كثرت في الآونة الأخيرة إعتراضاتٌ على ممارساتٍ كاثوليكية ودعواتٌ للقراء الى شجبها ومحاربتها. منها التناول باليد والصلاة من أجل الموتى وتلاوة الوردية وغيرها. وكُلُّها بحُجَّة عدم ذكرها في الكتاب المقدس. وبالنسبة الى الصلاة من أجل الموتى بحجة إضافية أنها وعباراتها مستوردة من ديانات أُخرى. بما يعني تنقية الأيمان من”هرطقات الكاثوليك”. وكأنَّ ابليس وَقَّتَ حربه ضد الكاثوليك في زمن الكوفيد 19، حيثُ هم من جهة مقطوعون عن الكنيسة ومن أُخرى تُمطرُ عليهم المواقع الألكترونية غضبَ من يحسدونهم أو يهابون تقَدُّمَهم وتفَوُّقَهم. نسوا أن المسيح مع كنيسته وأنَّه دعا أتباعه الى الصمود ليغلبوا.
جاءَ في إحدى الأنتقادات ما يلي :” قولُنا عن المتوفي ” الله يرحمه” خطأٌ نتداوله كلَّ يوم. بعد موت الأنسان لا وجود للرحمة. فكُلُّ شيءٍ إنتهى. وأُقفِلَ الحساب. الرحمةُ والغفران من الله تكون في فترة حياة الأنسان على الأرض. إِن تابَ الخاطيء وغفرَ الله له فهذه هي الرحمة. بعدَ الموت لا رحمة ولا غفران . فقط إنتظار يوم الحساب: للروح على العمل الصالح، وللشّرير الذي عمله الأنسان في حياته على الأرض. لأنَّ عمل الأنسان بعد الموت قد إنقطع وتوقَّفَ. ارجو ألا تتبعوا معتقدات الأديان الأخرى وتنقلوا الأخطاء منهم الى مسيحيتنا المُنَزَّهة عن الخرافات”.
في هذا الأعتراض فقرات صحيحة وأُخرى تناقضُ الكتاب. لقد إختلط السَّم بالدسم. إنَّ لوثر سنة 1520م اوَّلُ من طالبَ بحرف الكتاب أي رفض كلَّ ما لم يُذكر حرفيًا في الكتاب. و قال أيضًا بحسب الكتاب كما ترجمه هو الى الألمانية. هل لوثر عاش مع المسيح وعرف فكره أم الرسل الذي نقلوا الينا تعليم المسيح؟. يقول بولس للكورنثيين المفتخرين بحكمتهم البشرية ” الأنسان البشري لا يقدر أن يفهم الحقائق الروحية… من يعرفُ فكر الرب أو أرشده؟. أما نحن فلنا فكرُ المسيح” (1كور2: 16). وأضاف:” لقد جعلنا قادرين على خدمةِ العهد الجديد، عهد الروح لا عهد الحرف، لأنَّ الحرفَ يُميت والروحُ يُحيي” (2كور3: 6). هكذا فسَّر بولس قول المسيح :” الروح هو الذي يُحيي، وأمَّا الجسد فلا نفعَ منه. و الكلامُ الذي كلمتكم به هو روحٌ وحياة ” (يو6: 63). ومن كلفَ المسيحُ بالتعليم والتفسير؟ هل كلَّفَ أيًّا كان أم الكنيسة؟. قال يسوع للرسل/ الكنيسة ” إذهبوا..تلمذوا.. عمِّدوا ..علموا أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتكم به”(متى28: 19-20). ومن” يسمع منكم سمع مني. ومن رفضكم رفضني. ومن رفضني رفض الذي أرسلني” (لو10: 16). ولا أحد يقدر أن يُفَسِّرَ كلام الكتاب غير الكنيسة (2بط1: 20-21). ولوثر رفض الكنيسة.
والصلاة من أجل الموتى هي من عهد الرسل. وكم كاهن ومؤمن إستشهد في روما وهو يدفن ميِّتًا أو شهيدًا أثناء الأضطهاد الروماني للمسيحية؟. صحيحٌ أنَّ غفران الله يتم على توبة الخاطيء قبل موته. أمَّا رحمة اللهُ فلن تقف أبدًا. أما رحمَ اللهُ آدم وحواء بعد ملايين السنين من موتهم؟. أما تابَ داود النبي؟ أما غفرت خطايا إشعيا النبي؟. ومع ذلك لم يكونوا في حضرة الله قبل موت المسيح؟. بل غُلق بابُ المواجهة مع قداسة الله. ولم ينفتح إلاّ لما مات المسيح وحرَّرهم من سجنهم ” إنطلق بروح الحياة يُبَّشرُ الأرواح السجينة التي تمُرَدَّت فيما مضى، حين تمَهَّلَ صبرُ الله ” (1بط3: 19-20). أين كان أبرارُ العهد القديم إِن لم يكونوا لا في السماء مع الله ولا في الجحيم مع ابليس وأتباعه الهالكين؟. وكيف رحمهم الله بعدَ موتِهم وهم لم يعملوا أيَّ عملٍ يستحِّقُ تغيير مصيرهم؟.
