عيسى ونصارى : مصدرهما

أهلا وسهلا بالأخ لويس خوراني.

كتب الأخ لويس يسألُ :” أطلبُ أن توَّضحَ إِن أمكن تسمية المسيح بـ ” عيسى” والمسيحيين بِـ ” نصارى”. هل هذان التعبيران ضمنَ تعاليم المسيحية ؟ من أين أتت ؟.

المسيحية والتعبيرين !

عيسى :-

بالنسبة الى المفردة ” عيسى ” هي قراءة الإسم معكوسًا، تصغيرًا. والتصغيرُ يتم لغويًا إِمَّا تحَبُّبًا أو تقليلا من الشأن. إشتهرَ بها القادة الدينيون لليهودُ تجاه يسوع فحسدوا نجاحه لكسب الشعب ولاسيما قدرته الفائقة على إجراء المعجزات ولاسيما فضحُ أخطائهم ونفاقهم. فعَيَّروه بقريته الصغيرة الناصرة وبموقعها في الجليل، وقد إشتهر سكان المنطقة بهوسهم وثورانهم. فآعتبروا يسوع ” مُهَوِّسًا ” فدعوه ” يسوع الجليلي والناصري ” متى26: 69-71) او” النبي يسوع من ناصرة الجليل”(متى21: 11). ولا يخجل مار بطرس من دعوة   يسوع ” ناصريًا “(اع10: 38) ليعرف الشعبُ عمن يتكلم.  

وكان لليهود جالية مهمة في شبه الجزيرة العربية، شبه مملكة في يثرب، وكان لها نفوذٌ ودور في قيام الحركة الأِسلامية وآنتشارها وثباتها. وليس بعيدًا أن يكون اليهود ، او مسيحيون متهَوِّدون ، قد نقلوا وبثوا أفكارهم إلى غيرهم. ولمَّا رأوا إنتشار المسيحية الرسولية في البلاد بادروا الى تشويه اسم يسوع تحقيرًا وبقصد عرقلة البشارة بآسمه. ثمَّ تعَوَّدَ عليه العرب، وتبَنَّاهُ آلإسلام. لأنَّ الإسلام هو من ثَبَّتَ رسمّيًا تحويرَ اسم يسوع الى  “عيسى”. وقد ذكره القرآن 25 مرَّةً بهذه الصيغة فكرَّسها. ثمَّ سارَ على دربه المسلمون بشكلٍ إعتيادي. فقد جاء في سورة آل عمران :” قالت الملائكة يا مريم إنَّ الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى بن مريم، وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقَرَّبين “( آل عمران 45). ويبدو ذلك غريبًا. لأنه رغم مدحه للمسيح لم يتبَنَّ الأسم المسيحي” يسوع”، بل تبَنَّى الإسم المُحَّرف الذي رَوَّجَ له أعداءُ المسيح. فجاءَ في سورة البقرة :” وأتينا عيسى ابن مريم البيِّنات وأيَّدناه بالروح القدس “(البقرة، 87). واللهُ وحدَه فاحصُ النيّاتِ والقلوب.     

امَّا المسيحية الرسمية والمسيحيون من كل المذاهب فقد تمَسَّكوا، أمانةً للتأريخ والحَّق، بآسم المسيح ” يسوع “، كما أعلنه الملاك وأطلقه عليه مُرَّبيه يوسف (متى1: 20-21؛ لو1: 31 ). وهو يعني ” المُخَّلِص “، ورفضوا الآسم المُحَوَّر نهائيًا. ولم يستعملوه أبدًا. ولن تستعمله المسيحية مطلقًا. لأنَّه تحريفٌ لآسم شخص هو يسوع التاريخي كما أكده رسُلُه وتلاميذه منذ اول شهادةٍ لهم عنه، سَجَّلها العهد الجديد. وشهيرة مقدمة انجيل لوقا يُعلن فيها أنَّ شهادته تقومُ على أساسٍ تحقيقٍ وتدقيق في كلَ شيءٍ عن يسوع المسيح ليضمن للمسيحي صِحَّةَ إيمانه فقال :” رأيتُ أنا أيضًا، بعدما تتبَّعْتُ كلَّ شيءٍ من أُصولِه … حتى تعرفَ صحَّة التعليم الذي تلَقَّيْتَه “(لو1: 3-4). وآلإسمُ أول الحقائق وأهَمُّها عن حياة أيِّ شخص كان. أمَّا الصيغة المُحَوَّرة فلا تمُتُّ الى المسيحية بصلة. إستعملها أعداءُ المسيحية إزدراءًا وتقليلا من قيمة شخص المسيح، و ذلك حسَدًا ولإبعاد الأضواء عنه. 

