من هو المحبول بلا دنس؟

أهلا وسهلاً بالأخ صباح يوسف كارامان

كتب الأخ صباح يقول :

1ـ ” ما معنى” المحبول بها بلا دنس أصلي”؟. هل المقصود : حبَلُ مريم بيسوع المسيح؟. أم حبلُ أُمِّ مريم بمريم ؟.لأنَّ أُمَّ مريم كان لها زوجٌ شرعيٌّ، والثمر بولادة مريم “؟. مَن المقصود : العذراء مريم ، أم أُمُّها ” ؟؟؟.

2ـ ” لماذا يُسَّمى عيدُ القيأمة بعيد الفصح، وعيدُ الفصح مُخَصَّصٌ لليهود بالأصل وليس للمسيحيين؟. لماذا لا نعتمدُ إسمًا واحدًا هو عيد القيامة بدلا من الفصح اليهودي” ؟.

1ـ السؤال الأول

دنس أصلي !

هو خطيئة أصل الجنس البشري، بحيثُ أصبحتْ، في كلِّ إنسانٍ يولدُ منه، ملازمةً لطبعه.

إنَّها خطيئةُ الكبرياء وعدم الثقة بالخالق، والإنجراف وراء الشهوات الحِسيَّة التي حذَّرَ اللهُ الإنسانَ منها. وبسبب تلكَ الخطيئة خسِرَ الإنسان صداقة الله، ومعها خسرَ الراحةَ والمجد اللذين كان يتمتَّعُ بهما. ومن يومها لم يكن قادرًا أن يسلك طريقَ الحَّق. وبالتالي تَعَّرَضَ مصيرُه الأبدي للهلاك. لكن اللهَ لمْ يتخَلَّ عنه، لأنه عرفَ أنه أخطأ عن جهلٍ وبتحريضٍ و تشجيعٍ من ابليس. لم يعرف آدم أن يعتذر، ولم يكُن قادرًا على تحَّمل عقابِ خطيئته. أصبحَ رهينةً بيد ابليس. لذا وعدَه الله بإقامةِ وريثٍ لهُ من نسله، لم يمُسَّه جرحُ الخطيئة فلا يكون رهينةً لإبليس، يدفعُ عنه قصاصَها بإماتة شهوةِ الجسد والكبرياء بالطاعةِ لله.

قدرةُ العلي تُظَلِّلُكِ !

هذا الإبن الذي يُعطى للإنسان، بقدرةٍ ومشيئةٍ إلهية، ” يكون قدّوسًا، وأبنَ اللهِ العَلِّيِ يُدعى” (لو1: 32). يولد من نسل المرأة دون شراكةِ الرجل (تك3: 15). قالت مريم للملاك أنا لا أعرفُ رجلاً ” (لو1: 34)، وقال الملاك ليوسف :” لا تخف أن تأخذَ مريم إمرأتَك، فهي حُبلى من الروح القدس. وستلدُ إبنًا تُسَّميه يسوع لأنه يُخَّلِصُ شعبَه من خطاياهم “(متى1: 30-31). فإنَّ من تُصبحُ أُمًّا لآبن الله يجب أن تكون قديسة، طاهرة  ونقية من كلِّ عيب أو تشويهٍ في طبيعتِها.

مريم هي المحبول بها بلا دنس !

لمَّا حَيّاها الملاك قال لمريم :” سلامًا لك ، يا من ملأَكِ اللهُ نعمةً. الرَّبُ معكِ ” (لو1: 28). كانت بريئة من خطيئة آدم وحواء، كانت نقية قدوسة، بفعل حضور الله فيها، من لحظةِ حَبَلَتْ بها أُمُّها. صانها الله من إنتقال جرح الخطيئة الأصلية إليها، لتكون هيكَلا مُقَّدسًا يأخُذُ منه إبنُ الله ناسوتَه. فيكون بدوره طاهرًا بريئًا من تلك الخطيئة. فتكون مريم وآبنُها يسوع إنسانًا جديدًا بارًّا كما كان آدم وحواء قبل الخطيئة، رغم أنهما من نسلِهما. و أطاعا الله مُكَّفرين عن خطيئة التَمَرُّد الأصلية. وبذلك عادَ الإنسانُ على يدهما إلى صداقةِ الله والتمتُّع بخيرأته الروحية، ولاسيَّما الأبدية.    

