الأحد الجديد،الثاني للقيامة

عـيد الرحمــة الألهــية

تتلى علينا اليوم القراءات :  أع4: 32–5: 11   ؛    اش55: 4-13 كول1: 1-20   ؛   يو20: 19-31

القـراءة : أعمال 4 : 32 – 5 : 11 :– يشهد عن سلوك المسيحيين الأولين في المحَّبة والرحمة بتقاسمهم الخيرات، ويخبرعن دورالروح القدس في حياتهم وإرشادهم

القـراءة البديلة : إشَعيا 55 : 4 – 13 :– المسيح الموعود من نسل داود سيقود العالم بالرحمة والغفران. هذه هي مشيئة الله وكلمته ولا يقف شيءٌ في وجه تحقيقها.

الرسالة : كولسي 1 : 1 – 20 :– يمدح بولس إيمان أهل كولسي ويحمدُ اللهَ عليه، و يُشَّجعُهم فيدعو لهم بالثبات على الحق وعلى الصبر في السلوك الجَّيد.

الأنجيل : يوحنا 20 : 19 – 31 :– يتراءى يسوع للرسل يوم القيامة ثم أسبوعًا بعدَه و يُثَّبتُ توما في إيمانه، ويمدح الذين لم يروه وآمنوا به تَبَعًا لشهادة الرسل.

جديدُ القيامة !

يُدعى هذا الأحد بـ “الجديد”. جديدُ الحدث الفريد من نوعه. مَيِّتٌ يرجع الى الحياة ويعيشُ بشكل جديد: يظهرُ متى يشاء، ويُظهرُ نفسَه لمن يشاء. لا أحد يتحَّكمُ فيه وهو يتحَّكم في كل شيء ويفعلُ كلَّ ما يشاء، ويُعطي لمن يؤمن به ويتبعه أن يفعلَ مثله، فيشفيَ المرضى (أع 3: 6-8)، بل حتى يقيمَ الموتى (أع9: 36-42). جديد الأنسان في معرفة الله والأحساس بمحَّبتِه ورحمته وغفرانه. عهدٌ جديد أشرق على الأنسان علَّمه أن يعيش في المحَّبة وفي المسامحة. لقد تبَّنى اللهُ الأنسان وجعله وارثًا لسُلطانه (متى28: 18-19) ولخيراته (غل4: 7؛ رم8: 15-17؛ أف1: 5؛ 1يو3: 2). لم يبقَ الأنسان بعد صورة فقط لله، بل أصبح إبنًا يُقاسمُ اللهَ حياته وما له. إتَّخذ اللهُ الأنسان هيكلا لسكناه كي يعيش الأنسانُ حياة الله (2كور6: 16؛ 1كور6: 19). أصبح الأنسان ” خليقة جديدة ” (2كور5: 17).

فالقيامة جدَّدت الخليقة كلَّها. فمن عبودية ابليس تحَرَّرت، بقُوَّة قيامة المسيح، وعاد الأنسان فأطاع الله في المسيح. فأعاد الله، كلَّ من ينتمي الى المسيح، إلى برارته الأولى يتمَتَّعُ برفقة الله ومجده ونعيمه. كان الأنسان ” ضًالا فوجد ومائتًا فعاش” وآستعاد كرامة البُنُّوةِ لله ونيل خيراتِه (لو15: 22-24). قال الكتاب :” نفخ الله في أنف آدم نسمة الحياة، فصار نفسًا حَيَّةً” (تك2: 7)، لكنه خسر رفقة الله (تك3: 17-24). أما المسيح، آدم الجديد، فكان روحًا يُحيي ” (1كور15: 45). لقد نفخ الله من جديد في الأنسان لا فقط الوجود بل روحَ الله نفسِه، حياة الله. كان ذلك يوم القيامة. قال الكتاب: ” ونفخ في وجوههم وقال لهم : خذوا الروح القدس. من غفرتم له خطاياه ( كما فعل يسوع نفسُه) تُغفَرُ له. ومن منعتم عنه الغفران يُمنعُ عنه” (يو20: 22-23). فنال الأنسان روح الله وسُلطانه.

