موقع: قلب مريم المتألم الطاهر

إطَّلعتُ في الفترة الأخيرة على بعض مقالات للموقع إستغربتها ، حتى لا أقول إستنكرتها لأنَّ كلَّ واحد حُرٌّ أن يفكر ويعتقد ما يشاء ويختار طريقه في الحياة، فالرَبُّ أعلنَ تعليمه و عرضَه دون أن يفرضَه (يو6: 66-69)، بعضُها تُشَّككُ في الكنيسة وفي تعليمها وغيرُها تتَّهِمُها بالضلال والشر فتُحَّرضُ علنًا على عدم طاعة الكنيسة بعباراتٍ كالتالية :” هذه تصريحاتُ الكنيسة المُزَّيفة الجاحدة ” وأُخرى :” فهل يجبُ طاعة الضلال والشر”؟. وقد تطَّرقَ إنتقاد صاحب المقال الى مواضيع : التناول باليد ، وشرعية إستعمال اللقاح ضد كوفيد 19، كما بثَّ أفكارًا غريبة بآسم لويزا بيكّارّيتا، الرائية التي سَجَّلت حوارًا مع يسوع المسيح بين سنة 1899 و1937 ولم تثَّبتها الكنيسة بعد رسميًا ولا أعلنتها طوباوية. فنسب الكاتب إليها قولاً ليسوع :” أُريدُ أن أُجَّدِد … حُبّي عظيمٌ جِدًّا. وعندما لا أستطيعُ أن أنتصرَ بالحُّب والنِعَم، أُحاولُ أن أُحَّققَ إنتصاري بالخوف والرعب ..”.

بالخوف والرعب ؟

ماذا يعني هذا الكلام؟. للمتعمق في الروحانيات يسهلُ فهمُه. ولكن قد ينتج في البسطاء أو الغرباء عن المسيح حُجَّة للأنزلاق نحو العنف والأرهاب. الله وصَّى وأمرَ أن ” لا تقتُل” (خر20: 13) حتى ولا الخاطيءَ والشّرير (حز18: 23) ولا يزال الملحدون أهل العالم يُبررون القتل بألف حجّة منها ” إيقافًا للشر و منعًا لتكاثر الأشرار” غطاءًا للآنتقام أو لتصفية حساب. رئيسُ أعظم دولة تقَّدمُ نفسَها حاميةً للديمقراطية والنظام حثَّ أتباعَه على الثورة ومخالفة القانون بقلب نتائج الانتخابات، بآسم إنقاذ البلد من الفوضى، وسبَّب موت مواطنين وأضرارًا لأملاك البلد !!. ولمَّا رآهم يُكَّسرون قال ” انتم أبطال. نحن نحِّبكم “!. حتى ألزموه بأن يأمرهم بالعودة من حيث أتوا. ودخل من المتظاهرين السجن مئاتٌ وقد يلحقُ بهم غيرُهم، بل ومظاهرات أُخرى. ثم نافق الرئيس ولامهم وتنَصَّل من مسؤولية ما حدث. فمن يتبع الحَّق ويريد أن يبني يمتنع عن الأهانة والأستفزاز والكذب ولاسيما زرع الرعب. في بستان الزيتون رفض يسوع الرعب والقوّة حتى دفاعًا عنه فمنع سفك الدماء. في حين صَرَّح أنه قادرٌ على أن يحمي نفسَه بل ويبيد أعداءَه بأن يستدعي قواته السماوية وحتى أن يفنيهم بكلمة واحدة!. وكانت وصيته الوحيدة :” أحبوا بعضكم بعضًا “. و أليس بالحب حمل الصليب وآلامه ليُخَّلصَ؟. إنَّ عبارة لويزا ناقصة فمقلقة، مُعَّكرة للأيمان !!.

التناول باليد !

