الأحد السادس للصوم

تتلى علينا اليوم القراءات  :  يش21: 43-22: 9؛تك19: 1-26 رم14: 10-21؛ يو9: 39-10: 16

القـراءة : ايشوع 21 : 43 – 22 : 9 :– يستولي بنو إسرائيل على معظم فلسطين.  وفى الله بوعدِه ، وحَدَّدوا لكلِّ عشيرةٍ حِصَّتها وموطنها من الأرض. 

القـراءة البديلة : تكوين 19 : 1 – 26 :– تُروي خبرَ إفناءِ سكان سدوم وعامورة الأشرار. يرفُضُ اللهُ الشَّرَ والفساد ولا يُنقِذُ من يرفضونه ولا يتوبون.

الرسالة : رومية 14 : 10 – 21 :– يُعَّلمُ الرسول كيف نخدمُ بعضُنا بعضًا بروح بناءِ الكنيسة، فنُضَّحي بحَّقِنا لأنقاذِ المؤمن بعدم تشكيكِه ولأجل خلاصِه.  

الأنجـيل : يوحنا 9 : 39 – 10 : 16 :– اللهُ وحدَه يرعى البشر ويقودُهم كأَبٍ لأنَّه يعرفُهم ويُحِّبُهم. يسوع هو الراعي الألهي الحقيقي لرعايةِ الناس.

 لِنَقْرَأْ كلامَ الله بشوقٍ وآهتمام  

الصلاة الطقسية

السهرُ والأستعدادُ سِمةُ صلاة هذا الأحد، حتى لو لم تلفظها الترانيم حرفيًا، إلا إنها تقصُدها باطنيًا بطلب الأقتداءِ بالعذارى الحكيمات تماشيًا مع الدرس الذي أعطاهُ الأنجيل لمَّا ختمَ المثل بقوله: ” فآسهروا إذًا، لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة ” (متى 25: 13). السهرُ موضوع مهّمٌ في الأيمان المسيحي. وشَدَّد عليه يسوع كثيرًا. لأنَّ الحياة بالنسبة للمسيحي هي مسيرةُ عبور من الزمن الأرضي القصير إلى الأبدي. إنَّه فصحٌ حضر فيه الله بيننا يُعيننا على هذا السفَر. كما فعل مع شعبه عندما حَرَّره من عبوديته وأخرجه الى حرَّية التَحَّكم في مصيره. قال لهم :” حين تأكلون الفصحَ، كونوا متأهبين للرحيل، أوساطكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم وعِصِّيكم في أيديكم” (خر12: 11). هكذا سيوصي يسوع تلاميذَه (لو12: 35).

جاء تحذيرُ الرب بسبب رعايته و” سهره ” على خلاص الشعب (خر12: 42). فالرَّبُ يسهرُ على خلاصِ أبنائه.  والمسيرة مُعَرَّضة لأخطارٍ خارجية وداخلية تتطلب الأنتباهَ والحذر. خطر الأعداء وخطر تجارب الخطيئة، وقد حَذَّرنا منها الرب:” إسهروا وصَلُّوا لئلا تقعوا في التجربة ” (متى 26: 41)، كما نبَّهنا ضِدَّ تعَّرُض للمحن (ل22: 36). وقد ذكر مار بطرس حرفيًا خطورةَ مسيرتنا :” تيَّقظوا وآسهروا لأنَّ عدُّوَكم ابليس يجولُ كالأسد الزائر باحثًا عن فريسةٍ له ” (1بط 5: 8)، وقد ” وقع البعضُ في فخِّه فجعلهم يطيعون مشيئته ” (2طيم2: 36). والصوم إحدى وسائل مقاومته والتغَّلبِ عليه.       

 

الترانيم        

1+ ترنيمة الرمش : ” من هو الطبيبُ الذي يُطَّهرُ جروحي الخفية؟.أو يقدرأن يَشفيَ ويبرَأَ؟

     أو من يستطيعُ أن يُنقِذَني من النار، كانت تصرُخ الزانيةُ؟ أَحُّلُ ضفائرَ الخطيئة، وأَتقدَّمُ

     عند السيِّد والمُخَّلص. إنَّه لم يطرد العَّشار من أمامه، وآعادَ السامرية بحديثِه، وأعطى

     الحياة بكلامه للكنعانية. وأعطى الشفاَء لمنزوفة الدم من هدب ثوبِه. وحَرَّرَالزانيةَ بكلمة

     رحمتِه من ذنوبِها ودعاها الى سِفر الحياة مع القديسات. مع هؤلاء تقول نفسي كلَّ حين 

     :  مُبارَكٌ المسيحُ مُخَّلِصُنا “*.   

