الأحد الخامس للصيف

تتلى علينا اليوم القراءات  : اش28: 14-22؛أح23: 33-43 2كور12: 14-20؛ لو16: 19-31

القـراءة : إِشَعْيا 28 : 14 – 22 :– يتحالفُ قادة اليهود مع الأشرار ويلجأون إلى الكذب لتمشية أُمورِهم. يؤَّكدُ لهم الله أنَّ الحَقَّ وحدَه قياسُ الإدارةِ ، والحُّب قياسُ السلوك. إنَّ مملكة المسيح ستقومُ على الحَّقِ والحب. 

القـراءة البديلة : أحبار 23 : 33 – 43 :– إنَّه عيد المظّال. يُعَيِّدُ الشعبُ بقطفِه الثمارَ الصيفية وبجمع المحاصيل الزراعية، ويتَذَّكرُ غُربَتَه وتحَرُّرَه.   

الرسالة : 2 كورنثية 12 : 14 – 20 :– خدم بولس رعية كورنثية دون الطمع في مالهم، وأبى أن يُثَقِّلَ عليهم حتى لأداءِ واجبِهم، ولا يريد أن تؤولَ زيارتُه لهم الى كآبَةٍ أو إهانة.

الأنجيل : لوقا 16 : 19 – 31 :–  الغني المُتنَعِّم ولعازر المتأَلم. لعازر بارٌ يخلُص. والغني مُخطِيءٌ فيهلك. حدَّدَ كلٌّ واحد، بسلوكه، مصيره الأبدي الذي لا يُغَّيرُه الموت. الصبرُ والمحبة والرحمة أفضل كنز لضمان الحياةِ الأبدية.

ليسمعوا من الأنبياء !

مَثلٌ غنيٌّ بالتعليم، وفيرٌ بالمعلومات، رغم قُصر كلماتِه. كلُّ عبارةٍ منه مُحَمَّلَةٌ  بأبعادٍ إيمانية وروحية تستحِقُّ الوقوفَ عندَها والتأَمُّلَ فيها طويلاً. إنَّما نتعَمَّق اليوم في بعضِها لنستلخِصَ منها الدروسَ لحياتِنا.

1+ عـدالةُ اللــه  !

توجدُ حالتان لحياة الإنسان ولمصيرِه، تنبعان من طبيعتِه الحرَّة، ومن عدالةِ الله بالإضافةِ إلى محَبَّتِه. ذلك مدى الحياةِ الزمنية على الأرض والأبدية في السماء. وهاتان الحالتان هما : السعادةُ او الشقاء. ويصعبُ ضمانُ السعادةِ في الزمن وبالوسائلِ الزمنية، والأستمرار فيها للأبد روحيًا. بينما يمكن ضمان السعادة روحيًا، رغم العذابِ في الجيد، والأستمرار فيها أبديًا. وإنْ كان اللهُ أبًا مُحِبًّا يوَفِّرُ لكل إنسان وسيلة الخلاصِ والهناء، إلاّ إنه أبٌ أيضًا عادلٌ، يُمَيِّزُ بين الأبناء الصالحين والعاقّين، ويعرفُ أن يُعطيَ كلَّ واحدٍ حَقَّه. فلا يظلمُ أبناءَه الأبرار ولا يُدَلِّلُ أبناءَه الأشرار الرافضين محَبَّتَه: يقول :” أنتَ تمَتَّعتَ بخيراتي ولم تُحب لعازر، ولعازر تعَذَّبَ ولمْ يتشَكَّ مني أو يُهين. فالآن يتمتع هو بخيراتي وأنت تتعَذَّب. لأنَّك ما أحببتني مثله ولا سمعتَ كلامي فلم تُحبَّ قريبك لعازر كنفسِك”.

