عـيد الأنتقــال !

تتلى علينا اليوم القراءات : أع1: 12-14 ؛ رم16: 1-6 , 16 ؛ متى12: 46-50

الرسالة : رومية 16 : 1 ـ 6 ، 16

دعا بولس مسيحيي روما إلى التعاون معه في الجهاد بالصلاة والدعاء لأجل إيصال بشارة المسيح الى كلِّ الناس. هو يُجاهد بالإعلان عنها والتنقل من أجلها من مدينة الى أخرى، و تحَّمل كلِّ المَشَّقات والتعب من الطبيعة ومن الناس الأشرار، ودعاهم ” كُفَّار اليهودية ” الذين سيقع في شرك دسائسهم فييقبضون عليه بُغية قتلِه (أع21: 27-36). وقبل أن يعيش في روما مدة سنتين وهو سجين ينتظر عدالة القيصر، ودون أن يعايش المسيحيين هناك أويكون مسؤولا عنهم ، يطلب منهم بثقة أن يؤَّدوا دورهم في الكنيسة بمرافقة الرسل وإعانتهم بما يقوون عليه، لاسيما وأنَّ كثيرين ممن عمَّذهم وآشتركوا معه في الخدمة التبشيرية يُنعشون رعية روما وهم فيها، حسبما يبدو، أعضاء ناشطين وفعَّالين. ويختم رسالته فيُحَّييهم ويوصي بهم ويُبلِّغهم تحيات رفاقه وأدعيتهم.

أوصيكم بخدام الكنيسة !

لا ينسى الرسلُ المؤمنينَ ” العلمانيين ” الذين تعاونوا فأدّوا دورهم في خدمة البشارة. وبولس لا يشُّك لحظةً بأنَّ المسيح دعا كلَّ أتباعِه إلى الشهادة له والتبشير بآسمِه. لقد أصبحوا واحدًا مع المسيح إذ لبسوه في المعمودية (غل3: 27)، فيحيا فيهم ويعمل من خلالهم (غل2: 20) و الويل لمن يخون نعمته ويُهمل رسالته (1كور9: 16). ويذكر بولس في رسائله أسماء حوالي خمسين مؤمنةً ومؤمنًا يتعاونون معه، بشكل أو بآخر، في البشارة وخدمة الرعايا. منهم من يُعَّلم، منهم من يحتضن المهتدين ويستقبلُهم في بيته للصلاة وإقامة القداس وآستضافة الأخوة أو الغرباء وخدمتهم (أع2: 46؛ 12: 12؛ 5: 42؛ 16: 15-34 ؛ 21: 8 ؛ 1كور16: 29؛ 1طيم 5: 10 ؛ وآية النص 5)؛ كذلك تنظيم الرعية وتوفير قوت الرسل وحاجاتهم ومتطلبات الحياة الأجتماعية أو مستلزمات البشارة.

لكن ما يُلفتُ الأنتباه هو ذكر أسماء نساء كثيرات من بين هؤلاء المعاونين الناشطين. مع ذلك لا يذكر لهن صفة إدارية كنسية رسمية، ولا” كهنوتية “، مع أنه سيذكر في رسالته الى تلميذه طيمثاوس مع ” الشمامسة ” (1طيم3: 11) أخلاق النساء اللواتي يخدمن في الكنيسة. يعترف بولس بمساواة المرأة، في المسيح، مع الرجل (غل3: 28)، ولكن المساواة لا تعني التماثل في كل وظيفةٍ وخدمة. بل تعني في فهم بولس أداءَ كلِّ واحد الدورَ المناط به، وتفعيل الدعوة الخاصَّة. حتى عند كلامه عن الشماسية ساواهم بالسيرة الأدبية اللائقة بمن يخدمون الكنيسة لا بالدرجة أو المسؤولية الكهنوتية. تقومُ المساواة أمام الله ونظرًا لما خَّصَه الله بكل واحد و مَيَّزه به عن الآخر. وهذا الأختلاف في المهمة يُؤَّدي الى تكامل الخدمة لبنيان المنفعة العامة للحياة الأنسانية (1كور12: 7). فالمرأة هي رسولة للمسيح وخادمة في الكنيسة لا لتوزيع الأسرار بل لأيصال تعليم الرسل (أع18: 26-27) والتربية ولاسيما خدمة المحبة (1طيم5: 10 و16) .

