التمييز بين الأيمان والتصديق !

أهلا وسهلا بالأخ رياض قزازي

وجَّهَ سائلٌ الى الأخ رياض سؤالا فحَوَّله قائلاً : ما الفرقُ بين :الإيمان بالمسيح ! و ! التصديق بالمسيح

صَدِّقوني.. أنا هو بنفسي !

لما قام المسيح وظهر للرسل لم يُصَّدقوا أنه هو حَّقًا. تصوروه خيالاً روحيًا. قال لهم يسوع: ” أُنظروا إلى يدَّيَ ورِجلَيَّ .. إلمسوني وتحَّققوا.. أكلَ بمرأى منهم” (لو24: 37-42). فعل صَدَقَ يعني : قالَ الحَّق .. لم يكذِب. وصَدَّقَ يعني : إِطمأنَّ السامعُ أو الرائي أنَّ ما ينظر إليه أو يقوله المُتحَّدث هو صحيح. فالتصديقُ شهادةٌ لصِحَّةِ ما جرى أو يجري، ما يُعاينُه الواحد أو يسمعه. أي حدثٌ يخضعُ للحواس يمكنُ التحقيقُ فيه والتأكدُ من جوهره. سألت السامرية يسوع عن أحَّقية مكان العبادة : هل في السامرة على جبل قرب بئر يعقوب أم في أورشليم؟. أجابها :” صَدّقيني أيَّتُها المرأة لا هنا ولا هناك..” ثم شرح لها أنَّ عبادة الله الحَّقة لا ترتبط بالمكان بل ” بالروح والحَّق ، لأنَّ اللهَ روحٌ” (يو4: 16-24) و” هو وحده الأله الحَّق” (يو 17: 3 و17). ولما شكَّ توما في قيامة يسوع ورؤية الرسل له ظهر له يسوع وقال: ” هاتِ إصبَعَكَ الى هنا وآنظر يدَيَّ. وهاتِ يدَكَ فضعها في جنبي، ولا تكن مُنكِرًا..” (يو20: 27). ويؤَّكدُ بطرس أنَّ شهادتهم صادقة لأنهم لم يتبعوا خرافات بل عاينوا “جلال الرب يسوع ” على جبل طابور وسمعوا صوت الله الآتي من السماء” (2بط1: 16-18). كُلُّ هذه الحالات هي أحداثٌ تُصَّدَقُ لأنه يمكن التحقيقُ فيها. فالتصديق بالمسيح يكون قبول الشهادة عنه من خلال الرسل وقد إستودعوها العهد الجديد، وأنَّه ليس لا خيالاً ولا إعلامًا كاذبًا، بل واقعًا ، في ما قاله وعمله، يجبُ الأعترافُ به.

آمنوا بالله وآمنوا بي !

لما آمن توما بقيامةِ المسيح وأنه ” ربٌّ وإلَه” قال له يسوع “أنت رأيتَ” فلم يبقَ لك فضلٌ أن تؤمن. بل طوبى للذين ” لم يروني وآمنوا”. لأنَّ أولئك لا يقدرون أن يتحَّققوا مثلك عن قيامتي ولاهوتي. أنت تشهد من الآن وصاعِدًا لما عاينتَ. فكًن صادِقًا ولا تتخاذل فتكذب!. فالإيمان ليس مُشاهدة ولا إستنتاجًا علميًا لفحصٍ طبي وتحليل مُختبري. الأيمان كما يقول مار بولس هو” بُرهانُ الحقائق التي لا تُرى” (عب11: 1). أي تصديقُ ما لا يقعُ تحت سُلطان الحواس، ولا يقدر المنطق البشري أن يتحَّكم به فيُحَلِّلُه. ابراهيمُ كان شيخًا. ليس له طفلٌ يحملُ إسمَه ويرثُه. لا مُشكلة في ذلك. آمرأتُه سارة عمرُها تسعون سنة وعاقرلا تلد. ويقولُ له الله” أنا أُباركها وأُعطيكَ منها إبنًا” (تك17: 17). فَجَّرَ هذا الكلام ضحكَ إبراهيم. مُن يُصَّدقُ هذا؟ كيفَ يمكن ذلك؟. بشريًا يستحيل. لكن إبراهيم آمن رغم ذلك أنَّ الله قادرٌ على كلِّ شيء (متى19: 26؛ لو1: 27). ويقول الكتاب:” وآمن ابراهيمُ راجيًا حيثُ لا يوجد رجاء “(رم4: 18). ليس له أيُّ دليل حِسّي أو بُرهان منطقي ليُصَّدقَ كلامَ الله. آمن أنه توجد حقيقة فوقَ علمه وطاقتِه هي القوة الخالقة وهي قادرة أن تفعل كلَّ ما تشاء. ينقلُ اشعيا كلام الله :” كلمتي التي تخرجُ من فمي، لا ترجعُ إلَيَّ فارغةً. بل تعملُ ما شئتُ أن تعملَه..” (اش55: 11). ولكن قبلَ اشعيا بآلافِ السنين آمن ابراهيمُ بهذا، ومنه تعَّلم النبي.

