الأحـد الجديـد ، الثاني للقيـامة !

لماذا دُعيَ هذا الأحد بـ ” الجديد ” ؟ يوم أحد القيامة ثبت الخلاص ونالت الأنسانية وجهًا جديدًا للحياة حسب تعليم المسيح. وهو رأسُ الحياة الجديدة. كان آدم رأس الحياة التي تمَرَّغت في طين التمَّرُدِ على الله. يسوع رأس الحياة التي رفعت رأس الأنسان بالطاعة لله. وضع الله أساسًا جديدًا للحياة. كلُّ الخلائق تجَدَّدتْ في المسيح، ولبس المؤمنون الأنسان الجديد الذي يتجَدَّد في المعرفة على صورة خالقِه. على الجلجلة صنع الخالقُ خليقةً جديدة مُظهِرًا قُوَّة صِناعتِه بالرجل المصلوب. عقد يسوع مع البشرية بدمه عهدًا جديدًا. تعليم المسيح نظام روحي جديد. بالمعمودية نلبس هذا الأنسان الجديد الذي هو على صورة الله لا التراب. ولهذا الرجل الجديد، والنظام الروحي الجديد دستور خُلُقيٌ جديد هو المحبة. وصّية جديدة أُعطيكم : أحبوا بعضُكم بعضًا، كما أنا أحببتُكم. كلُّ هذا ثبُتَ بشهادة قيامة المسيح. واليوم هو الأحد الأول من الآحاد التي تثَّبتُ وتُجَّددُ القيامة وتوزعُ خيراتها للناس. فهذا الأحد هو الأحتفالُ الجديد بالقيامة. وعلى غراره يُجَّدِدُ كل أحد القيامة والحياة الروحية الألهية في الأنسان. والصلاة الفرضية وكل مراسيم اليوم تدور حول هذا الموضوع : جِدَّة الحياة. وقالت إحدى ترانيم الصباح :

في الأحد اليوم الجديد. تعالوا نُرَّتـل مجدًا جديدًا

للمسيح الختن الجديد. الذي وعدنا عالمًا جديدًا

تتلى علينا اليوم القراءات : أع4: 32 – 5: 11 ؛ كو1: 1-20 ؛ يو20: 19-31

الرسالة : كولسي 1 : 1 – 20

يبدأ بولس رسالته بشكر الله على إيمان أهل كولسي الذين عرفوا يسوع المسيح على يد التلميذ أَبَفراس، خادمُ كنيستهم. ويدعو لهم بالتقَّدم في” معرفة مشيئة الله حَّقَ المعرفة “، و ليس سطحيًا فقط. وتكون تلك المعرفة فعَّالة فيسلكوا حسب وصيَّة الرب ويُعطوا ثمارًا تليق بدعوتهم وترضي الله. وهذا يقتضي الجهاد ضد القِوى المناوئة، والتغَّلب عليها بقوة المسيح ، والصبر على المُلِمَّات يسنده الرجاءُ” بمُشاركة القديسين ميراثَهم في النور”. لقد إستحَّقَ المسيحُ للمؤمنين به هذا المجد لمَّا غفر لهم خطاياهم، إذ كَفَّرَ عنها وفداهم بذبيحة دمه.

أوَّلية المسيح في كلِّ شيء !

لمَّا يتحَّدث الكتاب عن ” المسيح ” فهو يُشيرُ الى الله المتجَّسد، الذي يحيا لاهوته بين البشر، وفي ناسوتٍ كامل يتفاعلُ مع الشخص الألهي الذي يُحييه. وقد أكَّد المسيح للفريسيين أنه يسبقُ إبراهيم في الوجود. طبعًا ليس في هيئة الجسد. بل في شخصِه الأزلي. وبعد ولادة هذا الناسوت رأينا الله فيه. لذا فيسوع صورة الله في الناسوت. إنَّما كان ناسوته ، في هيئة الجسد، حاضِرًا في فكر الله قبل أن يُخلق الأنسانُ. و إذا قال الله ” لنصنع الأنسان على صورتنا ومثالنا “، كانت حقيقة الناسوت موجودة فيه. لذا لا نستغرب إذا قرأنا اليوم مار بولس يقولُ عن يسوع المسيح :” هو صورةُ الله الذي لا يُرى”. هو الله الذي لا يمكن أن نراه في جوهر كيانه ونحن في الجسد. هذا ما أكَّده الله لموسي عندما طلب منه ” أرني مجدَكَ”، أجابَهُ :” أما وجهي فلا تقدرُ أن تراهُ. لأنَّ الذي يراني لا يعيشُ” (خر33: 18-20). ولهذا أيضا حرم الله شعبَ موسى من أن يصنع عنه تمثالا أو يرسم صورة (خر 20: 4). لقد عاين الرسلُ على الجبل تجَّلِيَ مجِد المسيح الألهي في ناسوته. أما نحن فنراه الآن في ناسوتِه. ونقدر أن نرسمَه في ناسوتِه. ولن نراهُ في مجده وجهًا لوجه إلاّ بعد خروجنا من الجسد (1كور13: 12) ، و عودتنا الى الروح، صورة الله الحقيقية.

بكر الخلائق كلها !

يُضيف بولس قائلا عن المسيح :” و بكرُ الخلائقِ كلها “. وسيكتبُ للرومان بأنَّ المؤمنين بالمسيح سيتألَّهون ويكونون أبناء الله ” على صورة إبنه (المسيح)، حتى يكون الأبنُ بكرًا لأخوةٍ كثيرين” (رم8: 29). البكرُ هو الأول. فالمسيح هو أول موجود في فكر الله. وهو أول مؤمن أطاعَ الله، وهو أيضًا أول من قام من بين الأموات ورأى ، في ناسوتِه ، مجدَ الله. ففي الوجود والأيمان يأتي المسيح في المرتبةِ الأولى. فهو البكرُ والنموذج الأمثَل لجميع الناس في الحياة والعلاقة مع الله. لذا هو الوسيط الوحيد الأجدر بين الله والأنسان.