2+ ترنيمة للمجلس : ” يا إخوتي، طَهِّروا أذهانَكم وآسمعوا خبر الملكوت الذي عّلَّمه

     المسيح بمثل العذارى. كيف شُبِّهَ بالنساء ملكوتٌ لا يُشَّبَهُ؟.ولماذا شبَّهَ مُخَّلِصُنا الأعمالَ

     وحَدَّدَها بالمصابيح. فالختن هو المسيح. والعروس جوقُ القدّيسين. دعا السيرة مصابيحَ

     وصَوَّر النقاءَ بالبتولية. والنومُ الذي شملَ العشرَ هو الموت الذي يسبي كلَّ الفئات.. كما

     يأخذ أختان هذا العالم ليلا عرائسَهم هكذا يأتي المسيح ليلا ويأخذ عروستَه الكنيسة. و

     المصابيح المنطفئة للخمس بسبب نقص الزيت في الأواني صَدَّتْ ومنعت عن النعيم

     القُساةَ العديمي الرحمة “*.

3+ ترنيمة السهرة : ” حدثَ فرحٌ وحُزنٌ للبتولات عند فصلهِن. هؤلاء الحكيمات أضَأْنَ
     مصابيحَهن بزيت المَحَّبة. أمَّا أولئك الجاهلات فحَضَّرْن أوانيهن فارغةً من المحَّبة.

     هؤلاء تزَّيَنْنَ للخدر الروحي بسلوكٍ يُرضي الختن فدخلن معه. أمَّا أولئك فلمْ يُعِدْنَ

     بنقاوةِ بتوليتهن ثمارًا للبِّر. فحُرِمنَ من ملكوتٍ كُلُّهُ نعيم وسمعنَ الصوت الذي ينكُرُهن

     قائلاً : لا أعرفُكُنَّ. يا رب لا تحسُبْني مع أولئك اللواتي نُبِذْنَ، بل عُدَّني يا مُخَّلِصي مع

     اللواتي قُبِلنَ. إِذ أنتَ وحدَك يا رب تملكُ غزارة النعمة “*.

4+ ترنيمة المذبح : ” أَهِّلْنا يا رب بحنانِك أن نعملَ في كرمِ بشارتِك، ونأخذَ وزناتِ التعليم

     من كنز أسفاركَ. ونضعَ الزيتَ في مصابيحنا، فلا نتشَبَّهَ بالجاهلات. أَهِّلْنا يا ختنَ

     العُلى الى خِدرِكَ “.

5+ الطلبات .. : ” أيُّها المسيح، يا من بصومِه المُقَدَّس شفى الأجسادَ والأرواح لمن كانوا

     مرضى بكليهما، وفتحَ بابَ الحياة أمام الخطأَة، وحَلَّ قيودَهم فأحرَقها بنار محَّبتِه. ومَن

     سيُنقِذُهُم من النار التي لا تنطفيء : نطلبُ منك “*.

               ” أيُّها المسيح، يا من أشرك بصومِه الصائمين المُحِّبين كي يختلطوا مع جوق

     البتولات، ويقتنوا النقاءَ والقداسة، فيدخلوا الخِدرَ المليءَ بالمَلَّذات. ويقولَ لنا في يومِ

     مجيئِه : أعرفُكم : نطلبُ منك “*.      

 

التعليم

يُشيرُ هذا المثل الى حقائق أيمانية مهمّة، أولُّها : الموتُ يشملُ الجميع. فالعذارى كلهن نمنَ. والنوم يشيرُ الى الموت كما قال يسوع عن لعازر” لعازر نائمٌ وأنا ذاهبٌ لأوقظه… وكان يعني نومةَ الموت .. لعازر مات” (يو11: 11-14). لا حياة أبدية على الأرض معزولةً عن الله. الحياة الحَّقة هي مشاركة عرس الحمل يسوع.

