الأحـد الأول لمـوسى !

للعلم : يتوَّقفُ الإحتفال بآحادِ ” موسى” على عيد القيامة. ويُحتفل منها كل سنة بعدد مختلف. يتراوح عددها بين أحدٍ واحد و أربعة. إذا وقعت القيامة في 13/ 4 نيسان فلن يُحتفل بأيّ أحد لموسى لأنَّ عيد الصليب أيضًا يقع يوم أحد 14/ 9. فيبدأ سابوع إيليا في الأحد السابق، وتكون السوابيع السابقة قد إكتملت بشكل طبيعي. إذا وقعت القيامة قيل 13/ 4 تُضاف أحاد لموسى بقدر ما أُلغيت آحاد من سابوع الدنح. وقد تصل إلى أربعة آحاد. عندما تتأخر القيامة تقل الحاجة الى آحاد موسى. إلا إذا كان موقع عيد الصليب يتطلب دمج الأحدين الأخيرين من سابوع الصيف، كما حدث هذه السنة. أما لماذا دعيت بآسم موسى فعلى الأغلب لأنَّ موسى هو أبو الشريعة ( يو7: 19 )، ولأنه وصَّى الشعب أن يسمع للمسيح ( تث18: 15 ؛ يو5: 46 ) ، ولاسيما لأنه رافق إيليا فتراءَيا للرسل عند تجَّلي يسوع المسيح ( متى 17: 3 ).

بخصوص ترتيب صلاة الأحد { إعتبارًا من رَمْشِه عصرَ السبت } والأسبوع الذي يليه، يُعرَفُ أينَ تبدأ، في قذمايى أو حرايى ، من رتبة ” قالى دْشَهْرا ܩܵܠܹ̈ܐ ܕܫܵܗܪܵܐ” حيثُ يكتب ” قذمايى ܩܲܕܼܡܵܝܹ̈ܐ” أو ” حْرايى ܐ݉ܚܪ̈ܵܝܹܐ”

تتلى علينا اليوم القراءات : اش40: 1-8 ؛ 2كور1: 23-2: 4 ؛ متى20: 1-16

الرسالة :- 2 كورنثية 1 : 23 – 2: 16

تصَّدرَ المشهَدَ الهَّمُ والغَّم. بولس بعيدٌ عن كورنثية. ويتحاشى زيارة الرعية فيها لئلا تُثيرَ لديهم الحزن والغَّم. ويحتاطُ ذلك خوفًا من ألا تتكَّررَ المشادات وتَصِلَ إلى الأهانات فيتخذ بولس إجراءًا رادعًا يُسَّببُ لأهل كورنثية الكآبة والغَّم. ويأبى أن يُهمِلَهم ويتركهم ضحِّيةَ أوهام من جهة، ومن أخرى فريسة طريّة يُطاردُها عدُّوُ الحق. يكتب لهم وقلبه تلتهمُه نيران الشوق إليهم، وفكرُه يصبو إلى إبعاد الهَّم والغَّم من قلبهم. فتنساب كلمات الموَّدة بين أنفاسِه : ” كتبتُ إليكم وبي شِدَّةُ كُربةٍ، وضيقُ صدرٍ، والدموعُ تفيضُ من عينَّيَ “!.

أُشهِدُ اللهَ على نفسي !

