1كور 14 : 33-35

أهلا وسهلا بالأخ صباح ميخائيل

كتبَ الأخ صباح ما يلي :” يقولُ الكتابُ المقدَّس في 1كور14: 33-35 ” لِتَصْمُتْ نساؤُكم في الكنائِس. لأنَّهُ ليسَ مأذونًا لهُنَّ أَن يتكلَّمْنَ ، بل يخضعنَ كما يقولُ الناموسُ أيضًا. ولكن إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أنْ يتعَلَّمْنَ شيئًا فليَسأَلنَ رجالَهُنَّ في آلبيتْ. لأنَّهُ قبيحٌ بالنساءِ أنْ تتكَلَّمَ في الكنيسة “. وطلبَ توضيحًا لهذا النص.

المرأةُ لا تُعَلِّمُ ولا تتسَلَّط ؟

هكذا نصح بولس معاونه طيمثاوس اسقف أفسس (1طيم2: 11-12). بولس يهوديٌّ ذو ثقافة دينية كتابية عالية. هو فرّيسي المذهب. ولد وعاش في بيئةٍ يونانية الثقافة ورومانية الحضارة والإدارة، هي طرسوس. وكانت له جنسية رومانية بجانب هويته اليهودية (أع 16: 37؛ 22: 25-29). وقد تأثر بكل ذلك بعمق. إن كان للمرأة إحترام أو حقوق تحت نظام االرومان واليونان الوثنيين، إلا إنَّ اليهود قللوا كثيرًا من قدرها وحقوقها تَبَعًا لما إفتهموه من الكتاب المقدَّس وكيفية تفسيرهم لنصوصه التي إستندوا إليها. رأوا في المرأة عامَّةً نموذجًا للشر والضلال.

جاءَ في سفر التكوين انَّ الله وصَّى آلإنسان، وكأنَّه الرجل، ألا يأكل من شجرة المعرفة. ثم قسَّمَ آلانسان الى ذكر وأُنثى قائلا :” نصنعُ له مثيلاً يُعينُه” (تك2: 15-23). مُعينًا وليس مُعَلِّمًا. وتصَرَّفَ معها الرجلُ مثل سَيِّد فاعطاها إسمًا :” وسمَّى آدمُ آمرأَتَه حَوَّاء، لأنَّها أُمُّ كلِّ حَي “(تك3: 20)، مثلما سَمَّى مار يوسف يسوع إبن مريم زوجته (متى1: 21). لكن أول فعل مذكور للإنسان كان قلب الأدوار. أخذت المرأةُ البادرة وأغرت آدمَ فـ ” قَبَّحَتْ” و” أكلت من ثمر الشجرة وأعطت زوجها ايضًا، وكان معها، فأكل” (تك3: 6). ونتيجةً لمخالفتها أمرَ الله وتسَلُّطِها على الرجل تحَدَّدَ سُلطانها وصارت تابِعًةً لزوجها عوض معينتِه ” إليه تعود أشواقُكِ وهو يسودُ عليكِ (تك3: 16). هو رأسُها وهي تعكسُ مجدَه، لأنها أُخذتْ من الرجل وخُلِقتْ من أَجله، وتُغَّطي رأسَها علامةَ الخضوع له (1كور11: 3-16). ولهذا نهى اليهودُ المرأةَ عن التسَلُّط على الرجل ومنعها من التعليم. ومار بولس يهودي وفرّيسي سلقته الشريعة وتجَـنَّدَ لها.

نظـامٌ أم إيمان ؟

لكن بولس لم يتخَلَّ عن تراثه الإنساني، الإغرقي-الروماني :” إذا كانت المرأةُ من الرجل، فالرجلُ تلِدُه المرأة. وكلُّ شيءٍ من الله “(1كور11: 12)  بل أَثبَتَهُ وقَدَّسَه بعد ما عرفَ يسوع المسيح، وتلَّقى منه مباشرةً تعليمَه ” ما تلقيتُ بشارتي ولا أخذتها عن إنسان، بل عن وحيٍ من يسوع المسيح” (غل1: 11-12)، وما آستلمه منه سلَّمه إلينا (1كور11: 23) ، وآفتخر به :” من هو الذي يعرفُ فكرَ الرب؟. وأمَّا نحن فلنا فكرُ المسيح” (1كور2: 16).     

