عيد إنتقال مريم العذراء الى السماء

تتلى علينا اليوم القراءات  : أع1: 1-14؛ خر15: 11-21   رم16: 1- 16 ؛ متى12: 46-50

القـراءة : أعمال 1 : 1 – 14 :– قبل صعودِه الى السماء يُكَمِّلُ يسوع توصياتِه للرسل ومريم معهم، يَعِدُهم بأن يُرسِل لهم الروح القدس ويُوصيهم بالتبشير بآسمِه.  

القـراءة البديلة : خروج 15 : 11 – 21 :–  نشيدُ النصر بعد عبور البحر الأحمر تشترك فيه النساء بالرقص وقرع الدفوف بقيادة مريم أخت موسى.

الرسالة : رومية 16 : 1 – 16 :–  يُوصي بولس جماعة المؤمنين ببعض الأخوات و الأخوة المتعاونين مع تبشير الرسل بشَتَّى الطرق.

الأنجـيل : متى 12 : 46 – 50 :– يذكر الأنجيل حضور مريم قربَ يسوع تسنُدُه و تتابعَ مشاركتها في رسالته.

بين النياح والموت !

أُطلِقَتْ على موتِ مريم العذراء ألفاظٌ عديدة: الوفاة، النياح، الرقاد وربما غيرُها أيضًا حتى إعتبرها البعض متعارضة فقالوا ” لم تمت بل إستناحت”، وغيرُهم قال ” رقدت “. إستناح يعني” إرتاح” والنياح يعني راحة ، هدوء ، سلام. توُفِّيَ يعني” أنهى حياته الزمنية”. رقد يعني” نام” والرقاد ” النوم”. نظرًا لمصطلحاتٍ إستعملها الكتاب المقدس أو آباؤُنا وأجدادُنا. مثلاً: قال يسوع عن موت لعازر: إنَّه ” نائم”. ولما أخذ التلاميذ الكلام عن” نوم الراحة” بينما يسوع عنى” نوم الموت ” (وبين قوسين سيقوم)، صرَّح لهم ” لعازر مات”. لعازر لم يمت موت الهلاك، بل سيحيا للأبد. لأنَّه لمَّا أنذر الله آدم بعدم الأكل من شجرة المعرفة قال له ” يوم تأكلُ منها موتًا ستموت”(تك2: 17)، ولم يمت بالجسد بل إنعزل عن الله.

ومن ذلك الوقت كلما تكلم الكتاب المقدس عن الموت عنى به البعد عن الله إمَّـا بالخطيئة أو بالهلاك. وعن النياح، عندما كان يموت كاهن أو أسقف، كان الناسُ  يقولون عنه ” إستناح. نِخْلِى” وليس” مات . مِثْلِى”. فكان من المعقول أن لا يُقال عن مريم : “ماتت بل إستناحت”. بينما عن يسوع المسيح قال الكتاب ” لما رأَوه  قد مات “(يو19: 33). ويسوع نفسُه قال أنَّه “يموتُ قتلاً”. وكلَّ يوم في القداس نعلن إيماننا بأنَّ يسوع ” ماتَ ودُفنَ وقامَ”. ولا أعتقد أن أحدًا يُفَضِّلُ مريم على يسوع حتى لا تموت بل ” تستنيح”. أتصَوَّرُ أن إستعمال هذا ” المُصطلح” جاء بسبب توقير المؤمنين لمريم العذراء وللرؤساء الروحيين فآستعملوا كلمة ” نياح” دلالةً على أنَّهم قديسون وآرتاحوا من ضيقات العالم، فهم في هدوء وسلام عند الرب. بينما ليس مضمونًا، حسب تفكيرهم، أن يرتاح سائرُ المؤمنين حالاً عند وفاتهم بسبب خطاياهم. فمريم إستناحت لأنها طارت رأسًا الى السماء. لكنها ماتت، كما تقول الصلاة الطقسية، مثل كل الناس، إذ كان عليها أن تشرب الكأس الذي مزجَه آدم لأولاده. وهي بنتُ آدم وحواء كما كان يسوع إبنهما.

دور المرأة في الحياة !

كان أول فعل لحواء سلبيًا” لم تُطع وصية خالقها”. ولكن مار اُغسطينُس يرى الأمر إيجابيًا حتى هنَّأَ آدم وحواء على غلطتهما لأنه بسببها صار الله إنسانًا ومن نسلِهما. نال الأنسان مجدَ بُنُوَّةِ الله وهي أفضل من صورته فقط. لكن طاعة مريم كانت أسمى وأشرف فعل يبدرُ من الإنسان. ونالت جزاءَه أنْ منها يُولدَ المخلصُ الموعودُ لجَدَّيها المُتمَرِّدين.

والكتابُ المُقَدَّس ذكر للمرأة مواقف متضاربة، منها تُمدَح ومنها تُلام. فمريم أخت موسى قادت نساء قومها لتمجيد الله وحمده على ما صنعه لهم من آياتٍ و خَصَّهم بآمتياز التحرير والحماية والرعاية. وراعوث وشموني في الأمانة لله ، ويهوديت وإستير في المخاطرة بحياتهما لآنقاذ الشعب. ومقابل أولئك ذكرأيضًا أمثال دليلة خانت زوجها شمشون وسببت قتله، وإيزابل زوجة الملك آحاب قتلت نابوت المسكين وآستولت على حقلِه، وهيروديا زوجة هيرودس تسببت في قتل يوحنا المعمدان.

لكن مار بولس سجَّل اليوم كتاب الشرف لنساءٍ مسيحيات من الرعيل الأول شاركن الرسل في التبشير، أولاهن المجدلية، وفي التعليم وفي الخدمة وفي لمِّ شمل المؤمنين حتى جعلوا من بيوتهن كنائس للإجتماع والتقديس، وخاطروا بحياتهن من أجل الرسل. والفخر كلُّه يعود لمثال مريم من زمن يسوع والرسل كيف كانت تتابع نشاط يسوع وتلاميذه ترافقهم وتخدمهم. لقد سرت منها عدوى القداسة والخدمة والبذل إلى بنات حواء فلا يحسبن أنفسَهن أقل قدرًا عند الله. بل يجتهدن في متابعة رسالة يسوع ومريم تحت خيمة الكنيسة. والقديسات العظيمات لا يقل عددهن عن الرجال في البذل والتضحية من أجل قضية المسيح، وتطبيق شعاره في المحبة والخدمة. فقالت إحدى صلوات اليوم : ” طوباكِ يا حبيبة فإنَّ جميع الإناث إغتبطن بواسطتك وتباركن “. قبلت مريم وعاشت وصية إبنها بأن تكون أُمًّا لجميع الناس وخاصّةً لتلاميذه، ولا تزال الى اليوم تظهر إهتمامها و عونها للبشر أجمعين، لاسيما لمن يلتجيءُ إليها، من أيِّ صوبٍ كان أو جنسٍ أو دين. ومثلها كثرت بناتها اللواتي قبلن أن يُمارسن أُمومةً روحية فكرَّسن حياتهن لله عن طريق العبادة، أو عن طريق الخدمات الأجتماعية والفكرية والروحية ، فيتصَرَّفن كأُمٍّ حنونة واعية على مأساة البشرية وتعملن مع المسيح للتخفيف عن وطأتها، ولتكوين شعبٍ مقدَّسٍ لله.