المَّيـِتَ : اللهُ يُسكنُه الجَّـنة !

أهلا وسهلا بالأخ موفق هرمز يوحنا

طرح الأخ موفق الأسئلة التالية حول ” الجنة” ويقول :”عِلمًا أنَّ الجنة مذكورةٌ في العهد القديم مرّاتٍ عديدة

# هل يجوزُ لنا أن نقول في تعازينا ” الله يُسكنُهُ الجَّنة ” ؟

## هل توجد في المسيحية “جَّنةٌ ” ، أم هناكَ ” الملكوت السماوي” ؟

الجَّـــنة !

الجَـنَّةُ (جيم مفتوحة) تُعَّرفُها القواميسُ بـ “البستان والحديقة” ذات الشجر. هكذا أيضا باللغة السُريانية :” ܓܲܢܬܵܐ كنتا “أي جنة. وفعل جَنَّ يعني “سترَ”، ويُدعى الطفلُ في بطن أمه بـ “الجنين” لأنه مستور هناك. فالجنة هي إذن مكان للراحة ، حيث يستر ظلُ الشجر من حَّر الشمس، كما يسترُ البطن الجنين ويقيه أذية البيئة ويضمن له نمُوًا طبيعيا سليمًا. وبالنسبة الى الكتاب المقدس دعا ” جَنَّة ً” الحديقة التي غرسها الرب لراحةِ الأنسان ولنموه السليم. و هناك في” الجنة ” أسكن اللهُ الأنسان حيثُ يتوفر له القوتُ والسترُ وكل مستلزمات الحياة الهنيئة والمريحة.

أما العهد الجديد فتحَّدثَ عن الحديقة الروحية ، البستان الأبدي الذي ليس فيه سوى الحياة الهنيئة بالمجد والراحة بصحبةِ الله نفسه ، ودعاها الأنجيلُ كثيرًا بـ” ملكوت السماء” (متى 5: 20؛ 7: 21؛ 18: 3؛ 19: 23) وسَّماها أحيانا ” الفردوس”. هكذا وعد يسوع اللص التائب بأن يكون معه في ” الفردوس” (لو 23: 43). وتحَّدث بولس عن “الفردوس” وعنى بها ” السماء” (2كور12: 4). و وَّحدَ سفر الرؤيا بين الجنة والفردوس عندما قال :” أجعلُ الغالبَ يأكلُ من شجرةِ الحياة في فردوس الله” (رؤ2: 7؛ 22: 14). فشجرة الحياة هي،على الأرض ، في جنة عدن (تك2: 8-9)، وهي في السماء في فردوس الله. وكأنَّ الجنة للأنسان الجسدي والفردوس للأنسان الروحي. في كل الأحوال الجنة والفردوس يرمزان الى حالة السعادة والراحة والهناء في السماء ، حيثُ يسكن الأنسان مع الله ويتمتَّعُ بحياة لا يشوبُها لا نقصٌ ولا خلل. فلا يوجد فرقٌ في المسيحية بين الملكوت السماوي ، مملكة الله في السماء، والجّنة حالة السعادة والراحة. إنهما عبارتان متكاملتين.

اللهُ يُسكنُه الجنة !

وعنما يموتُ لنا عزيزٌ ، وقد غادر جنة الأرض ومتاعبها ، نتمنى له جَّنة السماء وراحتَها ، أى نرجو أن يتمتع بنعيم فردوس الله السماوي. كمسيحيين نستعملُ عادة ً عبارات التعزية التالية : الله يرحمُه. أوالله يترحم عليه في ملكوت السماء. أو إن شاءَ الله مكانه الملكوت أو الجنة. ونعني بذلك أن ينال رحمة الله فلا يُحرَم من سعادة الحياة الأبدية. والسعادة تكون أن يعيش الأنسان مع الله (رؤ21: 3) ويشاركه مجده (يو17: 22-24) وراحته (عب4: 3 و 10-11). فلا ينقصه شيء أو يؤلمه أو يؤذيه. لأنه يسكن في ” خيمة الله ولن يجوع ولا يعطش ولا تلفحه الشمس ولا السموم… والحمل يهديه الى ينابيع ماء الحياة ، والله يمسح كلَّ دمعةٍ تسيلُ من عيونه” (رؤ 7: 16-17)، ولن ” يبق للموت وجود ولا للبكاء ولا للصراخ ولا للألم ..”(رؤ21: 4).

لم تكن الشعوبُ الوثنية تؤمن بحياة بعد الموت. حتى اليهود لم يكونوا كلهم يؤمنون بالقيامة والحياة الأبدية (متى22: 23-31). المسيحية أثبتت الأيمان بالقيامة وعلمت الناس أن تحلمَ بها وتستعد لها بالأعمال الصالحة. فآحترمت الأنسان حتى في موته فتضمن له دفنة كريمة تليق بمقامه وتتجاوبُ مع إيمانه. وأيضا تصلي من أجله وتدعو له بحياة سعيدة ومريحة مدى الأبدية. وأخذت شعوبٌ كثيرة ذلك عن المسيحيين. وليس غريبًا أن يكون الأسلام، وقد نما في بيئة مسيحية ، قد تبنى كثيرا من عادات المسيحيين وتقاليدهم. لاسيما في التعامل مع الموتى. وليس بعيدًا أن يكون المسيحيون قد إستعملوا للترَّحُم على الموتى عبارات مثل ” أن يُدخِلَ الله الميت فسيح جنته ” كما يستعملها اليوم الأخوة المسلمون. إنها أمورٌ طبيعية أن تنتقل عادات وأحاديث إجتماعية بين الناس من الملل والمذاهب المختلفة بحكم التعايش و التعامل الأجتماعي. ولكن مع الزمن تنفردُ كلُ جماعةٍ بخصوصياتها، وتستثقل من ثمةَ إستعمال ما عند غيرها. ربما تستشف منه رائحة خطأ أو تفسّره بالخروج عن الأيمان. و لكن أن نقول لأهل المَّيت أن يرحمَ اللهُ مَّيتَهم أو أن نقول يُدخله الله جنتَه ، هذا التمَّنيَ هو نفسُه وإِنَّ النتيجة هي واحدة ” أن يتمتع المَّيت بالسعادةِ والراحة عند الله ومعه”. إنَّ التمَّنيَ دعاءٌ فقط وليس لا صلاة مسيحية مثل أبانا الذي ولا صلاة إسلامية مثل سورة الفاتحة.

القس بـول ربــان