توضيح طقسي

أهلا وسهلا بالشماس العزيز جورج

علَّق آلأخ جورج على شرحي، في تأمل آلأحد الأول للكنيسة، عن خروج الصلاة في عيد آلصعود ودخولها في تقديس آلكنيسة، وطرح بعضَ آلأسئلة.

أما ما كتبتُه فقد ورثناه وما يذكره الكتاب آلرسمي للصلاة السنوية ( الحوذرا). اللاتين تعَّمقوا في روح الليترجية وتفاسيرها، إضافةً إلى الصلوات، وألَّفوا فيها كتبًت ونشروها. أما نحن آلكلدان فلم نعرف كتابًا يُفَّسرُ آلطقوس يُدَّرس لطلاب آلكهنوت. سمعنا بكتاب : ” ܦܘܼܫܵܩ ܬܸܫܡ̈ܫܵܬܼܵܐ تفسير آلخدمات ” ولم أقدر أن أطَّلع عليه، ماعدا تفسير القداس للملافنة مار نرسي ويوحنا بَر زعبي. 

ولاحظتُ في الواقع، أثناء الصلاة، إختلافاتٍ كثيرة بين مدينة وأخرى، وأيضًا مخالفةَ تعليمات آلحوذرا عن جهل. وليس على صعيد آلشمامسة فقط، بل الأكليروس وحتى أسافقةٍ قادةٍ للطقس. أُعطي أمثلة. مساء جمعة آلآلام ، عشية سبت آلنور، كانوا يبدأون آلصلاة في قذمايى مع أن آلحوذرا تشير إلى أنه حرايى. ولمَّا إعترضتُ وصحَّحتُ الموقف إمتعضَ آلآخرون حتى آلأسقف، وزعل بعضهم. ولم يعترف أحد بآلخطأ ولا إعتذر، بل إكتفوا بقول أنَّهم تقَّيدوا بما تلَّقوه. من هذا القبيل أجرت سينودسات كثيرة تغييرات على الصلاة الطقسية خاصَّة بآختصارها وتغيير بعض ما يجري، منها سينودس 1967م. لمَّا أُعيدت طبعة كتاب ” الحوذرا “، وعلى دفعتين، ظلَّ كما جاء في آلطبعة آلأولى لسنة 1887م، ومُتغَّيراتٍ غير قليلة لم يُتَقَّيد بها. أضافوا فقط حرف ـ ألِف ܐـ على إسم يسوع فصار ـ ” ܝܑܼܫܘ݁ܥ بدلاً من ܝܼܫܘܥ”ـ . وجهَلَ المُصَّلون التعليمات آلجديدة. وخلق ذلك فوضًى في آلآداء. وأمَّا كثيرون من آلعارفين بها فلم يعيروا له إهتمامًا، بل ظلَّ بعضُ آلرعاة متقيدين علنًا بالقديم، ولا أحد إعترضَ عليهم أو حاسبهم. تقولُ ألحوذرا شيئًا وبعضُنا يُصَّلي بشكل آخر.      

إنَّ أغلب الإكليروس يَعُّدون الصوم أربعين يومًا ، يُخرجون عن آلحساب سبعة آحاد آلصوم ، ولا ينتبهون أنهم بذلك يصومون 42 أربعين يومًا ولا يعرفون كيف يُحِّلون الإشكال. في حين آلحوذرا واضحة وصريحة في إشاراتٍ داخل آلصلاة تعُّد آلآحاد من ضمن آلصوم. و تُـنهي آلصلاةُ صوم آلمسيح  ( 40 يومًا) في جمعة لعازر، وفيه تُعَّيد ذكرى قيامة لعازر ، كأوَّلِ إحتفال بعد آلصوم، الذي لا يُحتفلُ فيه لا بعيد، ولا بتذكار. وتقول آلصلاة : ” بدأنا وأنهينا صومك ..”. كما تشير آلصلاة من آلسعانين أنها خارج آلصوم. وتحتفل بأعياد مهمة في آسبوع آلآلام. ونصوم خلاله صومنا نحن تلاميذ آلمسيح لنتعلم منه آلدرس.

