هل يتفق الغفران مع المقاطعة ؟

أهلا وسهلا بالسائل الكريم

إدَّعى السائل، الذي فضَّلَ التنَّكر لأنَّ أغلبية الناس وحتى المؤمنين يُفكرون اليوم على هذا النحو، بأنَّ المُسامحة تُسيءُ الى صاحِبها أكثر من أن تجريَ تغييرًا لدى المقابل الذي سُمِحَ له. خاصَّةً وأنَّ المقابلَ لا يسامح حتى لو كان مُخالفًا ويعتبرُ ذلك ضُعفًا وتهَّرُبًا من إجراءِ الحق. لأنَّ من يسكتُ على الظلمِ والضيم شيطانٌ أخرس، يقول الناس. وأضافَ السائل بأنَّ المُقاطعة، في تصَّورِه ، أحسن حَّلٍ بين المتخاصمين والمتعارضين في المواقف.

السماح قداسةٌ لا ضُعفٌ !

إعتبرَ صاحبي، مثل بقية الناس، أنَّ السماحَ مبنّيٌّ على العلاقة الأجتماعية وهو وسيلة لتهدئةِ الأعصاب وكِفيان الشر فقط. للسماح طبعًا وجهٌ من هذا القبيل. لكنَّ أساسَ السماح يُبْنى على المحَّبة ويقومٌ على وصية الله ” أحبب قريبَك كنفسك”، و” أَحّبوا أعداءَكم “، و ” آغفِروا حتى يغفِرَ الله لكم “. ليس الغفران لتمشية مصالح. لا نتقاتل ولا نتسامح للمنفعة. بل نتسامح لتنقية قلوبنا وآستئصال الكرهِ منه والحقدِ والشر. الأنسانُ صورةُ الله، ويلزم أن يكون قلبه مثله دومًا بريئًا، خاليًا من كل حقدٍ أو خوفٍ أو شَّك. وبريئًا كُلُّه لا نِصفُه. وبريئًا على الطول لا مؤَّقَتًا. وبريئًا مع جميع الناس لا مع البعض. وبريئًا حَّـقًا ومن صُدُق لا سطحيًا مرائيًا ومنافِقًا. تمامًا مثل الله. هكذا وَصَّى الرب :” أحبوا بعضكم كما أنا أحببتكم”. ” إرحموا كما رحمتكم أنا “. ” إغفروا من صميم القلب حتى يغفر لكم أبوكم السماوي”. إذن الغفران وصّيةٌ من الله كالمحّبة. والقلبُ المحب لا يمكن أن يكره أو يحقد ولا أن يبقى حياديًا. هكذا يحب الله ويغفر لمهينيه كلَّ يوم، بل ومليون مَرَّة في اليوم الواحد. وهذا كان جواب الرب لبطرس:” تغفرلأخيك، لا سبع مراتٍ في اليوم، بل سبع وسبعين مَرَّةً في اليوم الواحد”.

المُقاطعة !

إنها تعني قطع العلاقات الأجتماعية مع أقرباء أو أصدقاء أو زملاء بسبب عدم توالم الطباع بينهم، وتجَّنبًا لشَّر مُترَّبصٍ. يسوع أعلن الحَّقَ وكشفَ زيف تعاليم البشر الخلقية. نَدَّدَ بالحقد والإنتقام. أدانَ العينَ بالعين. ألغى شريعة التعامل بالمثل. لامَ سُّـنةَ المصلحة. بكلمة واحدة أعلن قَصرَ شريعة الأنسان في تحقيق راحته وسعادته، أوالعدل والمساواة. ذلك لأنها تنطلقُ من خيرات الزمن وراحتِه وليس من الله الخالق. لايمكن للأنسان أن يتجاهلَ مثيله ورفيقه في الحياة. ولا يمكن أن يبنيَ الحَّقَ على ما هو زمني لأنه يزول. فكما هو الأنسان صورة الله هكذا يجب أن تكون أخلاقه. وكما ليس في الله غير الحب هكذا يجب أن يكون الأنسان شُعلةً من الحب. وكما لا يُقاطعُ الله من يهينونه بل يسامحهم هكذا يجب على الأنسان أن يسامح ولا يُقاطعَ أحدًا. قد يبتعدُ الواحد ولا يختلط مع من يُضايقونه أو يريدون جَرَّه الى الخطأ ولكن لا يجوز له أن يضمر لهم الحقد في قلبه. بل يكون مستعدًا دائمًا للتعامل معهم و خدمتهم إذا آقتضى الأمر، ولا يسمح أن يتدَّنسَ قلبه ونفسه. الله يريد من الأنسان قلبًا نقيَا مثل قلبه. ولهذا صرخ النبي :” قلبًا نقيًّا أُخلق فيَّ يا ألله وروحًا مستقيمًا جَدِّد في أحشائي” (مز51: 12).

فالمقاطعة العِدائية مرفوضة. و مقاطعة تجَّنب الشَّر لا يجوز أن تتحَّولَ الى الإهمال وعدم المبالاة. لأنَّ المؤمن بالمسيح ما ينسى أنه مرتبطٌ مع كلِّ المؤمنين من خلال المسيح، لا فقط مع معارفه ولكن حتى مع الذين لا رآهم يوما ولا سمع بهم. أعضاء الجسم لا ترى بعضَها و لكنها تعمل معًا لأنها متّحدة ببعضها بواسطة الرأس والقلب. ويسوع رأس جسم المؤمنين يشُّدُ الى بعضِها جميعَ الأعضاء. فالحب والغفران والتآلفُ حياةُ المؤمنين.

القس بـول ربــان