الأحد الثاني للصليب/ الخامس لأيليا

:**:. إنَّه أسبوع خارجَ آلصوم.

 

مع جمعة لعازر إنتهت فترة ” صوم آلمسيح ” ( 40 يومًا. بدءًا من الأحد رأس آلصوم والى الخميس السادس منه. 6 أسابيعx 7 أيام = 42 يومًا – 2 يومان = 40 يومًا). والدليلُ عدمُ وجودِ عيدٍ أو تذكار في تلك الفترة. وحتى تذكار مار ميخائيل رفيق آلملائكة في الأحد السادسِ للصوم هو إقحامٌ مُتأَّخر ولأبرشية الموصل. تاريخُه الرسمي هو 15 تشرين الأول كما يُذكر في ختام صلاة الأحد الأول لموسى. وصلاة جمعة تذكار لعازر، السادسة للصوم ، تؤَّكد أننا صُمنا صومَ آلمسيح ومعه ، وأنهيناه :” أيها آلمسيح بقوتك بدأنا وأنهينا صومكَ.. فأَهِّلنا لنحتفل بأعيادك المقدسة..” { ردة مزمور التوبة : إرحمني}. ويكررها مساءًا في سوباعا رمش السبت، في القانونا والتسبحة. ومنذ صلاة ليل أحد السعانين تختفي كثيرٌ من الفقرات الأساسية الخاصة بالصوم. وفي قالى دْ شهرا ” مزامير السهرة ” يعود هولالا 21 لأحده ” حرايى : وتقول ملاحظة: ” خارج الصوم ـ  ܕܲܠܒܼܲܕ ܡܢ ܨܵܘܡܵܐ “. في أسبوع الآلام نصوم صومنا الخاص بعد ما تعلمنا من آلمسيح، كما نوَّهَتْ ردة المزمور” إرحمني” قائلة :” مع صوم الأنبياء والرسل لِيُقبَلْ، يا مُخَلِّصَنا، صومُنا، ولْيُبطل أَلَمُـكَ آلامَ أجسادِنا وعيوبَ أنفسِنا .. “. يبقى الأسبوعُ يُعَّرَفُ بأسبوع آلأسرار مُحتفِـظًا بِـبَعضَ ميزاته، منها القداسَ اليومي عدا يوم الجمعة.

 

.:**:. إنَّهُ أسبوعُ أهَّم الأعياد.  

 

إِنَّ لأُسبوع الآلام، في الطقس الكلداني وآللاهوت آلمشرقي، وقعًا ونظامًا خاصًّا. صحيحٌ أنَّه ذكرى آلام آلمسيح القاسية وموتِه المُّر ولذا دُعيَ” أسبوعَ الآلام “!.  نعم. ولكنَّ تلكَ الآلام فتحت للأنسان بابَ آلخلاص، بابَ آلراحةِ وآلهناء، وثَبَّتَتْ هَوِّيةَ يسوعَ الناصري وجوهرَ رسالتِهِ. في هذا آلأسبوع تحتفلُ الكنيسةُ عامَّةً بأعظم وأقدس أسرارِها وعقائِدِ إيمانِها.

أحد السعانين، تحتفلُ بمُلوكيةِ يسوع، حسب نبوءة بلعام (عدد24: 17 )، إِنَّما لا بأُبُّهةِ آلمجدِ  ومظاهر القُوَّة الدنيوية، بل بتواضعِ وحلمٍ، كما أخبر زكريا النبي كاشفًا تواضُعَه   )كما جاءَ في المدراش). لقد ” أَذَّلَنا كبرياءُ الأجيال، فأَخفى مجدَه وتواضَعَ فركبَ جحشًا .. ــــــــــــــــــــــــــــــ   

14} هذا الأحد هو، حسب نظام الطقس، الثاني لأيليا، ويتبعه الثالث لأيليا ثم الثاني للصليب. لكن البيان الختامي لسينودس الأساقفة الأخير (22–26/8 المنصرم)  أعلن إعتباره الأحد الثاني للصليب وتتبعه الآحاد الثالث والرابع للصليب ثم الأول والثاني لموسى ( مبدئيًا عوَّضتْ آحادٌ لموسى، هذه السنة ،  آحادًا لأيليا !). 