ويعلم كهنة أنَّه لا يجوز آلصيام يوم آلأحد لأنَّ كاتبًا مجهولًا من آلقرن التاسع يُبلِّغُ ما تقَّرر سابقًا، منذ القرن الرابع الميلادي، مُقاومَةً لبدعةٍ إحتقرت آلأحدَ وفرضَتْ فيه صيامًا. بينما إختفت البدعة وتبَخَّر أعضاؤها وتعاليمها. ومن جهة أُخرى ذكر ملفان مشهور( ابن آلطيِّب +1043م)، دَبَّر البطريركية بين 1025-1028، ولم يكن يُسمَحُ بنشر كتاب إيماني إلا بعد توقيعه بعدم ممانعته. عَلَّمَ أن سبب منع الصوم قد زال، ويمكن الصيام يوم آلأحد مع تقديسه والفرح فيه والبهجة، خاصَّة في صيام نذور فردية لفترة طويلة، كما صام آلمسيح 40 يوما بسبوتها وآحادها. ولا أحد يعتبرُ آليوم ذاك آلملفان. رُبَّما لم يسمعوا به.

ما لم يُحَّرر من توجيهٍ بل هو تقليدي ، مثل نظام العشائر، لا يتماشى مع الأيمان. يمكن أن تقوم إجتهادتٌ فردية، آنية وعابرة، لها قيمة روحية يُستفاد منها. أما آلتمسُّك بتقليد مجهول آلمصدر، أو يخالف الأيمان نفسَه، أو تعليمات منظم الطقس، فليس صحيحًا أن يقبل به و يستمر. كما ليس صحيحًا أن يدَّعي كلُّ واحدٍ من عنده شيئًا دون أن يُحَقِّقَ فيه.

بعد هذه آلمقدمة عن وضع آلطقس، آتي إلى جواب آلأسئلة.

السؤال آلأول : الصلاة خارج آلكنيسة وداخلها.

” يُفَّسِرُ كتابُ آلطقس خروج آلصلاة برمزها إلى خروج التلاميذ بعد آلصعود لتلمذة الوثنيين. وهذا يعني” تَلْمِذْ ܬܲܠܡܸܕܼ “، أما إدخال الصلاة فهو حتمًا ” دعوة آلأُمم للكنيسة    ” أَعمِذ ܐܲܥܡܸܕܼ “.

شرحُ صاحبِ ” كتاب آلطقس ” يمكن أن يكون صحيًحا، وله فكرة جيِّدة. ولكن تبريرات آلخروج يوم آلصعود ببدءِ تبشير آلأمم لا يتفق مع معطيات آلكتاب آلمقدس، حتى يرمز آلخروج إليه. أثناء حملة مار بولس ضد آلمسيحين خرج ألرسل من أورشليم وتشتتوا وهم يُخبرون عن آلمسيح وتعليمه في آلمناطق حتى غير آليهودية كالسامرة، أو أوثان قيصرية وغيرها (أع8: 14، و26-38، و 40). كما إهتدى أهل أنطاكيا قبل إختيار بولس لتبشير آلأمم (أع11: 19-22). والرسل بدأوا بالتبشير بعد حلول الروح القدس حسب وصية الرب إذ طلب منهم البقاء في أورشليم (أع1: 4-8). لماذا لم يتم إخراج آلصلاة في يوم آلعنصرة إذن، مع آنطلاق التبشير آلعام حتى آلوثنيين؟.

فرمز إخراج الرسل الى جبل الزيتون قبل آلصعود، ليس ضروريَا أن يُشيرالى آلتبشير. لقد درَّبَ يسوع تلاميذه على آلتبشير قبل أكثر من سنة قبل موته (متى10: 5؛ لو10: 1).

أمَّا عن آلظروف الجوّية ، أنها ” غير مهمَّة أن تُحَّول آلصلاة من وإلى آلكنيسة ” فأعتقد أن الصلاة ترافق آلأنسان وتخدمه في ظروفه وإمكانياته. الصلاة آلطقسية إهتمَّت بالزروع وآلأشجار وأوبئتها لخاطر آلأنسان، وآلمنَّظم قصَّر في صلاة آلصيف وقلل من آلأحتفالات مراعاة لعمل آلأنسان وراحته، لمَ لا يكون لظروف آلمناخ ايضًا أهميَّةٌ في حياة آلمؤمن؟. أما كنّا، ولا يزال أهل آلعراق خاصَّةً، ينامون على آلسطوح منذ بدء آلحَّر في أيّار وإلى شهر تشرين آلأول مع بدءِ آلأمطار والبرد؟. وفترة آلخروج وآلعودة تقعُ في هذا آلموسم بآلذات. وأحبارُ آلكنيسة وإكليروسُها من هذا آلشعب وفي نفس آلمناخ، لمَ لا يبحثون عن إراحة أبنائهم أثناء آلصلاة أيضًا كي لا يغيبَ عنها أحدٌ بحجةِ حَّرٍ أو برد؟. هذا بجانب ما تشير إليه الصلاة. أ ليست آلكنيسة آمًّا تبحثُ وتستميتُ في مقاومة الزمن لراحة أبنائها؟.