 وفي المسيح ” لا فرق بين عبدٍ وحر، بين رجل وآمرأة، انتم كلُّكم واحدٌ في المسيح يسوع ” (غل3: 28). وهذا تعليم الكنيسة على لسان مار بطرس: ” أَيُّها الرجال عيشوا مع نسائكم عارفين أَنَّ المرأةَ مخلوقٌ أضعفُ منكم، فأكرموهنَّ لأنَّهنَ شريكاتٌ لكم في ميراثِ نعمةِ الحياة” (1بط3: 7). ومار بولس لا يُعارضُ نفسَه.

ليكن كلُّ شيءٍ بينكم بأدبٍ ونظام !

فما كتبه بولس، وذكره السائلُ الكريم، ليس في باب التعليم الإلهي لتتقَيَّد به الكنيسة حرفيًا، بل في باب النظام عند عبادةِ الله وتمجيده أو آلإصغاءِ إليه. هذا ما ذكره بولس في نفس النص، ولم يذكره السائل. الآية 33 قالت : ” ليس اللهُ إِلَهَ فوضى بل إلَه سلام”. خلق اللهُ كلَّ شيءٍ بنظام، ويُحَقِّقُ كلُّ شيء هدفه، ذاته، في نظام يتبعُه. عَلَّمَ اللهُ موسى أن تجريَ العبادةُ بنظام. وعَلَّم الرب يسوع رسله وتلاميذه ان يخضعوا للنظام ، حتى نظام ظالم شرط ألا يخالفَ تعليم الله (رم13: 1-7؛ 1بط2: 13-15 ؛ متى22: 17-22). ومار بولس مُصَمِّمٌ على ألا يتمرَدَّ على نظام الله، وان يفعل كلَّ شيء بنظام، لكي يسودَ النظامُ في حياةِ الكنيسة ، في إدارتها ونشاطها وحتى في عبادتها. والفصل 14 من الرسالة المذكورة يتحدَّث بالتفاصيل عن مجرى نظام آلإحتفال الديني الأسبوعي للعبادة.

وذكر أنَّ ما نَظَمَّهُ في كنائس كورنثية ليس شاذًّا، وليس بولس وحدَه من يفرُضُه بل يتماشى

مع تصَّرف الكنيسة الجمعاء. فقال، ما لم يذكره أيضا الأخ السائل:” وكما تصمُتُ النساءُ في جميع كنائس الإخوة القدّيسين” (الآية 34)، أي كنائس أورشليم حيث مار بطرس رئيسُ الكنيسة ورعايا بقية الرسل. إنما يبدو من كلام الرسول أنَّ لكنيسة كورنثية وضعٌ خاص يتطلب منه أن يحسِمَه.

هل عنكم صَدرَت كلمةُ الله ؟

فآلآياتُ التالية 36-38 ، تُفصِحُ عن خلل في جماعة كورنثية المشهورين بآعتدادهم بنفسهم وتعاليهم على غيرهم، حتى على بولس مبَشِّرهم وراعيهم. تنضحُ كلمات مار بولس عن روح إستقلاليةٍ للبعض الذين ربَّما يُطالبون أن يفرضوا بعضَ آرائِهم أو أقله أنْ يُناقشوا ما يُعَّلمُ الرسول أو يُنَظِمُه، ليَدُّلوا على كرامتهم أو أنَّ لهم فكرًا مُغايرًا يجب أن يُؤخذَ بعين الإعتبار. وجاءَ رَدُّ بولس قُوّيًا :” هل عنكم صدَرَتْ كلمةُ الله، أم إنتهتْ إليكم وحدَكم؟. إن حسبَ أحدٌ نفسه نبيًّا أو صاحبَ موهبةٍ روحية ُأُخرى، فليعلمْ أنَّ ما أكتُبُه إليكم هو وصّيةُ الرَبّ. فإنْ تجاهلَ ذلك، فتجاهَلوهُ “!!. يبدو الكورنثيون وكأنهم يريدون مناقشة الحقيقة الألهية نفسَها، التي يُعلِنُها الرسول أو مُتَرإسُ العبادة. ويُؤَّدي ذلك الى فوضى في الصلاة.   

أعطى مار بولس للمرأةِ حقَّ الصلاة أو التنَبُّؤ:” عندما تجتمعون ولكل واحدٍ منكم ترنيمة أو تعليم أو وحي أو رسالة بلغات أو ترجمة فليكن كلُّ شيءٍ للبنيان “(آية 26). في إمكانكم كلكم أن تتنَبَّأوا واحدًا بعد الآخر”(آية 31)، ” إرغبوا في موهبةِ النبوة، ولا تمنعوا أحدًا أنْ يتكَلَّمَ بلغات. وليكن كلُّ شيءٍ بلياقةٍ ونظام” (آية40).