ليست عدالةُ الله أقَلَّ وقعًا وأهَميَّةً من حُبِّه :” حتَّامَ، أيُّها القدوس الحَّق، تُرجيءُ الإقتصاصَ والإنتقامَ لدمائِنا من أهل الدنيا “؟ (رؤ6: 10)؛ ” لقد أتت الساعة (عند الموت) التي تدينُ فيها الأموات، فتُكافيءُ عبيدك الأنبياءَ والقديسين، والذين يتَّقون إسمَك كبارًا وصِغارًا، و تُهلكَ الذيم عاثوا في الأرضِ فسادًا”؟ (رؤ11: 18)؛ ” هَلِّلِويا! لآلَهِنا النصرُ والمجدُ والقدرة لأنَّ أحكامَه حَقٌّ وعدل” (رؤ19: 2)؛ ” إليكم عَنِّي، أيُّها الملاعين( العديمي المحبة) ، إلى النار الأبدية ألمُعَدَّة لأبليس وملائكتِه.. أما أنتم مباركي أبي فتعالوا رِثوا المُلكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم (لأنكم عرفتم أن تُحبوا” (متى25: 41 و 34).

فـ” الجهنم وعذابُه ” الشديد ليس خيالاً. والتحذيرُ منه رحمةٌ من الله وحُبٌّ منه ليقي أبناءَه مصيرَ الشقاء. و” السماءُ وراحته” حقيقةٌ مماثلة لا ريبَ فيها، يدعو اليها الله جميعَ أبنائِه. والخيراتُ التي يُنعمُ بها الله على البشر هي ليُوَفِّروا لأنفسِهم ولأقربائِهم حياةً هانئة ومصيرًا مريحًا. الله أبٌ واحد لجميع الناس، يُحب ويرحم ويُعطي كلَّ إنسان فرصةَ الحياة السعيدة مدى الأبد. حتى الأشرار لم يحرمَهم هذه الفُرصة. وإذا سمح لينالوا كلَّ مشتهى قلبهم، مثل هذا الغني أو الأبن الضَّال، فذلك حتى لا يكون لهم حجَّة في أنَّهم لم يعرفوا، أو لم يكونوا أحرارًا في سلوكهم، أو لم يقدروا أن يعيشوا كما طاب لهم، أو كما إقتضته حالتهم المدعوة لتستعمل الماديات والزمنيات فتوَّفر لنفسِها صداقة الله ومحبَّته للأبد.

لا أحد منع الغني المذكور من أن يأكل ويشرب ويلبس ويتنَعَّم. ولكن أما كان عليه ان يرحم لعازر القريبَ منه ويستعمل الفاضلَ عنه في غِناه ويُغيثَه ويساعد غيره أمثاله؟. أما رأى الفقير على بابه لماذا لم يمُدَّ له يدَ العون بالطعام واللباس والدواءِ؟. ماذا كان سيخسر؟. كم كان سيُنفِقُ عليه؟. لقد نفخته الأنانية وفرغ فكرُه من روح الله، وآنمحى الحب والحنانُ من قلبه، وآنْسَدَّت آذانُه عن سماع كلام الله ” أحبب خير قريبك كنفسك”، وغشيت عيونُه عن رؤية ضيق لعازر وعذابهِ فكيف يأملُ وبأيِّ حَقٍّ  وآستنادًا الى أيِّ مبدأ أن يرحمَه الله و قد أخرج هو اللهَ عن حياتِه حتى بات غريبًا عنه؟. كان بوسعه أن يصنع أكبر خير بماله الوفير ، لكنه لم يرَ، في أنانيته، أبعدَ من أنفِه، ولم يشعرْ بأكثر من شهوتِه!.

لقد أهمل حقَّ أخيه، فهل يتخاذلُ الله مثله عن وعوده وعن حقوق أبنائِه المخلصين؟. طبعًا لا. ما قاله يتنفَّذ ولا تقدرُ قوَّة في الكون أن تقف بوجه عدالتِه،” كلمتي التي تخرج من فمي، لا ترجعُ إليَّ فارغةً، بل تعملُ ما شئتُ أن تعملَه، وتنجحُ في ما أرسلتُها له” (اش55: 11).   فمن لم يعرف الحبَّ لم يعرف الله. ومن لم يعرف الله ولم يحبه ليس له معه نصيبٌ في الحياة الأبدية السعيدة.ومحبة الله لا تُقاسُ بالكلام بل بأعمال الرحمة تجاه الناس (متى25: 45؛ 1يو3: 14-18).