أمَّا أن يكون آلخروجُ ” تَـلْـمِـذْ ” وآلدخول” عَـمِّـدْ “، لا تشيرُ آلصلاة إليه لا من قريب ولا من بعيد. أما عن ترتيلة الدخول لأحد آلكنيسة، فقالت صراحةً :” ندخلُ بالشكر الى هيكلك، وننشدُ لك آلمجدَ في مقدِسِك..”. تجتمعُ كنيسة آلله، شعبُه آلمؤمن به وآلحافظ لوصاياه ، من بدايتها على آلأرض وإلى نهاية آلعالم. يحتمي أبناؤُها آلآن بالكنيسة ضد أوبئة أهل آلعالم آلمُفسِدة، يسمعون لها، يتبعونها، وينعمون بنِعمها.

السؤال الثاني : عن ܒܪܵܫܝܼܬܸ .. ܘܝܵܬܼܸܒ ܒܣܸܬܵܪܸܗ ..

” ماذا نذكر، عند ترتيل هذا آلمزمور 91، في رَدَّتِهِ : مِنْ مَلاخِى ܡܸܢ ܡܲܠܲܐܟܼܸ̈ܐ ..؟. هل     

ܒܪܝܼܟܼܘܼ ܨܠܝܼܒܼܵܟܼ ܾ لأنَّه آخر الشاووعا ؟. أم هناك رمزٌ لشاووعا آخر أقرب إلى تقديس آلكنيسة ؟. أرجو التوضيحْ “.

أولاً : يُرَّتلُ ” ياثِو بْسِتّارِه ..مز91 ” مع آلردات في آلأحد آلأول فقط إذ يُعتبر كعيد مثل بعض رؤوس أسابيع، وليس في آلمواسم. وفترةُ تقديس آلكنيسةِ سابوعٌ وليس موسمًا. لا يمكن أن تكون آلسنة كلها ” مواسم “، والسوابيع تمتَّدُ على مدار آلسنة كلها ؟. الموسمُ فترة قصيرة ، إذا تعَّدد ، فلآسباب مختلفة. أما آلسابوع فهو لفترة سبعة أسابيع، ولنفس آلسبب متابعة تدبير آلمسيح آلخلاصي، وعن تنظيم يشملُ آلسنة كلَّها. إحتفلَ مسيحيو آلموصل، ولا يزالون يحتفلون في آلربيع بـ ” موسم ألطهرة ، ودير مار ميخائيل، ومار كوركيس”، وتلك ليست سوابيعَ. لأنَّ السابوعَ ليسَ موسِمًا طبيعيًا ترفيهيًا بل إيمانيًا. وآلأيمان لا يتعَّلقُ بفترة زمنية مُحَدَّدة، بل يمتَّدُ على آلحياة كلها، بزمنها وأفعالها، مُوَّزَعًا على فتراتٍ تُقَّدمُ للمؤمن تعليمًا خاصًّا بجانب آلتعليم آلعام ، وتوَّجِهُه نحو الخلاص.

وعن آلرَدَّة ” من ملاخِى ..” يمكن القول معه ܒܪܝܼܟܼܘܼ ܨܠܝܼܒܼܵܟܼ .. لأنَّ تقديس آلكنيسة ليس عيدًا مارانيًا بل هو ختام آلحياة آلزمنية بآنتصار آلصليب وآلدخول إلى راحة آلله ومجدِه ، وآلإحتفال بهذا آلإنتصار بعرس آلحمل آلأبدي. وبآلأساس لم تذكر آلصلاة عبارة خاصّة بالكنيسة، بينما تشيرُ فقرات وترانيم عديدة، خلال سابوع آلكنيسة، إلى الصليب وأفضالِه.

السؤال الثالث :  تسبحة ” ماران ايشوع “.

” ذكر كتابُ آلطقس بأنَّه لا يُرتَّل ” ماران ايشوع” في سابوع البشارة ، وتتلى عوضًا عنه تسبحة صلاة الليل للأحد الأول للبشارة. هل يتم ذلك بسبب ” عدم ولادة آلمسيح بعدُ ” أم لسبب آخر؟. أرجو توضيح ذلك.