نصارى :-

أمَّا هذا النعتُ فأمرُه يختلف، وإن بدا وكأنَّه تصغير للإشارةِ الى المسيحيين. نعتَ اليهودُ يسوع بآسم الناصري تقليلا من قيمته وتشويهًا لسمعته. قلنا أعلاه أن الناصرة، موطن يسوع. كانت قرية صغيرة لا ذكر لها بين المدن بغير سمعة أهلها المَهْووسين والعنيفين  (لو4: 28-29)، والواقعة في مقاطعة الجليل الشهيرة بالخطأة (لو13: 2)، وبثوارها ضد المستعمر الروماني (أع5: 36-37). لقد إِستصغَرَها وآحتقرها اليهود:” أ من الجليل يأتي المسيح”؟ (يو7: 41) ؛ أم ” هل من الناصرةِ يخرجُ شيءٌ صالح”؟ (يو1: 45-46). لكن يسوع يعترفُ أنه من الناصرة، شاءَ الناسُ أم أبوا. وهذا لا يُغَّير لا من هويته ولا من إنتمائِه، ولا تُقلل إهانةُ غيرِه من إحترامه لوطنه. بحيثُ عند آلقبض عليه في بستان الزيتون سأل آلمهاجمين عليهِ مرتين :” من تطلبون ، وأجابوا يسوع الناصري ” لم ينكر هويته ولا إعترضَ عليهم، بل رَدَّ بكل فخر ودون آمتعاض” أنا هو” (لو 18: 4-7).    

وقد نُعتَ المسيحيون الأولون لفترةٍ بِـ “شيعة النصارى” (أع24: 5)، أي أتباع يسوع الناصري. يقول العلامة بولس الفغالي:” سَمَّوا المسيحيين” ناصريين أو نصارى” إحتقارًا وآنطلاقًا من اسم الناصرة” (المحيط الجامع ، كلمة  “ناصرة”).. أمَّا الرسل فلم يُبالوا بذلك

حتى أن بطرس الرسول إستعمل لفظة ” يسوع الناصري” أمام كورنيليوس (أع10: 37). إلى أن تغَلَّبَا لقبُ ” المسيحيين ” في أنطاكية ذي الغالبية اليونانية.

النصارى عند غير المسيحيين !

ظهرتْ بدعَةٌ دُعيَت، أو سَمَّتْ نفسَها، ” ناصريين، او نصارى”، عاشت في منطقة قريش ، كان آخرُ سَيِّدٍ لها ورقة بن نوفل عم السيدة خديجة زوجة محمد، قال المطران أبيفانوس أسقف قبرص عن تلك البدعة أنَّ لها إنجيلا خاصًا بها ( يُعتقد أنه الأنجيل المزور والمندثر الى العبرانيين)، وأتباعها مسيحيون متهَوِّدون ( العلامة فغالي ـ المصدر أعلاه)، إختفوا وذابوا في الإسلام، أمَّا آلأسم فبقيَ لآسيّما عن طريق آلأسلام.

تُعَرِّفُ موسوعة ” الدرر السنية ” للأديان رأي الإسلام عن الموضوع فتقول :” النصارى كلمةٌ مشتقة من الناصرة، قرية المسيح، وبالنسبة إلى الديانة نصراني وجمعه نصارى. فالنصرانية، إصطلاحًا، هي دين النصارى الذين يتبعون المسيح وكتابهم الأنجيل. و أتباعُها يُقالُ لهم ” النصارى” نسبةً إلى بلدة الناصرة.. وإشارةً الى نَصرِهم لعيسى (ع) و تناصُرِهم فيما بينهم. وهذا يخُصُّ المؤمنين بينهم من أول الأمر. ثم أُطلقً عليهم كلهم على وجه التغليب. ويشهدُ لذلك قوله تعالى :” قال ولمَّا أحَسَّ عيسى منهم (اليهود) الكفرَ قال : مَن أنصاري الى الله؟ قال الحواريون نحن أنصار الله” (آل عمران 52). وقد ذكرت سورة البقرة ” الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى و الصابئين ..”(62). و أضافت الموسوعة ما يلي: ” لقد أُطلقَ على أتباع النصرانية في القرآن الكريم “نصارى” وأهل الكتاب وأهل الإنجيل وهم يُسَّمون أنفسَهم ” مسيحيين” نسبةً الى المسيح (ع). وأول ما دُعيَ النصارى بالمسيحيين في أنطاكية حوالي سنة 42م، ويرى البعضُ ذلك أنَّ أولَّ الأمر كان من باب الشتم”.