الأحــد الثالث للقـيامة !

تذكار الشهيد ربان هرمز، والشفعاء المحليين لكل رعية

تتلى علينا اليوم القراءات : أع5: 34-42 ؛ اف1: 1-14 ؛ يو14: 1-14

الرسالة : أفسس 1 : 1 – 14

عَنْوَنَ بولسُ رسالتَه هكذا :” إلى الإخوة القِدّيسين”. وهكذا فعل في أغلبِ رسائله. أَ تُرَى كُلُّ من بشَّرهم بولس وآمنوا بالمسيح كانوا قديسين؟. لا يبدو أن بولس يعني ذلك. لقد دعا أهل أخائية، وأهل كنيسة كورنثية بالذات، قديسين (2كور1: 1) مع العلم سوف يلومهم على حادث زنى” لا مثيلَ له حتى عند الوثنيين” (1كور5: 1-2). كما سيقعُ بينه وبينهم خلافٌ مُر قاد إلى تطاول بعضهم عليه بالكلام وإهانته، ما أجبَرَه على الدفاع عن نفسِه (2كور10: 1-11). ما يعنيه بولس بـ” القديسين” هو ما سبق وكتبه لأهل كورنثية حيث يقول: ” الذين قَدَّسَهم اللهُ في المسيح يسوع، ودعاهم ليكونوا قِدّيسين مع جميع الذين يُدعَون في كلِّ مكان بآسم رَبِّنا يسوع المسيح” (1كور1: 2). في العماد تطَّهَرَ المؤمنُ من دنس الخطيئة وأصبحَ بذلك قدّيسًا، ومطلوبٌ منه أن يُحافِظ على تلك حياة القداسة، لأنه مخلوقٌ من نسمةِ حياة الله القُدوسة نفسِها، ومدعُوٌّ إلى أن يكون قديسًا مثل الله (أح19: 2؛ 1بك1: 16؛ 1تس4: 7). و كاملاً في كل شيء (متى5: 48). و كلُّ مسيحي مُقَّدَسٌ في عمادِه، ومَدعُوٌّ أن يعيش تلك القداسة (آية 4)، بشكل” لا ينالُها لومٌ لدى إلهِنا وأبينا ” (1تس3: 13) أي ألا يتدَنَّسَ بالتمَرُّدِ على وصايا الله. وأساس القداسة هو المحَّبة لأنَّ الله القدّوس هو” محَّبة ” (1يو4: 8).

كلُّ بركةٍ ، على يد المسيح !

أكَّد بولس أنّ كلَّ خير وبركة ينالها الأنسانُ، والخليقةُ كلُّها، فهي تأتينا عن طريق المسيح و بواسطتِه. إنَّه هو” الوسيطُ الوحيد بين اللهِ والناس” لأنه وحدَه ” يريدُ أن يخلُصَ جميعُ الناس وأن يبلُغوا إلى معرفةِ الحَّق “، وهو وحدَه حقَّـقَ ذلك ” فجادَ بنفسِه فِديَةً لجميع الناس” (1 طيم 2: 4-6). “إختارنا الله في المسيح قبل إنشاءِ العالم”. لأنَّ الله عرف عند تخطيطه أن الأنسان سيخطأ. وأبى أن يتنازل عنه ويُبْديَ ضُعفًا، فيتَهَّللُ ابليس، فقَرَّرَ، قبلَ أن يَخلَقه، أنْ يُخَّلِصَ الأنسان ويُغَّلِبَهُ على ابليس. و على يد المسيح تمَّ فِداؤُنا بغُفرانِ خطايانا ” أحيانا الله مع المسيح القائم من بين الأموات وصفح لنا عن جميع زَّلاتِنا، ومحا ما كان علينا من صَّكٍ للوصية، وألغاهُ مُسَّمِرًا إيَّاهُ { مع المسيح} على الصليب” (كو2: 13-14). قبِل المسيح من قبْل إنشاء العالم أن يَفديَنا بسفكِ دمه تكفيرًا عن خطايانا. فقبل الله فِديَتَه وسامَحَنا لأجلِه. وبه أيضًا تبَّنانا أولادًا له. أفاضَ روحَه القدوس علينا ، كما حَلَّ على المسيح في عمادِه ، تلبيةً لطلب المسيح (يو14: 16-17، 26؛ 15: 26؛ 16: 7). فهذا الروح جعلنا أبناءَ لله، وهو” يشهدُ بأننا أبناءُ الله و ورثَتُه شركاءَ المسيح في الميراث” (رم8: 16=17؛ غل4: 7). وستتكللُ بركات الله بأنَّه وعدَ أن يجازيَ كلَّ تلميذٍ وفِيٍّ بإكليل البر(2طيم4: 8) ليُشاركَ المسيحَ مقامَه ومجدَه (يو17: 10 و 24) ، لأنه هو دعا لتلاميذه عبر الأجيال أن يتمجدوا معه (يو17: 9، 20).

يجمعُ في المسيح كلَّ شيء !