قيلَ أنَّها لا تُرَّنمُ في سابوع آلبشارة وآلميلاد. يجوز. مع أنَّ آحاد آلميلاد هي بعد ولادة يسوع !!. أمَّا تعليمات آلحوذرا فلا تذكر ذلك. إذن هو إجتهادٌ من قِبَل آلبعض تعَّممَ بعده على آلأغلبية، حالُها حال إختلافات عديدة في آلتقَّيُد بآلنَّص آلمكتوب. ربما حصل ذلك في آلموصل فقط. لا أدري إن كانت رعايا آخرى تتبع تقليد آلموصل، لكني أعرف رعايا رتَّلت ماران ايشوع حتى في سابوع آلبشارة+الميلاد ، منها أبرشية كركوك وأربيل وآلسليمانية، مع أنَّ أُسقفين من آلموصل أداراها !!. 

خصَّصت آلحوذرا تلك آلتسبحة لصلاة الليل لسابوع آلبشارة مع آلميلاد. لأنَّها تُعَّلمُ خصوصيات تلك آلفترة. فتسبحة آلبشارة تتحَدّثُ عن آلمسيح منذ آلتنبُّؤ به ومولده وعن شخصِه :  إنه إلاهٌ يتجَّسد، يتَّخذُ الناسوت. هو شخصٌ واحد بطبيعتين. هو إبنٌ واحد لله وللأنسان. تسجد له آلكنيسة دون فصل بين آلطبيعتين. بينما تسبحة ماران ايشوع تخُصُّنا نحن آلمؤمنين الذين إعترفنا به وأمنا به وبآلامه وبتجديد حياتنا، فنرفع إليه تسبيحنا و سجودنا وتوبتنا وطلباتنا.      

سمعتُ عن بعض الرعايا التي تُرددُه في آلقداس. بينما غيرها تكتفي بترتيل ماران ايشوع على لحن ” بريخ حَّنانا “. ومثله تفعل في قداس سابوع آلدنح وآلكنيسة. إنَّه تقليد. رُبَّما لأن التسبحة في آلأسابيع الثلاثة هي على نفس آلوزن (مقاطع 8+8)، أي وزن ماران ايشوع.  بينما تسابيح  آلصوم والقيامة وايليا وزنها (5+5)، وتسابيح الرسل والصيف وزن 9 مقاطع (4+5)، في آلأحد آلأول للصيف فقط، ثم تعود الى وزن 8+8، بلحن خاص إنما لم يستعمل في آلقداس. وفي سابوع الصليب تاتي التسبحة على وزن 7+7. وهذا أيضًا تقليدٌ وليس بقرار مكتوب. ربَّما أُريدَ بذلك إشراكُ آلشعب بغنى تلك آلتسبيحات، ولحنها آلخاص.   

 

ملاحظات

كتب الشماس : “يوجد خطأ في ترتيلة ܝܵܠܕܲܬܼ ܠܐܲܠܵܗܵܐ. للأحد آلأول للبشارة. أُعلنت بلحن   ܡܲܪܝܼܪ ܕܝܼܢܵܐ .. كما تشَّكى من عدم تقَّيد آلرعاة بالتعليمات آلواردة في آلكتب آلطقسية بل يتبعون ما تقَلَّد. وسأل: هل نتبع آلمسؤولين عمياويًا أم ..” ؟.

صحيحٌ ما قرأنا وأمثالها كثيرة من تصنيف آلألحان بشكل خاطيء ، او عن عدم آلتقَّيُد بجميع آلتعليمات. وهكذا دخلت آلطقوسَ أمورٌ غريبة عن آلطقس آلمكتوب، كما فقدنا ألحانًا أو تنظيمًا بسبب عدم سهر الرعاة على دقَّة آلمكتوب في الطقس وعلى تعَّلُمه وآلتقَّيد به. في عصرنا بلغ آلأمرُ إلى التقَّيد بما يعرفه مسؤول آلرعية ويريده، بغَّضِ آلنظر عن صِحَّته أو تحريفِه. وآلمشكلة آلأكبر إختلافُ آلرعايا عن بعضِها ممَّا يُسيءُ إلى وحدة آلكنيسة.

أما ما ورثناه فـقد يكون سببَهُ إضافاتٌ وحذفٌ وتغييراتٌ جرت على مر آلزمن. وقد قالت ترتيلة آلأنجيل (شَبَّح) في صلاة الأحد الثاني لأيليا ما يلي: ” ألزرع آلجيد، تعليمُ يسوع ، إرتفعت آلأشواكُ فخنقته. ومن رخاوة الفلاّحين صارت آلحقول مداسًا. نعسَ آلرعاةُ و ناموا وأفسدت آلذئابُ كما شاءت. ولا يوجدُ راعٍ يقومُ في وجهها “. بسبب آلأهمال ضًيَّعنا ، فخسرنا أمورًا كثيرة.

وأمَّا عن إتَّباع موقف ألرعية أم ..، فآلتَّصرُفُ آلأمثل ما يبني آلكنيسة.