من يُثَّبتُ صحة تفسير حلم يوسف ؟

أهلا وسهلا بآلأخ غسّان رياض

كتبَ آلأخ غسان عن يوسف آلصدّيق ويونان آلنبي قال :” كيف كان آلحلمُ متَّصلا بآلله؟. أي تفسيرٌ يُثبتُ لي أنه صحيح؟. أي هناك شكوك..! وأيضًا في آلنبي يونان : كيف نقله من آلبحرِ ألمتوسط إلى نهر دجلة/ الموصل، بعد ما خرج من آلحوت (حيث ظلَّ) ثلاثة أيام ؟. لماذا لا يوجد شيءٌ يُثَّبتُ (ذلك)، بحيث كان يكتب مثلاً أنَّ آلله نقلَه مع آلحوت إلى دجلة ؟ أو بغير صيغة …؟”

إِنْ لمْ أَرَ بعيني وألمس بيدي لا أُومن !

هذا كان رَدُّ فعلِ توما الرسول لرفاقِه الذين، رغم رؤيتهم ليسوعَ قائمًا من آلقبر، ترَدَّدوا في تصديق عيونهم لِعظمة آلحدث ورهبته، مع أنَّ آلرؤيةَ آلمباشرة أقوى آلشهادات، بينما توما سمع فقط منهم شهادتهم. على شكِّ آلمجموعة ردَّ يسوعُ :” لماذا ثارتْ آلشكوك في نفوسِكم؟ جُسّوني .. أنا هو.. لكنهم ظلوا غير مُصدّقين من شِدَّةِ آلفرح وآلدهشة ” (لو24: 36-45). و توما لمَّا رآه وجَسَّه وصَدَّق، لامه ألرب على شكِّه وعدم آلثقةِ برفاقه :” لا ينفعُ إيمانٌ بعد آلرؤية. طوبى للذين لم يروني وآمنوا ” (يو20: 29).

لم يكن خللٌ في آلحدث. فيسوع قد قام. وشهادة آلرسل كانت صادقة. ألخلل في آلذين سمعوا وشهدوا بعيون آلجسد فقط دون آلإلتجاء إلى عين آلفكر وآلإيمان للتفاعل مع آلحدث ببصيرةٍ وليس بآلعاطفة وآلتقوقع على آلذات.

أولاً. نحن كبشر معرفتنا ناقصة وقدرتنا ضعيفة للتمَّكن من معرفة حقيقة كلِّ ما يجري في آلكون الذي يحوي ملياراتٍ مثلنا، بعيدين ومختلفين. نحتاجُ إلى قوَّةٍ إيمانية فائقة لنناقشَ كلَّ ما نسمع أو حتى ما نرى، وإلى ثقةٍ متبادلة بقبول أُمور كثيرة دون آلتمَّكن من آلتحقيق فيها. وإلا لانقدر أن نعيش. مع ذلك، وفي واقع آلأحداث آليومية، تتكاثفُ مواقعُ آلأخبار ونأخُذُها على علاّتها. وأحيانًا كثيرة نُصَدَّقها ونتبيَّن بعدَه أنَّها كَاذبة وغَشّاشة، وعن عمد. يبقى آلخللُ دومًا في آلإنسان إِمَّا آلناقل أو آلسامع وآلقاريء وليس في آلحدث نفسِه. نحتاجُ إلى ضمير مستقيم للنقل، وإلى أُذن نقية لتلتقط جَيِّدًا، وعينٍ نَيِّرةٍ تُمَّيزُ بوضوح، وعقل يزنُ آلأُمور بنزاهة. وهذا لا تضمنُه فقط آلثقة بآلذات، بل يجب آلإنفتاحُ على آلآخرين للتفاعل معهم  وفهمهم بشكل بنَّاء. لا نقدر أن نطلب دومًا براهين وأدّلة حِسّية ثابتة تُقنعنا بصِحَّةِ ما يُقال لنا. كما لا توجد قوَّة تقدر أن تُثَّبت آلخبر ما دام آلإنسانُ حُرًّا قادرًا على أن يَرفُضَ حتى آلحقيقة. الحاجةُ إلى صبر وآنتظار قبل إِتّخاذ أي قرار. حاجتنا إلى إيمان.

