قيامة يسوع : في السبت أم في الأحد !

قرأتُ مقالا في موقع ” الحوار المتمَّدن”، عنوانه :” قيامة السبت أم قيامة الأحد “، نُشر يوم 13/4/2015، يدَّعي فيه صاحبُ المقال أنَّ الأنجيلَ لم يفصل الأمر، أي لم يوَّضح بالكفاية متى قام يسوع من القبر، تاركًا الأمر غامضا مفتوحا للنقاش، وأنَّ علماءَ كثيرين للكتاب المقدس يميلون اليوم الى أن القيامة تمت فعلا يوم السبت وليس الأحد، و بشهادة الأنجيل نفسِه الذي تركَ دلائل على ذلك ، وأنَّ يسوع صُلب يوم الأربعاء ، بدليل أنَّ قيامته يجب أن تكون بعد 72 ساعة { ثلاثة أيام وثلاثة ليالي} حسبما ذكر يسوع لما أعطى الدليل بقاء يونان في بطن الحوت هذه المدة (متى12: 40). وينتهي المقال بالتأكيد أولا على وجود مدرستين لتفسير الأنجيل و نظريتين ؛ وثانيا بأن نظرية قيامة السبت هي الأصح والتي تثبت إزاء نقد النصوص.

نظريتان ومدرستان

معروف ٌ أن كلَّ إنسان حرٌ في التفكير. ولكن هذا لا يعني أن كل الآراء الناتجة عن ذلك صحيحةٌ ومقبولة. لاسيما الآراء المتناقضة أو التي تحَّرفُ النص ولا تدرسه كله، أو لا تعتبرُ جزءًا منه. و للشؤون الأيمانية فوق ذلك خصوصيةٌ مختلفة. يقول مار بطرس :” إعلموا أنه ما من نبوءةٍ في الكتاب تقبلُ تفسيرا يأتي به أحدٌ من عنده. إذ لمْ تأتِ نبوءة قط بإرادةِ بشر. لكن الروح القدس حملَ بعضَ الناس على أن يتكلموا مِن قِبَل الله ” (2بط1: 20-21). الكنيسة و على رأسها بطرس ومصف الأساقفة يعضدهم الرب في التعليم والتفسير، ومن لا يسمع منهم فهو خارج الحقيقة (لو10: 16). لأنَّ الكتاب المقدس ليس كتابا علميا وتاريخا حتى يفسره الفلاسفة والقادة. إنه كتاب الأيمان أوحى به الله ، والله وحده يفسره عن طريق وكلائه المخَّوَلين هذا من جهة. ونتيجة لذلك حتى لو حُّقَ للمفكرين أن يدرسوا الكتاب ويعبروا عن آرائهم فلا يعني ذلك أن رأيهم هو الحق. السلطة الكنسية وحدها مُخَّولة بإعلان حقائق الأيمان. ومع ذلك لم يُسمع بخبر وجود مدرسةٍ ونظرية تدّعي موت المسيح يوم الأربعاء وقيامته في السبت ، إلا أن تكون قد نبتت النظرية تحت نفس الخيمة حيث خُلقَ كتاب ” دافنشي كود” ، الذي لم يعرفْ له التأريخ وجودًا إلا بعدما روَّجوا له بالفلم ليشَّوهوا صورة يسوع ، ولم يفلحوا الحرف يقتل ، الروح يُحيي

