قانون الأيمان

وقَدَّم الأخ متي سؤالاً ثانيًا عن ” قانون الأيمان “.

كتب يقول :” يذكر قانون الأيمان، في نَّصِه المُختصَر، عبارة < ونزلَ إلى مملكةِ الأموات >، بينما لا توجد هذه العبارة في النَّص النيقاوي؟. متى أُضيفَ؟ ولماذا هذا الأختلاف؟.

الرسل وقانون الأيمان ! 

بدأَ الرسلَ يُبَّشرون بالمسيح، ينقلون شهادتهم عن حياته بما فيها أفعالُه وأقوالُه، حالاً بعد العُنصرة (أع2: 14-42). ولم يطل الزمن حتى إندلعت المحاربة ضدَّهم (أع5: 17) و أصبحَ إضطهادًا علنًا وشديدًا يهدف القضاء على بشارتهم وعقيدتهم” فتشَتَّتَ المؤمنون كلُّهم .. وأخذوا ينتقلون من مكان الى آخر مبشرين بكلام الله. ونزل فيلبس الى مدينةٍ في السامرة وبدأَ يُبَّشر فيها بالمسيح” (أع8: 1-5). وهكذا بقية الرسل ما عدا” بطرس ويوحنا ويعقوب وهم بمكانة عمداء الكنيسة ” (غل2: 9) ليديروا شؤون الكنيسة الجامعة. ولم يُذكرأنهم سنُّوا قانون إيمان أو نظامًا يتقيدُ به الجميع. كانوا إذا طلب يهوديٌ أو وثني العماد يتحَقَّقون من إيمانه بالمسيح وتعليمه. وحتى لمَّا ذرَّ الخلافُ قرنَه بين الرسل أنفسهم حول الختانة أم المعمودية لم يُحَرِّروا ” قانون إيمان” مشترك، كما تعَوِّدَت عليه الكنيسة منذ القرن الرابع وبعدَه في المجامع العَّامة بدءًا من مجمع نيقية 325م وما تلته حسب حاجة الكنيسة لتثبيت إيمانها والحفاظ على نقاوته وآستقامته قياسًا بأيمان الرسل وشهادتهم.

وثائق الكنيسة !

يقول كتاب :” الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها ” المعروف بـ ” دَنتسينغر، الجزء الأول، طبع 2001م، ص16 :” ورد ذكر قانون الرسل في أواخر القرن الرابع الميلادي. أمَّا النَّصُ المعروف فلا يرجع الى أبعد من أواخر القرن الثاني. وقد ورد في صيغتين : صيغة نشأت في روما باللاتينية واليونانية وآنتشرت في إيطاليا وأفريقيا واسبانيا. وصيغة نشأت في فرنسا وألمانيا وأصبحت النصَّ المتوارث”. وفي أغلب النصوص الموجودة، والتي ترتقي الى ما بين القرن الثالث والتاسع الميلادي تقول عن يسوع:” وفي اليوم الثالث قام من بين الأموات “. في أربع نسخ منها، بين القرنين الثامن والعاشر، تقول :”… ودفن، ونزل الى الجحيم، و في اليوم الثالث قام من بين الأموات”. هذا في الغرب. أما في الشرق فترتقي النصوص الى القرنين الرابع والخامس، وتذكر القيامة من بين الأموات في اليوم الثالث. نصٌّ واحد يُنسبُ الى أثناسيوس لكنه صيغ في فرنسا يذكر ” ونزل الى الجحيم في اليوم الثالث  وقام من بين الأموات”. وفي كتابه ” نؤمن”، تفسير لاهوتي روحي بغية إكتشاف الأيمان من جديد، نشر تيودول ري- مرميه نصًّا سَمَّاه ” قانون الرسل” (أي ما آمن به الرسل) ذكر فيه عن يسوع انه :” …قبر وهبط الى الجحيم وقام في اليوم الثالث من بين الأموات “.

إعلان الأيمان للمعمودية !

إنَّ كلَّ النصوص الموجودة والمذكورة كتبها رعاة أوكهنة مسؤولون لا كوثيقةٍ ايمانية بل كنَصٍّ ضروري أن يعرف محتواه ويؤمن بها من يتقدم للمعمودية. وكانوا أحيانًا يشترطون على الموعوظ أن يتلوَ ذلك النص الأيماني عن ظهر القلب قبل العماد. وترَّكز على الأيمان بالثالوث والمسيح الأله الأنسان وحياته وعمل الروح القدس والكنيسة والقيامة للحياة الأبدية . وكانت صورته المختصرة مستعملة، في الكنيسة الكلدانية، الى قبل عقد من سنين في معمودية الأطفال، تُطرح كأسئلة على القريب ويجيب عليها عوض الطفل المُعَّمَد. ولم تأخذ منحى وثيقة كنسية لتثبيت الأيمان المسيحي للمولودين في المسيحية إلا مع ظهورتعاليم فاسدة من دوناتية عن ناسوت المسيح الظاهري فقط ثم نكران لاهوت المسيح من قبل آريوس، وغيرها.       

