الأحـد السابع للدنـح!

للعلم : بخصوص بدايةِ صلاةِ هذا الأحد : إنَّ هذا الأحد والذي بعدَه ” الثامن ” الذي يُصَّلى وحدَه كُلَّما تأَخَّرت القيامة الى بعد 20 نيسان. في تلك السنة يُسَّبقُ الأحد السادس على الخامس، وبعد هذا يُصَّلى الأحدان السابع ثمَّ الثامن. أما في بقية السنين فيُدمَجان معًا. هكذا نسَّقَ مُنَّظمُ طقس الصلاة، وهكذا قالت تعليماتُ الأحد الثامن. الأحد الثامن هو” حرايى”. وحسب نظام الطقس يبدأُ كلُّ سابوع بالأحدِ الأول ” قذمايى” وينتهي بالأخير” حرايى”، فيبدأ السابوع الذي يلي بـ” قذمايى”. تشُّذُ عن القاعدة فقط آحادُ موسى، لأنها ليست سابوعًا ولأنَّه لا يُتلى منها أعدادٌ ثابتة، بل يُكتفى منها بما يحتاجُ إليه الطقس لسَّد الفراغ ، عندما يحصل، بين سابوعي إيليا والكنيسة. أمَّا سابوع الدنح فلعدم إستقراره بسبب عيد القيامة إذ تُترك منه بين أحدٍ أو ثلاثة، حسب تقَّدم العيد بآتجاه شهر آذار. وكي لا يتبلبلَ النظام تُرِكَ الترتيب يتوالى بين 1-قذمايى؛ ثم 2- حرايى ؛…إلى الثامن، ويكون حرايى. و كما ذكرتُ أعلاه عندما يُصَّلى الأحد الثامن وحدَه يبقى ينتهي السابوع بـ ” حرايى” حسب النظام. ولمَّا كان يُدمجُ مع الأحد السابع تنقلبُ الصلاة الى” حرايى” حِفاظًا على النظام ، فيبدأ بعدَه سابوع الصوم قذمايى. وهذا ما زال قائمًا في سابوع الصوم. تتوالى الآحاد بين قذمايى وَ حرايى. وأحد السعانين الذي يقع دوره مبدئيًا قذمايى يقلبه الطفس إلى حرايى لكي يبدأ بعدَه سابوع القيامة ” قذمايى”. ولكنَّ السينودس البطريركي لسنة 1967م قرر إبطال دمج الآحاد ببعضها أو حتى مع التذكارات. وإذ لم يُشر آباءُ السينودس إلى أيِّ الأحدين يُصَّلى عند وجود سبعة آحاد فقط، إختارَ التقليد، من تلك السنة، تلاوة صلاة الأحد السابع ولكن يُقلب إلى حرايى مثل أحد السعانين. عليه تبدأ الصلاة هذا الأحد في ” حرايى”. أمَّا قراءات القداس فتتبع التقويم البطريركي.     

تتلى علينا اليوم القراءات  : اش42: 5-9     ؛    { تث14: 2-15: 4 } 1طيم6: 9-16   ؛     متى7: 28 -8: 4

القـراءة : إِشَعْيا 42 : 5 – 9 :–  الله الخالق هو مبدأُ الحياة ومُنَّظِمُها. إختارَ شعبًا ليشهدَ للحق فيكون نورًا لغيرِه. لكنَّ الشعبَ خانَ الأمانة فيُنذِرُه الله بتشتيتِه بالسبي.

القـراءة االبديلة : تثنية 14 : 2 – 15 : 4 :–   يأمُرُ موسى أن يدفعَ الشعبُ عُشْرَ كلِّ ما يملكون. ويُخَّصصُ لخَدَمةِ الهيكل والغرباء والفقراء والأرامل، وأن يتركوا كلَّ سبعَ سنواتٍ ديونَهم على بعضِهم.

الرسالة : 1 طيمثاوس 6 : 9 – 16 :–  الغِنى فخُّ الشرور وأصلُها إذ يُبعدُ عن الأيمان. ما يبني الحياة هي الفضائلُ الأدبية : البر، التقوى، المحبة، الوداعة والخيرات الروحية ، فيوصي بها الربُّ تلاميذَه.

الأنجيل : متى 7 : 28 –  8 : 4 :–  يُنهي يسوع خُطبتَه على الجبل ويُجري أشفية عديدة. هو مُخَّلِصُ الأنسان ، طبيبُ الأرواح ِ والأجساد.

توصياتُ يسوع للأبرص !

