العائـلة المسيحية وتربية الأطفـال

” ليخضع بعضُكم لبعض بمخافة المسيح “

” ربُّوا أبناءَكم حسب وصايا الربِّ وتأديبِهِ “

-: أف 5: 21  ؛  6: 4 :-

مقدمة

يشهدُ عصرُنا ضغطًا شديدًا على وحدة العائلة، أدَّى إلى تفكيك الكثيرة منها. كما يشهدُ حَربًا خفية ضروسة ضِدَّ الأيمان محاولاً خطف بذرتِه من قلبِ الإنسان فحياتِه، بدءًا من طفل الروضة، مرورًا بفرض الإلحاد والفساد. وإزاءَ هذا الشَّد تحتارُ العوائلُ كيفَ تصمُد وهي مهَدَّدة بلقمةِ عيشها. أو كيف تحُّلُ مشاكلها حِفظًا على كرامة وحدتها وراحتها؟. ولاسيَّما كيف تحمي إيمان أبنائها ونُمُوَّهُ بشكل طبيعي.

تتألَّمُ العوائل وتُكثرُ الأسئلة وتصبو الى عون. وبرأيي لا حلَّ لهذه الضيقات إلاّ بتعميق جذور الأيمان وتنقيته من شوائب الدهر لتطفو نقاوتُه وتسنُدَ جهادَهم في سبيل الحياة. وجذر الأيمان للعائلة والطفل هو خالقُ الأنسان، ومُؤَّسسُ العائلة، ومُنَظِّمُ نموِّ الحياة وآمتدادِها بشكلٍ يُسعدُ ويحمي من الذائاب الخاطفة المفترسة. فقبل مواجهة الخارج يلزم ترتيب أُمور البيت من الداخل. أقَدّمُ هنا رؤوسَ أقلامٍ كتابية، عسى ولعَّل تشفي الجراح المتقرحة.

هويَّةِ العائلة   

الأبـوان     

” جبلَ الربُّ الإلَه آدمَ تُرابًا (الجسد)..نفخ فيه نسمة الحياة ..(الروح)” (تك2: 7)

” عَظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي.. لذا يترك الرجل أباهُ وأمَّه ويتَّحِدُ بآمرأتِه ” (تك2: 23-24).

عظمٌ ولحمٌ من آدم الناسوت / الأنسان ،لا الذكر. الذكر ما بقي منه لآدم.

” خلقَ اللهُ الأنسان على صورته .. ذكرًا وأُنثى خلقهم (الخصوبة. العطاء)” (تك1: 27).

خلق اللهُ إنسانًا كاملاً (الوحدة). ثمَّ فصلَ فيه الأُنوثة عن الذكورة. كما اللهُ واحدٌ ولكن فيه الآب والأبن والروح، هكذا الأنسان واحد فيه الذكر والأنثى ، ثمَّ يأتي الطفلُ.

والأنسان مدعوٌّ إلى تحقيقَ صورة الخالق : أن يخرج عن ذاته فـ” أُنموا وآكثروا وآملأُوا الأرضَ”، وأن يُكَمِّلَ عمل الله ” وأَخضِعوها وتسَّلطوا عليها..” (تك1: 28-30).

تقودُ الغريزةُ الى الشهوة، والى العظمة، وابليسُ يُحَّفزُها ويُوَّجهُها خلافَ هدفها. تك3: 1-5

أمَّا الإنسانٌ فعاقلٌ وحُرٌّ، وعليه أن يخضع بإرادته لوصية الرب عن وعيٍ ومحَّبةٍ وثقة.

وصية الله هي :     أَّيها الرجال أَّحبوا نساءَكم ؛

                      أيتُّها النساء إحترموا أزواجكم وآخضعوا لهم  ؛

                       إِخضوا لبعضكم البعض بمخافة المسيح ؛

                                 أُسلكوا سلوك أبناء الله  ؛

      :-  سِرُّ الزواج عظيمٌ لأنَّه يرمزُ الى سِرِّ المسيح والكنيسة في الوحدة والمحبة والعمل

                                        اف 6: 32

                               و ” ما وحَّدَه الله لا يُفَرِّقُه الأنسان ” (متى19: 6).