وقدَّر بولس هذه الخدمات التي أدَّتها وتؤَّديها بعض المؤمنات فذكرهن بولس و وَصَّى بهن مطالبًا بآحترام خاص لهن وقبولهن ” في الرب قبولا جديرًا بالقديسين”. ما فعلن ليس شيئًا إضافيًا على الإيمان بل هو من صلب الدعوة المسيحية وعنصر أساسي في الشهادة للمسيح. رغم ذلك تبقى أمانتهن لأيمانهن” جميلا ” تعترف به الكنيسة. لقد قال الرب: ” لا يضيع أجرُ كأس ماءٍ بارد يُقَّدم بآسمه “(متى10: 42) فكيف بـ ” حماية الأخوة من الموت ، والمخاطرة بالحياة الخاصة لأنقاذِ الآخرين ، وفتح الدار لتجَّمع المؤمنين للصلاة فيه ، وبذل الجهود من أجل البشارة “، وغيرها من الخدمات التي ذكرها في رسائل أخرى.

وليس إعتباطًا تخصيص نص رسالة اليوم لقراءَته في عيد مريم العذراء. مريم أيضًا امرأة. وأعظم النساء قاطبةً، فقد ولدت المسيح المخَّلص وأصبحت أُم إبن الله. ولم يُعَّينها يسوع ، رغم ذلك، بين رسله الأثني عشر لقيادة الكنيسة. بل كشفَ دورَها الأهم فأعلنها ” أُّمًا للكنيسة ” (هذا إبنك.. هذه أمك). وقدَّمها نموذَجًا لكل امرأة في ملكوته على الأرض. نعم أراد بذلك أن تؤَّدي المرأة في الكنيسة دور” الأم والأخت والبنت” (1طيم 5: 2)، تنعش المحبة وتنشر الرحمة والحنان فتؤَّدي العاطفة دورها في بناء مملكة الله على الأرض، بجانب الفكر الذي إختَّصَ الرجل بتفعيله لآكتمال تلك المملكة. وآعتبرت مريم دورها وضيعًا ” خادمة للرب “، لكنه دور أم، يتكاملُ مع دور الأب الذي أداه يسوع، ويؤَّديه رسلُ كل الأزمنة. هكذا المرأة تؤَّدي في الكنيسة دور مريم، المُعينة للرجل (تك2: 18). فلا تعني مساواتها للرجل أن تُقَّلده في كل مجالات عمله. وكما لا يقدر الرجل أن يؤَّديَ كلَّ أدوار المرأة الأم ، رضاعة الطفل مثلا، هكذا لا تقدر المرأة أن تؤَّدي بنجاح كلَّ أدوار الرجل، بنوع خاص في المجال الديني ، حفظ سِرِّ الأعتراف مثلا. وفي النهاية هذا يعني أن كنيسة المسيح لا تحصرُ رسالتَها في الرجل ، ولا تنكرُ ولا تزدري خدمة المرأة، بل تحتضن كلتيهما، إنَّما دون خلط الأوراق.

إحذروا المشاغبين !

وإذا كان للعائلة المسيحية وجهُها النقي المُشِّع إلا إنها لا تخلُ من بنين عاقين. فلم يكتفِ مار بولس بمدح الأبناء البررة والأعتراف بجميلهم بل قبل أن ينهي رسالته بالتحيات الختامية حَذَّرَ أيضًا من الذين” يُثيرون الشقاقَ ويعيثون فسادًا (كما يحدث في كل الأجيال) بخروجهم على التعليم الذي أخذتموه. إبتعدوا عنهم لأنهم .. يُضّلون القلوبَ السليمة بمعسولِ كلامِهم و تمّلُقِهم ” (آية 17-18). لا يخلُ حقل الحنطة من الزؤان. ولكن ليست الحكمة في إستئصاله وإدانته، بل بتجَنُّبِ الأشرار وترك الحساب لله، دون قلقٍ أو خوف. يكفي الوعيُ عنهم وعدم تبرير أو تأييد مواقفهم، ولاسيما عدمُ السماح لآنتقال عدواهم إلى غيرهم، بل إشهارُها ومقاومتها عن طريق شهادةِ السلوك الأيماني المستقيم.