ما يملكه الأنسان من خير هو هبة من الله و وسيلة لقضاء الحاجات الزمنية والعيش بكرامة ، له ولغيره، فلا يحتكره لنفسه ولا يسمح له أن يُصبح هدفًا بذاتِه ويستأصلَ الحبَّ من حياته فيُنسيه أخاه الأنسان. ولا تخدعه الأموال وأفكار أهل العالم بأن الحياة تنتهي على الأرض. إنَّها تستمر للأبد. ولا يضمنُها بالكلام بل بسلوك طلبه منه الله فيرضاه. فالحياة ملك الله. و هو يرضى بمن يحياها مثله في المحبة، لأنَّ الله محبة (1يو4: 8).

2+ بالموت يتحَدَّدُ المصيرُ الأبدي !

هُوَّةٌ عميقة بيننا لا يقدر أحدٌ أن يجتازَها … وقد أشار متى أيضًا إلى هذه الحقيقة في مثل العذارى: ” لا يكفي لنا ولكنَّ .. وأُغلقَ الباب.. إفتح لنا .. لا أعرفُكُنَّ ” (متى25: 9-12). وهذا يعني أن الموت ” يُحَدِّدُ المصير” ولا يقدر أحدٌ بعدَه أن يُغَيرَ وضعَه. لقد ثبتت حالته: إمَّا للخلاص ( لعازر/ الحكيمات) وإمَّا للهلاك ( الغني/ الجاهلات). وقد سبق الوحيُ أن أنبَأَ عن هذا :” أمَّا الأموات فلا يعرفون شيئًا. ولا جزاءَ لهم بعدُ..فلا عملٌ ولا تفكيرٌ ولا معرفة ولا خكمة في عالم الأموات” (جا9: 5-10).

كما أكَّدَ الوحيُ أيضًا أنَّ حياة الأنسان لن تفلتَ من مُحاسبةِ الله،” إعلم أنَّ اللهَ سيُحاسبُكَ على هذا كلِّه” (مز61: 13؛ متى16: 27؛ رؤ20: 12-13). يسهلُ الحسابُ على الأرض و يمكن تعديلُ الوضع بتغيير السلوك الخاطيء وتبَّني ما يُرضي الله، أو بناءً على شفاعةِ أحِّباء الله. فتح لنا الله باب التوبة والتشفع. فموسى تشَفَّعَ وأبعدَ غضبَ الله عن الشعب فلم يُبِدْهُ بل سامحَ وأعطى فرصةً جديدة للخلاص (خر32: 11-14، 30-35). كان سيفعلُ ذلك عينَه مع أهل سدوم  لو وجدَ بينهم ” عشرة أبرار”(تك18: 27..).كذلك إستجابَ يسوع شفاعة بعض أعيان اليهود فشفى ابن قائدٍ وثني (لو7: 3-10). كما أنَّبَ المُدن التي لم يَتُبْ أهلُها رغم ما رأوا من معجزات (متى11: 20).

أمَّا بعد الموت فلا مجال للتغيير، إذ لن يبق للأنسان لا تجربةٌ ولا إختيارٌ. على الأرض يحدد مصيرَه حسب سلوكه وتفاعله أم لا مع إرادة الله. ” أنتَ تمَتَّعت بخيراتِك ..ـ لم تسمع كلام الله ولم تُبالِ بمحبة غيرك ومساعدته. أنت إخترت طريقك وآبتعدت عن الله. تمَسَّكت بالمال والملذات والجاه وهذه كلها خانتك لأن لا مكان لها عند الله. لأنها دنيوية فاسدة. وهذا “الفاسد لا يقدر أن يرث عدم الفساد (1كور15: 50-53). لم تكتنز لك كنزًا عند الله يُنقِذُك ـ فأنت الآن لا مكان لك في السماء. أنت تتعَذَّب”. لذا نبَّه الرب أتباعه ومحبيه وسألهم أن يسهروا فلا ينبهروا بأمجاد الدنيا، ولا يضُلَّهم ابليس، لأن الموتَ يُداهم في أيَّة لحظة. و تلك اللحظة مصيرية ولا تتأجل: فإمَّا أحضان إبراهيم أو حرقة نار الندم.