2ـ السؤال الثاني

عيد القيامة أم عيد الفصح ؟

بل إنَّهما عيدان متمَّيِزين لكنهما متداخلين : عيد الفصح وعيد القيامة، كما كان عند اليهود : عيد الفصح وعيد الفطير(خر12: 11 ،17، 21-27). نصوص الصلاة الطقسية لا تَدعو القيامة بالفصح. وما حدثَ في العهد القديم كان ظلاًّ ورمزًا لما تمَّ على يد المسيح في العهد الجديد (عب8: 5). وحقيقة العهد الجديد أنَّ اللهَ ” فَصَحَ ، عَبَرَ ” من جديد وحضر بالمسيح

بين البشر. كان حضوره المحسوس أثناء تناول الشعب ” وليمة الفصح ” القربانية بالحمل المذبوح فديةً عن بني إسرائيل فأنقذ أبكارهم من الموت الذي أبادَ أبكار المصريين. سمع الشعبُ كلام الله ، والله حَرَّرَه من عبودية مصر. كانت الوليمة رمزية لحضور الله وفعله، و يمكن أن تتكرر. لأنَّ الله يكرر حضوره بشكل محسوس على مرِّ التأريخ.

والمسيح ، الواحد مع الله الآب (يو10: 30)، حاضرٌ بين البشر أكل وليمة الفصح الرمزية التي عتقت، وأسس عهدًا وفصحًا جديدًا بدمه، لأنَّ الأول كان قد عتق وشاخ (عب8: 6-13 )، ولأن المسيح  هو الحمل الذي يحملُ خطايا العالم (يو 1: 29)، وبدمه قد فُدينا (اش 53: 5). وبعد وليمة الله تَحَّركَ على طريق التحرر من مصر يقودُه فيها الله نفسُه. كان تحَرُّرًا سياسيًا. أما مع المسيح فبذبيحتِه الوليمية في جسده ودمه نال صكَّ التحرر من قيود الخطيئة رافعًا عن الإنسان نير ابليس، نير الشهوة والكبرياء :” إغفِرْ لهم يا أبي، لأنَّهم لا يعرفون ما يعملون” (لو23: 34). وهذان التحريران حدثٌ بذاتِه لن يتكرر مرَّةً أُخرى. لأنَّ مصر و ابليس فقدا سلطانهما على من هو شعبُ الله. فوليمة الفصح ضمنت حُرّية المؤمن. الوليمة والحرية مترابطان. الوليمة تتكرر كلَّ سنة عن طريق القداس. أمَّا حرية القيامة فيُحتفَل بذكراها العطرة لأنَّها غاليةٌ ومصيرية :” ويكون هذا اليوم لكم ذكرًا فتُعَّيِدونه للرب ” (خر 12: 14). إذن نُمَّيزُ بين الأثنين دون أن نفصلَهما عن بعضِهما، كما لا نفصلُ بين الوسيلة والهدف. لقد جمعهما مار بولس بقوله :” حَمَلُ فصحِنا ذُبِح. وهو المسيح . فلنُعَّيدْ إذن … بفطير النقاوةِ والحَّق ” (1كور5: 7-8).

فصح القيامة !

هذا تقليدُ الكنائس الشرقية. أما في الغرب فرغم التمييز بين العيدين إلا إنَّ كلمة ” الفصح ” أُطلقتْها الكنيسةُ اللاتينية على الخميس والجمعة والأحد بالتساوي. دعتها ” الثلاثي الفصحي المُقَّدس”. وحتى القيامة تُسَّمى باللغات الأوربية “Pasqua, Påque , Easter , Påsk …  “، من أصل يوناني باصخا أو الآرامي ܦܵܨܚܵܐ، بينما نعَتَت كلَّ اسم من الثلاثي بالمقدس ، هكذا :” الخميس المقدس. الجمعة المقدسة. السبت المقدس. أحد الفصح في قيامة الرب”. وسمَّت سهرة السبت” فصح القيامة “. والآ حاد التالية للعيد أيضًا دعتها تواليًا “أحد الفصح” . فآلقيامة نتيجةُ الفصح وهدفه. فأصبحَ” الفصحُ ” ذا بُعدٍ شمولي يجمعُ بين آلغُصنِ والثمرة. وأبناءُ الكنائس الشرقية الذين يعيشون في الغرب يستغربون هذا، إن لم أقُل يستنكرون، تبَعًا لحساسيتهم من كل ما هو يهودي بسبب صيتهم السيِّئ في صلبهم المسيح ونشر العنف و الدجل في العالم تنَّكُرًا لمباديءِ المسيح. أمَّا الكنيسة فسلكت دومًا سبيل المحبة واللطف و المسامحة. وأيضًا أرادتْ تقريبَ وتوحيد العلم اللاهوتي بين العهدين : القديم والجديد. وقد أكَّدَ يسوع بأنَّه تحَقَّقت فيه نبوءات العهد القديم (متى26: 54 ؛ لو24: 25-27 ، و44-48). فهو الحملُ الفصحي في الخميس والجمعة وأحد القيامة.