جـمعـة الآلام !

عـيد آلام الخلاص

” إنَّ موتَك مُحزن ، يا آبن مريم !. تقومُ كنيستُك في الحداد ، وتُقيمُ عيدًا لألمك و تذكارًا لصلبك ” { اربعاء الآلام. قانونا لِـ ” قالا دْ شَهرا ” } أَعطِنا يا رب ! أن نشتركَ في ألمكَ و نتنَّعم معك { صلاة الليل } يا يسوع إنَّنا لا نخجلَ من صليبك ، إِّنَّـك تُخفي فيه قوَّتكَ العطيمة { ص.ل} مُبارَكٌ الذي بالألم والصليب خَلَّصَ آدم من الهلاك { ص. ي} أيَّتُها الكنيسة المقدَّسة أَنشِدي المجد ليسوع مخَّلصِنا لأنه بصليبِه حَرَّرنا من الضلال والهلاك والشيطان { ص.ل} يا مُخَّلِصَنا إِقبَل صومَنا مع صوم الأنبياء والرسل وليُبطِل أَلمُكَ آلامَ أجسادِنا وعيوبَ نفسِنا ، وآمنَح كنيستَك أن تحتفلَ بأعيادِكَ حتى مجيئِكَ {ص.ل } يا مخلصَنا ! تقيمُ كنيستك بآهتمام ، سنة بعد سنة ، ذكرى مقَّدَسة لألمكَ الثمين ، أَهِّلْها للأحتفال بعيدَك الحقيقي ” ثُماني الأَّيام ” !

تتلى علينا اليوم القراءات : اش52: 13-53: 12 ؛ غل2: 17-3: 14 ؛ مُجَّمعٌ من الأناجيل الأربعة { من كتاب دياَطِسَّارون لِـ : طَطْيانُس }

الرسالة : غلاطية 2 : 17 ــ 3 : 14

بينما تنَّبَأَ إِشَعْيا عن آلام المسيح من أجل الأنسان و روى الأنجيلُ < من النسخة المعروفة بآسم ” دياطِسَّارون ” وقد جمعها من الأناجيل الأربعة بالكلدانية المؤرخ طَطيانُس، من أربيل سنة 150-170م (+180م)، ونشرها باليونانية، فسَّرها مار أفرام، وترجمها الى العربية المؤرخ العلامة أبو الفرج عبدالله ابن الطَّيِب +1043 > ، روى أحداث محاكمة يسوع وآلامَه وصلبَه ودفنَه، رأى بولس في رسالته إلى الغلاطيين أن يؤَّكِدَ على أنَّ خلاصَ جميع الناس يتِّـمُ بالأيمان بهذا يسوع المصلوب وليس بالتقَّيُد بأحكام الشريعة. يسوع صلبَ بسبب الخطيئة، وبصلبِهِ صلبَها وبموتِه أماتها فحَرَّرَ الأنسان من قيدِها. فلو كانت أحكام شريعة موسى قادرةً أن تخَّلِصَ لما مات المسيح، ولمَّا تجَسَّدَ اللهُ أصلاً. كان موت المسيح باطلاً وعبثًا لا مُبَرِّرَ له ولا تفسير لو إستطاعت الشريعة أن تُحَّررَ الأنسان من نيرالخطيئة المُسَّلط عليه. ولماذا لم يتحَّققِ الخلاص بل إنتظر أكثر من ألف سنة ، ورُبَّما لو لم يأتِ المسيح لآنتظر آلافًا أخرى من السنين يرزحُ فيها تحت نير الخطيئة؟ ولماذا أيًضًا ما يزالُ ألمؤمنون بالشريعة ينتظرون المسيح حتى الآن، وربما سينتظرون مئات آلاف سنين أُخرى ، والشريعة بين أيديهم جاهزة لآ تنقذهم؟. فيلوم بولس الغلاطيين، وكلَّ مسيحيٍّ يحذو حذوَهم ، الذين يضعون رجاءَهم في شريعة موسى. إنَّ ذلك حَـقًّا َلَغباء !.

صُلِبتُ مع المسيح !

