أول إنسان: هل آدم ؟ أم غيرُه قبله ؟

أهلا وسهلا بالشماس ماهر متي

سأل الأخ الشماس ماهر عن :

  1. هل خلق الله بشرًا قبل آدم وحواء أو بعدهم ؟
  2. ما جاء في سفر التكوين عن زواج أبناء الله من بنات الناس قد يدل على ذلك !
  3. وإلا يدل على سماح الله بزواج الأخوة مع الأخوات ! يميل الشماس الى قبول فكرة خلق مسبق، على الأكثر، لآدم وحواء أو بعدهم. يدعم فكرته بتفسير أنَّ ما جاء في سفر التكوين يهدف فقط الى التأكيد على أنَّ آدم وحواء ، الأنسان، هو صورة الله. وهذا أهم شيء.

الأنسان الأول !

إنَّ الفصل الأول من سفر التكوين ركَّز بآختصار على أنَّ الخليقة التي كانت في فكر الله منذ الأزل ،” روح الله يَرُّفُ عليها”، خرجت إلى الوجود على مراحل متعاقبة متكاملة بفارق زمن طويل بين مرحلة وأخرى. يبدأ بكيان لا وجه له ولا حياة، يعقبه فيض نور الحياة فيه، ثم فصلُ العناصر المكوّنة لكل الكائنات لتتفاعل مع بعضها، يعقب ذلك ظهور أبسط صورة للحياة هي النبات، يعقبها بدء الزمان بحركة الأجرام السماوية: الأرض و القمر، ويعقبها ظهور كائنات حيّة أكثر تطورا بتسلسل إرتقائي في في سًلَّم الكمال هي الطيور ثم البحريات مزَّودًةً كلها بطاقة التوالد والتكاثر الذاتي؛ تلتها الكائنات البهيمة : بهائم ودواب و وحوش؛ كلُّ نوع منها أكثر تعقيدًا من الذي سبقه؛ وفي قمة الخلق يأتي الأنسان على شبه الله. لكل الكائنات قال الله ” لتكن”، فآنوجدت. أما للأنسان فيقول ” لنصنع الأنسان على صورتنا”. وإن دلَّ هذاعلى شيء فهو يدُّلُ على :

  • أولاً :- إهتمام الله الخاص بخلق الأنسان ليكون أفضل الكائنات وقمتها، إذ هو وحدَه صورة الله. ميَّزَه وحدَه فجعله صورته العاقلة والخالدة
  • ثانيًا :- وأنَّ الله خلق كلَّ شيء من ضمنها الأنسان، فلا يوجد شيءٌ من ذاتِه
  • ثالثًا :- وأنَّ الثنائي ” آدم وحواء ” هو أول إنسان مخلوق، وأنه أبو البشرية كلها. لأنَّ الله زوَّده مثل كل الكائنات بطاقة التوالد والتكاثر. وقد ميَّزه بمسؤولية قيادة الكون وما فيه. ولا يوجد في الكون إنسانٌ تناسلَ من غير آدم وحواء.

هذا قبل آدم وحواء. أما بعدهما فلو كان الله قد نوى خلق إنسان ثانٍ لمَّا وصَّى آدم وحواء بأن ” ينميا ويتكاثرا ويملآ ا الأرض”. كلَّف الله الأنسان، الوحيد الذي خلقه على صورته ، أن يتابع عمل الله ويُعطي الوجودَ لبشرٍ آخرين ” مثلَه “.

موضوع الخطيئة !

لا يمكن التفكير أو قبول فكرة أن يخلق الله إنسانين مختلفين. فإن كانا بنفس المواصفات عندئذٍ يُشبه الأنسان ” آلةً ” كُثِّرَت كما في معامل التصنيع. وجميع الآلات من نفس الصنف تؤدي نفس الفعل. وهذا يعني أنَّ الأنسان ليس حُرًّا ولا عاقلاً مثل الله حتى يختارَ فعلَه و يفعل ما يشاء. وبالتالي لم يكن ممكناً ولا عادلاً لله أن يُحاسبَ الأنسان. وفي هذه الحالات لم يكن ممكنا للأنسان أن يخطأ. وإن لم يخطأ لا يوجد مُبَّررٌلله أن يتجَّسدَ إذ لا حاجة إلى فداء. لماذا يتخلى الله الأبن عن مجده ويتنازل فيتخذ صورة العبد” وهو الخالق، ويتألم ( في2: 6-11)، ويُكفَّر عن ماذا، ويفدي مَن، إن لم يكن في الوجود خطأةٌ ؟.

وإن كان الله قد خلق إنسانين مختلفين في جوهرهما وميزاتهما عندئذ يطرح السؤالُ نفسَه : أيُّهما صورة الله العاقل والحر والخالد، وأيهما معدوم الطاقات هذه؟. وإن كان كلاهما للهِ صورةً فأيهما الذي أخطأ : هل الذي هو نسل آدم أم الفرع الثاني ؟. وإذا لم يكن أحدَهما صورة الله ، فهو ليس إنسانًا. لأن الله قال:” لنصنع الأنسان على صورتنا ومثالنا”. فمَن الذي أخطأ؟. ومَن أولاد البار ومن أولاد الخاطيء؟. ومن أجل أيَّةِ شعوبٍ مات المسيح؟. و نحن نعلم أن التدبير الألهي كله مبنّيٌّ على عقيدة الخلاص التي سيذكرها سفر التكوين نفسه في 3: 15. والأيمان بالله مبنيٌّ كله على عقيدة الخطيئة والخلاص التي بدورها تبرر سِرَّي التجسُّد والفداء.

زواج الأقارب !