لا أنوي أن أرُدَّ على مغالطات الكاتب إذ خلطَ بين العقل والعاطفة، بين الجوهر والعرض أو القشرة. إدَّعى أن التأريخ يشهد على التناول بالفم وأن الأحترام للقربان كان بالركوع وغيره من مظاهر التقوى. صحيح والكنيسة تُعَّلم ذلك دومًا ولم تُجز الأستهتار وعدم إحترام القربان. أمَّا إيمانيًا فنسي أن يذكر أنَّ المسيح ناولَ تلاميذه على اليد وليس في الفم :” وناول تلاميذه فقال : خُذوا كُلوا، هذا هو جسدي” (متى26: 26). طلب منهم حركة إيمانية بأنه قوتٌ روحي يستعملونه من بعده. وكانوا جالسين للطعام لا واقفين ولا راكعين (لو24: 30) . خلط الكاتب الموَّقر بين طريقة التناول وبين إحترامِه. الكنيسة ناولت باليد حتى في الغرب مدة قرون قبل أن تُغَّيره بسبب الوباء أيضًا لئلا يصبح التناول سببًا لنقل المرض وموت المصابين، بينما جسد المسيح هو للحياة!. وحافظت بعض الكنائس الشرقية على التناول باليد دون آنقطاع الى يومنا. وملفانٌ في الكنيسة مثل القديس مار أفرام (+373) لا يترَّدد في دعوة المؤمنين للتناول قائلا :” خذوا القُدْسَ في أَكُّفِكم “(كف اليد).

أما إحترام القربان فقد شدَّدت عليه الكنيسة ولا تزال. ولاسيما على قداسة السيرة ونقاوة الضمير. إنَّه موقفٌ باطني روحي أكثر من أن يكون مادّيًا جسديًا. الجسد يشترك مع الروح أو بالحري الروح يتحرك بواسطة الجسد. لكن يبقى المهم الفكر والقلب اللذان يوَقران الرب لا الجسد، إذ منهما يخرج الخير والشرٍ(متى15: 19). والكنيسة تنَّظم أُمورَها ، كما خَّولها الرب فتحل وتربط (متى16: 19؛ 18: 18)، حسبما تراه يبني أكثر حياة الأيمان حسب ظروف الزمان و المكان والأفراد قبل أن تُرَكز على المظهر. الرب معها (متى28: 20)، فلا يتزعزع إيمانها (لو22: 32)، والروح القدس يُرشدها الى الحَّق كله (يو16: 13).

الفاتيكان ولقاح الكورونا !

نقل موقع ” قلب مريم …” عن موقع www.bbc.com/news الذي نشر مقالا إخباريًا مُقتضَبًا، إختصره عنوانٌ من سطرين وتابعه شرحٌ نقلَ عبارات من نص القاتيكان وليس إعلانه الكامل، كما يقتضي الأُصول في نشرةٍ  إخبارية مكتوبة. أعطى الناقلُ رابط إعلان الفاتيكان دون أن يُكَّلفَ نفسَه، على ما يبدو، قراءَته كاملا حتى يستطيع أن يستغِلَّه فرصَةً للطعن بالكنيسة والرؤساء وحرض الناس على عدم طاعتهم. أما الأعلان فوثيقةٌ من ست فقرات طويلة، أُ ختصرُها هنا لفائدة القُرّاء الكرام، ولكن بعد الكلام الآتي.

كان إعتراض الموقع أنَّ لقاح كوفيد19 إستخدم “خطوط الخلايا الجَنينية المُجهَضة” وآعتبر إستعماله هرطقةً لا تُغتفَر. لا يجوز تأييد الكنيسة وآستعمال اللقاح. أسألُ الكاتب :” هل الجنينُ المُجهَض هو ميِّتٌ أم حَّي؟. إذا كان مَيِّتًا وروح الطفل في السماء فما نفع الجسد الهامد؟. وأَيُّهما أفضل أن يبلى في القبر أم أن يُستعملَ دواءًا لأنقاذ حياة الآخرين؟. أ لا يتبرَّع الناسُ بأعضاء من جسمهم لغيرهم لأنقاذ حياتهم؟. وحتى يوصي البعض أن يُؤخذ من جسمه كلُّ الأعضاء النافعة ولا يدفنوا من جسده غير الهيكل الظاهر؟. هل تلك كلها هرطقات؟. أو هل فقط لأن الفاتيكان أعلن الحقيقة أن اللقاح لا يعني الأجهاض نفسَه، وأنَّ من يناله لا يد له ولا مسؤولية بالأجهاض؟.  فيما يلي إعلان الفاتيكان.

1.   أُستعملت في تحضير اللقاح” خطوط من خلايا جنينية مُجهَضة ” في القرن الماضي

. وتمَّت دراسة في 6/5/2005 في زمن سارس SARS أساس الوباء الحالي، وصدرت تعليمات منذ 8/9/2008 بخصوص إحترام كرامة الشخص. وتهتم الكنيسة بأخلاقية استعمال اللقاح ومُستعمِليه أكثر من أخلاقية صُنعه. ولاسيما درست درجة التعاون في شَّر الأجهاض وشَّر الأستعمال ومسؤولية من قرَّر إستخدام الخطوط وهو يختلفُ عن مسؤولية من لا صوتَ لهم في القرار.

