سلطانة السماء والأرض

أهلا وسهلا بالأخ كنار أنور جبرائيل شير

كتب الأخ كنار يقول :” الجزء ( السر) الخامس من صلاة الوردية، قسم المجد” نقول ” .. أصبحتِ سُلطانة السماء والأرض” ، ” عِلمًا أن العذراء عملت معي معجزة في لورد. فالسؤال: من أعطى لها هذا السلطان ؟. حسب علمي مصدرنا هو الأنجيل زائدًا الأجتهادات المستندة على قول المسيح لبطرس ” كلَّ ما تحُّله وتربطه “. فأين أجد التفسير ؟”.   

أين التفسير ؟

لم تتطَّرق مريم العذراء في حياتها إلى الموضوع حرفيًّا. لمَّا بشَّرها الملاك بولادة إبن الله منها قالت:” أنا أَمَةُ الرَّب”. لكنها بعد أن وافقت على بشارة الملاك وحلَّ إبنُ الله في حشاها ، ردَّت على مناداة  خالتها اليصابات لها بِـ”أُمّ رَبِّي”، كاشفةً سِرَّها، أنشدت مريم بقوة الروح القدس قائلةً :” .. جميعُ الأجيال ستُهَنِّئُني، لأنَّ القديرَ صنع لي عظائم “(لو1: 48-49). لقد أحَسَّت من وقتها بما نعرفه اليوم ونُبَجِّلُه ونُهَّنئُها عليه.

وما عدا هذه الفقرة لم يَذكر الأنجيل بما نحن في صدده. لكنه ذكر كيف كانت مريم تتابع حياة يسوع وترافقه مثل ظلّهِ، لا تفارقُه. حتى عند موته كانت واقفة تحت الصليب تشاركه الألم. ربَّما هنا بدر شفقُ مستقبل حياتها لمَّا سَلمَّ تلاميذه، وبهم الكنيسةَ جمعاء، الى رعايتها الوالدية كإخوةٍ له، وسَلَّمهم إليها كإلى أُمٍّ سماوية قديرة ترعاهم وتداريهم، يلقون عندها كلَّ ما كانوا يلقون عنده من توجيه وسندٍ (يو19: 25-27). فنراها في وسطهم تشاركهم الصلاة ، وكأَّنها تشجِعُهم على التقَّيد بتعليمات إبنها، لآنتخاب متيا البديل عن يهوذا، كما عند حلول الروح القدس على الكنيسة والبشرية جمعاء (أع1: 14؛ 2: 1-4).   

عبرَ التأريخ !

جاء في الوثائق المسيحية أن أوريجانس (+254م) لقَّبَ مريم بـ “السيّدة “، مَن لها المقامُ الأول. أمَّا مار أفرام (+373م) فلقَّبها بـ “السيدة والملكة “، وتبعه في ذلك ملافنة الكنيسة. وفي مجمع أفسس (431م) فازت مريم العذراء بلقب ” أمّ الله “. وبدأت التقوى المسيحية تنسجُ لها تراتيل منذ القرن 6م تتغَنَّى بلقب ” مريم ملكة السماء” وتُحَّييها بِـ” سلامًا يا ملكة قديسة. سلامًا يا ملكة السماء”. كما ترتقي الى نفس القرن السادس أولى لوحاتٍ لِـ ” تتويج مريم ملكة الكون”. لا تزال أولى اللوحات يُحتفظُ بها في كنيسة ” القديسة مريم ” القديمة في روما، وهي من القرن الخامس. حتى انَّ مجمع نيقية الثاني (787م) أصدر قرارًا بأنَّ  صورًا مثل هذه وجبَ توقيرُها، مُثَّبتًا صحَّة شفاعة مريم العذراء.

التقليد الكثوليكي !

استمرَّ التقليدُ الكاثوليكي في تكريم مريمَ بلقبِ ملكةِ السماء وملكة الكون. وآنتشرَتْ عادةُ الأحتفال بملكة الكون. وتنظمَّتْ في الغرب رتبةُ صلاةٍ طقسية بآسم ” سلامًا يا ملكة ـ Salve Regina ” كانت تُصَّلى كل سبتٍ في جمعيات الرهبانيات المريميات. والى تاريخ 1013-1054م تعودُ الصلاةُ التي ما زلنا نتلوها وهي” السلام عليك أيَّتها الملكة أم الرحمة والرأفة…” وقد ألفَّها راهبٌ بنديكتاني من ألمانيا. ولمَّا طلبَ القديس عبدالأحد (1170-

