الأحد الثاني للدنح

 تذكار مار أنطونيوس الكبير مُنَّظم الحياة الرهبانية

تتلى علينا اليوم القراءات  : اش45: 11-18؛ عدد10: 29- 11: 10 عب3: 1-4: 7 ؛ يو1: 1-28

القـراءة : إشَعْيا 45 : 11 – 18 :– يُنبِيءُ إشَعيا بعودةِ الشعب من السبي و بإِعمار البلاد.ِ وهذا يشهدُ للإله الحَّق ويحملُ الوثنيين على الأيمان بإلَهِ اليهود.

القـراءة البديلة : عدد 10 : 29 – 11 : 10 :– يتعاونُ حوبابُ حمو موسى مع بني إسرائيل فيُريهم طريقَ الأمان. ويقودُهم الله بواسطةِ الغمام الناري.

الرسالة : عبرانيين 3 : 1 – 4 : 7 :– مقارنةٌ بين موسى ويسوع. موسى هو خادمُ البيت، أمَّا يسوع فهو رَبُّ البيت. وبيتُ الله هو نحن المؤمنين.

الأنجيل : يوحنا 1 : 1 – 28 :– يقَّدِمُ يوحنا يسوعَ أنَّه كلامُ الله، مصدرُ الحياة ونورُ الحَّقِ والخلاص. كلامُ الله هذا صارَ إنسانًا وحَلَّ بيننا فرأينا مجدَه ونِلنا نعمته.

                             لِنَقْرَأ كلامَ الله بآجتهادٍ وآنتباه

 

الصلاة الطقسية

تنهلُ الصلاة من نبع عماد المسيح وتُسقي حقلَ معموديتنا. العماد منارة نوَّرَت وجه التأريخ وغيَّرت فجَدَّدتْ معالم الحياة. لمَّا كان الترابُ العامودَ الفقري للأنسان الأول، أصبح هذا الأنسان من الآن وصاعِدًا، في المسيح، يولد روحيًا من الماء لحياةٍ جديدة. والحياة الجديدة تنهلُ  من أنوار سِرِّ الله المُشِعَّة على الثالوث وتغرفُ من كنوز المعمودية التي لا تنضب. أصبح اللهُ مع البشر، وكشف لهم ذاته ودعاهم الى التألُه بمشاركة حياته. فتدور صلاة اليوم على هذه النِعَم الجديدة التي نالها الأنسان دون أن يتوَقَّعها أو يطلبَها.   

الترانيم المحور الأربع

1+ ترنيمة الرمش : ” مَرَّاتٍ كثيرة وبمختلف الوسائل كَلَّمتَ آباءَنا من قديم الزمان. و

     علَّمتَهم أن يسجدوا لطبيعتِك الخفية وغير المنظورة. وفي الأيّام الأخيرة كلَّمْتَ جِنسَنا

     على يد إبنك الصادق. وبه عَرَّفتَنا أنَّ لاهوتك المجيد يُكَرَّمُ بثلاثة أقانيم. ترفعُ لك المجد

     جميعُ أجواق الملائكة والناس الذين تجَدَّدوا بالمسيح ” *.

2+ ترنيمة السهرة : ” يا رب، إِيَّاكَ تحمدُ رعِيَّتُك لأنَّك تنازلتَ إليها بمراحمك وأخذتَ من

     جنسِنا عربونَ الأمن بسبب حُبِّكَ، و وَحَّدْتَه بأُقنومِكَ الألهي لأجل إتمام تدبيرك. إنه سِرُ

     خلاصنا المجيد والذي لا يُوصَف. وهو حبَ لاهوتِك العظيم إِذ أصبحتَ وسيطَ المراحم

      لأبنائِها. و رئيسَ أحبار به غُفِرَت ذنوبُنا  نعمةً منه ” *.  

3+ ترنيمة الفجـر :” تباركَ المسيح الذي قَدَّسنا بعمادِه، وأعطانا رمز الحياة الأبدية ” *.

4+ ترنيمة القداس :” هَيَّأتَ لنا بعمادِك أيُّها المسيح ينبوعَ الخيرات والملجأ الأمين. وأعّدْتَنا

    إليك من الزيغ الباطل لضلال الأصنام المنحوتة. وقَلَّدْتَنا المعرفة الكاملة للأقانيم المجيدة  

    الآب والأبن والروح القدس أي الطبيعة الألهية. ولذا نُمَّجدُك كلُّنا بالمزامير والتسابيح.  

    يا من وحدَك صالح ” *.