نسمعُ يسوعَ، في غالبيةِ الأشفية، إمَّا يمدحُ إيمان طالبِي الشفاء أو يُطالبُهم بالأيمان حتى يُلَّبيَ طلبهم. أمَّا هنا فلا ذكرَ للأيمان. بل يُحَّذِرُ يسوع المُشْفَى من إشاعةِ الخبر بين الناس.  وكَرَّرَ تحذيرَه أيضًا للأعميين (متى9: 30)، ولغيرِهم كثيرين (مر5: 43؛ 7: 36). إنَّه لَأَمرٌ غريب. كما لو كان يسوع يُشفي بالخفية أو تسّتُرًا على مخالفة، أو يخافُ الناس من شيءٍ ما حتى يُنَّبهُ بعدم إذاعةِ الخبر. بينما نسمعُه يُرسِلُ الأبرصَ ليُرِيَ نفسَه للكاهن !.

التحذير من الدعاية للخبر !

ولكن رغم ذلك سَجَّلَ الأنجيلُ بأنَّ الذين شُفوا ” شَهَّروا أمرَه في الأرضِ كلِّها” (متى9: 31 ؛ مر1: 45). أولاً :  لا يبغي يسوعُ الدعايةَ لنفسِه. فالحَّقُ يعلو دومًا. وقد حَذَّرَ المُتصَّدقين والمُصَّلين والصائمين من الإعلان المظهري. قال:” إِيَّاكم أن تعملوا بِرَّكم بمرأى من الناس لكي ينظروا إليكم .. إذا تصًّدقتَ فلا يُنفَخُ أمامكَ في البوق، كما يفعلُ المُراؤون ..” (متى6: 1-2). ومُبَّررُ يسوع هو، قبل كلِ شيء، أنَّ الحقيقةَ لا تحتاجُ إلى التطبيل لها، كما يفعلُ ساسةُ العالم وتُجَّارُها. إنَّها تنتشرُ، كأشِّعةِ السمس، في كل مكان دون الدعايةِ لها. فالشمسُ لا تحتاجُ إلى التعريفِ بها. إنَّها تُعلنُ نفسَها بنفسِها. هكذا هوالحَّق. هو دومًا ” يعلو ولا يُعلى عليه “. يُدعى إلى الحَّق ولا يُدَّعى به. قد ينسى الواحدُ كلامًا سمعَه. أمَّا ما رآه بعيونِه فلا ينساهُ أبدًا، ويُبَّلغُ به غيرَه، تمامًا كما يعكسُ الزجاجُ النورَ. فكان يسوعُ يدَعُ أعمالَه هي التي تحكي وتذيعُ الخبر ليتجَّذَرَ في أعماقِ فكر السامع وفي قلبِهِ قبلَ آذانِه.

ثانيًا :  حَذَّرَ يسوع أيضًا لئَّلا يُسيءَ الشعبُ فهمَ حقيقةِ مسيحانيَتِه. كان اليهود ينتظرون مسيحًا مُرسَلا من الله، قائدًا عسكريًا يُحَّررُهم من نيرالأستعمار، ويُعيدُ تأسيسَ الممكلة التي يحلمون بها. أمَّا يسوع فجاءَ مسيحًا روحانيًا يُحَّررُ الأنسان من عبودية خطيئتِه. فرسالةُ المسيح الخلاصية ستكون ” في غفران خطاياهم” (لو1: 77) وهو الذي يغفِرُها و” يُخَّلِصُ شعبَه من خطاياهم” (متى1: 21). وأساس الأستعمار وكلِّ شَّرٍ موجود في العالم وكلِّ بلَّيةٍ أو مرَضٍ هو الخطيئة. وبإِزالةِ الخطيئة تزولُ كلُّ البلاوي. ولم يكن للشعبِ مانعٌ، إذا تأَّكد من مسيحانيتِه، أن يُعلنَه ملكًا ويثورَ على المُستَعمِر. وقد حاول بعضُهم ذلكَ مرَّةً لكنَّه تمَّلصَ منهم (يو6: 15). ولمَّا لم يستجب لهم وخالفَ “مبادِئَهم الأخلاقية” شَكَّوا بمسيحانيته وأعلنوا حيرَتهم بحسرة: ” حتَّامَ تُدخلُ الريبةَ في نفوسِنا؟. إن كنتَ أنت المسيح فقُل لنا صراحةً ” (يو10: 24).