ثانيًا: إِن كان آلأمرُ هكذا مع آلأُمور آلحِسّية آلدُنيوية فكيف بآلأُمور آلروحية آلإلهية التي لا تخضع للحواس بل هي روحية محضة؟. الله لم يره أحد قط في لاهوته لأنَّه روح. وكلامه إيحاءٌ أكثر من إلقاء. ” رأيناه وسمعناه ولمسناه و.. ” (1يو1: 1-3) فقط في شخص آلمسيح ، الله آلمُتجَّسد. أمَّا قبله، في آلعهد آلقديم، فحدَّث آللهُ آلإنسانَ بآلإيحاء، أو آلرؤى وآلأحلام. ولا أحد يقدر أن يُثَّبتها بآلحواس. لكنَّ آلأحداثَ آللاحقة أظهرت حقيقة ما أُوحيَ به بآلرؤى وآلأحلام، وعن صِدق تفسيرها وما قيلَ عن أعمال آلله وأقواله.                                                                                                                                                                                                                                                                 أحلام يوسف !

يوسف لم يُفَّسر أحلامه بدءًا بل قَصَّها على أهله. ولأنَّهم مؤمنون بآلله ورعيته عزوها إلى إخبار إِلهي. لأنَّهم قد سمعوا عن خبرة أبيهم عن طريقة إِتّصال آلله به، بأبيه إسحق أو جَدِّهِ ابراهيم. وبسبب حسَدهم من يوسف فسَّرها إخوتُه كأنَّ آلله يُشعِرُهم بتعالي يوسف ورغبتِه في آلسيادةِ عليهم. وآلنتيجة أرادوا آلتخَّلصَ منه حتى بقتله، لكنهم أذَّلوهُ وباعوه كعبد. ولم يُفَّسروها بأنه سيُصبح سيِّدَ مصر ويخضعون له شاؤوا أم أبوا. واقعُ آلأحداث آللاحقة،  من سَنَد آلله ليوسف وإنقاذِه من جميع آلعراقيل، وظهور المجاعة، قاد يوسف إلى سُدَّةِ آلسُلطة. ولجوءُ إخوته وحتى والده إلى عونه أكَّد بأنَّ أحلامَ يوسف كانت فعلاً إيحاءًا وآتّصالا من آلله يكشفُ مصير يوسف وشعبه وخضوع آلجميع له.

فآلأحلامُ وحسد آلأخوة وعِداؤُهم له، تفسير يوسف لأحلام فرعون كلُّها إِتّصالُ آلله مع آلأنسان. سيقوله يوسف نفسُه :” ألآن لا تأسفوا ولا تستاؤُوا لأنكم بعتموني إلى هنا. لأنَّ آلله أرسلني أمامكم لأحفظَ حياتكم.. فآللهُ جعلني وصِيًّا عند فرعون، وسَيِّدًا لجميع أهل بيته ، و مُتسَّلِطًا على كلِّ أرض مصر” (تك45: 5-8). فآلله الذي كشفَ ليوسفَ حياته ومصيرَه ، أعطاه أيضًا روحًا إلهيةً تفهم آلأُمور وتفَسِّرُها على حقيقتها. هذا ما أكَّده مار بطرس آلخبير بشؤون آلله وإيحاءاته وآتّصالاته :” إعلموا أنْ لا أحد يقدر أن يُفَسِّرَ من عنده أيَّةَ نبوءةٍ في آلكتب آلمقدَّسة. لأنْ ما من نبوءةٍ على آلإطلاق جاءَت بإرادةِ إنسانٍ. ولكن آلروح القدس دفع بعضَ آلناس أن يتكلموا بكلام من عند آلله ” (2بط1: 20-21). فلِإِزالةِ أيِّ شكٍ نحتاج إلى آلأيمان بآلله وآللجوء إِلى أنواره.