لا يُقرأُ من الكتاب الحرفُ وحدَه. الحرف كلامٌ بشري. أما محتواهُ فهو روحيٌ من إيحاء الله. فالله لا يتكلم بالحرف ، نحن نُعَّبرُ عن كلامه ومشيئته بحروفنا. لذا يجب عند قراءة الكتاب التعمقُ والتأملُ وحتى الصلاة للوصول الى فهم ما أرادَ الروحُ إبلاغه. وعليه توجَدُ في الكتاب نصوصٌ مختلفة الأسلوب بحسب ثقافة الكاتب من النثر الى الشعر والى الرؤى والى المدراش الذي هو تعليمي بأمثال. فمثلا آية يونان النبي المذكورة والتي يستند اليها صاحب المقال لآستنتاج نظريته هي بالأصل ” آية ” أي علامة ورمز للتعبير عن تعليم مهم وليست قصة حقيقية حدثت في الواقع. مثل أمثال لافونتين ، وأفلام الأطفال مثل نيلز وموغلي و غيرها التي تربي وتعطي ثقافة أخلاقية بشكل قصص مختلقة لأجل تأثير أفضل. حَدَثُ سفر يونان لم يذكره أي تأريخ لا آثوري ولا كلداني ولا شرقي ولا غربي ، بينما ذكر الآثوريون أخبارا تافهة ونقلت شعوبٌ أخرى روايات أقل أهمية ، ولا أحد ذكر لقصة يونان ونينوى خبرا. وما كُتِبَ ألهمه الله ليُفهم شعبه المختار أن بقية الشُعوب ايضا أولاده. وأن اليهود لن يحتكروا السماء لأنفسهم وحدَهم، بل أنهم مقَّصرون في أداءِ الرسالة المطلوبة منهم ليكونوا “نورا للأمم و خلاصًا الى أقاصي الأرض” (اش49: 6). ومن جهة ثانية ليدخل الى ذهنهم حقيقة أبدية الأنسان وقيامته. فالآية تبقى إشارة الى تعليم وليست حقيقة صُحفية حتى تؤخذ على حرفيتها. وتلى يسوع الآية كما جاءت في الكتاب ليذكر اليهود بالنبوءات عن موته وقيامته وينَّددَ بعدم إيمانهم. مع أننا نعلم أن يسوع غيرَّ مفاهيم كثيرة عن العهد القديم فسرها اليهود خطأ ً: قيل لكم .. أما أنا فأقول لكم ..(متى5: 21-44). بينما يُذكر تلاميذه بعد قيامته بأنَّ : ” شريعة موسى وكتب الأنبياء (مع العلم لم يكتب يونان النبي شيئا في حياته وقد عاش في القرن 8 ق.م.، والسفر الحامل اسمه كتبَ في القرن 5 قبل الميلاد) والمزامير.. و قال لهم : كُتِبَ أنَّ المسيحَ يتألم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث…”(لو24: 44-46).

في اليوم الثالث ، أم، بعد ثلاثة أيام ؟

ذكر صاحب المقال فقط ” آية يونان النبي” المذكورة ليبني نظريته وفلسفته عليها فيستنتج قيامة السبت. وحجته كالآتي : إذا كان يسوع قد مات ودفن بعد ظهر الجمعة وقام يوم الأحد فلن توجد ” ثلاثة أيام وثلاث ليال”. أما إذا مات ودفن يوم الأربعاء وقام يوم السبت فتكتمل ثلاثة أيام من 72 ساعة. فيدعي أولا أن الأنجيل” لا يعطينا جوابا شافيا “يحسم القضية ؛ و ثانيا يقول الأنجيل بأن يسوع صلب ومات يوم تهيئة فصح اليهود(يو19: 31). و يدعي أن التهيئة تمت يوم الأربعاء ثلاثة أيام قبل الفصح. هـذه هي حجَجُه ننقلُ فيما يلي للقراء الكرام نصوص الأناجيل بخصوص ثلاثة أيام ، ويوم القيامة ، ويوم التهيئة. ويحكم القراء إن كان الأنجيل غامضا أو صريحا

1++ الأيام : ثلاثة أم ثالث يوم 

اليكم نبوءات يسوع عن آلامه كما جاءَت في الأناجيل الأربعة

مر8: 31 ـــــ> يقوم في ثلاثة أيام ///

مر9: 31 ـــــ> وبعد قتله بثلاثة أيام يقوم || ـــــ> لا ذكر لثلاثة أيام وثلاث ليالٍ !

مر10: وبعد ثلاثة أيام يقوم \ لو9: 22 ــــــ> يقوم في اليوم الثالث ///

لو18: 31 ــــــ> وفي اليوم الثالث يقوم || ـــ> اليوم الثالث !

متى 12: 38 ـــ> طلب منه كتبة وفريسيون آية..أجابهم : جيل فاسد فاسق يطلب آية. ولن يجعل له سوى آية يونان النبي. كما بقي يونان في بطن الحوت ثلاثة
أيام وثلاث ليالٍ كذلك يبقى إبن الأنسان في جوف الأرض ثلاثة
أيام و ثلاث ليالٍ..”(12: 38-40). ( رَّدد يسوع ما جاء في سفر يونان1: 17 دون تغيير حرف الكتاب ، ودون أن يقول بأنه سيتم حرفيا. ما يعنيه هو أصلا أن السفر علامةٌ ورمزٌ لما سيحدثُ على يد المسيح. لأنَّ ” كلَّ ما كتبَ قبلا إنما كُتبَ لتعليمنا “(رم15: 4؛ 1كور10: 11).

متى 16: 21 ـــــ> يقوم في اليوم الثالث ///

متى 17: 23 ـــــ> وفي اليوم الثالث يقوم || ـــــ> اليوم الثالث !