هذه الأسئلة تدفعنا إلى أن نرجع الى الكتاب ونقرأ فيه، على ضوء الروح لا حسب فكرنا أو ما قاله أُناسٌ مثلنا. قال مار بولس:” إذا كان رجاؤُنا في المسيح لا يتعَّدى هذه الحياة، فنحنُ أشقى الناس جميعًا .. فإذا كان الأمواتُ لا يحيون فماذا ينفعُ الذين يقبلون المعمودية من أجل الأموات؟. لماذا يتعَمَّدون من أجلهم”؟(1كور15: 19 و 29). لاحظوا جيِّدًا أنَّه في عهد الرسل يقومُ أحياء بقبول المعمودية من أجل أعّزاء ماتوا قبل أن يعتمدوا، أي بعد موتهم. ما نفعُ العماد لمَيِّتٍ إذا لا تنفعه صلاة ولا يرحمه الله؟. وعلى ماذا إستندت الكنيسة في هذا السلوك؟. هل إستنبط الرسل من عندهم أم حفظوا هم أيضًا ” ما أوصى به يسوع المسيح”؟. إسمعوا ما قاله يسوع :” من جَدَّفَ على الروح القدس، فلن يُغفرَ له، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة” (متى12: 32)؟. يدور الكلام عن الغفران في الدنيا وفي الآخرة!. إِذن هناك حالات فيها يرحم الله بعض الموتى. هذا لم يُغَّير المبدأ انَّ الموت هو من يُحَّددُ مصير الأنسان بالخلاص أو الهلاك. وأيضًا لم يتغَيَّر المبدأ أن المَيِّتَ لا يقدر أن يُغَّيرَ مصيرَه. ولكن كلام يسوع لا يبطل. وعلينا أن نفهمه.
تحَدَّثَ يسوعُ ايضًا عن التوبة وتصفية الحساب وغلقِه قبل الموت. ” إذا خاصمك أحد وأنت بعد في الطريق سارع الى إرضائه…فتلقى في السجن. الحق أقول لك لن تخرج من هناك حتى توفي آخر فلس ” (متى5: 25-26). من يخاصم الأنسان على حياته غير الله ويحاسبُه ؟. ” كلُّ من لا يسمع كلامي الذي يتكلم به بآسمي أُحاسبُه عليه ” (تث18: 19)؟. ومن القاضي غيرالمسيح” أولى الأبن سُلطانًا على الحياة. وأولاه سُلطة القضاء لأنَّه إبنُ الأنسان ” (يو5: 26-27). ولماذا السجن إذا كان الموت قد حَدَّد المصير؟. وأين يكون السجن؟. حيث ما كان لأبرار العهد القديم، ومثلهم يمكن لبعض التائبين والمغفورة خطاياهم ألا يتمتعوا بالرؤية القدسية لله وجهًا لوجه بسبب عدم التطهير والتنقية من تبعات الخطايا. لص اليمين تاب وغُفرت خطاياه ونال رحمةَ قبولِ آلامِه تكفيرًا عن خطاياه. ولكن ليس كلُّ الناس في حاله. وصرَّح يسوع علنًا أن البعضَ يدفع ثمن الخطايا في ” السجن” و أنَّه ” لن يخرج من هناك إلاّ بعد دفع آخر فلس”!.
إِذن تعملُ رحمة الله بعد الموت كما قبله. من لم يدفع ثمن خطاياه ولم يتطهَر عن دنسها قبل الموت عليه ان يفعله بعد الموت شرط ان يكون قد تاب قبل موته. فالتكفير دينٌ يدفعه المرء بالألم النفسي المحكوم عليه، ويقبله الله رحمةً منه. هذا ما إفتهمه الرسل وطبقوه وآفتهمت الكنيسة ” السجن ” بالتطهير. وقد أيَّدته السماء ، لتقطع شكَّ المتذبذبين بين الأيمان والأنكار عندما أظهرت مريم العذراء في ظهوراتها سنة 1917م في فاتيما للرؤاة مشهدًا من المطهر وطلبت الصلاة للمسجونين فيه لكي يتخَلَّصوا من عذابهم التكفيري. وكلُّ صلاة تكفيرية ترتفع الى السماء لعند الفادي يسوع المسيح مثل عطر البخور (رؤ8: 3-4؛ 5: 8). وهي الفلوس التي يدفعها قديسون في السماء مع تقدمات أهل الأرض أمام عرش الحمل المذبوح.
فأن نطلب الرحمة للموتى من صلب الأيمان المسيحي، ومن ينكُرُ ذلك ينكر المسيحَ نفسَه.
فأدعو الأخوة المنتقدين أن يطَّلعوا على الكتاب جَيِّدًا قبل أن يُنافقوا بآسمه.