سبقتْ هذا النفخ والعطاء تنقيةُ الأنسان من آثار الخطيئة الأصلية بإعلان الله غفران خطيئة البشر” يا ابتاه إغفِرْ لهم..” (لو23: 34)، ” فكان لنا في المسيح الفِداءُ بدمه والصفحُ عن الزّلات ..” (أف1: 7)،” ليخلقَ في شخصِه من هاتين الجماعتين (اليهود والوثنيين)، بعدَ ما أوقع السلام بينهما، إنسانًا جديدًا، ويُصلحَ بينهما وبين الله، وقد قضى على العداوة بصليبِه” (أف2: 15-16). فعادت البشرية المنقسمة بين عِبادِ الله وعبيدِ الشيطان إلى رعية واحدة لله بالمسيح (يو10: 16). هكذا زال بقيامة المسيح ” كلُّ شيءٍ قديم ، وها هو كلُّ شيءٍ جديد” (2كور5: 17).

أعطاه الله الروحَ بغير حساب !

طرأ بالقيامة تغييرٌعلى الخليقة. أعطت القيامة نفخة جديدة للكون، لاسيما للأنسان. فالأيمان بالمسيح يخلقُ الأنسان من جديد. كانت خلقة آدم بالجسد. أما القيامة فتخلق الأنسان في الروح. لا فقط عاد الأنسان الى كرامته الأولى وآستعاد براءَتَه الفردوسية، بل ونال على ذلك نعمة إضافية منَّ بها اللهُ عليه، وهي أن ” نفخ فيه الروحَ القدس”. لقد أحَّلَ روحَه نفسَه في الأنسان المُؤمن والمُعَّمَد (1كور3: 16؛ 6: 9). أصبح الأنسان يسلكُ مثل الله سبيل الروح (رم8: 4-9)، الذي يقودُ من الآن وصاعدًا البشرية في درب روح الحياة (غل5: 17). هذا الروح يجعلُ المؤمنين ويُصَّيرُهم أبناء الله. كما لبس إبنُ الله، الكلمة الأزلي، صورة الأنسان (في2: 7)، وصار أخًا بِكرًا لجميع البشر(رم8: 29)، هكذا جعل المؤمنَ به صورةً لله وآبنًا وارثًا له.

كان الرب يسوع قد وعد رسله أن يُزَّوِدَهم بهذا روح الحَّق الذي” يُؤَّيدُهم و يبقى معهم للأبد” (يو14: 16؛ 15: 26)، يُذَّكرُهم بكلام المسيح ويُعَّلمُهم ليفهموه (يو14: 26) ، و يرشدُهم الى الحقيقة كلها عبر الأجيال وحسب ظروف الحياة (يو16: 13). ولاسيما يشهدُ للمسيح (يو15: 26) ويُخزي العالم على الخطيئة وعلى الحكم والبر(يو16: 8-11). هذا الأنسان الجديد، الذي إشترك في حياة الله ويعملُ فيه الروح القدس وينطق بلسانه (متى 10: 20)، لا يخضعُ لشريعة ” الشيخوخة” الأولى فلن يعتقَ بعدُ. و” كلُّ شيءٍ قدُمَ وشاخَ يُصبحُ قريبًا من الزوال ” (عب8: 15). بل يُحافظُ على نضارةِ شبابه الروحية. لأنَّ الله لا يشيخ. والله حلَّ في الأنسان. فالأنسان الجديد في المسيح “.. الباطن، يتجَدَّدُ يومًا بعد يوم ” (2كور 4: 16)، بقُوَّةِ الروح الإلهي الحال ِ فيه (طي3: 5). ويفتحُ الدربَ هكذا أمام الأنسان ليتمَتَّعَ بالحياة في عالمٍ جديد لا يبقَى فيه ” وجودٌ للموت ، ولا للبكاء ولا للصراخ ولا للألم” ( رؤ 21: 4). فقد أعطى الله للبشر، بالمسيح، الروحَ بغير حَّـد (يو3: 24)!.

كان مائِتًا فعاش !