                                                                               صَّلِ 103

) ليَرسُمَ مثالاً للتواضع”. لكنَّهُ ” ملكُ آلمجد آلعظيم. إنَّه آلملكُ آلمسيح”،..” فتعالوا يا مؤمنين نفرح بهذا العيد آلمُبهج ” (من ترانيمَ للمجلس).

ويومَ الخميس، وتدعوه “خميسَ آلفصح” تعبيرًا لحضور الله العابر بين البشرلإِنقاذِهم (خر 12 : 23-27)، تحتفلُ آلكنيسة بعيد آلكهنوت وتأسيس آلكنيسة، جسد يسوع السِّري لِيُتابعَ

الناسُ عملَ يسوع آلمسيح وبقُوَّتِه وسُلطانهِ (متى28: 18-19). أنقذ الرب بني إسرائيل بدم

الحمل، ويسوع هو حمل العهد الجديد (يو1: 34-36)، بموته يَفدي شعبَه وبدمه يُخلِّصُهُ و يُعيدُه الى مجده آلأصيل بأن يكون إبنًا بكرًا لله (خر4: 22) يسمع كلامه (خر24: 7-8).

عنه قال المدراش :” في سر آلحمل يختفي سِرُّ خلاصنا، وبدم الحيوانات رُسِمَ حلُّ إِثمنا.. في ذبيحةِ البهيمة رُسِمَتْ صورةُ الحَّي. وإن كان دمُ الأَخرس، طهَّرَ الناطقين. فكم بالأحرى يُقَدِّسُنا الدمُ الحيٌّ، ويُبطلُ بألمِه صَّكَ ذنوبِنا ..”.

يوم آلجمعة، “ألعظيمة ” إذ فيها يكتملُ سِرُّ آلفداء، تحتفلُ آلكنيسة بعيد آلخلاص، لا بآلغناءِ وآلرقص، بل بآلألمِ وآلعذاب التكفيري عن خطيئةِ الأنسان، وعن جميعِ الخطايا لكلِّ إنسان، التي كانت سبب تلك مأساةِ آلآلام. في الصلب أظهر الله حكمته ، وقُـوَّته ولاسيَّما حُبَّه فغفر للإنسان زَلَّتَه (اش53: 4-5). فقالت الصلاة :” يا من بجراحه شفى كلومَنا، وبِقَـتْــلِهَ قَـتَـلَ قاتِلَنا.. ويا من مزجَ دمه بِدمِنا، ودفعَ ثمن ذنوبِنا بذبيحةِ ذاتِهِ على قمَّةِ آلجلجلة .. وشربَ آلخَّلَ وآلمُرَّ لأجل خلاصِ طبيعَتِنا : نطلبُ منك ” ( الطلبة ). قالت الصلاة :” تقوم كنيستك في آلحزن يا آبنَ مريم لأنَّ موتَك مُرٌّ، وتقيمُ عيدًا لألمكَ وذكرًا لصلبك” (الأربعاء).

يومَ آلسبت، تحتفلُ آلكنيسة بإشراقِ نور الخلاص على آلأُمم بآهتداءِ الوثنيين بالأيمان بآلمسيح والإعتماد بآسمِه. فإِنَّ :” من آمن وآعتمد يخلُص ..” (مر16: 16). لأنَّهم بالعماد ” لبسوا المسيح .. فصاروا أبناءَ الله” (غل3: 26)، لأَّنهم ماتوا عن الخطيئة، وآتّحدوا بيسوع آلمسيح بآلعماد فقاموا معه لحياةٍ جديدة يُنيرُها آلحَّق آلإلهي (رم6: 3-4). لقد إستعاد الراعي الصالح خرافَه من حظيرة الوثنية، وعادت البشرية، مُجَدَّدًا، رعِيَّةً واحدة تتبع راعيها الأصيل ألأزلي (يو10: 16)، عَيَّدَ لها آلكون، حتى قالت ترنيمة القداس:” فآمتلأَتِ آلخليقةُ  فرحًا ورجاءًا وخلاصًا “.