متى20: 19 ــــــ> وفي اليوم الثالث يقوم \

الأربعــاء

متى 26: 2 ــــ> تعلمون أن الفصح يقع بعد يومين

26: 6 ــــ> وكان يسوع في بيت عنيا عند سمعان الأبرص

26: 14 ــــ> ذهب يهوذا الأسخريوطي الى الأحبار وقال لهم : كم تعطوني لأسلمه ؟

26: 16 ـــــ> وأخذ 30 فضة وأخذ يترصَّد فرصة ليسلمه.

2++ التهيئة :

متى27: 62 ـــــ> وفي غد ( بعد الدفنة ) ، أى بعد التهيئة ، ذهب الأحبار عند بيلاطس

مر15: 42 ـــــ> وكان المساءُ قد أقبل (بعد الدفنة)، وهو وقت التهيئة، أى عشية السبت

لو23: 54 ـــــ> وضع يسوع في قبر حفر في الصخر.. وكان اليومُ يومَ التهيئة ، و قد بدَت أضواءُ السبت

يو18: 28 ـــــ> لم يدخلوا دار الحاكم مخافة أن يتنجَّسوا فلا يتمكنوا أكل عشاء الفصح

يو19: 30-31 ـــ> ولفظ الروح. وكان ذلك اليومُ يومَ التهيئة ….، لئلا تبقى الجثث على الصليب يوم السبت ، لأن ذاك السبت يومٌ مكَّرم

3++ القـيامة : سبت أم أحد ؟

مر16: 1 ـــــ> ولما آنقضى السبت ….

16: 2 ـــــ> وفي غداة يوم الأحد جئن الى القبر وقد طلعت الشمس

16: 9 ـــــ> قام يسوع صباح الأحد

لو24: 1 ـــــ> جئن عند فجر الأحد

متى 28: 1 ـــــ> لما آنقضى السبت ، وبزغ فجر الأحد

يو 20: 1 ـــــ> ويوم الأحد بَّـكرت المجدلية الى القبر، والظلام لم يزل مخَّيما

20: 19 ـــــ> وفي مساء اليوم عينه، يوم الأحد، …جاء يسوع …

.*. إذن يؤَّكدُ الأنجيل بصريح العبارة أن القيامة تمت يوم الأحد ، وبعد السبت ليس خفي إلا سيُكشف كل هذه النصوص ضربها صاحب المقال عرضَ الحائط وتشَّبثَ بقول لم يكن له علاقة بأحداث الصلب والدفن والقيامة. كان تهيئة لأذهان الناس للأيمان بالقيامة وأنه مكتوبٌ أيضا عن موته هو وقيامتِه ، التي ستكون ضمانا لقيامتنا (1كور15: 16-19).

ومن حَّقنا أن نفكر لماذا تصَّرفَ كاتبُ المقال هكذا؟. لأنه إذا كان ” التساؤُلُ مشروعًا لدى المؤمنين ” عن مضمون الأيمان، فهو مشروع أيضا لكل مؤمن بالمسيح أن يتساءَل ويسألَ ضمائر الكُّتاب الذين يُحَّرفون الحقائق التأريخية ، لماذا يفعلون ذلك ؟ هل فقط ” لغايةٍ في نفس يعقوب “؟

لو قرأنا المقال بهدوء وآنتباه وتدقيق لآكتشفنا ما يلي :

التشكيك بالحقيقة

من شيمة كاتبنا أن ينتقد الفكرَ الديني. فطبيعي عنده أن يبدأ اولا بالتشكيك بما أمامه. هكذا بدأ فعلا فشكَّك بكلام الأنجيل وآدعى أنه لا يحسم الأمر، بل يدع المجال لرأي مخالف لما يؤمن به ملياران مسيحي!. ولو إستند مثل أي مؤرخ نزيه وعالم متضلع الى كل ما جاء عن القيامة وخرج بنتائج حتى ولو مخالفة لأيمان المسيحيين لهَّنأته. لأنه قام بعمل علمي منطقي. ولكن أن يغُّضَ الطرف عن كل أخبار القيامة ويتشبَّثَ بما لا علاقة له بها ، ثم يُضيف بأن رغم ذلك يقر المسيحيون في قانون ايمانهم ” وقام في اليوم الثالث ” ، هنا بيت القصيد و هنا مربط الفرس هكذا فعل قبله ابليس اللعين مع أبوينا آدم وحواء إذ بدأ بزرع الشك في قلوبهم عن معرفتهم :” أَ حَّقًا قال الله : لا تأكلا من جميع شجر الجنة”؟(تك3: 1). إنه شيءٌ غير معقول. وهكذا لا يُعقل بنظر الكاتب أن نقول ” وقام في اليوم الثالث “.

