العمــاد منذ الصغــر !

أهلا وسهلا بالأخت سوزان يونس جــوكا.

سألت الأخت سوزان عن سبب معمودية الأطفال ، وقالت :

1- لماذا نحن المسيحيين يجب أن نعتمد منذ صغرنا وليس عند الكبر كالصابئين ؟

2- مع العلم أنَّ يسوع المسيح أعتمد وهو كبير !

عماد يسوع !

صحيحٌ أنَّ يسوع قد أعتمد وعمره حوالي ثلاثين سنة (لو3: 23). ذلك ؛

أولا : لأنَّ يوحنا لم يظهر قبل ذلك الوقت ؛

ثانيا : لأنَّ معمودية يوحنا بدأت استجابة لدعوة الله ، للدلالة على أنَّ زمن الخلاص قد دنا ؛

ثالثا : تلك المعمودية كانت نداءًا ورمزا الى التوبة :” توبوا فقد أقترب ملكوت الله” (متى3: 2). كانت المعمودية رمز الدخول الى مرحلة جديدة من الحياة بنمط جديد. على مثالها تقوم اليوم معموديات الصابئة المندائيين على غرار أسلافهم الأسينّيين. وعن نفسه قال : ” أنا لست المسيح. أنا صوت صارخ في البرية : أعّدوا طريق الرب ، واجعلوا سبله قويمة ” (متى3:3) ؛ المعمودية التي يؤسسها المسيح هي تكون الأصلية والمرموز اليها لأنها تغفر الخطيئة ، ولأنها لن تكون بالماء بل بالروح القدس والنار(متى3: 11؛ أع2: 3) ؛

رابعا : أتى يوحنا يُعَّمد ليكتشفَ المسيح ويُعلنه للعالم ، كما قال عن يسوع :” جئتُ أُعّمد بالماء لكي ينجلي لإسرائيل ” (يو1: 31) ؛

خامسا : أعتمد المسيح قبل أن يبدأ رسالته والتبشير حتى يتعَّرف عليه الناس ويبدؤون يهتمون به ، بعد أن قَّدمه لهم يوحنا قائلا :” هو ذا حمل الله الذي يحملُ خطيئة العالم” (يو1: 29).

معموديتنا !

ليست معموديتنا نحن المسيحيين ” للتوبة “. لقد أعلن يسوع باسم البشرية كلها ، عندما دخل الماء وقبل المعمودية من يوحنا ، التوبة عن الخطيئة الأصلية. وقد قَّدم عنها تكفيرًا مأساويًا علنا عندما تكَّبد آلام تعذيبه وصلبه. معموديتنا نحن هي ” الانتماء الى المسيح “، بنبذ ابليس وقبول تعليم يسوع والالتزام به. يوم إختارَ الله ابراهيم وشكلَّ منه شعبًا عقد معه عهدا فيه يعد الله أن يُسانده ويحفظه ويُسعده مقابل أن يكون الشعب أمينا و وفيا يتبعُ إرشاد الله له. وأعطاه في جسده علامة لهذا العهد ” الختانة “، بها ينتمي المختون الى الشعب المختار من قبل الله ،” وأي ذكر لا يختن يُقطع من شعبه لأنه نقض عهدي “(تك17: 14). وفرضت الشريعة أن يُختن الطفلُ في اليوم الثامن من مولده (أح12: 3). بينما كان عمر ابراهيم عند الختانة 99 سنة وعمر ابنه اسماعيل 13 سنة (تك16:16؛ 17: 24-25).

كانت الختانة مثل الكهنوت ومثل شريعة موسى وحتى العبادة رمزا، ” صورة وظلاً “(عب 8: 5؛ 10: 1) حدثت وذكرت ” تعليما لنا ” (1كور10: 11). ولما صار يسوع وسيطا ” و كفيل عهد أفضل من الذي قبله “(عب7: 22)، أستبدلها العهد الجديد برجاء أفضل ” نتقرب به الى الله ” (عب7: 19) فألغى الختانة ( أع15: 1- 28) وأحَّل محلها ما طلبه الرب ” فمن آمن وأعتمد يخلص ” (مر16:16)، ” أذهبوا .. وعمدوا ..”(متى28: 19. لم يُحَّدد يسوع زمن المعمودية وكيفية إجرائها. بل خوَّلَ كنيسته أن تتكفل تلك الأمور والأجراء ، وخولها حتى سلطان الحل والربط (متى 16: 19؛ 18:18).