لكنَّ كلَّ هذه آلأعياد وآلأفراح هي ثمارُ آلام الصلب وذبيحةِ آلحمل الألهي. فآختلطت الأفراحُ بالأحزان. وآلأَمجادُ بآلإهانات. وآلخير بالشَّرِ الذي قادَ إليه. هكذا قال في حينها يوسف آلصِدّيق لإخوته :” لا تأسفوا ولا تستاؤُوا لأنكم بعتموني إلى هنا. لأنَّ اللهَ أرسلني أمامكم لأحفظَ حياتَكم.. فما أنتم أرسلتموني بل الله ” (تك45: 5-8).

حتى آلألحانُ آلطقسية تُصدي لهذا آلتوازي. إنَّ ترنيمة ” قَدّيشا آلَـها ” مثلاً تُرَتَّلُ يوميًا في صلاة الصبح وآلمساء، وخلال آلأسبوع كلِّهِ، بألحانٍ مُنعِشَة مُختارةٍ بين ألحان آلآحاد و التذكارات و آلأعياد حتى آلمارانية، إِنها تُدخلُ الفرَحَ وآلبهجةَ إلى القلب. بينما يسودُ لحنُ آلشَجوِ آلحزين على كافَّةِ آلمداريش ، وبقية أجزاء آلصلاة.

وحتى آلأفكارُ وآلتعاليمُ آللاهوتية تمزج مشاعرَ آلفرح بآلحزن. فقالت مثلاً :” مُبارَكٌ الذي نَصَّرَنا بأَلَمِهِ.. وفَرَّح كنيستَه وأبهَجَها”. أو” أَعطِها يا رب أن تحتفل بأعيادك بفرح” (سبت قبل السعانين). وتابعت: ” أبوابُ آلعُرسِ آلروحي فُتِحَتْ لغفران البشر.. فآدخلوا يا مدعُوّينَ

صَّلِ 104

إلى الفرحِ آلمُعَّدِ لكم ” (ترتيلة العماد للإثنين). ثمَّ: ” كنيستُك، يا آبنَ مريم، تقومُ في آلحزنِ لأنَّ موتَك مؤلمٌ. وتُعَّـيِدُ أَلَمَكَ وتذكرُ صلبَكَ ” (للأربعاء). و” أهِّلنا يا رب لنشتركَ في موتِكَ، ثم نتَـنَعَّمُ معك “، ثم “.. تُقيمُ آلكنيسةُ بآهتمام، سنةً فسنة، ذكرى مُقَدَّسة لأَلمكَ آلثمين. فأَهِّلها لِعيدِكَ آلحَّق ثُمانِيِّ آلأَيام” (ليوم الجمعة ).     

في سبتِ آلنور، وقبل إعلان القيامة في القداس ” الرازي” قالت الترنيمة: ” إمتلأَتِ آلخليقةُ فرَحًا ورجاءًا وخلاصًا، وقد تضايَقَتْ طويلاً من آلضلال  ألآن وجَدَتِ آلراعيَ آلصالحَ.

وآلخرافُ الضّالة التي تاهتْ أعادَها آلراعي آلسماوي. وَآلعَـدُّوُ يتشَّكي ويقول: ” لقد داسوني وزالتْ كلُّ قُـوَّةِ سلطاني. فآلمسيحُ قامَ من بين آلأموات. وأنـارَ آلعالمَ كلَّهُ “.