1221م) من العذراء سلاحًا لمقاومة هرطقة الألبيجيين أعطته “الوردية المقدسة ” بأقسامها

الثلاثة: الفرح والحزن والمجد”. كان السر الخامس من قسم المجد يشير الى ” ملكة السماء والأرض” ( تُستعمل في العربية لفظة سُلطانة مرادفةً للملكة ). وكذلك القديس فرنسيس الأسيزي (1182-1226م) دأب على إستعمال لقب ملكة السماء والأرض. وآشتهرت رهبنته منذ القرن 13م بتلاوة صلاة ” إفرحي يا سُلطانة السماء”، بديلةً عن” ملاك الرب” في الفترة بين عيد القيامة وعيد العنصرة.    

العقيدة الأيمانية !

يشترك في الأيمان بملوكية مريم الكاثوليكُ والأرثذوكس وحتى قسمٌ من إنجيليين لوثريين مثل كنيسة السويد. أمَّا إعلان هذا الأيمان كعقيدةٍ فهو شأنُ الكنيسة الكاثوليكية وحدَها. ربَّما يعودُ السبب الرئيسي في ذلك الى الأنقسام، وليس إلى الأيمان، الذي كان مانعًا في المشاركة في الأتّفاق على دراسة الموضوع وإعلانه معًا. وقد أعلنته الكنيسة الكاثوليكية بصورة رسمية في 1/ 11/ 1950م عند إعلان عقيدة ” إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد الى السماء”، بفم البابا بيوس الثاني عشر(+1958م).

لكن البابا سبق الأعلان بالحديث عن الأسباب اللاهوتية لِـ “لقب سُلطانة السماء والأرض”، في 13/ 5/ 1946م، قال :” هو إبنُ الله يعكُسُ على أُمِّه السماوية المجدَ والجلال والسيادة في مملكته. لأنَّها إشتركت مع ملك الشهداء في عمل الفداء البشري على أنَّها أمٌّ وشريكةٌ. تبقى معه شريكةً للأبد مع سلطانٍ غيرِ محدودٍ في توزيع النِعم التي تنبعُ من الفداء. يسوع هو ملك منذ الأزل بالطبيعة، وبحَّق الأكتساب (لو19: 12-15). ومريم عن طريقه، معه، و خاضعةً له ، هي ملكةٌ بالنعمة ، بالعلاقة الألهية ، بحَّق الأكتساب ، وبآختيارٍ فردي من الآب “.

وفي 1/ 11/ 1950م عند إعلان عقيدة الأنتقال، قال البابا :” إنَّ العذراءَ الطاهرة، بعدَ أن عصَمها اللهُ من كلِّ صلةٍ بالخطيئة الأصلية، وطوت شوط حياتها الأرضية، نُقِلَتْ جسدًا و نفسًا الى مجد السماء، وأعلنها الرَبُّ سلطانةَ الكون لتكون بذلك، أكثر ما يكون الشبهُ بآبنها ، ربِّ الأرباب وقاهر الخطيئة والموت”.

في 1951 دعا البابا مريم ملكةَ إسرائيل لأنَّ ابنَها يسوع هو ملك إسرائيل، ملك الكون السماوي. كانت أُمَّهاتُ ملوك بني اسرائيل يُدعَيْن ملكةَ اسرائيل…لا أحد شارك حياةَ يسوع إبن مريم أكثر من مريم التي ولدت إبنَ الله”. وفي 11/ 10/ 1954 أسس البابا عيدًا لِـ ” مريم ملكة الكون” وثبّته في 31/ 5، وجرت فيه العادة، منذ تأسيسه أنْ تُتَوَّجَ مريمُ العذراء في آحتفال ختام الشهر المريمي. أكَّد البابا، في ذلك الأحتفال، أنَّ مريم تستحقُّ لقب ملكة السماء لأنَّها أمُّ الله، وأنَّ إبنَها يسوع المسيح هو ملك اسرائيل وملك الكون السماوي,. وهي، كونُها الحواء الجديدة، فهي مرتبطةٌ عن قُرُب بالعمل الخلاصي ليسوع. الآساس الرئيسي الذي عليه تستندُ كرامة مريم الملوكية هي” أُمومتُها الألهية “. ولهذا منذ القرن الثامن قال عنها القديس يوحنا الدمشقي (675-749م) :” لما أصبحَتْ مريم أُمَّ الخالق، صارت حقًّا ملكةَ جميع الخلائق”. وقد ثبتَّ المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1964م هذا اللقب ( دستور: نور الأمم، الرقم 59).