يونان ونقله مع آلحوت !

وكيف ينقلهما، يا سائلي آلكريم ولا يوجد ممَّرٌ مائيٌّ بين دجلة وآلبحر آلأبيض آلمتوسط، و قناةُ آلسويس لم تكن بعد محفورة. ويونان أراد آلهروب إلى آلغرب عن طريق مضيق جبل طارق؟. لا تقلق يا أخي كان يونان قادرًا أن يسلكَ، بآتِّجاهٍ مُعاكس، نفسَ آلطريق الذي سلكه آلجيشُ آلآثوري عندما ذهبَ يغزو آلسامرة ، بلد يونان، وآستولى عليها سنة 721ق.م. لكن يونان لم يدُسْ أرضَ آلعراق ولا دخل آلموصل. فلا تقلق ولا حاجة إلى آيةٍ خارقة لتثبيت ما لم يحصل أصلاً.

قصَّةُ يونان ليست خرافية. حاشا. إِنمَّا ليست حرفية. بل هي روحية إيمانية. رُبَّما لعن يونان في قلبه شعبَ نينوى، بل آلشعبَ آلآثوري كلَّهُ وتمَّنى له أسوأَ مصير، إنتقامًا لغزو آلسامرة وإذاقةِ شعبها آليهودي آلأَمرَّين في ألقرن آلثامن ق.م. لكنَّ آلله لم يسمح له أن يُغَذِّيَ مثل تلك آلمشاعر، الغريزية وآلعنصرية، بل دعاه إلى تتميم رسالته فيُفَكِّرَ ويعملَ لخلاص ذلك آلشعب بتعريفه على آلله آلحَّق وتنويره على آلقداسةِ وآلبر، ودعوته إلى آلأيمان بآلله آلخالق، راعي آلبشرية جمعاء. لقد إختاره آلله ضمنَ شعبِه أن يكون رسولاً للعالم :” جعلتُك عهدًا للشعوب، ونورًا لهدايةِ آلأُمم .. وخلاصًا إلى أقاصي آلأرض ” (إش42: 6 ؛ 49: 6)، و ليسَ جَزّارًا ثائرًا مُدَّمِرًا. أمَّا آليهود فآحتكروا آللهَ لأنفسهم ولم يُبشِّروا به وبتعليمه. بل رفضوا أن يتساوى معهم جميعُ آلبشر *يو4: 1-3).

يريدُ يونان مع شعبِه أن يتمَّلص من أداءِ خدمةٍ من أجلها إختاره آلله. تنَّكرَ لفضل آلله عليه وتناسى أعظم معجزاتٍ أجراها من أجله. تمَسَّكَ برغبته وراحتِه. سلك طريق آلإنتحار. بلعه حوتُ آلكبرياء وآلفساد. يُنقِذُه آلرب من جديد ليُعيدَه إلى رُشده، إلى آلحَّق. لقد أَفسَدهُ روح آلعالم، روح آلمال وآلجاه وآلشهوة. كسر آلله شوكةَ آلشر، فأَذَّلَ آلشعبَ على يد مَن هو أفسدَ منه، لِيُعيد آلشعبين إلى جادّة آلحق. لا يريدُ آللهُ هلاكَ آلبشر، حتى آلخطأة، بل أن يتوبوا أمامه ويحيوا (حز18: 23). فيدعو آثورَ وإسرائيلَ إلى آلتوبة. ألممالكُ تزول. آلهةُ آلبشر تفنى. أمَّا آللهُ فله وحدَه آلنصرُ وآلبقاء. ومن يؤمن به، من آلعبرانيين أو آلآراميين ومن جميع آلأُمم، ويسمع كلامه ويتوبُ إليه، يحفُظه وفيحيا (يو3: 5 و10). ومن يُعاندُ في جهله ويرفضه سيخسر آلحياة.