لِتصمُتِ النساء !

وهنا يأخذ كلام الرسول بُعدَه الحقيقي، فيُوَّجه النساء الى عدم إثارةِ أسئلةٍ جانبية بل تَرْكِها ومناقشتها مع زوجها في البيت. ليس ذلك تقليلا من كرامتها بل لمساعدتها ان تحيا وعيَها أنها واحد مع زوجها. وهو يقدر ان يفهمها ما إستوعبه هو. ما دام لم يُثِر هو أيَّ سؤال. من هذا المنطلق سبق ودعا المرأةَ أن تُغَّطيَ رأسَها، أثناءَ الصلاة، إكرامًا لزوجها الذي هو رأسُها ومجدُها وهي مُعينتُه لا مُنافِسة. هكذا تتصرف كلُّ كنائس الله (1كور11: 3-16).  وحدة سِرِّ الزواج تقتضي أن يتعاونا لا أن يتعارَضا، وأن يتكاملا في كلِّ شيء حتى الأفكار لا أن يختلفا أو يتخاصما.                                                                        

إنَّ النقاشات والجدالات تنتهي في غالبية الأحوال الى التصادم والتخاصُم، وتلميذُ المسيح  مدعو الى تجنُبِها (2طيم2: 16 و23 ؛ طي3: 9). ولا يليق بالعبادة أن تفتح المجال لمثل هذه النتيجة. وقد سبق وبلغ حالُ جماعة كورنثية الى لا فقط الإختلاف مع تعليم بولس بل وحتى الى تطاول البعض عليه وآحتقار شخصِه ونبذ تعليمه وسُلطته. مما إضطرَّ بولس الى عدم التساهل مع المشاغبين فكتب لهم ثانيةً :” أرجو ألا تدفعوني، إذا أتيتكم، الى تلكَ الجُرأة التي أرى أن أُعاملَ الذين يظُنّون أننا نسلُكُ سبيلَ الجسد…  نهدمُ الجدل الباطلَ وكلَّ عقبةٍ ترتفعُ لتحجبَ معرفةَ الله، ونأسرُ كلَّ فكرٍ ونُخضِعُه لطاعة المسيح. ونحن مستَعِّدون أن نُعاقِبَ كلَّ معصية…” (2كور10: 1-6).           

كلُّ هذا يقودُنا الى نتيجةٍ أنصحُ بها الإخوة المؤمنين: أولاً الى مطالعة الكتاب المُقَدَّس ؛ و ثانيًا الى عدم عزل آيةٍ أوآيات عن النص الكامل الذي وردت فيه ؛ وثالثًا الى مقارنة ذلك النص مع بقية أجزاء نصوص ذلك السفر، بل ومع مجمل الكتاب لتكوين معرفةٍ صحيحة و نظرةٍ بنّاءَة لمحتوى الكتاب المقدس؛ وأخيرًا لا نحاول أن نفهم الأمور على ضوء آراء أهل العالم الذين ينكرون وجود الله والحقيقة التي أوحى بها إلينا، ويُنادون عوضها بآرائهم التي لا تخلُ من وحي الشّرير ونشاطه، لأنَّ أسيادَ العالم ” غيومٌ لا ماءَ فيها تسوقُها الرياح “(يه : آية 12؛ 2بط2: 17-20) ، ينقضون سُنَّةَ الله ويقيمون سُنَّتَهم (مر7: 8-9). في حين نتبع نحن المسيحيين فكر المسيح (1كو2: 16). 

فأن تُعَّلِم المرأة في عبارة بولس تعني أن تُبدي رأيها الى حدِّ فَرضِه كما حاول بعضُ الكورنثيين أنْ يفعلوا؛ وأن تتسَّلط تعني أنها تُبادر بأخذ القرارات، كما فعلت حواء، مُتحَدِّيةً ومخالفة النظام ، أيًّا كان، في الكنيسة كما في البيت، وعدم الإمتثال لوصّيةِ الرب. بينما نوَّه بولس الى أنَّه يُنَّفذُ أمر الرب يسوع :” ما أكتبه إليكم هو وصِيَّةُ الرَّب “. ونحن أيضًا كُلُّنا مدعوون إلى الأقتداء ببولس لأنه يقتدي هو بدوره بيسوع المسيح (1كور11: 1)، ويحافظُ على النظام.