ولمَّا بشَّر بولس أهل أثينا بقيامة يسوع إستهزَأُوا به. هل عاقلٌ يُصَّدقْ أنَّ المَيِّتَ يقوم؟. أيُّ منطقٍ يقبلُ هذا”. ألم تعترض مرتا أيضًا على يسوع عندما أمرَ بفتح قبر أخيها لعازر وقالت ” لقد أنتن. له في القبر أربعة أيام ” (يو11: 39)؟. أمَّـا يسوع فطلب منها فقط أن تؤمن. و يوآرش رئيس المجمع كادَ أن ينهار عندما سمع أنَّ إبنتَه ماتت. فقَدَ كلَّ أملٍ بشفائِها. قال له يسوع:” لا تخف. يكفي أن تؤمن”. بماذا ؟ بأنَّ يسوع هو المسيح القادر على حتى إحيائِها. كلُّ الأمور الدنيوية، وكل العلم البشري، وكلُّ العقل الأنساني، وفي كل الحالات المذكورة و غيرها لا يمكنها أن تُشاهدَ قوة الله أو تلمسَها وتتحَّكم فيها، ولا أن تتحَّقق فيها. الأيمان وحدَه يقبلها و يُحَّولُها نورًا وقدرة في حياتِه. هناك شيءٌ واحد يُساعد على الأيمان : الأعمال المعجزة التي صنعها الله القدير(لو1: 49)، ويصنعها. فلما أرسلَ يوحنا وفدًا من تلاميذه الشَّاكين بمسيحانية يسوع ليأخذوا الجواب من فمه هو مباشرةً، قال لهم :” أخبروا يوحنا بما تسمعون وترون”، و أجرى معجزاتٍ كثيرة التي هي أعمال الله إذ لا يقوى البشرعلى الإتيانِ بها ولا على الطُّبِ معالجَتَها (متى11: 4-6). وقد لام يسوع كثيرًا القادة ومعَّلمي الشريعة وحُماتَها على رفضِهم الإيمان به وعدم إنتباههم إلى أعمال الله التي يعملُها وهي تكشفُ هويَّتَه، فقال: ” إذا كنتُ لا أعملُ أعمالَ أبي فلا تُصَّدقوني. وإذا كنتُ أعملُها فصَّدقوا هذه الأعمال.. تعلموا حَقَّ العلم أنَّ الآبَ فيَّ وأني في الآب” (يو10: 37-38). صَدَّقوا أنَّه يعمل المعجزات لأنهم كانوا شهودَ عيانٍ لها، لكنّهم رفضوا أن يؤمنوا بأنه المسيحُ إبنُ الله المُنتظر. قرروا بالعكس التخَّلصَ منه. إعترفوا بذلك قائلين:” هذا الرجل يأتي بآياتٍ كثيرة. فإذا تركناه وشَأنَه آمنَ به جميعُ الناس” (يو11: 18).

الأيمان والتصديق !

نرى كيفَ وكم يختلفُ الأيمان بالمسيح عن تصديقه. الأيمان يسمو الى عمق جوهر هوية يسوع، في حين التصديق به يخُصُّ الأعتراف بأقوالِه وأعمالِه أنها صادقة وبنّاءة للحياة. و منها يمكن الأرتقاء إلى قبول شخص يسوع والأعتراف بهويتِه الألَهية. يسوع صادقٌ لا يكذب، ويُحسن الى الناس ولا يُسيء. التصديق يقودُ إلى الأيمان. هكذا : يسوع أكثر من إنسان. إنه الله المُتجَّسد. لكننا لا نرى لاهوته، ولا نلمسه، ولا نفحصُه في مختبراتِنا، ولا نُصَّوره بعدساتِنا، ولا نستنتجه بمنطقنا. إنما نشعر به بحدسِنا وفكرنا، نؤمن بوجودِه وفعله. هذا ما إكتشفه لصُّ اليمين على الصليب فآمن أن يسوع المصلوب معه ليس مُجرِمًا مثله بل هو المسيح المُخَّلِص المُنتَظَر.

القس بـول ربــان