                           و مشيئة الله هي أن تكونوا قدّيسين  1تس 4: 3

              وكل واحد من الزوجين يعين شريكه على ذلك للخلاص  1كور7: 16

     :- ” لقد تعمَّدتم جميعًا في المسيح فلبستم المسيح  ؛

     :-   ولا فرق الآن بين يهودي وغير يهودي، بين عبدٍ وحر، بين رجل وآمرأة ،

                               فأنتم كلُّكم واحدٌ في يسوع المسيح ؛

     :-   فما أنت بعدَ الآن عبدٌ، بل إبنٌ. وإن كنت إبنًا فأنت وارثٌ بفضل الله “.

                                  غل 3: 27-28 ؛ 4: 7 ؛

فإذا آفتهمَ الزوجانُ هويَتَهما الحقيقية الأصيلة، وتعاونا، بحُبٍّ وآحترامٍ متبادلين، وسمعا كلام الله، وصمدا في الأيمان، وطلبا عونَه يعرفان كيف يواجهان الشدائد، لأنَّ اللهَ يعينهم  :” ها أنا معكم كلَّ الأيّام ” (متى28: 20).

 الأبنــاء

 

كلُّ عائلة (الزوجان) ترفضُ الإنجاب، بدون سبب، هي شجرة بدون ثمر” تُقطع …”. لأنَّ كلَّ إنجابٍ هو متابعة خلق الله، وتنفيذٌ لأمره. وكلُّ طفلٍ هو إبنٌ لله، عطّية منه للوالدين، وأمانةً ليُهَذِّبوه ويساعدوه على تحقيق إنسانيته.

    -: ربُّوا أبناءَكم حسب وصايا الرب وتأديبِه، (فيكونوا) بلا عيب في جيلٍ ضّالٍ فاسد :-

                       أف 2: 23؛  5: 1-8 ؛  6: 4 ؛ كول 3: 18-21

من يُرَّبي الأولاد ؟

الأبوان معًا، إنما مباشرة وبدرجة أولى الأم ، يُعينها الأب لتثبيت تعليمها وسلطتها، لأنَّها وحدها ترافقهم وتعتني بهم طوال اليوم بينما الأب يعملُ خارج البيت. الأبوان معًا يُثَّبتان أُسس التربية، والأم تنفِذُّها مباشرة والأب يعضُدُها. كلاهما يتقيدان بها. إيمانهما واحد بالمسيح، وهدفهما واحد تربيةُ أبناءَ لله.

ولادة ثانية

:-  يجبُ عليكم أن تولدوا ثانيًا من الماء والروح  ـ  يو 3: 3-5

:-  لقد شاء اللهُ برحمته أن يُخَّلِصَنا بغسل الميلاد الثاني لحياةٍ جديدة بالروح القدس

:-  فأنتم ولدتم ولادة ثانية، لا من زرعٍ يفنى، بل من زرع لا يفنى، وهو كلمة الله الحيَّة

    الباقية  ـ                   طي 3 : 5  ؛ 1ط 1: 23

           :-  ” شاء الله فولدنا بكلمةِ الحَّق لنكون باكورةً لخلائقِه  ـ  يع1: 18

           :-  ” ولدتُكم في المسيح بالبشارة ”  1كور 4: 15

يُنجب الأبوان طفلهما مرَّتين :

الأولى ولادة طبيعية بالجسد ، فيكون الطفلُ إنسانًا صورة الله

الثانية ولادة روحية بنعمة المعمودية عندما يجعلانه أبنًا لله

وتعقبها التربية لينمو مسيحيًا عضوًا في جسد المسيح السِرّي ، الكنيسة.

وأن يشُّعَ نورَ المسيح لمن حواليه، يكون لهم الأخَ البكر في واجبه الأيماني.

متى تبدأ التربية وكيف تكون ؟

جاوب نابوليون على هذا السؤال، قال : قبل عشرين سنة من ولادته !!. أي تترَّبى أمُّه قبل زواجها ، فتتعلم ما هو الأنسان؟ ما هو الزواج؟ ما هو الإنجاب؟ ما هو الطفل؟ وتستعِدَّ له.

تعرف إنسانيتها و وحدتها مع زوجها ورسالتها أن تواصل عمل الله.

أن تعرفَ أن الطفل إنسانٌ + إبنُهما + وأيضًا ابنُ الله الذي أعطاه لهما

ليس الطفل لُعبَةً يتسَلَّى بها فقط الوالدان، بل يعملان حسابًا لشخصيَّتِه الخاصَّة ويحترمانها.

أن تعرفَ كيف تُكَّونه إنسانًا، شخصًا مستقِّلاً حسب مواهبه، وتُدَّربه على الحياة كإبنٍ لله.

أن تواكبَ عمرَه فتُضيءُ له من نور العقل والأيمان ما يستوعبُه. للعلم يتلَقَّفُ الطفل سريعًا.

