ما تحّلونه وما تربطونه

أهلا وسهلا بالأخ فادي ألبيـر.

كتب الأخ فادي يقول :” سؤالٌ عن متى 18: 18 ” ما تربطونه … وما تحُّلونه…”. هل يقصدُ بـ ” تحُّلونه ” أنَّ الكنيسة لها صلاحية “؟. وإذا كانت، فمن هو صاحبِ هذا القرار؟. هل هو البابا؟. وهل مارست الكنيسة هذا السلطان؟ أقصد : إنتخاب البابا ، إعلان شخص قدّيسًا أو طوباوّيًا؟. هل الحل والربط هو حل وربط أشخاص؟ أم يتكلم عن موضوع الخطيئة ” ؟؟.

إذا أخطأ أخوكَ إليك !

يدخلُ النَّصُّ المطلوبُ ضمن سياق حلِّ الخصومات بين المؤمنين. إذا عجز المتخاصمان عن التفاهم في الحوار المباشر بينهما، أو عن طريق وسطاء، ورفض المُذنبُ، الرافض للسلم، أن يسمع حتى لتوجيه الكنيسة ولقرارها، عندئذٍ يتبَرَّأُ الطرفُ المسالم مِن أُخُوَّتِه للمخاصم ويتجَنَّبُه كخاطيءٍ ووثني. والمسؤول الكنسي، الرسول/الأُسقف، يتَصَّرفُ تجاه المُخاصم بسلطانه الكهنوتي في إجلاء الحَّق والبر وتمييزه عن الباطل وآلأثم ، أي يتَّخذُ قرارًا يراهُ مُناسِبًا، بعقابٍ كنسي أو بتجاهل المذنب، كما يعتبرُه فعّالاً لخلاص الخاطيء ولحماية القِيَم الأنجيلية، وبناء كنيسة المؤمنين كما طلب المسيح. فالمسيحُ حاضرٌ بين المسلمين والمسامحين. وإذا تبنَّى أحدٌ طريق العداء والعنفُ فيغيبُ عنه.  

مار بولس مشهورٌ بإتخاذ مواقف حازمة ممن خالفوا الأخلاق السليمة وشَوَّهوا بسلوكهم المارق سمعةَ كنيستِهم، في كورنثية :” سلموا هذا الرجل الى الشيطان حتى يهلكَ جسَدُه فتخلصَ روحُه في يوم الرب ” (1كور 5: 5)؛ و:” نحن مستعِدّون ان نهدمَ الجدلَ الباطل وكلَّ عقبةٍ ترتفعُ لتحجبَ معرفةَ الله، ونأسرَ كلَّ فكرٍ ونُخضِعه لطاعةِ المسيح، وأن نعاقبَ كلَّ معصيةٍ متى كملت طاعتُكم” (2 كور10: 5-6)؛ وفي تسالونيقية :” إن كان بينكم من لا يُطيعُ كلامنا في هذه الرسالة فلاحظوه وتجَنَّبوه ليخجلَ ” (2تس3: 14). وربما أبرز مثال لبولس لآستعمال صلاحيته هو عند قوله :” أمَّا المتزوجون فوَصِّيتي لهم، وهي من الرب لا منّي، ألا تُفارقَ المرأةُ زوجَها، وإن فارقته فلتبقَ بغير زوج، أو فلتصالح زوجها، وعلى الزوج ألا يُطَّلِقَ إمرأتَه. وأمَّا الآ خرون فأقولُ لهم أنا لا الرب ..” (1كور7: 10-11).

تلمذوا.. عمدوا .. وعلموا !

بعد القيامة مباشرة خَوَّلَ يسوع كنيسته، ممثلة بالرسل، سُلطانه الكهنوتي ليُواصِلوا مهمته و خدمته بقوة الروح القدس، قائلا :” إقبلوا الروح القدس. من غفرتم له خطاياه تُغْفَرُ له، ومن منعتُم عنه الغفران يُمنَعُ عنه ” (يو20: 22-23). وفَصَّل متى الخبر قائلاً:” نلتُ كلَّ سُلطانٍ في السماءِ والأرض. فآذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم …وعلِّموهم أن يعملوا بكلِّ ما أوصيتُكم به “(متى28: 18-20).

