هل يسمح الله بكل ما يحدث

أهلا وسهلا بالأخ فادي عزيز

كتب الأخ فادي :” هل كلُّ ما يحدثُ في العالم هو بسماحٍ من الله، من الأوبئة وحتى الأمراض التي نُصابُ بها”؟. هو يؤمنُ بأنَّ الله يعرفُ، بعلمه السابق، كلَّ ما يحدثُ آنيًا أو مستقبَلا، وأنَّه لا يُجَّربُ أحدًا بالشَّر، بل ابليس هو الذي ” يبلبل”. ويُضيف” كلنا نعلم كيف سمح الله للشيطان أن يصيبَ أيوب بالبلايا وكيف جَرَّبَ يسوع”، لكنَّ أحدَ أصدقاءَه يرفُضُ القولَ بأنَّ اللهَ يسمح : أن يحدثَ أيُّ شيءٍ لنا، أو للرسل بولس وبطرس أن يموتوا بهذه الطريقة، بل هو ابليس من يعملُ كلَّ شيءٍ دون سماحٍ من الله، لذا يكفينا أن ” نقاوم ابليس ليهرب منا”. فطلب الأخ فادي توضيحًا يستندُ فقط على العهد الجديد.

الحرفُ يُميت والروحُ يُحيي !

يا أخ فادي إن كنتَ مؤمنًا بالمسيح، فالمسيح علَّمنا الحقيقة، وكلَّف كنيستَه بأن توصلَها إلينا (متى28: 19)، وطلبَ منَّا أن نسمعَ لها وليس لأيّ آخرٍ كان (لو10: 16). فما بالك تنخَضُّ  وتضطرب لصديق لك يقُّلُ عنك معرفةً وربَّما أَضعفَ إيمانًا أيضًا؟. النهرُ الصافي لا يتعكر بجدول مياهٍ خابطة. ثمَّ إذا كان صديقُك مؤمناً بأنَّ الكتاب المقدس كلامٌ من الله فلماذا لا يقتنعُ بما جاء في أيوب، ولا بتجربة يسوع مع أنها من العهد الجديد، حتى يطلبَ شاهدًا من العهد الجديد؟. أيطلُبُ سماحًا ، أي يحتاج الى تصريحٍ حرفيٍّ جديد كما في أيوب ” ها هو الآن في قبضتِك ” (اي1: 6) فنقرأ عبارة مماثلة حتى يقتنع صديقك؟. أ  نسيَ ما قاله يسوع :” الروح هو الذي يُحيي، أما الجسد، الحرف، فلا نفعَ فيه. والكلامُ الذي كلمتكم به هو روح وحياة ” (يو6: 63). أم نسيَ قول مار بولس أنَّ العهدَ الجديد هو ” عهد الروح لا عهد الحرف، لأنَّ الحرفَ يُميتُ والروحُ يُحيي” (2كور3: 6). فعلينا أن نقرأ في العهد الجديد ما بين الأسطر ايضًا ، أي نفهم معنى الآيات وليس حرفَها فقط.

لا يوافق الله على الشر، لكنَّه لا يمنعُه !

مع ذلك فالكتابُ لم يترك حسرةً في قلب أحد. ففي إيحاءات الروح نجدُ دومًا إجابةً لكلِّ أسئلتنا. ولكن إن كان صديقُ فادي يعني بـِ” السماح” أن يسأل الشيطانُ في كلِّ عمل له رُخصَةً من الله، أو أن يتدَخَّل اللهُ في كل فعل للشيطان فيُرَّخصُه بفعل السوء، فهو متوَّهم. لأنَّه لا سوءَ في الله حتى يسمح به للشيطان فيُرَّوجَ له. بل حتى ابليسَ نفسَه خلقه الله كائِنًا صالحًا، ” فرأى الله أن كلَّ ما صنعه حسنٌ جِدًّا ” (تك1: 31). وأعظمُ نعمةٍ منحها اللهُ لأبليس وللأنسان هي : الوجود مع الكرامة والحُرّية، وهي من ذات وجود الله. لكَّن ابليس أساء إستعمال حريَّته وجَرَّ الأنسان أيضًا الى ذلك. سلك ابليس طريق الكبرياء ومعارضة الله أملاً منه ان ” يُنافسَه ” ويكون إلَهًا بذاته، رافضًا بذلك مشيئة الله ومخططَه في الخلق. لم يسأل سماح الله بل خالف أمرَ الله. ولمَّا فشل وخسر مجدَه وجَّه عمله كلَّه لإغراء الأنسان بآتّباعِه بغية إبعاده عن الله وإفشال عمل الخلاص.