الـيوم الثـامن !

والانتماء الى شعب الله كما نوَّهنا كان يتم في اليوم الثامن من الميلاد. وهكذا درجت الكنيسة أن تنظم انتماء الطفل المسيحي الى شعب الله الجديد منذ ولادته. وكان عماد الأطفال يتم الى خمسين سنة خلت في آخر حد قبل أن يُكمل الأسبوع الثاني من مولده. عندما كان الوثنيون يدخلون المسيحية بعمر كبير لم يكونوا يدعون أطفالهم يبلغون حتى يعتمدون. بل ولما ذهب بطرس الرسول الى بيت القائد الروماني كورنيليوس عمَّد أفرادٍ الأسرة كلها (أع11: 14-15).

فبالمعمودية ينتمي الأنس الى المسيح ويسير على درب الخلاص إذ ينمو في معرفة الله ومحبته ولاسيما يختبر الحياة معه والإغتذاء من سر القربان والألتجاء الى التوبة عندما يحتاجها. ويتم كل هذا بشكل طبيعي ويحمي الطفل من خطر الجهل وإغواء الشرير. ويكون عضوا حيا وفعالا في نور إيمان كنيسته.

وكيف ينتمي الطفل الى إيمان والديه وشعبهما إذا لم يعتمد ؟. وهل يُعقلُ أن تتركَ عائلة مسيحية مؤمنة أطفالها ” وثنيين ” ؟ وهل يرتبطُ المؤمن والوثني بنير ٍ واحد ؟. لنسمع ما يقوله مار بولس :” لا تكونوا مقرونين بالكفار بنير واحد. أي صلةٍ بين البر والفجور؟. وأيُّ علاقةٍ للنور بالظلمة ؟. وأيّ أُلفةٍ بين المسيح وبليعار؟. وأي شركة بين المؤمن والكافر؟.وأيّ وفاقٍ بين هيكل الله والأوثان ؟. فنحن هيلُ الله الحي”(2كور6: 14-16). وهل يأوي هيكل الله غير القديسين؟. وكيف يكون الأطفالُ قديسين إذا لم يُعَّمَدوا ؟. وكيف يدَّعي الوالدان أنهما مسيحيان إذا حرما أطفالهما من نعمة التحرر من نير الخطيئة الأصلية ومن نيل أنوار الروح القدس؟. كيف يكون الوالدان أبناء الله وهما يربيان أطفالا وثنيين لا يُعطوهم نورالحياة وغذاءَها، ويحرموهم وسيلة الخلاص؟. كيف يضمنان بأن الأطفال سوف يختارون المسيح ولا يتبعون العالم وضلاله وشهواته؟. المجتمع الغربي الحاضر دليل صارخ على أنه عندما يُقصَّر الوالدان في التربية الدينية لأطفالهم يُعّرضونهم لمخاطر عديدة منها خسران الحياة الأبدية؟. فأين تكون مسؤولية الوالدين في هذه الحالة ؟.

فإذا كانت المعمودية إنتماءًا الى المسيح انيل خيراته ومشاركته الحياة الأبدية فحرامٌ حرم الأطفال من هذا الأيمان لاسيما وأنَّ لا أحد يضمن حياة الأطفال هل يبلغون أم يموتون قبل ذلك؟ . لذا تهيبُ الكنيسة بالمؤمنين بتعميد أطفالهم وهم صغار و ” تنادي بالحاح ألا يُمنعَ الأطفالُ من أن يأتوا الى المسيح بواسطة موهبة المعمودية المقدسة “. لقد قال يسوع : ” دعوا الأطفال يأتون اليَّ ولا تمنعوهم ” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1261).

القس بـول ربــان