فللكنيسة صلاحيةُ المسيح نفسه، لأنَّها تواصل رسالته وعمله في إعلان الحَّقِ وحمايتِه. و صاحبُ القرار إيمانيًا وأخلاقيًا هو رئيس الكنيسة، مار بطرس ومن يخلفُ مهمتَه في قيادة الكنيسة العَّامة :” أُعطيك مفاتيح ملكوت السماء. فما تربُطُه في الأرض يكون مربوطًا في السماء. وما تحُّلُه في الأرض يكون محلولاً في السماء ” (متى16: 19)؛ و:” سمعان  طلب الشيطان أن يُغربِلكم…ولكني طلبتُ لك أن لا تفقُدَ إيمانَكَ. وأنتَ متى رجعتَ ثبِّتْ إخوتَكَ ” (لو22: 31-32)؛ ولمَّا إختلفَ الرسلُ بينهم على الختانة والمعمودية وطالت السجالاتُ قال بطرس منهيًا الخلاف:” تعرفون أنَّ اللهَ إختارني من بينكم من زمنٍ بعيد ليسمع العالم من فمي كلامَ البشارة ويؤمنوا..” ثم أعلن إلغاء الختانة وآلإكتفاء بالمعمودية وخضع له الكل ( أع15: 1-11).

فبطرس يُمارسُ السلطة العليا للكنيسة جمعاء. وضمن إيمان بطرس وبالإتّحاد معه في نفس الأيمان يُمارسُ كلُّ رسول/أسقف نفس السلطة الأدارية والتعليمية ” كأبٍ وراع ٍ” في ولايَتِه و يعودون الى بطرس في تثبيت الأيمان المستقيم، كما فعل بولس فعرضَ إيمانه وبشارته على بطرس ويعقوب ويوحنا ” وهم عمداءُ الكنيسة مدَّوا إليَّ والى برنابا يمين الإتّفاق”(غل 2: 2-9).   

من يشمله سلطان الحل والربط ؟

كلُّ مؤمن، وكلُّ تعليمٍ، وكلُّ نشاطٍ راعوي يقع تحت سلطان الحلِّ والربط. كل ما يعمله المؤمنون يخضَعُ لرقابة ومتابعة السلطة الكنسية لاسيما العليا، لأنَّ كلَّ شيءٍ في الكنيسة يجب أن يتَّفق وتعليم المسيح وسلوكه. فتسهرُ السلطة الكنسية على إستقامة الأيمان والتعليم فتَحُّلُ ما يبني كنيسة المسيح وتربط فترفض ما يُعارِضُهُ وتفضحُ ما يُعاديه. تُمَّيز الأشخاص الذين يعرفون المسيح ويتبعون شريعته. وتُحَذِّرُ من الذين يتسترون بلباس الحملان وهم في الباطن ذئابٌ خاطفة. لا تحتقرُ الشخصَ بل تحترمُه حتى لو كان شِرّيرًا لأنه خلقة الله و صورته. بل تدينُ سلوكَه السَيِّئ ، لأنَّه يُشَّوهُ صورة قداسةِ الله. وتفضحُ المشَّوهين للمباديء المسيحية. ولا تستسلمُ لمباديء العنف والغش والخداع ، وتدين الإرهاب والخصومات و الصراعات السياسية والإقتصادية. جميع هذه تقع تحت ىسلطان الحل والربط ، إذ تنور السلطة طريق الحق وتنبذ الشر والفساد. حياة الجماعة المسيحية هي في كل أبعادها تحت أنظار السلطة لتحميها وتوجهها وتساندها لتشُّع في العالم حياة المسيح وتُغَّذيه من روح تعليمه. ومن ضمنها إعلان قداسة بعض المؤمنين، ورفض طلاق الملوك والقادة، وتشجيع السلم والحوار وإدانة الحروب. أمَّا إنتخاب البابا وآختيار الأساقفة فيتبع النظام الذي وضعه المسيح للكنيسة ، وهي تتبعه من عهد الرسل ، متقلدة إيّاه عبر التأريخ.

تمارس الكنيسة سلطانها، عن محبَّة وأداء الواجب والحرص على الحق، وبطريقة الخدمة والعرض والدعوة، ولا تفرضه بالقوة والعنف. تربطُ الشَرَّ من أي نوعٍ كان وتحُّلُ الخير والبر بأيِّ شكل كان. يُمارسُ البابا هذا السلطان بشكل عام ويشمل الكنيسة كلَّها، والأساقفة بشكل خاص في الأبرشيات المعهودة إلى عنايتهم وخدمتهم.