هذا ما أوحى به آلله إلى مؤمن غيورٍ أن يُحَرِّرَ سفرَ يونان، حوالي سنة 450 ق.م، بشكل أُمثولةٍ تستندَ إلى أوَّلياتٍ في تأريخ شعب آلله، هي : شعبٌ وأشخاصٌ وأحداثٌ وسلوكٌ، واقعٌ عاشته شعوب آلمنطقة، ومِحورُ آلمسرح قادةُ آلفكر وآلسُلطة في شعب آلله آلمختار، ذي رسالةٍ سماوية. اللهُ آلخالق هو أبو آلحياة لجميع آلبشر. ليستْ أُمَّةٌ أفضلَ من غيرها إلا بحفظ كلام آلله. في آدمَ أخطأَ جميعُ آلناس وأَعوزهم مجدُ آلله (رم3: 23). إختارَ آللهُ شعبًا كشفَ له آلحق، ودَرَّبه على آلبر، وثَبَّتَ كلامَه بمعجزاتٍ خارقة ليجعلَ منه ” نورًا لهدايةِ آلعالم إليه”. لكن آلشعب تبطرن وأدار آلظهر لله وتخَّلى عن رسالةِ إِلَهِه، وتبعَ شهواته. و” عوض أن يُثمرَ عِنَبًا أَثمر فقط حُصرُمًا ” (إش5: 1-7).

الله هو آلخالق وآلسَيِّدُ آلمطلق. إلا إنَّه أوَّلا أبٌ مُحِبٌّ ورحوم، وراعٍ غيور وحريص يريدُ ألخير للبشريةِ جمعاء. لا يتراجعُ عن كلامه، ومشيئتُه لا تبطل :” كلمتي التي تخرجُ من فمي لا ترجعُ فارغةً إليَّ. بل تعملُ ما شئتُ أن تعملَه وتنجحُ فيما أُرسلها من أجله ” (إش 55: 11). هذا آلكلام أبلغه إشعيا إلى شعبِ مملكةِ يهوذا، وهو متزامنٌ مع يونان في مملكةِ إسرائيل. وفي آلسفر آلمكتوبِ عنه  نفَذَّ يونان أمرَ آلله رغم رفضِه هدف آلله. وأهلُ نينوى عرفوا آلله وآستجابوا لمشيئته فتابوا وتراجعوا غن سوئِهم. وكما قال آلرب يسوع :” ومن له أُذنان سامعتان فليسمع “.

لا يحتاجُ آلله إلى أن يُثَّبتَ كلَّ كلام له بمعجزة خارقة. ذلك إهانةٌ لآبنٍ مؤمن من أبٍ لم يكذب قط ولا أخطأَ فيتندم ولا قصَّر ببمعجزاته آلخارقة (عد23: 19). ألآياتُ تُجرَى عادةً للوثنيين وآلملحدين وآلجاهلين ليهتدوا إلى آلله ويؤمنوا به ويسمعوا كلامه. أمَّا آلمؤمنون فلهم نعمة آلنبوءة لِمعرفةِ مشيئةِ آلله وآلإلتزام بها (1كور14: 22). رغم ذلك لم يُقَصِّر في أعماله آلمدهشة  في آلعالم لتذكير آلناس بحضوره آلفعَّال. ولكن حتى لمَّا أخرج آللهُ يونان حَيًّا من بطن آلحوت ، ظلَّ يونان متمَسِّكًا برأيه، رافِضًا خلاص أعدائه حتى بعد توبهم وآلإعتراف بآلخالق (يو3: 5 ؛ و4: 8-9). لم تنفعْهُ آيةُ آلحوت، لأنَّ إيمانَه بآلله، هو وشعبُه آلمختار، لم يكن أصيلاً ولا صادقًا. بينما يريدُ آلله إيمانًا وثقةً به مثل طفلٍ بأبيه. الآبنُ يسأل أباه ويستشيرُه ويسمع كلامه. وآلأب يرعى إبنه ويغمرُه بحنانه وبركاته، ولا ينسى خلاص كلِّ أبنائِه. وعلى آلآبن أن يُحبَّ إخوته وخيرَهم كنفسه (أح19: 18).