ليس الخلاص عملية بيعٍ وشراء. لا اللهُ يبيع الخلاص ولا الأنسان قادرٌ على شرائِه بثمن مادي وحِسّي. لو كان ذلك ممكنًا لسيطر الأثرياءُ والمنافقون والمجرمون على الخلاص و إشتروا الملكوت كلَّه من زمان ولمَّا أبقوا شيئًا يرجو به الفقراءُ والصُعفاءُ والبؤساء، فلا يلحقون بهم ويُزعجزونهم في مكسبِهم. كلا لا يتمُ الخلاصُ بأعمال الشريعة التي لا تُغَّيرُ شيئًا في الأنسان. والخلاصُ تغييرٌ جذري في الأنسان. الأنسان الأول الأصل أَخطأَ مسار الحياة فتبع شهواتِه ولم يؤمنْ بخالِقَه، لم يُصَّدِقْه، فخالفَ أمرَه وآستهان بحُّبِه الألهي الوالدي. والخلاص أن يُحّبَ الأنسان خالقَه ويثقَ به فيطيعَه ويَدفعَ ديون مخالفاتِه فينزل عن حصانِه الحِسّي ويُبَّدلَه بالروحي الذي يقدر أن يرفَعَه إلى مستوى الله. بكلمة أن يحيا مثل يسوع مُتَّحِدًا كلّيًا بالله. هذا التغييردعاه بولس بـ” الصلب”، لأنه ذبيحةُ الأرادةِ الخّاصة. وإِذ كان بولس قد إقتدى بيسوع (1كور11: 1) في طاعة الله وسلوك درب الحَّق والمحَّبة فتجَّرَدَ عن ذاتِه ليَخضَع كليًّا لله قال: ” بشريعة الصلب مُتُّ عن شريعة الخطيئة لأحيا لله. فمع المسيح صُلِبْتُ. فلستُ أنا أحيا بعدُ، بل المسيح يحيا فِيَّ…حياتي هي في الأيمان بآبن الله” (آية20). فبما أنَّ حياتي روحيّةٌ، نفخةٌ من حياة الله، علَيَّ أن أحيا تلكَ الحياة بكرامة ولا أُشَّوِهَها بمَّلذاتِ الجسد الترابي. والمصلوبُ علَّمَ أن ذلك يتمُ بطاعة الله. وطاعةُ الله تتطلبُ التنَّكرُ للشهوات الحسية مع حمل الصليب (متى 16: 24). ومن يتصَّور أنه يكتسب حياة الله بإتمامِ أعمال الشريعة دون تغييرٍ في الفكر والقلب، فهذا يركمُ غباءًا على غباء !

أَيُّها الأغبياء !

والغباءُ هو أن نستعملَ روحَ الله، الذي آمنا به ونلناه، لا للتحَّرُر من سطوة الجسد بل لتقييد روحِنا بعربة الجسد. يبدو أن هذا هو ما فعله الغلاطيون حتى وصفهم بالأغبياء قائلاً :” هل وصلت بكم الغباوةُ إلى هذا الحد حتى تنتهوا بالجسد بعدما بدأتُم بالروح”؟ (3: 3). هل تألم المسيح وصُلِب حتى نتبعَ نحن شهوات الجسد، وأحكام الشريعة؟. هل آمَّنا بالمسيح مصلوبًا حتى نلَّبي رغبات الجسد ونُقَّدسَ حكمة العالم ومبادِئه ؟. هل يفيضُ علينا الله روحَه ويضمن لنا خلاصَه لأننا نحفظ شريعة موسى و سُنَّةَ العالم، أم لأنَّ المسيح مات من أجلنا ونحن آمنا به، وآعتمدنا بآسمِه، وبالتالي نستنيرُ بتعليمِه؟. الحكمة والفهم لمن يُفَّعِلُ إيمانه.

إبراهيم آمن بالله وسمع كلامه، ولم يَمِلْ ولو قيدَ شعرةٍ عن تنفيذ مشيئتِه. هذا إيمان إبراهيم هَيَّـأَ لخلاص الأنسانية. فبإبراهيم وعد الله البركة للأنسان. ومن يؤمن مثل إبراهيم يشاركُه بركتَه. وإيمان إبراهيم لم يقتصر على بنيه بالجسد. بل شملَ حتى الوثنيين:” فيكَ يُباركُ اللهُ جميعَ الأمم” (آية8). لذا فآبن إبراهيم الحقيقي ليس من يَختنُ جسدَه فقط، بل من يؤمن و يختن قلبه. فالختان الأصيل الذي طلبه الله ” ليس ما ظهر في الجسد، بل هو .. ختان القلب بالروح لا بحروف الشريعة. هذا هو الأنسان الذي ينال المديحَ من الله لا من البشر”(رم2: 29). فالمسيحي الحقيقي ليس مُلزَمًا أن يعودَ أدراجه الى الشريعة القديمة بحجَّة أنها من كلام الله. موسى تكلم قديمًا باسم الله، والشريعة أُعطيت على يده. أما يسوع المسيح فهو نفسه الله الذي نطق بالأنبياء سابقًا، وينطقُ الآن وجهًا لوجه، و” به أعطانا الله نعمةً وحَّقًا” (يو1: 17. كانت الشريعة ناقصة وقد كَمَّلها الرب يسوع (متى5: 17). لمْ يَفْدِ موسى الناس من عقوبة خطاياهم، ولا أخبرَت الشريعةُ عن الله بل يسوع هو الذي قام بذلك. وأخبرَ اليوم بصليبِه عن حكمة الله وقدرته في رحمتِه ومحَّبَتِه (1كور1: 24).

