من هي : بابل الزانية ؟

أهلا وسهلا بالأخ رمزي يوسف

سأل الأخ رمزي : ما معنى بابل الزانية ؟ ما المقصودُ بذلك ؟

بابل الكبرى، أمُّ بغايا الدنيا وأدناسِها !

هكذا جاءَ في سفر الرؤيا 17: 5. نعلمُ أن يوحنا الأنجيلي كتبَ سفرَ الرؤيا حوالي سنة 95م و آضطهادُ المسيحيين على قدمٍ وساق. والمُضطهِدون هم أباطرة روما. كانت الامبراطورية الرومانية في أوج عظمتها، تحكم عالم الغرب كله. وكان الشرق الأوسط جزءًا منها. وبدأ الأضطهاد لدَّسٍ وتحريضٍ من اليهود على عهد القيصر نيرون(54-68م). ولم ينتَهِ إلا سنة 313 م على يد قسطنطين الملك الذي أعلن حرية الفكر والدين، وأصبح هو نفسُه مسيحيا. وعَمَّ الأضطهادُ على المسيحيين غربًا وشرقًا، يشتَدُّ حينا ويخُّفُ آخر. وكان رئيسُ الكنيسة الأول، مار بطرس ، ضحية له سنة 67م مع مار بولس، وتبعهما البابوان لينس (+76م) و أناكليتس (+88م)، وغيرهم كثيرون في العقود والقرنين التاليين. كانت المسيحية في ضيق. وكان المسيحيون في خوفٍ و قلق على الهجمة الشرسة لاسيما لفقدان القادة الأساقفة. فأتى الرب ليُطمئن الكنيسة أنها رغم كلِّ ذلك هي بخير ولا خوفَ على مستقبلها لأنَّ حبَّة الحنطة إن لم تمت لن تُثمر، ولكن إنْ ماتت أتت بثمركثير وأوله الأنتصارالمضمون على الشرير وعلى أعوانِه. وستستمرُّ حبة الحنطة بالموت والأنتاج الى ما يشاؤُه الله.

الكنيسة بخير وآزدهار ما دامت تقتفي آثارَ بانيها وحاميها. فالقوى المناهضة والمحاربة لها ستسقط وتفنى، أما الباقي فهو الذي يثبت أمينا لمعلمه الذي هو منتصرٌ لا محالة. فمن سارَ على دربِ المسيح وصلَ مجدَه وراحتَه. إنَّ ما يصدرُ من سلطة روما الحاكمة ضِدَّ الكنيسة هو أبشعُ الشَّر وأَّخَّسُ الخُلُقِ وأنجسُ السلوكِ لأنَّها لا فقط لا تؤمن بالله ولا تعبُدُه بل وتقاوم الخيرَ وتحاربُ الحَّقَ الذي ينادي بها أناسٌ أبرارٌ ومواطنون صالحون يعملون لبناء البشرية بشكل صحيح يضمن لهم الراحة والحياة الهانئة. وهذه جريمةٌ لا يُضاهيها إثمٌ ، ودنسٌ لا يعادلُه البَغْيُ والنجاسةُ. ومن يقوم بهذه الأفعال البشعة ، والمهينة لكرامةِ الأنسان ، ويفتحُ السبيل واسعًا أمام الفسادِ والظلم والشعوذة لَيس سوى شيطانٍ مُقَنَّع.

من ميزاتِ المدنِ الكبرى مثل روما أن تسيرَ على الطرقِ التي سارت عليها أمُّ المدن وأولى عواصم العالم إشتهرت بالفساد والشرألا هي” بابل”، لأنَّ شعبَها إغتَّرَ وأصابَه جنونُ العظمة الذي غَوَّشَ ذهنهم وأنساهم عملُ إيديهم وجودَ الله وقدرتَه فأهملوا الله ومحوه كليًا من حياتهم . ومع آختفاءِ الله إختفت أيضا القيم الأخلاقية وظهرت بالمقابل وسادت الرذائلُ والشهواتُ الغريزية. هذا ما يكشفُه الملاك للرائي فيقول :” سقطت بابل.. وصارتْ موطنًا للشياطين، و مفزعًا لجميع الأرواح النجسة، وجميع الطيورِ النجسة الممقوتة، لأنَّ الأممَ كلها شربت من خمر دعارتها، وملوكُ الأرضِ زنوا بها، وتُجَّارُ الأرضِ أثرَوا من كثرةِ ترفِها “(رؤ18: 2-3).

تسكرُ من دمِ شُهداءِ يسوع ! رؤ17: 6

وأما كيفَ نعلمُ أنَّ ” بابلَ ” نعتٌ مستعارٌ يعني ” روما” فذلك لا يحتاجٌ الى جهدٍ كبير. يكفي أن نقرأ النصَّ بآنتباه. سمَّى النَصُّ المرأةَ ” أُمَّ بغايا الدنيا وأدناسِها” بـ ” بابل الكبرى”. ثم كَمَّلَ النص :” ورأيتُ المرأة تسكرُ من دَمِ القدّيسين، ومن دمِ شهداءِ يسوع”. لم تعرفْ بابل عاصمة الدولة الكلدانية لا يسوعَ ولا القديسين أى المسيحيين ، كما سمَّى بولس أهلَ روما (رم 1: 7)، وكل المسيحيين في كلِّ رسائله. سبقتهم بآلاف السنين. بينما يذكرُ التأريخ ، و مار بولس، أنَّ المسيحية إنتشرت في روما، وفيها إستشهد بطرس وبولس ومئات الآلاف بعدهما. هذا من جهة. ومن أخرى ذكرَ النصُّ أنَّ المرأة المذكورة ” راكبة على وحشٍ .. له سبعةُ أرؤُسٍ وعشرةُ قرونٍ” (17: 3، و9-14). الرؤوس السبعة هي “التلال السبعة التي تقوم عليها روما ” (آية 8). و” القرون العشرة هي عشرة ملوك ” (آية 11) تحالفوا، و سيتحالفون، مع روما ضدَّ المسيحية. والحديثُ عن مدينة حاضرة في زمن كتابة سفرالرؤيا. وصفها النصُّ بـ” القائمة على جانبِ المياهِ الغزيرة { أى تحيط بها شعوبٌ وجماعاتٌ وأممٌ وألسنة. آية 15}، بها زنى ملوك الأرض وسكِرَ أهلُ الأرضِ من خمرِ دعارتها (آية 1و2)، أى نشرت عبادة الأصنام وشريعة قتل المعارضين الأبرياء.

إنَّ سفرَ الرؤيا مكتوبٌ كله برموز وألغاز يفهمُها المؤمن ، بينما يجهلها الغريب. وما يصفُه لا يقع حرفيًا بل مجازيًا. فالدمار وأنواع ” أكواب ” العقابات تدُّلُ على الخراب والآلام وما يصيبُ الأشرار من نكبات وعقاب بسبب عزوفهم عن الله الحَّق، وتأليه الكائنات ، لاسيما الأنسان وآتّباع الشهوات الغريزية البهيمية على حساب العقل والتمييز. وأيضا يصفُ الكتابُ حالة تقعُ في زمانه ولكنَّ تعليمه وتحذيره يمتد على الأجيال القادمة لآلاف السنين ، بل تتواصلُ وتتكرر من جيل لآخر الى نهايةِ العالم لتكون إنذارًا للناس ، تحفيزًا على التوبة أو تشجيعًا للثباتِ عند المحنة. لأنَّ الحَّقَ والكذب لا يتفقان، ولا الخيرُ والشر يتوالفان!

القس بـول ربــان