إنَّ الصلاة الطقسية، المنسوجة من الآيات والتعاليم الكتابية، تُرَّكزُ على أنَّ الجديد في قيامة يسوع المسيح ينحصرُ في حلِّ سُلطان الخطيئة وكسر شوكة الموت وإبطاله، وبذل حياةٍ جديدة. فبالمعمودية نزعنا عنّا إنساننا القديم ولبسنا المسيح (غل3: 27)، وآنتمينا إليه لأننا ” مُتنا مع المسيح عن الخطيئة (غرقنا في الجرن، قبر العماد) ثمَّ قمنا معه لحياةٍ جديدة ” (رم 6: 2-4). لقد إنتشَلنا الله و” أتانا الظفرعلى يد ربّنا يسوع المسيح” (1كور15: 57). أعطى الله الأنسانَ الحياة منذ البدء. لكن ابليس سلبها منه إذ أغواهُ فحَرَّضه على مخالفة إرشاد الله. ولمَّا أخطأَ الأنسان لم يبقَ أمامه سوى الموت، أي الهلاك بسبب حرمانه من صداقةِ الله. و بالخطيئة دخل الموت ، وجرى الهلاك على جميع نسل الأنسان (رم5: 12-18). وكنتيجة حتمية سادت الخطيئة بسبب الموت، وظلَّ الناس بسبب الخطيئة يموتون. هكذا كان الأبن الضال ” مائتًا بسبب الخطيئة ” (لو15: 23). وهذا هو حالُ جميع الناس (أف2: 5).

أمَّا بموت المسيح وقيامته فقد ” نُبِذَ ابليسُ سَّيِدُ هذا العالم” (يو12: 31)، وحُكِمَ عليه وجُرِّدَ من كلِّ سلطانه وآمتيازاتِه (يو16: 11). حتى صَوَّرَته إحدى الترانيم الطقسية يتحَسَّرُ فيتأَّوه كالآتي: ” الويلُ لي أصبحتُ هُزءًا لآدم وبنيه…لقد ديسَتْ قوَّةُ سلطاني كلَّها. لأنَّ المسيح قام من بين الموتى وأنار العالم كلَّه .. فيسوع حَلَّني من سُلطاني، وسلبَ ممتلكاتي من يدي، و وَزَّعَ بقيامته الحياة لجميع أبناءِ جنسِه ” (حودرا2ص445). وهكذا سادت النعمة، بالمسيح (يو1: 16؛ رم5: 21)، فنال جميعُ الناس الحياة (رم5: 18؛ أف2: 5)، لأنَّ الأنسان الآدمي ” كان مائتًا فعاش، وضّالا فوُجد”. ولهذا صرخ بولس الرسول بكل قُوَّتِه “: أينَ ظفرُك يا موت؟. أينَ شوكتُك يا موت ؟. . الحمدُ لله الذي أعطانا الظفرَ عليه على يد ربّنا يسوع المسيح “( 1كور15: 55-56).

من ملئِه نلنا نعمةً فوق نعمة ! يو1: 16

وهذه النعمة لن ينزعها ابليس بعدَ اليوم عن البشر.  فالحياة الأبدية الألهية مضمونة لكل من يؤمنُ بالمسيح (مر16: 16). إنَّ ثوبَ المسيح، في الحق والبر، الذي لبسناه في العماد لن يُنزعَ عنّا ابدًا. حتى لو نزعنا عنّا ثوبَ الأيمان الظاهري (حودرا2 ص450). لأنَّ القيامة لن تتراجع عن توزيع أفضالها وخيراتها، وطوبى لمن يقتني منها. قد يتغَيَّرُ بعضُ الناس و يجحدون من جديد نعمة الله لكنهم ليسوا بعد عبيدًا لابليس. لقد غلبوه بالمسيح وتحَرَّروا من قيود نيره، فيستطيعون أن يقاوموه. لم يبقَ لابليس دينٌ على الأنسان، فقد دفعه عنه المسيح بطاعته. وعرف الأنسان دَجَله وخباثتَه فلن يُضطَّرَ الى السماع له. والمسيح واقف بظهر كلِّ مؤمن. لذا لن يستعيدَ الله موهبته ولن يحرمَ منها ايًّا كان.

وتختم إحدى الترانيم الطقسية وتقول :” إحذروا الشّرير لئلا يغويَكم كما فعل مع آدم. ولا يُبعِدَكم عن ملكوت المجد والراحة. لقد جعل ذاكَ غريبًا عن الفردوس، ويُحاولُ أن يُغَّربَنا عنها نحن أيضًا. مُدُّوا أيديَكم أيُّها المائتون وتناولوا ، وتنَّـقوا، وآقتنوا الحياة ، وآملكوا مع المسيح ، وهَّـلِلــوا !” (ح2 ص450 ).

هَّــللـويا  ! هَّــلِلــويا  !  هَّــلِلــويا  !