن قتلهم” لا رحمةً بهم، و لا إيمانًا بالمسيح، بل لكي لا ينالوا شهوتَهم”. ولما بقيت طوابيرُ منهم بلا إستشهاد ” رجعوا الى الكنيسة و أقاموا ” القداس”. فسُمِيَّتْ هذه الجمعة بـ { جمعة المعترفين } (كتاب المجدل، عمرو، ص15-19؛ ماري ص18؛ أدّي شير، كلدو وآثور، ج2، طبعة 2007م، ص92؛ ألبير أبونا، تأريخ الكنيسة السريانية الشرقية ، ج1، طبعة ثامنة 1992م، ص74). وسبقَ كُلَّهم العَّلامةُ إبنُ الطَّيب (+1043م)، الذي دَبَّر الكنيسة في شغور الكرسي البطريركي لفترتين: بين 1016-1020 و بين 1025-1028م، فكتب عن هذه الجمعة يقول :” سمُّوا الشهداء أوَّلًا ” المُقِّرين”( المُعترفين بالمسيح)، لأنَّ شابور أمرَ بأنْ يُقتَلَ من يعترف بالنصرانية. وكان الناس يهرعون، الرجال والنساء والصبيان، ويُقتَلون. وقتل الى يوم الخميس (23/ 4) أُلوفَ الناس، ورفعَ السيف (توَّقف) لِمَا رأى من عِظم الأمانة. فعملوا التذكار عند رفع السيف. وبقي من لم يُقتَلْ ” مُقِّرًا ” على حاله، فسُّموا ” المُقِّرين” (فقه النصرانية، ج2، لوفان، 1957، النص ص101-102). ودعيت هذه الجمعة أيضًا بـ” السعانين الصغيرة “، حيث كان يُقامُ تطوافٌ تكريمًا للشهداء. ويقول ماري” لذا سُمِّيَت جمعة ” مَودْيانِى ܡܵܘܕܝܵܢܹ̈ܐ “، وهم ” المُقِّرون ” (المجدل، ماري، ص18).

الصلاة الطقسية  !

إنَّ الصلاة الطقسية، لاسيما فقرة ” شَبَّحْ في ألـ مَوْتْوا ܫܲܒܲܚ ܕ ܡܵܘܬܒܼܵܐ ” خلطت بين مجموعة شهداء جمعة الآلام وبقية الشهداء على عهد شابور ومن مدن أُخرى إضافةً إلى كرخ ليدان، خاصَّة مدينة كركوك ” كرخا دْ سْلوخ ܟܲܪܟܼܵܐ ܕܲܣܠܘܿܟܼ”. بل وأضافت شهداءَ من القرن التالي فذكرت مذبحة كركوك الثانية لسنة 446م ، على يد القائد طهمزكرد وفي عهد الملك يزدجرد الثاني (438-457م). وذكرتْ أسماءَ شهيدين: إسحق أسقف كركوك وهو على عهد شابور الثاني وفي المذبحة الأولى، وشيرين مع ولديها، أيضًا من كركوك، ولكن في المذبحة الثانية (446م)، أي بعد مائة سنة من إستشهاد اسحق.

وتقول إحدى الترانيم : ” صرخ الشهداءُ بإيمان : لا نارٌ ولا سيف، لا دولةٌ ولا حياة تقدر أن تفصلنا عن محَّبةِ يسوع ملِكِنا (رم8: 25-39)، الذي ذاق الموت من أجل كُلِّنا. لك المجد يا رب. لكَ المجدُ يا آبنَ الله ، مُبارَكٌ من نَصَّرَ خُدّامَه “. وقالت غيرُها :” المسيحُ مُخَّلِصُ العالم. الذي تأَلَّمَ من أجلنا بنعمةٍ منه. وخَّطَ درب الملكوت: في إِثْـرِه جرى الشُهداءُ، وقَدَّموا أجسادَهم للنَشْرِ و الحرق ِ والتنكيل، وآقتنوا بدماء رقابهم حياة موعودة للأبد “. وكَمَّلتها ترنيمة ثالثة، قالت : ” الشهداءُ مدعوون الى ملكوت العُلى وإلى الحياة الأبدية. إلى ما لم تسمع به أُذنٌ، ولا رأتها عينٌ كما هو مكتوب، ولا خطر على قلب بشر(1كور2: 9) النعيمُ الذي بدأ الظافرون، مُحِّبو المسيح، يتمتعون به “. ورفعت ترانيمُ أُخرى المجد لله على كرمِه بتقليد كنيسته بأوسمة الشرفٍ والمجد، قالت :” مُبارَكٌ الرَّبُ الذي نزل مع خُدّامِه الى ميدان الجهاد فظفروا بقُـوَّتِه على كلِّ العذابات والضيقات والأضطهادات، وضُفِرَ إكليلُهم في العُلى*. فـفي تذكارالشُهداء تفرحُ الكنيسة ويبتهجُ أبناؤُها، وترفعُ المجدَ للمسيح مُكَّلِلَهم”.