كان الكلمةُ الألهية مصدرَ الكون ومركَزَه إذ ” به كان كُلُّ شيء، وبغيرِه لم يكُن شيءٌ مما كان. فيه كانت الحياة ” (يو1: 3-4). كان الكون بما فيه ” حسَنًا جِدًّا ” (تك1: 31). شَوَّهَتْه خطيئةُ الأنسان. وتفاقمَ الشَّرُ سوءًا، وخرجت الخلائق عن طاعة الله حتى تمَرَّدَ الأنسان علنًا على الله وصنع لنفسِه إلَهًا وعبدَه (خر32: 1-7). ثم أعلنَ ألأنسانُ نفسَه إلَهًا مُحاولُ باطلاً منافسَة سُلطان الله. جاء المسيح، ذوالنسب الشريف، ليتولى المُلْكَ على الكون. رفضه شعبُه . لكنه توَّلى المُلكَ رغمًا عنه (لو19: 12-27)، وجَرَّدَه من إمتيازاتِه السابقة (متى21: 43) ، ويُبيدً شيئًا فشيئًا ” كلَّ رئاسةٍ وكلَّ سلطةٍ وقُوَّةٍ {خارج حُكم الله}..و يملكُ حتى يضَعَ جميعَ أعدائِه تحتَ قدميه ” (1كور15: 24-25). لقد تولَّى المسيح المُلكَ “فأخضعَ له اللهُ الآبُ كلَّ شيء”.(متى28: 18؛ يو5: 22-27؛عب2: 7). لأنَّ كلُّ سلطة هي من الله الخالق، والحُّكام البشر ليسوا سوى خُدّامٍ عند الله (رم13: 1-6). سيُزيلُ المسيح كلَّ عوامل تجزئة البشر و تفرقتهم. لقد صالح بدمه المؤمنين والوثنيين وجعلهم جماعة واحدة، وقد قضى بصلبِه على كلِّ عداوةٍ وخلاف موَّحدًا إيّاهم في المحبة، لأنَّ لجميع الناس طريقًا واحدًا لا غير يقودُ الى الله (أف2: 14-18). ولا بيتَ لهم غير فردوسِ الله حيثُ يحيا الله والمُخَّلَصون معًا للأبد (رؤ21: 3-4). ومتى خضع كلُّ شيءٍ للمسيح عندئذٍ” يُخضِعُ الأبنُ نفسَه لذاكَ الذي أخضَعَ له كلَّ شيء. فيكون اللهُ كلَّ شيءٍ في كلِّ شيء” (1كور15: 28). فتجري الحياة كما أرادها الله منذ الأزل.

كشفَ لنا سِرَّ مشيئتِه !

يقول لنا مار بولس، وهو صاحب الرؤى (2كور12: 1-7)،بأنَّ الله كشفَ لنا في المسيح ” سِرَّ مشيئتِه “. أي أنَّ لله مُخَّططًا يسيرُ عليه الكون. فللكون بدايةٌ وهدف. أنْ يَظهرَ فيه مجدُ اللهِ وقدرتُه الفائقة لكلِّ قدرة، ولاسيما محَّبتُه العظيمة التي يُترجمُها بسخائِه الفيَّاض ورحمتِه الواسعة. لكنَّ الله لم يُبدِ كلَّ هذا من اللحظة الأولى للخلق. ولا في وجبةٍ واحدة بعد اكتمال مراحلَ عديدة. بل لكل مرحلة زمن مُؤَّقت. والزمن ليس بتحديد أيّامِه وسنيهِ. بل بمستوى بلوغ الأنسان إلى نضوجٍ يُساعِدُ على نمو الكون بمواده وصورته ولاسيما خلائِقِه حتى يبلغ مليءَ قامة رغبةِ الله. إنَّ الفصل الأول من سفر التكوين أجلى دليل على ذلك. ينمو الكون خطوة فخطوة إلى أن يبلغ صُنع قمَّةِ الكائنات :” الأنسان”. كما يفعُل باني برجٍ أو ملك يُحارب فيحسب كلفة المواد والعمل والطواريء التي ليست في الحسبان (لو14: 27-31)، هكذا بنى الله كونه وخلق كائناته فحسب لا فقط حاجاتهم بل وحتى نتائج تعاملهم مع بعضهم، ومدى تأثير ذلك وتأثير مزاج الأنسان وآختياراتِه على نمُّوِ الكون وآكتمالِه. بناءًا على حكمته وفهمه ورغبته في بهاء الكون وهناء الأنسان مُكَّمِله لم يكشف الله خطَّته للأنسان، بل يلجأُ إلى ذلك كلَّ ما يحين زمن وقوع أحداثٍ جديدة و إضافةُ إضاءاتٍ حديثة الى نور الحياة. لمَّا نضج الأنسان بكفاية ليفهم التجسد والفداء، بعد مقدمات رموز وإشارات ونبوءات عبر التأريخ، أعلن الله عن تحقيق وعده (لو1: 26-33، و55)، منذ خطيئة آدم، بإرسال إبنٍ مُخَّلص (تك3: 15) :” و لما تم الزمان أرسلَ الله إبنه.. ليفتدي.. ونحظى بالتبَّني ..” (غل4: 4-5)، ويكشف حوهره الألهي وقدرته وقداسته (عب1 : 1-3).