ثالثًا : إنَّ رغبة اليهود في إقرارِ يسوع ملكًا لم تكن سُدًى وآعتباطًا. بل يبدو أنَّ ابليس كان من وراءِ ذلك لتشويه حقيقة يسوع، كما غَوَّشَ الحقيقة على آدم (تك3: 1-5). قال مرقس: “وكانت الأرواحُ النجسة، إذا رأته، تسجُدُ له وتصيح ” أنتَ ابنُ الله”، وكان ينهاها بشِدَّة عن كشفِ أمرِه” (مر3: 12؛ 1: 31). وهذا ما حسبَه، رُبَّما، القادة بأن يسوع يَدَّعي اللاهوت فضاجوا وعادوه وصاروا يطلبون قتله: ” فآشتَّدَ سعيُهم لِقتلِه، لأنَّه لم يقتصر على إستباحةِ

السبت، بل قالَ إنَّ اللهَ أبوه، فساوى نفسَه بالله ” (يو5: 18؛ 10: 32-33). فحتَّى لا يتوَّهمَ اليهودُ ويُعَّلقوا عليه آمالاً سياسية، بل يفتحوا ذهنهم وقلبهم لآستيعابِ الحقيقة الجوهرية  الألهية والأصيلة، المُعلنة في سفر التكوين(3: 15) بأنَّ المسيح يسحق رأس الحَّية/ ابليس ويحَّررُ الأنسان من عبودية الخطيئة التي أوقَعَه فيها، لذا حاولَ يسوع أن يحُّدَ من الإعلان عنه، فلا ينزلَ عليهم الخبرُ كالبرق، خاصّةً في بدء كرازته، او مطرٍ عاصفٍ يُدَّمر، بل مثل مطر رذاذ هاديءٍ تمتَّصُه الأرض بهدوء وتُنبتُ الحياة. وسوف لن يترَدَّدَ يسوع في قولِه :” ما لقيصر أُعطوه لقيصر، وما لله فلله ” (متى22: 22). وقال لبعضِ من شفاهم ” مغفورةٌ لك خطاياكَ .. خطاياها الكثيرة، وآعتبره اليهود تجديفًا” (متى9: 2؛ لو7: 47). كما لن يترَدَّدَ على الصليب ليُعلن: ” يا أبتاه إِغفِرْ لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون” (لو23: 34). لم يقُل ” أَنصِرهم على الرومان وحررهم من نيرهم. وأَكَّدَ أيضًا أنَّ الدينونة هي للعالم ولِسَيِّدِه (يو 12 : 31) اللذين غلبَهما وحَرَّر الأنسان من سطوتهما (يو16: 33).

إذهب إلى الكاهن وأَرِه نفسَك !

كان البُرصُ يُعزَلون، بقوة الشريعة، عن الجماعة. وإذا شُفوا فأرادوا العودة إليها فيجبُ أن يتَّم ذلك أيضًا عن طريق الشريعة. والشريعة يحفظُها الكهنة ويحمونها. كان البَرَصُ مُعديًا في حالات خاصّة فلزم عزلُ المصابين به لئّلا تنتقلَ عدواه الى غيرهم. يُتَّخذُ هذا الإجراء لحماية المجتمع من وباء خطير. ولم يكن لهم علاج آخر ليدرأوا خطره عنهم. كان الأبرصُ ” يلبسُ ثيابًا مشقوقة، ويكشفُ رأسَه، ويُغَّطي شاربيه، و يُنادي: نجس ! نجس !…و يسكنُ منفردًا خارج المحَّلة ” (أح13: 45).

أمَّا الكاهن فكان مسؤولاً عن مُهمَّةِ تثبيت نوع البَرَص، وعن الحكم بفصل المريض وعزله عن الجماعة،” لأنَّه نجِسٌ”. وإذا طهُرَ وأراد العودة إلى مخالطةِ الجماعة فيعودُ الأمرُ أيضًا

 إلى حكم الكاهن: ” هذه شريعةُ الأبرص في يوم طُهرِه. يُؤتَى به الى الكاهن. والكاهنُ يخرُجُ خارجَ المحَّلة ليفحَصَه ..” ( أح14: 2-3). لقد إتَّصَلَ الأبرصُ بيسوع قبل المرورِ بالكاهن. جاءَ الى يسوع يطلب الشفاء. ولمَّا شفاه يسوع نهاه بلهجةٍ شديدة عن إعلان الخبر (مر1: 43)، إنَّما أرسَله عند الكاهن لآجراء روتين الشفاء فيعود بلا خوف أو قلق الى الجماعة ولاسيما الى عائلته. وهنا يطرحُ السؤالُ نفسَه: لماذا طلِبَ من الكاهن أن يُؤَّديَ الخدمة وهو ليس طبيبًا؟. إنَّه ممثِلُ الله وخادمه ، والشفاءُ عملُ الله لا الأنسان.