بكر الخلائق لا تعني أنَّ المسيح ” مخلوق”. لا أبدًا. ونُعلن ذلك في قانون الأيمان ونقول عنه : ” مولودٌ غيرُ مخلوقٍ”. شخص المسيح هو ” كلمة الله” الأزلية. والناسوتُ ليسَ شخصًا بل طبيعة فقط. توجد الطبيعة الألهية الروحية المحض. والطبيعة الأنسانية المُرَّكبة من الشخص ( الروحي) والجسد (المادي الحِسّي). والطبيعة الحيوانية والنباتية. في الله الثالوث تتمَّيز الأقانيم، والطبيعة واحدة. وفي الأنسان يتمَّيز الأفراد (الأشخاص)، والطبيعة واحدة. فالمسيح إلَهٌ في شخصِه وطبيعتِه، وله طبيعة ثانية إضافية، الأنسانية. وهذه الطبيعة مصَّممة وموجودة في الله قبل أن يُخْلقَ آدمُ وقبل أن يخطأ الأنسان. فَسِرُّ التجَّسد وسِرِّ الفداء موجود في سِرِّ الله الثالوث منذ الأزل. والمسيح، بهذه الصفة، موجود قبل كلِّ الخلائق. هو أولُّها. فدعاه مار بولس ” بكرَ الخلائق ” و ” بكرَ المؤمنين”. في المسيح، كلمةِ الله، خُلِقَ كُلُّ شيء،” بهِ ولهُ “.

يحُّلَ به الكمالُ كلُّه !

ويكون المسيح ” نموذجَ الكمال”، يُظهرُ كمال الله في القداسة والقدرة والمحبة فالرحمة، و يدعو الأنسان أن يقتدي به، هو الذي لم يقوَ حتى أعداؤُه أن يُعَّيبوه بغلطةٍ أو خطأ فكريٍّ أو خلقي. فثقل ظِلُّه على القادة المنافقين والمخالفين لشريعة الله والضمير الأنساني. وللتخَّلُصِ منه لم يجدوا غير إتهامِه بالتجديف على الله. فالله إذن بارٌّ ولا عيب فيه ولا نقص. و يريدُ مصلحة الأنسان في خيره وراحتَه. والمسيح شهادةٌ حَيَّة على ذلك. وهو أيضًا شهادة راسخة لا تقبلُ الرَّد على أنَّ الأنسان أيضًا يقدر أن يكون مثله كاملاً في الحَّق والمحبَّة، فيتغَلَّبُ على عدُّوِه الذي إستغفلَه في البدء لعدم خبرته، وكذِبَ عليه فأوقعه. قَدَّسَ يسوع نفسَه في الحَّق من أجل البشر” ليكونوا هم أيضًا مُقَدَّسين في الحق” (يو17: 19). ما دام كلُّ الناس صورة الله وإخوة لأخيهم البكر يسوع المسيح فهم مَدعوون الى السلوك في دربه والتعَّلم منه كيف يُحَّققون راحتهم وينالون مجدَهم.

وهو أيضًا رأسُ الجسد !

إذا كان الناسُ كلُّهم أعضاء لبعضهم وإخوة في آدم أصل حياتهم الزمنية، فهم كلُّهم إخوة للمسيح ويُشكلون مع أخيهم البكر جسمًا واحدًا لأنه فيه وحدَه عرفوا الله على حقيقته ونالوا الخلاص وهو يضُّخُ فيهم الحياة الألهية، وبه يضمنون الحياة الأبدية في المجد والراحة. إنَّه هو الذي وحدَه دفع فدية البشرية، و صالح الناس مع الله، ليعيشوا بسلام وأمان، إن أرادوا ذلك ولم يتنَّكروا لأخيهم وفاديهم. و هذا الجسم الواحد هو الكنيسة، جماعة المؤمنين بالمسيح والملتزمين بتعليمه وشريعته. وهو الرأسُ الوحيدُ الذي يقودُ الكنيسة. كما الرأسُ يُحَّركُ الجسم كلَّه، وكلُّ الأعضاء تنقادُ إليه وتنَّفذُ إيعازاتِه، هكذا الأمر بين المسيح والمؤمنين به ، الكنيسة. كلام المسيح الواحد نفسُه يُنَّورُ كلَّ عقول المؤمنين وضمائرهم، وخبزُجسده الواحد نفسُه يقوت نفوسهم ويسندُ أرواحَهم. المسيح الواحد نفسُه يتواجدُ في جميع المؤمنين يُوَّحدُهم ويَخُّطُ لهم طريقهم الوحيد الى الخلود السعيد المرغوب. هكذا إن أردنا الحياة الحَّقة، فكرًا وفعلاً، فالمسيح هو المعَّلم المُنير الأول، والدليل الأفضل ، والسندُ الأضمن ، لأنه هو الله القدوس، والأنسان البار، وخبير الحياتين الألهية والأنسانية. ولأنه ” أُبْتُليَ بشقاء البشر فهو قادرٌ على إغاثة المبتلين ” (عب2: 18). إنَّه قادرٌ” على أن يُخَّلِصَ الذين يتقَرَّبون به الى الله، خلاصًا تّامًا، لأنَّه حَّيٌ باقٍ ليتشَفَّعَ لهم” (عب7: 25). هو وحدَه الأنسان الذي إنتصر على ابليس وحكم عليه (يو16: 11) وآمتلك المجد والراحة، و يقدر أن يُشرك بها من يؤمنُ به فيُحِّبُه ويسمع كلامه.