صــوم المــــيلاد !

أهلا وسهلا بالأخت فوزية أوانيس

في نقاش دار بين مجموعة من المؤمنين تطّرقوا الى صوم الميلاد وآنقسموا الى مؤَّيدين ومناوئين فدارت الأخت فوزية نحو الكنيسة وطرحت أسئلتها ، وهي : ما رأي الكنيسة الكلدانية عن صوم الميلاد في أسابيع البشارة ؟

هناك من يقول بعدم جواز الصوم فيها ، لأنها تـدُّلُ على فـرح ؟

صوم المـيلاد !

تدور بين الناس أقاويلُ وتتناقلُ تقاليدَ وعاداتٍ قد دخلت خبر كان من عهدٍ بعيد وعفا عليها الزمن، إلا من ذهن أو سلوك بعض الكبار السن الذين يحفظون ذاكرة طفولتهم أكثر من الأحساس بما يدور حولهم. لقد شملهم دوران الكرة الأرضية فكبروا في السن، وآستُهلِكَت أجسادهم فباتوا يستندون الى العصا أما ما شهدته الحياة من تغيير وتطور مدني أو ديني فهم غرباءُ عنه وكأنهم يحيون في كوكب مختلف. كنا نصوم وما زال الكثيرون متمَّسكين به عن إيمان بأنه فريضة كنسية أن نصومَ قبل الميلاد 24 يومًا بينما قد رفعته الكنيسة الكلدانية، أي لم تعُدْ تفرُضُه فرضًا، منذ سنة 1900م مع إنتخاب يوسف عمانوئيل الثاني بطريركًا على الكلدان. وقد نشرَ الآباء الدومنيكان قرار السينودس الكلداني بذلك بتأريخ 15 آب 1900م. ولم يحتفظوا بسوى ” الأنقطاع ” عن الزفرين مدة تسعة أيام قبل عيد الميلاد. أما السينودس الكلداني لسنة 1967م، المنشورة أعماله في بغداد 1/1/1968م ، فآختَصرَ الأنقطاع قبل الميلاد الى يومٍ واحدٍ فقط ، وقَلَّصَهُ الى الأنقطاع عن اللحم فقط ، وحدَّدَه باليوم السابق للعيد أي 24/12. وقد أَكَّدَ عليه وفرض هذا الأنقطاع الجديد ليوم 24/12 السينودسُ الكلداني لعام 1998م ، ونشرت أعماله في بغداد 26 /5 / 1998م. أما عن الصوم الطبيعي عن تناول الطعام حتى الظهر، في نفس الفترة، فلا ذكرَ له بتاتًا في ولا واحد من هذه السينودسات. ولم يهتم مجلسُ الأساقفة ولا تتطرَّقَتْ سينودسات أخرى الى هذا الموضوع.

بين الصوم والفرح في سابوع البشارة !

يبدو من كلام السائلة بأنَّ البعضَ يرفضُ الصيام فترة ” أسابيع البشارة” السابقة للعيد لكون هذه الأسابيع ” فترة فرح”. والصيامُ توبةٌ فيدل على الحزن والأكتئاب. إذن لا يجوز خلط مظاهر التوبة والألم بالفرح الطقسي المطلوب. لا أدري من أين إستقى هؤلاء الناس عِلمَهم. ربما من كاهن أو راهبٍ أوكتابٍ قديم يزيد عمره على مئة سنة، ولكن ليس بالتأكيد من الكنيسة. تتغَّيرُ القوانين والأنظمة الطقسية أو السلوكية من حين لآخر. ولكن لا توضع في المكتبات فقط بل تُبَّلغُ الرئاسة الكنسية بها مؤمنيها ليتقَّيدوا بها. ولم يُعلن أي سينودس شيئًا من هذا القبيل. لا بل إذا لاحظ القاريءُ الكريم فرضَ سينودس سنة 1900م الأنقطاع عن الزفرين مدة تسعةِ أيام تسبق الميلاد، أي في “سابوع البشارة”، وللعلم تقع آحادٌ ضمن تلك الأيام !. بينما عندما فرضت الكنيسة الصيام الى الظهر عن الطعام ، وذلك في الصوم الكبير، عفتْ المؤمنين عنه يومي السبت والأحد ، بينما لم يَعفُ عن أكل اللحم والبياض (الزفرين) طوالَ الصوم الكبيرومدته 48 يومًا لا الآحادَ ولا التذكارات !!. بينما المعروفُ لاهوتيًا والمُثَّبت هو أنَّ الأحد يومُ فرح لأنه يومُ قيامة المسيح، ولذا عفت عن الصيام فيه عن الطعام حتى أثناءَ الصوم الكبير.