2.   في المناطق التي لا توجد فيها لقاحاتٌ أخلاقيًا جيّدة، أو لا توَّزع لصعوبة نقلها

وحفظها، أو توجَد لقاحات من النوعين، ولا تسمح الدولة للأختيار بينها، مسموحٌ أخلاقيًا قبول لقاح ” كوفيد 19″.

3.   السببُ الأساسي للحكم على شرعيةِ إستعمال كذا لقاح هو” نوعيةُ التعاون مع الشَّر

أي في الأجهاض عن كثب، للحصول على الخطوط ، مقابل أولئك الذين يستعملون النتائج عن بُعد. إلواجبُ الأدبي لتجَّنب مثل هذا التعاون المادي السلبي ليس مُلزِمًا عند وجودِ خطرٍ كبير. في هذه الحالات كلُّ اللقاحات، المُعلَنَة مُختبَريًا سالمة وفعَّالة، يمكن إستعمالُها براحة الضمير. مع معرفة أنَّ ” إستعمال كذا دواء لا يُعتَبَرُ تعاونًا مع الأجهاض”. فآستعمالُ لقاحاتٍ من هذا النوع، في ظروفٍ خاصّة جعلتها هكذا، لا تُبَّرِرُ بذاتها، حتى ولو بطريقةٍ غير مباشرة، ممارسة الأجهاض ولا يتطلب أن يعترض عليه مستعملوا هذا اللقاح.

4.   مُستعملوا اللقاح لا مسؤولية لهم فيه. تُشَّجَعُ شركاتُ الأدوية ومنظمات الصحة

الحكومية على إنتاج وترخيص وتوزيع وتقديم لقاحاتٍ مقبولة أخلاقيًا، التي لا تخلقُ مشاكل الضمير لا لموظفي الخدمة الصحية ولا للشعبِ المُلَّقَح.

5.   ليس اللقاح أدبيًا مُلزِمًا بل إستعماله إختياريٌ. ومن وجهة نظر الأخلاق إنَّ أدبية

اللقاح تتعَّلقُ لا فقط بواجب حماية الصحة الفردية الخاصّة، بل أيضًا بواجب متابعةِ الخير العام. في غيابِ وسائلَ أخرى لأيقافِ أو حتى لتجَّنبِ الوباء يَطلَبُ الخيرُ العام التلقيح ، لاسيما لحماية الأضعف والأكثر عرضَةً للخطر. وعلى أيَّةِ حال من يرفُضُ، بسببِ الضمير قبولَ هذا اللقاح عليهم أن يعملوا جهدَهم ليتجنبوا، بوسائل أخرى وبسلوكٍ خاص، ألا يُصبحوا عرباتٍ لنقل وسائل الألتهاب. وعليهم خاصّةً أن يتجَّنبوا أيَّ خطر لصِحة من لا يقدرون أن يتلَّقوا اللقاح لأسبابٍ صِحّية أو غيرِها، ومن هم أكثر عُرضَةً للإصابةِ.

6.   توَّجهُ الوثيقةُ مصانع الأدوية والمنظمات الدولية لتوفير أدويةٍ فعّالة ونظيفة من

وجهة نظر الطب، ومقبولة أخلاقيًا، وتحصلُ عليها الدول الأفقر بطريقةٍ غير مُكلفة. عدمُ إمكانيةِ الحصول على اللقاح قد ينقلبُ الى مظهر العنصرية والظلم التي تحكم على البلدان الفقيرة أن يعيشوا في فقرٍ صِحّي وآقتصادي وآجتماعي.  

  وثيقة مجمع عقيدة الأيمان في 17/12/2020 أمر البابا بإصدارها في 21/12/2020          

     ولما نشرت بي بي سي هذا الخبر قدَّمت له كالآتي  :

     – في غيابٍ لقاحٍ بديل، لقاحٌ مثل هذا يمكن أن يُستعمَل بضمير مُرتاح، قال الفاتيكان ؛

     – وأضاف أنَّ هذا لا يعني تعاونًا إيجابيًا مع النتائج التي حصلت ؛

     – لقاحات عديدة مُرَّشَحة طُوِّرَتْ بآستعمال خلايا آتية من أَجِنَّةٍ مُجْهَضَة قبل عقود ؛

     – على أيَّةِ حال لا توجدُ خلّيَةٌ جنينية في أيِّ نوع ٍ من اللقاحات.