تكـذيب الخـبر

وبعد زعزعة الأيمان يبادر الى تكذيب الحقيقة الأنجيلية فيدعي انه لا فقط لا يجزم أمر الأحد ، بل مسيحيون كثيرون يفسرون الأحداث ويقّرون القيامة يوم السبت حتى تتماشى مع متى 12: 40/ ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة (72 ساعة). وبما أن الموت يوم الجمعة والقيامة يوم الأحد لا يحقق هذه المعادلة إذن يجب تبني ” قيامة السبت أمانة لكلام يسوع. وعليه يجب أن نقول ” وقام يسوع بعد ثلاثة أيام و ثلاث ليال”. وأيضا يجب ان نقول أنه قام يوم السبت ؟. ترى هل لكاتب المقال علاقة باليهود حتى يريد ان يخلط ويربط قيامة يسوع بسبتهم؟.

هكذا فعل ايضا ابليس : ” لن تموتا ” (تك3: 4). كَّذبَ الله فجعل المرأة لا تصَّدق كلام الله ولا تؤمن بقداسته. وقد قال عنه يسوع :” ليس فيه شيءٌ من الحق. واذا نطق بالكذب نضح بما فيه. لأنه كذّابٌ وأبو الكذب “(يو8: 44).

زرع الــزؤان

وبعد التكذيب حاول كاتبنا زرع الزؤان عوض القمح. يسوع قال الحقيقة ، بعد 72 ساعة!. الكنيسة إذن ليست أمينة للكتاب ولا للمسيح. والناس تتبع العقل والمنطق. إذن ما دام حقيقة قيامة الأحد لا فقط مشكوك فيها بل لا تقاوم ولا تثبت ، إذن من المنطق قبول النظرية البديلة وهي قيامة السبت ، وبالتالي الأعترافُ بخيانة الكنيسة والمسيحية للمسيح!. هذا ما آنتهى الكاتب الى إستنتاجه:” هل نتمسك بقول يسوع (3+3) أم بنظرية خاطئة ؟ لا يليق للأنسان إلا أن يتصرف بمنطق وهذا عمله أيضا ابليس. فقال لحواء:” لكن الله يعرف أنكما يوم تأكلان من ثمر تلك الشجرة تنفتح عيونكما وتصيران مثل الله تعرفان الخير والشر” (تك3: 5). فآنخدعت المرأة و تحمَّست لأكل الثمرة برغبة الحصول على الألوهية ، ولم تنتظر كثيرا. بل أغرتها الثمرة فقطفت منها وأكلت وأعطت زوجها أيضا!!. فمن سمع كلام الله ، كما قال الرب، ” ولم يفهمه يأتي الشرير ويخطفُ ما زرعَ في قلبه”(متى13: 19). وبعد خطف الحقيقة يزرعُ الضلال :” مثل رجل زرع زرعا جيدا في حقله. وبينما الناس نيام (جهلة ومغَّفلون) جاء عدوه فزرع بين القمح زؤانا ومضى…وهذا العدو هو ابليس ..”(متى13: 24 و39).

التقــليد

ولم ينسَ الكاتب أن يثير نعرة أخرى بين من يقبل التقليد بجانب الكتاب كشاهد لكيفية فهم الكتاب وعيشه من قبل المسيحيين الأوائل ، وبين من يرفض أي شيء خارج النص الحرفي للكتاب. وقد إنحاز، بعلمه أو بدون علمه ، بقصد أو عفويا، الى جانبٍ واحد، مخالفا بذلك قوانين المنطق وقاعدة نقل الحقائق. وذكر بأن نظرية ” قيامة الأحد” هي من التقليد وليست من يسوع المسيح ، وكأني به يقول ” لا قيمة لها “!.

لكنه لم يدرِ أنه يفضح جهله بالكتاب. لأنَّ يسوع لم يقل لتلاميذه ” أنقلوا كلامي حرفيا “. بل أكَّدَ لهم قائلا:” لقد أعطيتكم القدوة في المحبة والتواضع في الخدمة ” (يو13: 15)، مضيفا بعده “أنتم شهودٌ على الآلام والموت والقيامة في اليوم الثالث “(لو24: 47-48). بل كانت الشهادة آخر توصية له قبل إنفصاله عن التلاميذ و صعوده الى السماء :” وتكونون لي شهودًا في أورشليم واليهودية كلها والسامرة ، حتى أقاصي الأرض. وما أن قال ذلك حتى رُفع بمرأى منهم “(أع1: 8-9). والشهادة نقلها التقليد لأنها حياة المؤمنين على ضوء تعليم المسيح وليست كلامه المباشر !.

القس بـول ربــان