تعاملَ الله مع الأنسانية حسب نمو نضوجها الفكري والعاطفي إي إستعدادها لإدراك فكر الله ورغبته وهدف ما يصبو إليه. خطته قد تكون سِرّية ولكن الله يحسبُ حساب نمو وعي الأنسان وقدرته للتفاعل مع مشيئة الله، وأيضًا ليحميَ أبناءَه من غدر الأشرار والدَّجالين. و من الله تعلَّمت الكنيسة، بإرشاد الروح القدس، أن تبلغ بشارة الخلاص على مراحل حسبما يأتي زمان كلِّ شيء. عقدت مجامعَها في فترات متفاوتة من الزمان، وأعلنت عقائد إيمانها حسب إقتضاء ظروف الحياة الأجتماعية وبإيحاءٍ من الله. والرسلُ نماذج لكذا تصَّرُف. و كاتب الرسالة الى العبرانيين يقول لرعاياه :” إنَّكم بحاجة إلى من يُعَّلمكم أوَّليات أقوال الله. بحاجة إلى لبن حليب، لا إلى طعام قوي.. ومن أوليات التعليم في المسيح نرتفعُ إلى التعليم الكامل” (عب5: 12 – 6: 3). ومار بولس يلوم أهل كورنثية على بُطء إرتقائهم في الروحانيات، فيقول :” لم أستطع أن أُكَّلِمَكم كلامي لأناسٍ روحانيين، بل لبشر كالأطفال في المسيح. قد غَذَّوتُكم باللبن الحليب لا بالطعام، لأنكم ما كنتم تطيقونه، ولا أنتم تطيقونه الآن. فإنَّكم لا تزالون بشَرًا “(1كور3: 1-3). وينسج ماربطرس على نفس المنوَل ناصحًا ومُعَّلِمًا ، فيقول: ” أَلقوا عنكم كلَّ خُبثٍ وغِشٍّ ورياءٍ وحسدٍ ونميمةٍ. وآرغبوا كالأطفال الرُضَّع في اللبن الروحي الصافي، لتنموا به من أجل الخلاص..” (1بط2: 1-3).

بولس حامل سِرِّ المسيح !

لقد قضى الله أن يكون المسيح هو ” النور” الذي يكشف مشيئة الله ومشروعَه الخلاصي. و قد أكَّدَ عليها يسوع لما صَرَّح ” أنا نور العالم “(يو8: 12؛ 9: 5؛ 12: 46). ويسوع رمز الى سِرِّه دون أن يُعلنه بالحرف. شفى خادم القائد الوثني، وآبنة الكنعانية، وخالط الخطأة وعارضَ تقاليد يهودية كثيرة لكن التلاميذ كانوا بطيئي الإدراك. وبولس لم يعرف كلَّ ذلك لكن الرب كشفه له وأطلعه بالحرف على سِرَّه. سِرُّه أنه يحمل الخلاص لجميع الناس دون تمييز بين يهودي أو وثني. ليس الخلاص محصورًا على أبناء شعب الله. ولأنَّ شعب الله لم يفهم ذلك ورفضَ أن يكون نورًا للأمم كما طلبه منه الله (اش49: 6) فقدَ إمتيازَه. فالمسيح صَحَّح مسار الأيمان وأعلن أنه راعي القطيع الإنساني برُمَّتِه (يو10: 16). الأنسانية شعبٌ ولحد لنفس الله الواحد ويُغَّذي نفسَ الرجاء الواحد براحةِ الحياة الأبدية. سيكتب بولس لاحقًا :” أُوليتُ نعمة الله .. وأُطلِعتُ على السِر بوحي.. هذا السر الذي لم يُطْلَعْ عليه بنو البش في القرون الماضية، وكُشفَ الآن في الروح .. وهو: إنَّ الوثنيين هم في المسيح يسوع شُركاءُ اليهود في ميراثِه و وعدِه ..” ؛ وليس الكُلُّ يفهم ذلك و يقبله. خاصمَ المؤمنون بطرس لأنه دخل بيت وثنيٍّ وعَمَّدَ أفرادَ العائلة (أع11: 2-4). لم يكن الزمان مؤاتيا قبل بروز بولس في دعوتِه. ويُقِّرُ أنْ: ” أُوليتُ هذه النعمة لأُبشر الوثنيين بما في المسيح من سِعةٍ بعيدِة الغور.. بقي السر مكتومًا في الله {وكشف الآن} ليكون الفضلُ للكنيسةِ في إطلاعِ أصحاب الرئاسة والسلطة ..على حكمة الله التي لا تُحصى وجوهُها. وما ذاك إلا تحقيقٌ للقضاءِ الأزلي الذي عزمَ الله عليه في ربنا يسوع المسيح” (أف3: 2-12). وينهي بولس ليُؤَّكدَ على أنَّ تدبيرَالله في رعاية الكون أزليٌّ يتحَقَّقُ في الزمن على حقبات. وتدبير الله هذا سيكتمل “عندما تكتملُ الأزمنة، فيجمعُ في المسيح كلَّ شيء في السماوات وفي الأرض ” (آية 10).