حَرَّرَنا الصليبُ من لعنة الخطيئة !

قالت الشريعة:” ملعونٌ من عُلِّقَ على خشبة” (آية 3: 13؛تث21: 23). اللعنة تحُّلُ بالخطأة بسبب الشريعة التي قالت أيضًا: ” ملعون من لا يتبع كلمات الشريعة ويعمل بها ” (تث27: 26). يسوع حُكِمَ عليه كخاطئً لأنه قال الحَّق بأنه مسيح الله ورفض القادة عليه ذلك فآدَّعوا أنه يُجَدِّف ويستَحِّقُ الموت (متى26: 15-16). ويسوع يُمَّثلُ البشر وهم خطأة (رم5: 8) ، وقد قبل معمودية التوبة بآسمهم من يوحنا (متى3: 11)، واليوم أيضًا قبل أن يُتَّهمَ هو بآسم الشريعة بالتجديف، وهو أعظم الخطايا. ولأنَّ من يُمَّثلهم خطأة، فأحنى ظهرَه أمام رئيس الأحبار الذي حمَّله مثل تيس الكفارة (أح16: 21-22) وزرَ التجديف، ” فألقى الرَّبُ عليه إثمَنا جميعًا.. وضُربَ لأجل معصيةِ شعبِه” (اش53: 6 و 8). قَبِلَ يسوع أن يكون هو البار لعنةً في نظر الناس الخطأة ليرفعَ عنهم وعن البشرية لعنة الشريعة، فدفعَ ثمن الخطيئة و غسَلَها على الصليب، بسفك دمه على خشبة اللعنة والعار. على الصليب مَزَّقَ يسوع صكَّ الخطيئة ففدى الأنسان وأعاد اللعنة الى الشريعة التي لم تُمَّيز بين الحَّق و الباطل بل أهانت قدوس القديسين وسفكت دمً بريئًا، إذ صلبت رَبَّ المجد (1كور2: 9)، فحَلَّت اللعنة عليها وعلى مُستغِّليها الذين لم يُحافظوا عليها بأمانة.

هكذا سقطت اللعنة على رأس من إكتفى بالشريعة وآتكلَّ عليها وغَضَّ الطرْفَ عن الله و عن كلامه. لأنهم، كما يُعَّلِقُ الخوري ب. الفغالي، :” لا يستطيعون ممارسة جميع متطلبات الشريعة وتشملُ 613 وصية و365 منعًا. و{بذلك} رفض هؤلاء النعمة المُقَدَّمة لهم مجّانًا وخسروا البركة” (تعليق على الآية 10). إنَّهم ملعونون لأنَّ الشريعة قالت أيضًا: ” ملعونٌ من لا يُثابرُ على العمل بكل ما جاءَ في الشريعة ” (آية 10). وقد إعترفَ مار بطرس بأن” عجز آباؤُنا وعجَزنا عن حمل نير الشريعة ” (أع15: 10). أمَّا الذين آمنوا ويحملون بأمانة ” صليب العار”!، ويتشَّبثون به بمحَّبة فهم ” مباركون مع إبراهيم المؤمن”. فما لعنه البشر أصبح عند الله بركة يضُّخُ الحياة. الصليب الذي هو رمز الأيمان والطاعة والتضحية من جهة الأنسان ، وهو كما أسلفنا رمز حكمة الله وقدرته، أصبح شعارًا للمجد ومبعثًا للفخر، حتى قال بولس للأغبياء من مسيحيي غلاطية ” ..أما أنا فلا أُفاخرُ إلا بصليب ربِّنا يسوع المسيح. به صار العالم مصلوبًا بالنسبة إليَّ، وصرتُ أنا مصلوبًا بالنسبة الى العالم. فلا الختان ولا عدمُه ينفعُ الأنسان، بل الذي ينفعُه أن يكون خليقةً جديدة..” (غل6: 14-15).