إسهروا … لتكن أحقاؤُكم كلَّ حين مشدودة كمن يسافر بعد لحظة. لا تشغلنا أمور الزمن ولا تُلهينا عن التطلع الى الأبد. نحن صورة الله ومثله نخلد للأبد. والزمن حقلُ عملٍ فيه نبني خلودَنا ونضمن راحته وسعادته. وليكن الناس أمثالَنا قريبَنا نتفاعلُ معهم ونعمل لهم كما لأنفسنا مُنقادين بحِسِّ المحبةِ والرحمة. ليكن وجودُ الآخر تذكيرًا لنا ولواجبنا. نموت وحدنا ولكن لا نخلد وحدنا. من أحسنَّا اليهم سيمدحوننا. ومن أسأنا إليهم سيشكون علينا. إن كانت الأرضُ طالبت بدم هابيل فكيف تنسى السماء حقَّ أبنائها المظلومين أو تتغاضى عن ظلم الأشرار؟.  لذا قبل أن يداهمنا الموت، بينما نسلك طريق الحياة، لنتَّفق مع ” خصمِنا ” الذي يحُقُّ له وحده أن يحاسبنا، لأنَّ حياتنا مُلكُه، وهبها لنا حتى نشاركه، بحريتنا وآختيارنا ، أعماله ثم نتقاسم معه مجدَه. ولن يكون حسابُنا يسيرًا ! (متى5: 25-26).

3+ لهم موسى والأنبياء !

لم يخلق الله الأنسان ليضعه في كمين أو مأزقٍ ثم يترَبَّصُ له ليوقعَه. لا يوجد أبٌ على الأرض يُنجب أطفالا ليُؤذيهم فكيف بالأب السماوي (لو11: 11-13). أوجدَ الله الأنسان ليتمتع بالحياة. وزَوَّده بما يحتاجُه من فكر وتمييز. وأضاف فحَذَّرَه من فخاخ الشِّرير و أعوانه. وأرشده إلى سواء السبيل، بالوصايا، كي لا يتعَثَّر بل يحافظ على قداسةِ طبيعتِه. لكن الأنسان ما يزال يصبو أن يكون إلَهًا مستقِلًّا. عقد الله معه عهودًا، وسَنَّ له نظامًا يقيه الخطأ والسوء. فلا حُجَّة له بعد ألاّ يعرف الطريق. ” أنا الطريق والحَقُّ والحياة.. وإن عرفتموني عرفتم أبي أيضًا” (يو14: 6-7). أمَّا من يعرضُ عن يسوع يعرض عن الذي أرسله (لو10: 16).

كان لليهود “موسى والأنبياء” (لو24: 27؛ يو5: 45). ولنا نحن المسيحيين يسوع المسيح، نور العالم. لقد عرَّفَنا بالله، أظهر لنا حبَّه، وأبان قوة الحب لما بذل حياته عنّا لأنَّه أحَبَّنا للغاية (يو13: 1). وأكَّدَ أنه هو طريقُنا الى الله، الى الحق والحياة. ومن أحَبَّ المسيح وتبعَه في سلوكه فآقتدى بحياته (يو13: 15) ينال رضى الآب يَحُّلُ فيه ويُقيم عنده (يو14: 23).

لم يقتنع غنِيُّ مَثَلِنا بكلام موسى والأنبياء. فرَدَّ عليه الرب بفم إبراهيم :” من لا يسمع منهم لا يسمع من الله. لأنهم ينقلون كلام الله. ولا يمكن فرضُ القناعة بذلك من الخارج ” حتى لو قام مَيِّتٌ ونادى به”. القناعة تنبع من الداخل، من الأيمان بالمسيح. وحتى تنبع القناعة يجب على الأنسان أن يتفَرَّغَ أولاً من ذاتِه، من أفكاره ورغباته، ثم من العالم ومن الزمني، عندئذٍ يقدر أن يستقبل أنوار الحياة التي ينادي بها المسيح. وعندئذٍ أيضًا يُدرك معنى سلوك طريق نكران الذات وطريق براءة الأطفال. لقد حاول يسوع أن يُفرغَ أولا حياة الرسل من رصيد معتقداتهم وتقاليدهم السابقة ” قيلَ لكم .. أما أنا فأقولُ لكم..” وفي الأخير” فتَحَ أذهانَهم ليفهموا الكتب ” (لو24: 45)، وليُطاوعوا إيعازات الروح القدس وإلهاماتِه.