يُمَدَّدُ له الأيمان ، كما يُمَّددُ له الوجود.

فتُسَهَّلُ له حياةُ الجسد ، وأيضًا حياةُ الروح.

لا يكفي تعميدهُ وإقامةُ ولائم على حسابِه ليتنعَّمَ الأهل.

بل العمل على إنماء روح الله فيه. فيكون مؤمنًا صادقًا ونشطًا.

كما يخدمونه في الجسد، يلزم أن يخدموه بالروح أيضًا، بإعطائه نموذجًا للحياة المسيحية.

يُعَّلمونه بالقول، ويُثَّبتون قولهم بفعلهم.

 <<  التعليم بالمثال أقوى وأنجح من القول والأمر >>

لا يكفي إرساله الى المدرسة بل يلزم أيضًا متابعته لئلا يُسرَقَ منه إيمانُه. يلزم حمايته من

الذئاب الخاطفة، أعوان الحَّية القديمة، المُقَنَّعين بزِّي الحملان. يلزم ضمان التعليم الألهي و

الكنسي.  لا يكفي توفير المأكل والملبس، بل: أُطلبوا أوَّلا ملكون الله وهذا كله يُزادُ لكم”   (متى6: 33).

متى يتعلم الطفلُ ؟

من لحظة ولادته. وعيُه غير فعّال لكنَّ فكره شَغَّال ويخزن له ما تسَّجله العين والأُذن.

للطفل كامرتان وسمَّاعتان تُسَّجلان له كلَّ ما يحدث حواليه، تخزنه، وعليها تنمو شخصيتُه.

إنَّه إنسانٌ كامل له كلَّ الطاقات والقوى الأنسانية، تعمل على قدر نُمُّوِ جسدِه. يكفي إستثمارُها وتوجيهُها، لا خلقُها.

          أيُّها آلآباء لا تُغضبوا أبناءَكم لئلا ييأسوا ؛  أف 6: 4  ؛ كول3: 21

الطفل أمانةٌ سَلَّمها الله بين يدي والديه ليهنأُوا ويفتخروا بثقة الله بهم.

لا يكفي توفير كلّ ما يحتاج اليه. يحتاج أن يشعرَ بحب والديه وآهتمامهم فيثق بهم.

يشبه والديه، يرث منهم بعض المزايا، لكنه مختلفٌ عنهم كليًّا وله هوِيَّتُه الخاصَّة.

عدم الأنجاب تعاسةٌ وشقاء.

وجود الطفل مسؤولية ، عبءٌ ، بذلٌ ، لكنه رجاءٌ وهنـاء.

تذكروا تعاسةَ ومعاناة من لا أطفال لهم! العقيمون.

تذكروا حزن حَنَّةُ (أم صموئيل النبي) وهي عاقر، ” تُغضِبُها ضِرَّتُها وتُهينُها “، أطالت صلاتها أمام الله تشكو له” شقاءَها وشِدَّةَ حزنها وغَمِّها ” حتى” ظَنَّها عالي الكاهن سَكرى” (1صم 1:  10-16).

تذكروا فرحة اليصابات لما إستجابَ اللهُ صلاتَها :” هذا ما أعطاني الرَبُّ يومَ نظرَ إِليَّ ليُزيلَ عنَّي العارَ بين الناس. (لو1: 25).

وآفتخر زكريا أبوه بآبنه يوحنا :” وأنت ايُّها الصبيُّ نبيَّ العلي تُدعى ” ـ لو1: 76

ربّوا جيِّدًا لتفتخروا بأبنائِكم أمام الرب، فيبارككم الرب.

ومن رَّبى أولاده جيّدًا على ضوء الأيمان لن يتندم. وحتى إذا عاق الطفلُ حينًا سيعود الى إيمانه بنعمة الله مثل الأبن الضال. لا نخافوا أن تحترموا حريّة أبنائكم، وهي نعمة من الله. ليس من الضروري أن يتقيَّد، وهو بالغٌ، برايكم. دعوه يختارُ حياته. يكفيكم أنَّكم نوَّرتموه على الحَّق، وسلكتم أنتم فيه وأعطيتموه المثال، وعلمتموه أن يختار الحَّق بإرادته لا مُكرَهًا. وعندئذٍ طوبى لكم ولهم إذا آفتهمتم جميعُكم الدرس (يو13: 15-17)

               و” من يفتخر، فليفتخر بالرب ”   ـ  1كور 1 : 31