الأبرص !

لمَّا شفى يسوعُ الأعمى من مولِدِه، وصَرَّح هذا للفريسيين بأنَّ يسوعَ ” هو من الله”، رَدَّ عليه هولاء بشيءٍ من الأستخفاف: ” أَ تُعَّلِمُنا وأنتَ كلُّكَ في الخطيئةِ وُلِدتَ”؟ (يو9: 34). كان اليهودُ، منذ موسى، يعتبرون الأمراضَ والعاهات عقابًا من الله بسبب خطيئةٍ شخصية إقترفها العليل أو ذووه. وهل يكون قد أخطأ أعمًى قبل أن يولَد؟. رُبَّما أخطأ أبواهُ!. نسوا ما قاله الرب :” النفسُ التي تخطأ هي وحدَها تموت. الأبنُ لا يحملُ ذنبَ أبيه ” (حز18: 20). حتى الرسل كانوا يعتقدون ذلك:” يا مُعَّلم: من أخطأ ؟. هذا أم والداه حتى وُلِد أعمى” ؟ (يو9: 2). ولقد قرأنا في سفر الأخبار أن “الأبرصُ نجسٌ”. لا بسبب عُدوانيتِه، بل لأنَّ العافية بركةٌ من الله والمرضَ بسبب الخطيئة التي تهينُ الأنسان وتُعَّذبُه.

ليس البَرَصُ مرَضًا إعتياديًا، ويعسُرُ على البشر الشفاءُ منه والقضاءُ عليه. يتجَّنبونه فقط. إنَّه يُعدي فينتشرُ. وليس من الله الذي خلقَ الأنسان صحيحًا. بل هو ضدَّ طبيعته، يهدِمُها و يُفنيها. إنَّه من ثمارخطيئة الأنسان التي زرعت الفوضى في عقله وجسده (تك3: 18-19). الله وحدَه قادرٌ على القضاءِ عليه. لا فقط لا يقوى المرَضُ على أذية الله بل لا يقدر أن يُقاومَ أمرَه بزوالِه. كلُّ الأمراض تُصيبُ الأنسان ضدَّ رغبة الله، لكن الله سمح بها إحترامًا لحُرَّيةِ الأنسان الذي إختار طريق الخطيئة فيتحَّملُ نتائِجَها. ليس البَرَص خطيئةً بذاتِه. إنَّما يُشَّوهُ جسدَ الأنسان ويُنتِنُه فيُعَّذبُ المضروبَ به. تلك نجاسةُ المرض لا الشخص. وقد أحَسَّ أيوب بهذا (أي 6: 5 و15-21). وقد أصبحَ المرضُ رمزًا لنجاسةِ الخطيئة التي تُشَّوهُ روحَ الأنسان. وإذ هو صورة الله فيُهين بتلك النجاسة صورة القداسة وكمال الله.

الخطيئة !

فالبرصُ إذًا صورة للخطيئة، به نقَّيم قباحة الخطيئة وفسادَها. فالخطيئة تُسَّببُ له القلق و وخز الضمير. إنَّها نجاسةٌ روحية ونتانةٌ تُعَّطلُ عطرَ النقاء المجبولةٌ عليه النفس. كالبرص تُنَّجسُ الأنسان كلَّه. وليس لها شافٍ غيرُ الله. هو وحدَه يقدرُ أن يغفرَ الخطيئة (لو5: 21). هو وحدَه يقدر أن يشفيَ الأنسان جسَدًا وروحًا ويُزيلَ عنه كلَّ تشويهٍ وجرحٍ يُجريه عليه الإثمُ والمرض. لكنَّ الله خَوَّلَ البشر سُلطانه و” مجَّدَوا اللهَ الذي جعلَ للناس مثلَ هذا السلطان” (متى9: 8). نعم لقد أعطى المسيحُ كنيستَه سُلطانَه الألهي هذا: ” ما تحلونه… وما تربطونه ..” (متى18: 18) و” من غفرتم له.. أو أمسكتم عليه خطاياه” (يو20: 23).

نرى أنَّ اللهَ كلَّفَ رجالَه، من أقامهم على خدمةِ الناس، بأن يتحَّكموا في البرص والخطيئة. لأنَّ تشويه الأنسان في كلتا الحالتين إهانةٌ مباشرة لعمل الله وإرادتِه. وكما أشركَ اللهُ الأنسان في سلطانه على الخليقةِ كلِّها وعلى إتمام عمله (تك1: 28؛ 2: 15-20)، أشرَكه أيضًا في سلطانِه على درء الإثمِ وعلاجِه ليكون عملُ اللهِ كاملاً، وبذلك يُحَّققُ الأنسانُ صورة اللهِ الكاملة.