المجامع العامة !

ركَّز مجمع نيقية، المُنعَقِد325م بعد توَّقُفِ الأَضطهاد وآستتباب الأمن، على لاهوت المسيح ونظم أول نصٍّ رسمي لقانون الأيمان يحوي العقائد الثابتة التي يلتزم المسيحي إقرارَها وتدبيرَ حياته على ضوئها. بينما شدَّد مجمع قسطنطينية الأول 381م على لاهوت الروح القدس ضد التعاليم المضادة لآريوس وغيره. كما حلَّ مشاكل لاهوتية وإدارية. وعلى ضوء ذلك جدد قانون الأيمان النيقاوي مضيفًا عليه ما تجدد من عقائد أو تعليمات.

يبدو أن النصَّ الذي نشره تيودول ري- مرميه وشرحه هو ما أعلنه مجمع قسطنطينية. ربما لم تكن جميع نصوص العهد الجديد متوفرة، مثل اليوم، في كل الكنائس وبالتالي كان الأطلاع عليها يقتصر على المسؤولين. مع زيادة إنتشار تلك النصوص ومطالعتها توَّسعت آفاقُ أنوارها وتعمَّقت معرفتها. فآنتبهوا الى شمولية الخلاص لا فقط للأحياء ولكن أيضًا للأموات قبل المسيح. قرأوا متى 27: 52-53، ولاسيما ما كتبه مار بطرس، رئيس الكنيسة والناطق الرسمي بآسم المسيح، يقول عن القيامة :” مات يسوع في الجسد ولكن الله أحياه في الروح فآنطلق بهذا الروح يُبَّشرُ الأرواح (موتى العهد القديم)  السجينة…”1بط3: 19). إلى هذا أشارت بعض صيغ قانون الأيمان بقولها ” نزل الى الجحيم وقام من بين الأموات” مُعَّبرة عن شمولية مفاعيل القيامة الكون كلَّه، من بدايته الى نهايته، ومن الأنسان الى كلِّ المخلوقات، وأنَّ موتَ يسوع حقيقيٌّ حتى وصل الأموات وقام من بينهم.

والكنيسة اللاتينية إحتفظت به في نصِّها الرسمي كالآتي ” نزل الى الجحيم، وقام في اليوم الثالث من بين الأموات descendit ad infernos, tertia die resurrexit a mortis ” مع ترك المجال للكنائس المحلية أن تحتفظ به أو تستغني عنه. يبدو أن كنيسة المانيا إحتفظت به، وتبعتها كنيسة السويد. إنه تقليد قديم يتواصل هنا وهناك. أتذكر أني تعلمت في شقلاوا، مع بقية المؤمنين، صورة قانون الأيمان بالسورث بهذا الشكل، في حين لم يذكرْهُ نص القداس الرسمي في اللغة الفصحى. معروفٌ أنَّ صورة قانون الأيمان تحوي كل بنود الأيمان العقائدية والأخلاقية. وبما أنَّ الكنيسة حَيَّةٌ وتواكب عصرَها وتخدم أبناءَها فتُبْلِغُهم الحقيقة الأيمانية كاملةً جيلاً بعدَ جيل، فعليه تتغَّير صيغة قانون الأيمان بعد كل فترة بسبب إضافة عقائد جديدة تحمي الأيمان والأخلاق ضد أفكار جديدة فاسدة، يُرَّوجُ لها أتباع ابليس . فكل العقائد التي تخُّصُ مريم العذراء لم تُضَف بعدُ الى القائمة. كذلك ما يخُّص الأخلاق ضد الطلاق والإجهاض والمثلية كل هذه تعود الى جوهر الأيمان، وربمَّا ستضيفها يومًا الى ” قانون الأيمان”.

لذا ليس” القانون النيقاوي” أهم من غيره، بل هو ناقصٌ نظرًا لما حدث بعدَه. إنمَّا يبقى مهِمًّا جدًّا لأنه النموذج الأول لحرس الكنيسة على إعلان الحقيقة الأيمانية كاملةً وتحريضِها المؤمنين على التفاعل معها، كما تُنَّبِهُ على مباديء أهل العالم الخاطئة وتُحَّذرُ منها لتقي أبناءَها خطر الوقوع في فخِّها. هذا ما فعلته الكنيسة في ختام القرن الماضي بنشر كتاب يحوي كلَّ ما على المؤمن أن يعرفه و يتقَّيدَ به. هو كتاب :” التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية “، أعلنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني إستجابةً لطلب الأساقفة، في 15/ 8/ 1997، ونشره الفاتيكان. ونشر في العربية سنة 1999 ، توزيع : المكتبة البولسية، جونية ( منشورات الرسل ) – بيروت، لبنان.