ونحن أيضًا فتح لنا الرَبُّ بإفاضةِ الر وح القدس علينا، وأقام لنا شريعة المحبةِ والغفران و التعاون والتواضع. كما أقام لنا معلمين ومرشدين وحُرّاسًا يذودون عنّا الشَّر، ويُنبهوننا إلى مَواطنِ تواجده، والأشكال التي يظهرُ بها. ترك لنا الكنيسة ” أُمًّا ومُعلِّمةً وحارسة ” ترافقُ مسسيرتنا ، وتعضُدُنا في جهادِنا ضدَّ أنانيتنا، وضد فسادِ العالم، وضد هشاشة الزمن. وقد سبق وقال بفم رُسُله: ” من سمع منكم فقد سمع مني”، و” كما أرسَلني الآب أُرسلكم” (يو20 : 21). فمَن قبلَ الذي أُرسلُه أنا قبلني. ومن قبلني قبل مَن أرسلني” (يو13: 20).

لا يمكن جمع النقيضين : سماع الله وسماع العالم. إمَّا شريعة الله وإمَّا شريعة العالم،” أنتم        

لا تستطيعون أن تعبدوا الله والمال” (متى6: 24).يغُشُّ نفسَه مَن يدَّعي أنَّه يضمنُ الحياتين: الدنيوية وآلتواءاتها، والروحية في البر والقداسة للأبد. إنَّ الحياة الأبدية لا تمنع التمَتُّعَ بالخيرات الزمنية. لكن الخيرات الزمنية لا تُسَّهل، إن لم تمنع، بل تُشغلُ المؤمن عن التوَّجه نحو الحياة الأبدية. لأنَّ التعَلُّقَ بها يُشغلُ عن الله. لقد إختار غنِيُّنا خيرات الزمن وشهوات الجسد فأنسته حقيقته الروحية أنه صورة الله، وأبعدتْ عنه التفكير بالأبدية.

إذن لنا نحن أيضًا ” موسانا وأنبياؤُنا” الذين نقلوا إلينا كلام الله وفسَّروه لنا. لقد عرفَنا يسوع على الله، وأرشدنا الى طريق الحياة معه. والكنيسة تُذَّكرنا بها. فلا عُذرَ لنا إذا جهلنا طريق المسيح أو سَيَّبناهُ. يسوع معلمنا ونورنا فلا عذر لنا إذا تبعنا معلمين آخرين. وقد حَذَّرَنا منهم إذ يأتوننا بلباس الحملان. لو جاءَنا ألف مَيِّت لن نصَدِّقَه إن كُنّا لا نصَدِّقُ الله.

فإذا تبعنا التقاليد فليس ذنبَها بل ذنبُنا لأننا لم نُصَّفِ إيماننا ولم نقِسْ سلوكنا بالرب. وإذا غشَّتنا وسائل الإعلام وزيَّنت الشر والفساد ومجدَّته وقَبَّحت الفضيلة والبر فليس ذنبَها، بل لأننا لم نثق برَّبنا وبالكنيسة، وأهملنا ثقافتنا الأيمانية، وتلَذَذنا بدغدغات الأهواء. وإذا سلكنا درب العالم فالذنبُ ذنبُنا لأننا لم نُمَّيز بين الحق والباطل ولم نحذر الذئاب الخاطفة. وإذا أغرتنا الدعايات فليس ذنبها ، بل لأننا لم نتسَلَّح بالروح القدس وأهملنا إيحاءاتِه. وإذا طغى الإلحادُ وهاج الضلالُ وغزت اللامبالاة فليس الذنب ذنبها، بل لأننا إبتعدنا عن منبع الأيمان وهجرنا منابر الأخلاق !