أرملة تحرم إرث زوجها

أهلا وسهلا بالأخ شاكر عيسى

كتب الأخ شاكر يقول :” لماذا نخضع نحن المسيحيين لقوانين الإسلام من نواحي كثيرة منها الإرث” ؟. ثم روى خبر رجلٍ سجَّل كلَّ وارد زوجته وحتى حليها بآسمه. ولمَّا ماتَ و طالبت بالميراث قرَّرت المحكمة، إستنادًا الى القَسَّام الشرعي، بأحقية أخ زوجها بالميراث. فأُخذَ منها كلُّ ما لديها. وأضاف السائل الكريم ” وأصبحت أرملةً مُفلِسة. أينَ محاكمُنا الشرعية المسيحية؟ أ ليسَ آلأجدرُ أن تصدرَ الكنيسةُ قوانين بهذا الخصوص ؟”.    

قرَّرَتْ المحكمة !

كان للكنيسةِ إجتهاداتٌ لضمان المساواة بين الرجل والمرأة، ونظمت قبل ألف سنة قوانين تحترم حقوق الطرفين لضمان العدالة وتوفير المعيشة الكريمة للحَّي بعد وفاة زوجه. و إستوحت الكنيسة نظامها من الكتاب المقدس الذي سادت فيه قوانين للإرث من زمن موسى مع بعض التطورات الاجتماعية ولاسيما مع النظرة للأيمان الجديد.

ساد في قوانين موسى  وضع الشعب الجغرافي، بسبب قسمة فلسطين على إثني عشر قسمًا تستثمرُ كلُّ عشيرة منطقتها لتُدبرَ منها معيشتها. وضمن العشيرة الواحدة إقتضى الحفاظ على الأرض بين أبناء العمومة كي لا تتجَزَّأَ الأرض الى قطع صغيرة لا تفي بالغرض. حتى فُرضَ زواج النساء من أبناء نفس السبط، ومن أبناءِ العمومة، “كي لا يتحَوَّلَ الميراث من سبط الى سبط آخر” (عدد37: 9). وحتى من أبناء العمومة :” أيُّ رجلٍ مات وليس له إبنٌ، فآنقلوا ميراثه الى إبنته. وإن لم تكن له إبنة فآعطوا ميراثه لإخوته. فإن لم يكن له إخوة فآعطوه لأعمامه. وإن لم يكن لأبيه إخوة فآعطوه لأقرب ذوي قرابته في عشيرته فيرثه” (عدد27: 8-11). وترَّسخت عقلية إبعاد المرأة من ميراث ما يملكه زوجها، أملاكًا ورثها أو مالاً إكتسبَه بعمله ، في أذهان اليهود، ثم آنتقلت منهم الى المسيحيين رغم أن بطرس رئيس الكنيسة دعا الرجال الى ضمان حقِّ الزوجات في الكرامة (1بط3: 7)، ثم إلى المسلمين بحكم الجوار أو الرابط  الديني للأيمان بالله.   

ولمَّا تشكلت دول وحكومات وآختلطت أبناء الديانات المتعددة والمختلفة سادت فيها شريعةُ من يحكم. فحيث ساد حكم المسيحيين إستعادت المرأة كرامتها وحقَّها، وحيثُ ساد حكم آخر خضع كلُّ المواطنين، بالنسبة الى الإرث الزمني المادي، إلى النظام العام. ولم يعترض عليه المسيحيون بسبب أنَّ الأمر زمنيٌّ يزول عند الموت ولا قيمة له بالنظر للحياة الأبدية، ” ماذا ينفعُ الإنسان لو ربح العالمَ كلَّه وخسر نفسَه”؟ (مر8: 36). رفعت الكنيسة دومًا مقام المرأة، وطالبت بآحترام حقوقها ، وحرَّضت أبناءَها على العدالة والمساواة حتى في قسمة الأملاك ، والتراضي بين الإخوة والأخوات بمحبة. ولكن عندما إختلفوا بينهم عن طمع أو حسد وآلتجأوا الى الدولة عندئذ تصرفت الدولة حسب نظامها السائد على الجميع.

وفي مثل الحالة المذكورة ترث الأرملة ثُمْنَ المُلك أو رُبعَه لتحيا من وارده. أمَّا ما تملكه من المال نقدًا أو من الحلي، فإذا كان إرثَها من أبيها أو مقابل زواجها يبقى لها. أمَّا ما آقتنته بعد زواجها فيعودُ الى الوارث الشرعي. ليس للدولة محاكم طائفية. وإذا كانت المحكمة هي التي ظلمت المرأة فآلأمرُ يَخُّصُ إمَّا السياسة أو آلتحايُل على القانون. وإذا كان قضاةٌ ” لا يخافون الله ولا يستحون من الناس “(لو18: 2-8) عندئذ لا يبق للمظلوم ملجأٌ غيرُ الله. وكم شهيد في المسيحية ضحايا الظلم؟. ملايين. المسيح نفسه صُلب، رغم براءَتِه وحقيقة تعليمه  

، ضحية الظلم والفساد.

محكمة كنسية !

لا يعود الإرثُ للأيمان حتى تنظمه كل ديانةٍ أو مذهب على حدة. ليس الإرثُ لا مسيحيًا و لا إسلاميًا ولا يهوديًا أو بوذيًا حتى تتولاه السلطة الدينية. إنه مرتبط بخيرات الزمن وعدالة توزيعها التي عليها تقوم الحكومات والدساتير، كي لا يظلمَ الناسُ بعضَهم. وما نفعُ أوسلطةُ محكمةٍ مذهبية إذا لم تعترف بها الدولة؟ و ما نفعُ محكمة كنسية إذا سمحت دولةٌ للفساد ان ينخر ضميرَ القضاة فيتلاعبوا بالعدالة؟. وقد حَذَّرَ المسيح الناس من فساد الضمير:” إن كان النور الذي فيك ظلامًا، فيا له من ظلام “؟ (متى6: 23).       

كونوا حكماء !

وفي هذه الحالة حذَّرَ المسيح أتباعه بنوع خاص من وقوع ظلم الآخرين عليهم :” إن كانوا إضطهدوني فسوف يضطهدونكم (يو15: 20). انتم خرافٌ بين ذئاب… فكونوا حكماء كالحيّات و ودعاءَ كالحمام (متى10: 16). كان مفروضًا على الزوجة ألا تكون غبيّة إلى هذه الدرجة، لاسيّما والزمان قاسٍ وغَدّار. فلو كان يُحِّبُها فعلا ومن كلِّ قلبه كان عليه أن يحتاط للأمر قبل موته. لو سألت الكنيسة قبل وفاة زوجها لربما ساعدتها لتوضيح الأمر والتحَّفظ للمستقبل. أما أن يكون للكنيسة محكمة وقانون ينظم الإرث فلا نفع في ذلك كما ذكرتُ أعلاه. إذا كانت نيّة القاضي أو رغبة الدولة ، أو ضُعفُها، أن يظلم فمن يوقفُ الظلم غيرُ الله ؟. إذا كان زوجها قد غدرها، والظُلمُ حاصَرها، فمن يقدر أن يُنقذها من ورطتها غير قدرةٍ إلهية، أو محَّبة مسيحية تحتضنُها وترحمها فتُخَّفف عن ضيقها وحاجتها!.