يوم الأحد، عيد القيامة، ويُدعى ” ألأحد الأعظم وعيد الأعياد”. يَعُّـم فيه الفرح وآلإنتعاش. حتى يُحَّيي آلمُصَّلون بعضَهم قائلين :” عليكم قيامةُ آلرَّب”. ويرُّدون :” عليك القيامةُ وآلحياةُ وآلتَجَّدُد “. فالمسيحُ قام، كما قالت صلاة الصبح، وبقيامةِ جسدهِ آلمُقَدَّس أبطلَ آلموتَ (البعدَ عن الله) وأعطانا حياةً جديدة، وجَدَّدَ الخلائقَ كلَّها”. ويوم الأحد الجديد ستقولُ ترنيمةُ قلتا ما

يلي :” خليقةً جديدة خلقَ آلخالقُ في قمَّةِ آلجلجلة : وأظهرَ قُـوَّةَ صناعَتِه في الرجلِ

آلمصلوب * رأى آلأرضيّون وآلسماويّون الرجلَ آلمصلوب : فآجتمعوا عندهُ ورأوا ألعجبَ الذي يوصَفُ به “. وفي آلخليقةِ آلجديدة تغَّيرت العلاقة بين الله وآلإنسان. فآلذي طُرِدَ من

ديوانِ الله بسبب عصيانِه (تك3: 23) رجع إليه بعد توبته. قبله الله وغفرَ له زَّلَتَهُ بسبب طاعته، ورفعه في مجده إلى مرتبةِ ” آلإبن “. فصار خليقةً جديدة بعلاقة آلبُـنُّوة وآلوراثة : ” فما أنتَ بعدَ آلآن عبدٌ، بل إبنٌ. وإذا كنتَ إبنًا فأنتَ وارثٌ بفضل آلله ” (غل4: 7) ، شريكُ آلمسيح في آلامِهِ ومجدِه (رم8: 17). وإذ تَجَّددت الخليقة كلها سُّرَتْ وآرتاحَت. فقالت الصلاة :” في آلبدءِ شاءَ اللهُ آلكلمة فخلق عالمًا جديدًا. وفي نهاية آلأزمنة صُلبَ… فله يجبُ آلشكر لأنه بقيامتِهِ أقامَ صُلحًا بين آلأرضيين وآلأجناد السماوية. وتحَرَّرَ كيانُ آلناس من آلآلام وآلشدائد. فها هي آلكنائسُ كلُّها تَصدُحُ بالتهاليلِ وآلتسابيح “.

والكنيسةُ تدعو آلمؤمنَ ، من خلال مدلولِ إحتفالاتِ أسبوع آلآلام، إلى أن يحيا مع آلمسيح ، وأن يُعَّبرَعن مثلِ هذا آلأيمان : أن يَفرَحَ بخلاصِ آلرَّب، وأن يشكرَه عليه، وأن يتألَّمَ لأنَّ هذا آلخلاص تمَّ في أقسى عذاب، سَبَّبَ كلُّ واحدٍ منّا جُزءًا منه. إننا نبتهجُ ونتأَّلمُ معًا. نُعَّيدُ ونصوم. إنَّه أسبوعُ أعيادٍ وصلاة من نوع خاص، وفرحٍ وألمٍ أيضًا بنوعٍ خاص. ولا يُسْبَرُ غَورُهُ إلاّ على ضوءِ سِرَّي آلتجَّسُدِ وآلفِداء. وآلقيامةُ تبقى العهد الجديدَ الذي يدوم للأبد، لأنَّ اللهَ يحيا مع البشر وفيهم، ويعملُ من خلالهم.

فعلاقةُ صوم أسبوع آلآلام للمؤمن بآلأربعيني للمسيح هي ثمرة تعَّلم آلدرس والتَـقَّـيُدِ بهِ في الإستعداد للخلاص، وعيشِه بالفرح رغم ما يُصاحبُه من ألم. تمُّرُ آلحياةُ بالظلام والألم لكن النهاية هي آلقيامةُ في نورِ مجدٍ وسعادةٍ وهناء.