التعليم

ولأن الله معنا فلا يحتاج إلى الوسطاء، الأنبياء، ليُحَّدثنا (عب1: 1). صرنا الآن ” نراه كلَّ حين ونسمعه ونلمسُه ونتأمله..”(1يو1: 1-3). الله الذي كُنَّا نتصَوَّرُه خَفِيًّا بعيدًا وسَيِّدًا مُخيفًا لمسنا الآن حُبَّه العظيم، وعرفنا أنَّ عظمته وجبروته تتكاملُ وتتفاعل مع حياتِه و معرفتِه. إنَّه يمتلكُ من ذاتِه، أي هو الحياة والعلم والقدرة، بدرجة الكمال. فحياته لا يعوزها شيء. فلا تحتاجُ ولا تتألم، ولا تنتهي.. ويريد للأنسان أيضًا حياة لا تعرفُ ” لا الموت ولا الحزن ولا الشدة ولا الوجع ..” (رؤ21: 4 و23-24). ومعرفَتَه لا يأخُذُها من أحد. بينما يقوم علمُ الأنسان على كشفِ ما صنعه الله بحكمة فائقة لا يقدر الأنسان أن يسبرَ غورَها. معرفتُه لا يعوزها شيء، لا يجهل، لايحتار، لا حدود له. هو حَدَّدَ خفايا اسرار الكائنات، خفايا قلبها وفكرها، “نرى أنَّك تعرفُ كلَّ شيء ولا تحتاج الى أن يسألك أحدٌ عن شيء” (يو16: 30). وقدرته أيضًا لا تُحَّد ولا هي قاصرة في شيء، كفوءٌ لذاته ومن كفاءته أفاض حاجات كلِّ الناس. إنَّه ” قديرٌ على كلِّ شيء “(متى19: 26؛ لو1: 37؛ رؤ4: 8). ويُعطي للأنسان أيضًا أن يفعل بآسمه تعالى ما لا يقوى عليه بقواه الطبيعية (في4: 13). جدَّدَنا بفيضِ حبِهِ و وَحَّدَنا بأُقنومه (السهرة)، فجعلنا شبه آلِهة (يو10: 34؛ مز82: 6).

وعن المعمودية قالت إحدى الصلوات:” ..وقدَّسَها (المياه) وأكسبَها قوَّة الروح لتُعطي الحياة .. إذ جعلها حِضْنًا تلدُ الناسَ روحِيًّا”. مع آدم إنغلقت الفردوس في وجه الأنسان. أما على يد المسيح فآنفتحت السماءُ للمائتين” (المدراش). صارت المعمودية وسيلة لتحُلَّ بركات الله و أنعامُ السماء على الأنسان. حتى قالت ترنيمة أنَّ ” فَمَنا قاصرٌ عن مجدك. ولساننا عن تعظيمك. لأنك لأجل خلاصِنا تمَدَّدَتَ في المذود، ولغفراننا إعتمدتَ في الأردن، ولنصرتنا إرتقيتَ الصليب، ولتجديدنا ذُقتَ الموتَ، وصالحتَ الخلائق بدمك”. فكَّملَتْها ترنيمة أُخرى :” لنعتمد مثله (يسوع) معتقدين بثلاثة أقانيم الآب والأبن والروح القدس، طبيعة واحدة و قدرة واحدة لا تُحَّد ..” وكمَّل المدراشُ وصف المعمودية فقال:” رأى الصالحُ أنَّ صورتَه ( الأنسان) كُرِهَ لآثْمِه، صَبَّهُ بكور الماء فغسل قباحَته وطلى تركيبَه بذهبِ الروح القدس..”.

الصلاة

ما قرأناه يكشفَ سِرّ الله العظيم وتدبيرَه لخلاص الأنسان. فقالت ترنيمة في نهاية صلاة الصبح َ:” يا مُخَّلِصَ الكل أزلتَ بعمادِك دنس طبيعتنا وطهَّرتنا وقدَّستنا بغسلِكَ ودعوتنا وُرثاءَ في العلى. فتشكرك رغيَّتُك وترفعُ المجدَ لسيادتِك لأنك أنقذتها بنعمتِك  من الشّرير وآستَحْقَقْتَ لها ملكوتَك “. تدعونا الكنيسة بطقوسِها وفقرات الصلاة إلى التأمل في عظمة ما صنعه الله للأنسان. لا لينتفعَ منه. ماذا بوسع الأنسان أن يُعطيَ لله ما يُغنيه أكثر مما له؟. بل جلَّ ما فعله، ولا يزال يفعلُه له، ليَنفَعَ الأنسان فيُزَّوده بما يسندُ جهاده فلا يعودَ عبدًا للجسد وما يشتهيه، ولا للشيطان وما يصبو إليه، ولا للعالم ومُغرياتِه، بل يسمو مع يسوعَ المسيح الى المقام الروحي و الألهي لكي يحيا في الكرامةِ والراحة والهناء. تدعوه الى حمد الله و شكره والأستمتاع بأفضاله، والشهادة ليسوع بحبه وسيرتِه وجهادِه.