إنَّ الكبرياء وحب الجاه والمال في الأنسان ايضًا فلا يحتاج رُخصَةً الى زرعها فيه، إنَّما يُغَّذيها لديه فيسنُدُ تمَرُّدَه ويُضرم نيرانه ويُجيشُها في فكر الأنسان وقلبه. أمَّا اللهُ فإذ يعلمُ ما فعل ويحترمُ فعلَه، فهو يترك الحريّة، لأبليس وللأنسان، لفعل السوء، لا لأنه يرضى عنه. ولا لأنه ضعيفٌ أولا يقدر أن يمنعه أو ينتقم منه. لا. بل يحترم أولا نفسَه ثم خلائقه. ثانيًا  سيُحاسبُه بشِذَة، إنَّما بعد إِعطاء الأنسان فُرَضًا للتوبة وإصلاح حاله والآستفادة من دم المسيح. لأنَّ الله لا يريد هلاك الأنسان بل أن يتوب ويحيا أمامه.

إعمل ما أنت فاعله ولا تُبطيء !

هذا ما قاله يسوع ليهوذا بعد كشف خيانتِه. ذكَره بالأمر ليُعلن أنه لا يخفى عنه شيء (يو 16: 30)، وأنَّه يبذل نفسه بحريته (يو10: 18). ثمَّ أنذره بنذالةِ فعله وسوء نتائجها ” كان خيرًا لمن يُسَّلم إبن الأنسان أن لا يُولد (متى26: 24-25)، داعيَا إيّاه الى التوبة (متى4: 17). وإِذ لم يرعوِ يهوذا بل ظلَّ مُصِرًّا على سوء نيَّتِه سمح له أن يتبع ابليس غاويه فقال: ” إعملْ ما أنت تعمله ولا تُيطيءْ “(يو13: 27). أ ليس هذا سماحٌ من الله لأبليس أن يُسيءَ الى الناس؟.

وفي بستان الزيتون لا فقط لم يُدافع عن نفسِه بل منع الرسل، الذين رفعوا السيف للمقاومة،  أن يُدافعوا عنه مع أنه كان قادرًا أن يحميَ نفسَه بجيوش من الملائكة (متى26: 50-54)، سامحًا بذلك لأبليس أن ينفثَ سمَّ حِقده ويُعَّجل بموت المسيح. عن هذا سيقول بطرس لليهود ” وحين أُسْلِمَ إِليكم بمشيئةِ الله المحتومة وعلمه السابق، صلبتموه وقتلتموه ..” (أع2: 23). كان لله مشيئة بموت المسيح بتخطيط ابليس. تلك المشيئة التي خضع لها المسيح رغم قساوة الآلام التي جعلته يعرقُ دمًا بالتفكير فيها حتى طلب الإعفاء عنها إن أمكن (متى26: 39-42). وقد أخبر الأنبياءُ عن حدوث المأساة بسماح من الله وخضع لها يسوع حتى أتَمَّها كلَّها (متى26: 54-56؛ يو19: 30).

وفي سفر الرؤيا ” أُعْطِيَ الوحشُ فمًا ينطقُ بكلام الكبرياء والتجديف، وأُعطيَ سلطانًا أن يعملَ مدَّةَ اثنين وأربعين شهرًا .. وأُعطيَ القدرة على أن يُحاربَ القدّيسين ويغلبَهم ..”(رؤ 13: 5-7)، أَ ليس هذا سماحٌ لأبليس ان يُجَّربَ ويُغريَ ويُسيء ؟. فالعطاءُ يعني السماح.

أُسلم بمشيئة الله .. ولكنَّ اللهَ أقامَه !

لم يسمح الله بصلب يسوع لضعفٍ، ولم يُضَّحِ به لكسب تأييد القادة، بل بحكمةٍ سامية وقدرة فائقة قائدًا العملية الى مجد المسيح نفسِه وإلى خلاص البشرية، ومُحَّطِمًا شوكة الموت و غلبة الجحيم. لقد قام المسيح مُمَّجَدًا وعاد الأنسان التائب الى فردوسِه ” اليوم تكون معي في الفردوس” (لو23: 43). لقد فشلَ ابليس من جديد ورُبَّما تمنَّى لو لم يُسمح له بأن يقودَ عملية الفداء عن جهلٍ وغباء. لذا لم يتردد بولس في قوله للكورنثيين :” فليحذر السقوط من ظنَّ أنَّه قائم. ما أصابتكم تجربةٌ فوق طاقة الأنسان. لأنَّ الله صادقٌ ولا يُكَلِّفُكم فوق طاقتكم، بل يهبكم مع التجربةِ وسيلةَ النجاةِ منها والقدرةِ على آحتمالها ” (1كور10: 12-13). وإِذا كلَّفَ اللهُ شخصًا بشيءٍ سمحَ له به. ولا يسمح الله بشَّر ابليس إلا لنفعٍ أعظم للأنسان. فظهر سماحُ الله بشَّر ابليس لاسيَّما في التجارب لمنفعة المؤمنين. قال مار يعقوب :” إخضعوا لله وقاوموا ابليس ليهربَ منكم” (يع4: 7). لكنَّه لم ينسَ فذكر أيضًا بأنَّ ” امتحان إيمانكم في المحن يلدُ الصبرَ” (يع1: 2) وقال مار بطرس أنَّ ” المِحنَ تمتحنُ الأيمانَ كما تمتحنُ النارُ الذهب” (1بط1: 7؛ 1كور3: 12-13).