العلاج  !

وإذا كان علاجُ البَرَص، في بعضِ أنواعِهِ، عزلُ المريض عن الخماعة ـ حِرمانُه العيشَ و التعاملَ حتى مع أفردِ أُسرَتِه ـ حمايةً لها من عدوى الوباء، هكذا تعزلُ الخطيئة الخاطيء عن الله وعن بقية أعضاءِ الكنيسة/جسد يسوع السِرَّي، وسيكون علاجُها، في بعضِ الأحيان حسبَ الحالة، عزلُ المؤمن الخاطيء وحرمانه الإختلاط بالمؤمنين وعن نيل الأسرار الألهية ، حمايةً لبقية المؤمنين من الأصابةِ بنفس الداء. قال الكتاب: ” إنزعوا الخبيثَ من بينِكم “(تث13: 6). وقال مثله مار بولس: ” أَزيلوا الفاسِدَ من بينِكم” (1كور5: 13) لأنَّ الخطيئة ، مثل البرص، حالةٌ شاذّة ورديئة ومُعدية. فكما تنتقلُ الجرثومةُ بسهولةٍ إلى الآخرين هكذا ينتقلُ المثال، جَيِّدًا كان أم سَيّئًا، في من يُعاينونه إذ يتعايشون معه. وكما طلبَ المسيحُ الإقتداءَ به (يو13: 15)، وفعل مثله بولس (في2: 5 ؛ 4: 9)، هكذا يجبُ أن نتحَذَّرَ من الشَّر والأشرار(في3: 2)، لأنَّ أمثالَ هؤلاء هم” أعداءُ صليبِ المسيح” (في 3: 18).

وعلى مثالِ العهدِ القديم، ولمقاومةِ الشَّر ودحرِه، إتَخَّذت الكنيسة، وما تزال تستعملُ أحيانًا سُلطانها، فحرمت بعضَ أبنائِها، الخاطئين العلنيين، من المُشاركةِ في الأسرار، بل وحتى عن الأختلاطِ أو المُؤاكلة مع بقية المؤمنين (1كور5: 11). ومار بولس هو الأول بكذا إجراء مُعلَن ٍ ويُؤَّكدُ بأنَّ إجراءَهُ هذا يأتي حمايةً للمؤمنين من ” نجاسةِ الخطيئة ” لأنّ المُبعَدينَ هم ” أعضاءٌ فاسدون ومُفسِدون” (1كور5: 6-9). وإبعادُ المُفسِدين عن البقية ليس لأيذائِهم ولا مُعاداةً لهم، بل ” ليخجلوا فيتوبوا” (2تس3: 6، 14) ويعرِضُ عنهم بقيةَ المؤمنين (2طيم3: 5) كعلاج رادع ضد الفاسدين الذين ” يُقاومون الحَّق، وذهنُهم فاسدٌ غيرُ صالحين للأيمان ” (2طيم 3: 8).

يُضيفُ بولس: ” يُسَّلَمُ الفاسدُ إلى الشيطان حتى يهلكَ جسدُه فتخلُصَ روحُه يومَ الرب” (1 كور5:5)، كما فعل بمخالفين ” ليتأدَّبا ويكُّفا عن التجديفِ” (1طيم6: 20؛ 2طيم2: 17). و قد أَيَّدَ بطرسُ، رأسُ الكنيسة، هذا المبدأَ، فقال:” فإذا كان المسيحُ قد تأَّلمَ في جسدِه، فتسَّلحوا أنتم بهذه العبرة، وهي: أنَّ كلَّ من تأَّلمَ في جسدِه كَّفَ عن الخطيئة، ليقضي ما بقي من حياةِ الجسد في العمل بمشيئةِ الله لا في الشهواتِ البشرية ” (1بط4: 1).

وإذا تابَ الخاطيء وكَفَّر عن مثله الرديء، ينالُ غفرانَ خطاياه أيضًا على يد الكنيسة في منبر التوبة. هكذا بدأتِ الكنيسة :” توبوا .. لتُغفَرَ خطاياكم .. وتخَّلصوا من هذا الجيل الفاسد ” (أع2: 38-40). لأنَّ رسالةَ الكنيسة هي أن تُبَّشرَ وتعِظَ وتُعَّلِمَ وتغفِرَ، وحتى أن تحرِمَ، لتجعلَ كلَّ إنسانٍ ، وجميع الناس ، كاملين في المسيح” (كو1: 28).