هذا الموت فاصلٌ جذِريٌّ بين نمطي الحياة. أمورُ الأرض تتوقف كليًا ولا دخل لها فيما وراء باب العُرس. ما ينفع هناك هي الثمارُ الروحية التي جَنَتْها أيدي المؤمن وأمانتُه لمحَّبة سَيِّدِه المسيح. بعد الموت لا يقدر المؤمن أن يُغَّيرَ حالَه ولا أن يستفيدَ من رفاقِه الموتى. لأنَّ الموت يُفقدَ الأنسان كلَّ حكمٍ أو قدرة أو حتى حُرِّية الأختيار. ولا يقدر الموتى أن يتبادلوا  حالهم مع غيرهم. لقد ثبُتَ حالُهم بحكم الهي ولا يقوون على أيِّ عملٍ يستحِقُّ أجرًا ما. فلم تقدرالحكيمات إسعافَ رفيقاتهن. الطاقاتُ والمواهب يمتلكها الإنسان ويستثْمِرُها في مسيرة الزمن ليكنز لنفسِه كنزًا روحيًا يُسعفُه كبطاقة دخول الى وليمة العرس السماوي (متى6: 2؛ مر10: 21). العذارى الجاهلات لم يعرفن المحبة ولا أحببن المسيح،” ما أخذن معهن زيتًا “، ولم يسهرن أو يحتطن ضدَّ حرب ابليس ومكر أعوانه. بل تمسَّكن بمظاهر نقاوة السيرة فأهملن المحبة الحقيقية لاسيما تجاه الآخرين. بينما تُحاسبُ عدالة الله  على السلوك لا على المشاعر والمظاهر، وعلى ما يُغَّذي مصابيح حياتنا ومدى إضاءَتِه لا على نوع المصباح نفسِه.

طلبت إحدى الترانيم تقول:” كونوا مُتيَّقِظين وحذرين من نوم السفاهة”. النومُ يقومُ في الليل. والليلُ موعدُ مجيْ المسيح. في نوم الليل لا يشعرُ الأنسان بما يجري حواليه. لذا أكَّدت الترنيمة على:” مدعُوِّي الختن وحافظي موعد الوليمة (ليلا)” أن يسهروا. فإن كان الليلُ رمزَ الخطرالمُحدق بحياة الأنسان فهو أيضًا رمزُ جهاد المؤمن للصمود في البر لأنَّه يجهلُ من أين ومتى تأتيه هجمات الشِّرير. بالإضافة إلى أنَّه لا يعرف ليلَ وساعة موته لذا فسهرُه يمتَّدُ، لا فقط في زمن المرض والأضطراب والكوارث أو الأوبئة، بل عبر الحياةِ كلِّها.

 

الصلاة  

الجسد والأعمال مصباح حياة الأنسان. لذا دعا الرب المؤمن ” نور العالم”، وطلب منه أن يكون دومًا مُوقَدًا :” كونوا على إستعداد .. ومصابيحكم موقَدة “(لو12: 35). وألا يتحَّولَ نور الأنسان الى ظلام ولا محبَّتُه الى اللامبالاة (متى6: 23). لأنَّ ما يفعله الأنسان هو ثمرُ حُّريَّتِه وآختياره. وليس الأنسان بأصله وفصلِه، أو علمه وسُلطانه، بل بما قد حصل من ثمر تعبِ جهادِه. لذا تكون المحاسبة على أعمال الإنسان كما قال الرب :” سيُجازي إبنُ الأنسان كلَّ واحد على أعماله “(متى16: 27). سيُحاسبُه على حُّرِيَّتِه وآختياره. فالأنسان مُخَّيرٌ لا مُسَّيَر. هكذا كتب مار أفرام في مدراش اليوم فقال :

” إن كانت خِلقتُنا سَيِّئةً فعلى الخالق اللومُ. إنْ كانت حرّيتُنا شِرّيرَةً فعلينا يقعُ الذَّمُ. إن لم نكن أحرارًا لماذا تُحاسَبُ إرادتُنا؟. فإن لم تكن حُرَّةً فزورًا لامها. وإن كانت فبالحَّق دانَها* فالسؤالُ يتبعُ الحرّية. والشريعة مُقَّيَدة بكليهما. تُسألُ الحرية إن كانت قد تعَّدت حدود  الدَّيان. فماذا ينفعُ الخالقَ الصادق أن يخدَعَنا. فقَيَّدنا وأعطانا الشريعة وهو لم يُعطِنا الحُرّية ؟* يقومُ الحَّقُ في الوسط. ليسأَلَ ويُسْتَجْوَب. في هل وَهَبنا صانعُنا حرّيةَ أمْ لمْ يَهَبْ. الأسئلةُ والنقاشات تُولَدُ من الحُرّية. فالبحثُ وأخوه السؤال أبناءٌ للحُـرّية “*.     

قالت إحدى الطلبات:” فتح المسيحُ بصومِه باب الحياة للخطأة . حلَّ قيودَهم وألقى فيهم نارَ محَّبتِه. هو يُخَّلصُهم من النار التي لا تنطفيء”. ولمَّا كُنَّا نارًا ونورًا بالنعمة التي فينا طلبت منا الصلاة أن نحفظ بآحتراز أجسادَنا وقد ” دعاها الربُّ مصابيح لأنَّه يسكن فينا روحُ أبيه الذي أقامه من بين الأموات، هو يُقيمُ أجسادَنا المائتة لأنَّ روحَه يسكن فينا “. والصوم وسيلتنا مع المحبة التي هي سِلاحُنا.