إنَّ العقبة الرئيسية للآشكالات التي ذكرها الشماس، والتي يتمَّسكَ بها البعضُ ويُرَّوجون لها بهدف تشويه الأيمان المسيحي، هي قضية زواج ” الإخوة “. بلغت البشرية من الثقـافةِ و الحضارة، بعد ملايين السنين من الوجود، إلى رفض الزواج بين الأخوة والأخوات. ولكن قيمة الحشمة وآستصعاب الزواج بين الأقارب لم يكن لا مألوفًا ولا حتى يخطر ببال في العصور القديمة. بل حتى قبل أقل من ألفي سنة. لا ننسَ أن تأريخ كنيسة المشرق يذكر أسماء مثل “أَحَّا دْ آبويْ : أخُ أبيهِ، أو أحُّو دْ إِمِّهْ : أخُ أُمِّهِ “، لأنَّ بعضُ شعوبِ المنطقة كانت تسمح لا فقط بزواج الأخوة بل حتى بزواج الوالدين مع الأولاد. كانت سارة إمرأة إبراهيم أخته من أبيه (تك 20: 12). وما كانت حواءُ إلى آدم سوى أنها ” إبنتُه”. ليس معقولا ولا عادلاً أن نقرأ التأريخ القديم بعقلية زماننا. و لا نطالبُ بنزاكةٍ وعَفَّةٍ لم يكن العقل البشري قد إكتشفها أو بالحري أحَّسَ بها، ذلك بسبب ظروف الحياة الأجتماعية ، و بالأخص دورالخطيئة في تشويه الفكر الأنساني. لا ننسَ أيضا أن البشرية عاشت الى قبل ألفي سنة تحت ظلام الشر والبعد عن الله. والمسيح وحده حرَّرَ الأنسانية من هذا النير و أنار لها درب الأخلاق الحميدة. لا ننسى أيضا أنَّ الوحي، كشف الله للحقيقة عبر التأريخ ، لم يأتِ دفعةً واحدة بل على مراحل حسبما كان الأنسان أصبح قادرًا أن يفهمَ ويُطبقَّ ذلك. مثلاً وصية تقديس السبت، او الختانة، أو عدم الزواج من الأقارب كلُّ هذه لم تُذكر قبل الطوفان. الختانة دخلت الحياة مع إبراهيم. والسبت والزواج من الأباعد دخلت على يد موسى (خر16: 23؛ 23: 12؛ أح 18: 6-18). كما لم يتجَّسد المسيح إلا ” لما حان الزمن ” (غل4: 4). فالوحي المستمر الى المسيح، والذي يتوقف مع موت آخر رسول له، كشف للأنسان شيئًا فشيئًا الحقيقة وأرشده الى الأخلاق الحميدة. ومنها عدم الزواج بالأقارب لاسيما مع أفراد من نفس الأسرة، و الزواج بالأباعد لتزداد روابط الأُلفة والموّدة بين الناس وتُقَّربَ إلى بعضها الناس الذين أبعدتهم الخطيئة عن بعضهم.

أبناء الله وبنات الناس ! تك6: 2

حتى نفهم هذه العبارة يلزمنا العودة الى الوراء فنقرأ عن نسل قايين (4: 17-24)، ثم عن نسل آدم من إبنه ” شيت”. قايين سلك طريق الشهوة والخطيئة ففـقد بُنوَّته لله. أصبح يتبع الغريزة ” الأنسانية ” ويرفضُ ” العقل الألهي” (تك4: 6-8). آدم تندم على فعلته وحسَّن سلوكه، حتى لو بعد السقوط، وآبنُه شيت ، البديل عن هابيل البار(تك4: 4)، سلك الدربَ نفسه. وعليه سيدعو لوقا نسل آدم من شيت بـ” أبناء الله” وينتهي بيسوع المسيح (لو3: 23-38). لما قتل قايين هابيل إنعزل عن والديه وأبتعد عنهم لأنَّ أرضهم التي شربت دم هابيل كانت تطالبُ بالأنتقام، فآختفى عن الأنظار وآغتربَ ليحميَ نفسَه. كان ذلك قاسيًا جدًّا عليه ولكنه لا خيار له. فالقضية قضية موتٍ أو حياة. وأصبح نسله يُعرف بـ” الناس” مقابل نسل أخيه شيت الذي نعته الكتاب بـ” أبناء الله”. ولم يكن الزواج بين الطرفين، زرع الفساد وزرع القداسة، مقبولا وممدوحًا. لكن الشرَّ دوما يتعالى ويُغري فأغوى، بعد مرور أجيال غير قليلة، شباب الفرع الألهي فوقعوا أيضا في حبائل فسادَهم حتى عمَّ الشر البشرية كلها من جديد ما عدا أسرة نوح. فإن كان الحديث عن بنات الناس فلأنَّ حواء الأنثى سقطت وأسقطت معها آدم، وظلت المرأة تُعتبر مصدر الشر بسبب إنجرافها وراء العاطفة والمظاهر. ولأنَّ الرجل يميل أكثر من المرأة الى العقل والترَّوي وآنغوى على يد المرأة فهو يتشبه أكثر بالله. وقالها الكتاب صراحةً أنْ ” رأى بنو الله أنَّ بناتِ الناسِ حِسانٌ فتزوَّجوا منهن كلَّ من إختاروا”. وسجّلُ شعب الله مليءٌ بأخبار النساء اللواتي أغوين أزواجهن، الملوك أو القادة وحتى عامة الشعب ، وجَرَّينهم الى مخالفة شريعة الله و عبادة الأصنام. ولكن مهما كان من أمرٍ فإنَّ كلَّ الناس، الصالحين و الأشرار، هم من نسل آدم وحواء.

القس بـول ربــان