الحنظة والزؤان

أهلا وسهلاً بالأخ جميل ..

سمع الأخ جميل قراءة إنجيل الأحد الماضي 27/9/2020 عن خبر الحنطة والزؤان وآفتهم أنَّ الزؤانَ هو الشرُّ الذي يُنافسُ الخيرَ ويُحاربُه، وسأل : # لماذا منع الَّربُ قلعَ الزؤان أي محاربة الشَّر؟.

محاربةٌ ومحاربة !

نعلم أنَّ المسيحَ جاء نورًا للحَّق والسلام، ومُبَدِّدًا بالتالي لظلام الشر(لو1: 79)، لأنَّ سَيِّدَ الشَّر والفساد قد حُكمَ عليه (يو16: 11). وسلمنا المُهِمَّةَ من بعدِه (مر16: 17-18). ولا يني الرسلُ ولا يترَدَّدون في الدعوة ألى مقاومة مكايد ابليس، والجهاد ضِدَّ رئاسات الظلام وقوات الشر (يع5: 18؛ أف6: 11-12؛ 1بط5: 9). ودعا بولس الى حمل سِلاح الله من أجل ذلك (أف6: 13). وهنا المُفارقة ومربط الفرس. إنَّ سلاحَ الله يختلفُ عن سلاح البشر. فحيثُ يُمكن أن نفهم كلام الله كما يتهَيَّأُ لنا ، يكون الله يقصدُ شيئًا آخر. أو بالحري بأسلوب آخر. وحيث نفهم نحن المقاومة بالعنف المباشر يريدُها الله بغير عنفٍ بشري و بوسيلة إلهية. وعليه أوضح الرسلُ أن المقاومة تكون ” بالأيمان والضمير السليم” (1طيم1: 18). فسلاح المؤمن لا يتعَدَّى ” الأيمان ” (أف6: 16؛ 1طيم6: 12)، وثَبَّتَ ذلك مار بطرس قائلاً: ” إبليس يجول كالأسد الزائر.. أُثبُتوا في الأيمان وقاوموه..” (1بط5: 9). ويُعَّددُ مار بولس أنواع أسلحة الأيمان قائلاً: ” فآثبتوا إذًا مُتمنطقين بالحَّق ، لابسين درعَ الأستقامة ، مُنتعلين بالحماسة في إعلان بشارة السلام. وآحملوا الأيمان تُرسًا في كلِّ وقت… وآلبسوا خوذة الخلاص ، وتقَّلدوا سيفَ الروح الذي هو كلام الله ” (أف6: 14-17).

دعوا القمحَ ينمو مع الزؤان !

هذه كانت حكمة الله في القضاء على الشَّر. تقطع أغصانه تنبتُ غيرُها. تقطع جذعَه ينبتُ فرعٌ آخر. تُفرغُ منطقةً معَّينة من حتى جذوره تنتقلُ إليها من موقعٍ آخر. الزؤانُ جزء من النبات لا بيتَ له محَدَّدًا حتى تحاصرَه وتقضيَ عليه. الشَّرُ من الداخل : من الفكر والقلب (تك 6 : 5؛ متى 15: 19). وقد تستأصلُ القلبَ بعملية جراحية ، أمَّا الفكرُ فكيف؟. وإذا رفعتَ كليهما فماذا يبقَ من الأنسان لتُصلِحه؟. وإذا لم يبقَ ابليس والشر فكيف يقدر أن يختار المؤمنُ طريق البر، وأين يجده؟. إستئصالُ الشر يعني تعطيل حياة الأنسان :” لا تجمعوا الزؤان لئلا تقلعوا القمح ايضًا “(آية29). لأنَّ عملية قلع نبت الزؤان من الحقل كلِّه قد يُسَّببُ دمار سنابل الحنطة معها إِذ يدوسُها العاملُ حتى يصل الى الزؤان. فآستئصال الشر من جذوره يُدَّمر عشرات وربَّما مئات السنابل أيضًا. تبدو البطانة أغلى من الوجه. فما المنفعة من ذلك؟. القلعُ شَّرٌ بذاتِه. إنَّه وسيلةٌ خاطئة وفاشلة.

وجود الزؤان/الشر خطرٌ على القمح/البر، إذ يحاول أن يرتفع فوقه ويخنقَه. ولكن للقمح أيضًا طاقة كافية ليُقاومَ ويحمي نفسَه. بل يقدر أن يتفَوَّقَ عليه لأنَّ له من يحميه ويُعينُه : الله . فعليه أن لا يتنَصَّلَ عن الجهاد. عليه أن يبذل جهدَه ليحمي حقوقه ويتمَتَّعَ بالشمس والهواء والماء قدر حاجته. والتخَّلُصُ من الزؤان الشر يأتي وقته عند الحصاد. عندها يُحصد القمح. وكلَّما بلغ الحاصدُ الى نبتةِ زؤان يَفصِلُها عن القمح ويُلقيها جانبًا لتُجمع وحدَها وتُحرَق، أمَّا القمحُ فيسلمُ ويُحفَظُ.   

تركَ لنا الأنجيل مثلَ الأرملةُ المظلومة (لو18: 1-8) التي إستمَرَّتْ تُطالبُ حَقَّها دون ملل لأنها كانت مؤمنة بأنَّهُ حَقُّها. كلُّ إنسان مُعَّرضٌ الى الظلم وسوء المعاملة، إنَّما ليس دواءُه في إِستصال الظالم. فإذا أُستُؤْصلَ واحدٌ يقوم عشرة غيرُه. دواءُه في إيمانه بالله ومحَّبتِه و سماع كلامه :” بالأيمان والضمير السليم” كما قال الرسول. ولهذا شدَّد بطرس على أن :   ” أُثبتوا في الأيمان”.

هكذا لم يمنع ربُّ الحقل معالجة الزؤان ، لم يمنع اللهُ معالجةَ الشر، بل عارضَ الأُسلوب الخاطيء ليَدُّلَ الأنسان على  الأسلوب الصحيح الناجح لمقاومته. دواءُ القمح/المؤمن البار هو أن يحيا إيمانه بوعيٍ وتصميم ويُقاومَ عداء الشرير له. عليه أن يشع برَّ أبناء الله ويصمد في الحق. الأنسان صورة الله ، بل أصبح في المسيح إبنَه العزير. و وعد اللهُ أن يسكنَ في قلبه و فكره ليحيا ويعملَ معه (يو14: 21-23). ومن كان الله معه من يقدر يا ترى عليه؟. وإلى ماذا سيحتاج وهو يمتلكُ ربَّ الكون ومانح كل خير؟. لا يحاول أن يتكاسل فيطلب إزاحة العدُّو عن طريقهِ ما دام بيده سلاحٌ أقوى لمحاربته والتغَّلب عليه. لا يقدر الزؤانُ أن يتغَّلبَ على القمح ويخنقَه، إلا إذا تكاسل القمحُ في التَزوُّد بالشمس والماء وآستسلمَ لتطاول الزؤان.

فحكمة الله ألا نقاومَ الشَّر بالشر(متى 5: 39) بل أنْ” نغلبَ الشرَّ بالخير” (رم12: 21).