لماذا أعطى الله الختان لآبراهيم ؟

أهلا وسهلاً بالأخ النجم الثاقب

كتب الأخ عن الختان قائلاً :” ما هو سبب إقامة عهد ” ختان لحم القلفة ” مع إبراهيم و نسله، عهدًا أبديًا ؟. هل هو مجَّردُ علامةٍ ، أم لسبب آخر ؟ سبقَ وأن كتبتُ في وعظةٍ للأحد قبل ستة أشهرٍ عن هذا الموضوع. أُكَرِّرُ هنا ما ينفع و أكَّملُه بما هو المطلوب.

لم يكن لأبراهيم نسلٌ فتشَّكى عنه لله. وعدَه الله بنسلٍ كبير يتعَدَّى عدد الرمل والنجوم. ثمَّ طلب الله من إبراهيم أن يسلك كما يطلبه منه هو تعالى ويتعَهَّدُ الله بأن يستجيبَ له ويُوَّفرَ له كلَّ ما يحتاجُ إليه ويحميَه من أعدائِه ويُمَّجدَه في حياتِه. ما كادَ ابراهيمُ يسمعُ اللهَ يُحَّدثه عن عهد يبرمه معه حتى” وقع على وجهه ساجدًا لله ” (تك17: 3). مثل عبد يتلقى الأوامر من سَيّدِه هكذا تلَّقى ” ابرامُ ” (وهذا اسمه الأصلي) العهد من الله الذي لَقَّنه إرادتَه دون أن يتناقش فيتَّفق معه. اللهُ االسيد وإبراهيم العبد. يمتلكُ الله ابراهيم فيُعطيه هو وزوجته أسماءَ جديدة. يطلبُ منه أن يسمع كلامه ويتقَّيدَ به ولا يعبدَ أصنامًا ولا أن يعتبر شيئًا آخر إلَهًا ما عدا الرب الذي عزله عن أهله وشعبِه و وطنه، وعن جذور حضارته وتقاليده. ومقابل ذلك سيعطيه الله كلَّ ما يحتاجه، لاسيما ما يحلمُ به” نسلاً” أصيلا من زوجته (تك17: 15-16)، رغم عمرها المتقدم (90 سنة!) وعقمها، وليس من الخادمة كما توَّهم (تك16: 2-4). وآبن سارة سيكون سليل العهد و وريثه. لم يُغَّير الله طبيعة إبراهيم. بقي إنسانًا تتقاذفه الأحاسيس ويتعَّثرُ في قدراته المحدودة. فأغاثه بإعطائه علامة ظاهرية في بدنه تذَكِّرُه بالعهد الذي وافق عليه. فدور إبراهيم في العهد لا يتعَّدى الموافقة على كلِّ ما قرَّره الله وما فرضه عليه من إلتزامات وسلوك. وحتى العلامة التي في جسده على إبراهيم أن يجريها بنفسه على نفسِه. إنها الختان، ويشمل كلَّ ذكر في بيت إبراهيم كان إبنه أو عبده أو حتى الغرباء الذين إقتناهم بماله. للبشر عادةُ أن يضعوا ختمًا على قطعانهم، طمغة تشيرُ الى عائديتها لصاحبٍ معَّين فتسترَّد إذا ضاعت أو سُرقَتْ. هكذا سيحملُ نسلُ إبراهيم ختمًا في أجسادهم دلالة على أنهم ملكُ الله.

ومن هو مُلْكٌ لغيرِهِ ليس له في الحياة مشروعٌ خاص ولا إرادة حُرَّة ليعملَ ما يرغبُ فيه إذا أرادَ الأحتفاظ بآمتيازاتِه لدى سَيِّدِهِ. كان الإنسان في تلك العقبة من التأريخ بحاجة الى أمور حسية تقوده الى عالم الروح. فالختان في الجسد إذًا علامةُ العهدِ يُذَّكرُ المؤمن بالله، وبمشيئته أن يكون كاملاً. لم يكن بعد قد آنَ زمن الروح. لذا فعلامة العهد يحملها المؤمن في جسده فلا ينسى الله. أما الآن، بعد مجيء المسيح، فنحن في زمن الروح. لأنَّ روحَ الله يسكُنُ فينا. فنحن نسلكُ سبيل الروح لا سبيل الجسد. ومن يسلك سبيل الجسد يهتم بأمور الجسد، والأهتمام بالجسد يقود الى الموت. وأما من يسلك سبيل الروح فيهتم بأمور الروح، والأهتمام بالروح حياةٌ وسلام (رم8: 5-11). هذا ما علَّمنا إياه السيد المسيح :” الروح هو الذي يُحيي. أما الجسد فلا نفعَ فيه. والكلامُ الذي كلمتكم به هو روحٌ وحياة ” (يو6: 63). ولمَّا آنتفت الحاجة الى الختان ، وهو شأنُ الجسد، أبطلته الكنيسة بإيحاءٍ من الروح القدس وأقامت بديلا له في المعمودية التي بها نرتبطُ بعهدنا مع المسيح. وكان كلام بطرس رئيس الكنيسة، في أول مجمع عقدته، لدرس الخلاف حول :” هل يجب أن يُختَن غير اليهود ويعملوا بشريعة موسى” بعد أن آمنوا بيسوع المسيح وقبل أن يعتمدوا، قال:” اللهُ الذي يعرفُ ما في القلوب شهدَ على رضاه عنهم (عن الوثنيين غير المختونين)، فوهبَ لهم الروحَ االقدس كما وهبه لنا (أع10: 44-48). فما فَرَّقَ بيننا وبينهم في شيء. فهو طهَّرَ قلوبَهم بالأيمان. فلماذا تُجَّربون اللهَ الآن بأن تضعوا على رقابِ التلاميذ نيرًا عجز آباؤُنا وعجزنا نحنُ عن حملِه؟. خصوصًا ونحن نؤمن أننا نخلُص بنعمةِ الرب يسوع كما هم يخلُصون”. وختم الرسالة بـ” الروحُ القدس ونحنُ رأينا أن لا نُحَّملَكم من الأثقال إلّا ما لابُدَّ منه” (أع15: 5-28). وكان اللهُ قد طهَّر قلب ضابط روماني وأسرته الغير مختونين بإحلال الروح القدس عليهم قبل أن يعتمدوا، فقال بطرس ” فمن أكون أنا لأُقاومَ الله” (أع11: 17). ولا ننسى أنَّ الختان كان مفروضًا فقط على شعبِ الله. ويعمل مفعوله عندما يلتزمُ الشعبُ ببنود العهد من طهارة القلب والتقَّيد بوصايا الله. ولمَّا لم يتقَّيد الشعبُ ببنود العهد وخان العهد مع الله ألغى اللهُ من طرفِه العهد وعلامتَه :” أقولُ لكم يأخُذُ اللهُ ملكوتَه منكم، ويُسَّلمُه إلى شعبٍ يجعلُه يُثمر”(متى21: 43). وأقام عهدًا جديدًا بدم المسيح وعلامته المحبة : ” أُعطيكم وصّيةً جديدة: أحبوا بعضُكم بعضًا… وبهذا يعرفُ الناس جميعًا أنَّكم تلاميذي ” (يو13: 34-35). فمع سقوط العهد الأول سقطت معه علامتُه ولم تعُد تدُّلُ على شيء. لأنه كانت فقط علامة لا أكثر. والعلامة تُنتفى إذا زال ما كانت تشيرُ إليه.

القس بـول ربــان