يُبَّررُ بولس ذِمَّتَه، ويقيمُ الله شاهدًا على أنَّه صادقٌ في كلامه، في أستقامة نيَّتِه في خدمته لهم ورغبته في قضاء بعض الوقت بينهم. لقد تهمَه كورنثيون أنه يريد زيارتهم لمنفعةٍ، ولاسيما ” للسيطرة على إيمانهم “. أمَّا هو فيُؤَّكدُ بأنَّ الدافع للزيارة التي ينوي القيام بها ليس إلا بسبب رأفتهِ و شفقته عليهم. بينهم أناسٌ أشرار، ذئابٌ تريد خطفهم خارج رعية المسيح. ولا يُحِّبُ أن يتركهم فريسة سهلة لهم. لاسيما وقد خيَّمَ عليهم الحُزن بسبب الشغب الذي حدث، وسوء الأخلاق الذي ذَرَّ قرنَه فمقاطعة الجاني، والأعتداء الذي وقع على بولس. ليس الحزن والكآبة بيئةً صالحة لنمُّوِ بذرة الأيمان بشكل جَّيد. لذا يريد بولس أن يُزيل هذا الضباب الكريه ويُلَّطف الأجواء ليعود نور الفرح والوئام يسودُ من جديد. يرى أنَّ إيمانهم صادق وثابت. لكنَّه طريءٌ ، والخطرَ المُحدقَ به مُخيفٌ. فيُحِّبُ أن يتعاون معهم، كرسول صادق، لآستعادة الفرح والسلام. يعتبر ذلك واجبَه،” تلَّقينا نحن عزاءًا من الله لنُعَّزيَ سوانا في كلِّ شِدَّة “(2كور1: 4). و لكنَّه تأكَّدَ من أنَّ الوضعَ الراهن لا يضمنُ أُمنيتَه، بل قد يعكُسُها ويُزيدُ غَمًّا على غم. لذلك قرَّرَ ألاَّ يزورَهم حاليًا. لم يتشَّبثْ بولس برأيه ولم يُعاند في تنفيذه، وإن كانت نيتُه سليمة وهدفُه الخدمة. لكَّنه أذعن للوضع الراهن وآختار أن يتصَّرف بحكمة ولو على حساب هَمِّهِ هو وغَمِّهِ، وآتَّكلَ على مشيئةِ الله.

أن تعرفوا مبلغ حُّبي العظيم لكم !

وإن منعته الظروف من الزيارة لكنه لا ييأس بل يلجَأُ إلى الإمكانية الثانية المُتاحة له فيُرسلُ إليهم أحدَ معاونيه، مع رسالة خطّية منه، لكي يبقى على التواصل معهم ويستمِرَّ في مساعدتهم، ولو من بعيد، على التغَّلب على شدائِدهم. ذلك لأنه يُحِّبُهم. لم تكن علاقته معهم علاقة موظف مسؤول يعيش من جرّاء خدمته لهم. كانت مثل علاقة المسيح بكنيسته ” التي أحَّبَها وبذل نفسَه من أجلها ليُقَّدسَها ويُطَّهرَها بالماءِ والكلمة ” (أف5: 25-26). يسوع تخَّلى عن مجده وخدم كعبد وأطاع حتى الموت (في2: 6-8) لأنه أحَّبنا ونحن بعد خطأة حتى مات من أجلنا (رم5: 8). هكذا بولس لم يعرف حدًّا لحُّبه للآخرين. حُّبُه هو الذي يقوده في البشارة. وحُّبه لخلاص اليهود جعله يقبل تحَّدي الحرمان من المسيح في سبيل خلاصِهم وإيمانهم بالمسيح (رم9: 3). وفي كورنثية جالية يهودية مُهِّمة. وقد إهتدى منهم بعضهم مثل معاونيه أكيلا وبرِسْقِّلا، لكن الأغلبية رفضوه وقاوموه (رم16: 3-5؛ أع18: 2-6). فمن آمن من اليهود والوثنيين أحَّبهم كثيرًا. يعتبرهم مُختاري الله القدّيسين، مثل جميع المؤمنين. وقد وصفهم كذلك في بدء الرسالة.

وللمحَّبة، عند بولس، قيمة عظيمة. وقد مجَّدها في رسالته الأولى لهم بأنَّها ” أفضل سبيل للحياة. بدونها لا ينفع لا الأيمان ولا الرجاء. إنَّها وحدَها تدوم للأبد” (1كور 13: 1-13). إنها عصَبُ الحياة، تختصرُ الشريعة والأنبياء (متى22: 40؛ رم13: 9-10). وكما يُحِّبُ بولس فهو واثقٌ من أنَّ رعاياه أيضًا تُحِّبه. لأنَّ المحبة لا يمكن أن تبقى من طرف واحد. بل تنمو كالبذرة حيثُ زُرِعَت، وكالنور تُحَّولُ غيرها إلى نفسِها. ولذا فهو يشعرُ، وإحساسُه لا يكذب، بأنَّ الغمَّ الذي أصابه هو من جرّاء إهانة أحدهم له أصابَهم كلَّهم. فهم لا يرضون أن تُداسَ الكرامةُ لا عنده ولا عندهم.