أحيانًا كثيرة نتأثرُ بعاداتِ وتقاليدَ كنائس أخرى نتيجة التجاور والأختلاط. فتختلط علينا الأمور. وحتى إذا عرفنا أنها ليست من كنيستنا لكننا نتهاون في رفضها أو نستعجلُ في تبَّنيها بحجة أنها تقليدٌ مسيحي ينفعُ. وكثيرون يصومون أصوامًا خاصّة بهم لأسبابٍ عديدة دون أن يكون للكنيسة فيها شأنٌ. وكثيرٌ منا لا يُمَّيزُ بين الأصوام العامة التي تفرضها الكنيسة على عامةِ المؤمنين أتباعِها. وبين الأصوام الخاصَّة ، مثل صوم السبت مثلا إكرامًا لعذراء فاطمة ، فنخلطُ بينها ونعتبرها كلها فريضة كنسية ونحاولُ أن نُلزِمَ بها كلَّ الناس. و من جهة أخرى نقرأ في كتاب ما أو نسمع في ندوةٍ أو موعظةٍ عن مواسم الفرح الطقسية و غيرها المُخَّصصة بالأكثر لسلوك توبوي فتختلطُ علينا الأوراق ونفرضُ رأيًا نعتبرهُ حقيقةً وهو في الواقع مخالف للأيمان. كما نوَّهتُ هناك فتراتٌ طقسية تحُّثنا على التوبة والخجل من أخطائِنا لكنها لا تدعونا البتة الى الحزن أو إبراز مظاهر الألم. لنتذكر كلام الرَّب عن الصوم بالذات وهو يقول:” إذا صمتم فلا تُعَّبسوا كالمرائين.. أما أنت فإذا صمتَ أُدهُن رأسَك وآغسل وجهَك ..” (متى6: 17). أي يجب أن ترافقَ التوبةَ مظاهرُ الفرح والأرتياح. وهذا يعني أننا نقدر أن نتوب حتى في زمن الأفراح.

إنَّ صلاة طقسية في أسبوع الآلام تقول ” مبارَكٌ الذي .. فرَّحَ كنيسته بألمِه وأبهَجَها. فهي تُعَّيدُ ألمَكَ” (حوذرا 2 ص346). أن الكنيسة تُعَّيدُ أي تفرح ، وتدعو أبناءَها الى عمل الشيء ذاته ، في أوقاتٍ هي مؤلمة بذاتها لكنها مفرحة بثمارها. وكذلك تُبرزُ أحيانًا مظاهر الحزن والألم رغمَ فرحِها وذلك لأنَّ فرحَها بُني على أساس آلامِ مخَّلِصها الحبيب. تختلط المشاعر في السلوك الأنساني بسبب الحقائق المتناقضة. هكذا يمكننا أن نصومَ طوال السنة حتى في الأعياد الكبيرة ونبديَ فرحنا لأننا ننوي عبادة خاصّة لله تشملُ كياننا كله وليس جزءًا منه. نفرحُ لآستقامةِ نيتنا ولسمو هدفنا اللذين يدفعاننا الى الصوم. على أَّيةِ حال نحن نسترشد تعليمَ الكنيسة ونتقَّيدُ بإرشاداتِها. وعندما تفرضُ علينا الصوم بشكل مُعَّيَن وفي أيام مُحددة لا تنوي أن تمنعَنا من الصيام بشكل أوسع وأكثر. بالصوم تشعرنا الكنيسة أننا لسنا كاملين، وأن الأخطار تحدقُ بنا فتدعونا إلى أن نتسَّلح بعون الرب ونتدَّرب عليه بالصلاةِ و بالصوم.

القس بـول ربــان