أعفو عمن أخطأ إكرامًا لكم !

وحتى يبَّينَ صِدقَ كلامه وحُسنَ نيَّتِه يتطرَّق الى موضوع مَن أهانه وكيفَ عاقبوه هم. ولأجل إزالةِ الغَّم العام، ورأفةً بالمُذنب المُعاقَب، فهو مستَعِدٌّ أن يعفوَ عنه ، و يُخَّصصُ ” إكرامًا لكم” و” في حضرة المسيح”. ويطلبُ منهم أيضًا أن يعفوا عنه، إكرامًا لمحبة المسيح الحاضر في ما بينهم، وإلتزامًا بشريعته التي سنَّت الغفران سبيلا للحياة ،” إِغفِروا يُغفَرُ لكم “(لو6: 37). بولس واعٍ بأنَّ العدالة حَقٌّ و واجب (لو23: 40-41). ولكنه واعٍ أيضًا أنَّ الرحمة تتفوقُ على العدالة (يع2: 13)، فالله “شاء برحمته أن يُخَّلصَنا” (طي3: 5)، لأنَّ الخلاصَ بغفران الخطايا. وتلك رحمةٌ من لُطفِ إلهنا ” (لو1: 78). وبولس واعٍ أيضًا أن الشيطان يخدعُ الأنسان فعلاً إذ يوسوسُ له ويدفعُه إلى العنف والقسوة، بحجة العدالة، الى حَدِّ التوَّحش فالظلم. و لكي لا يقع بولس و الكورنثيون في فخ الشيطان يلتزمون بوصية الله في ممارسةِ الرحمة. لا ضُعفًا ولا خوفًا بل تمجيدًا لله في الثقة بحكمته ورحمته. وبولس واعٍ أيضًا أنَّ إطالة الحزن فخٌّ آخر للمذنب قد يُجُّرُه أحيانًا كثيرة إلى اليأس فيغرقُ في بحر البؤس والغَّم، منتهيًا بالهلاك. وبولس يريدُ الخلاص حتى للخاطئين فيناشِدُ الكورنثيين أن يبدوا محَّبةً أزيد لهذا الخاطي ويُشَّجعوه على التوبة. هذا هو ما يرضي الرب وليس القضاءُ عليه. فقد مات المسيحُ مصلوبًا ليَفديَهُ بدمِه.

أختبرُ طاعتَكم !

إذا كان سببُ كتابة بولس رسالة للكورنثيين أن يُفَّرِحَهُم (آية 1: 24)، وأن يضمن عدم إحزانه لدى زيارته المرغوبة (آية2: 3)، وأن يعرفوا مبلغ حبه العظيم لهم (آية 4)، إلا إنه توخَّى أيضًا معرفة نسبة ثقتهم به وبالتالي قوَّة طاعتهم الواعية له. هل يطيعون له في كلِّ شيء ؟ (آية9). ليس لفرض رأيه بل لقبول تعليم المسيح ، الذي يجهلونه، بينما يعرفُه بولس ويُبَّلغهم إيَّاهُ. يريدُ أن يعوا جيِّدًا أن ما يفعله ليس كسبًا لمالٍ أو جاه بل حُبًّا بهم ولأجل خلاصِهم ، وطاعةً لآختيار الرب له وإقامتِه رسولا يتابع عملَ الرب. لأنَّه كما أن المسيح حاضرٌ بين مؤمني كورنثية وكل الرعايا الأخرى فهو حاضرٌ بشكل أمضى في فكر الرسول وفي قلبه.