أهلا وسهلا بآلأخ جنان طحان
إِختلف آلأخ جنان مع أصدقائِه حول مصدر صومنا آلحالي، ألكبير، فسأل :
ـ “هلْ آلصومُ فريضةٌ من آلرب، أم هو فريضةٌ كنسية، حسبَ آلمفهوم آلعرضي للتعاليم آلمسيحية “؟. وسألَ أيضًا بخصوص من ينقطعون عن أكل آللحم ويأكلون مكانه ألسمك ؛ وآلسمكةُ مَكلفة لذوي آلدخل آلمحدود “، ثمَّ سأل :
ـ ” هل هو صحيح”؟.
من وضَع آلصوم ؟
ذكرَ متى أنَّ آلفرّيسيين إِعترضوا لدى يسوع عن عدم صيام تلاميذِهِ (9: 14-22). أجابهم أنَّ وجودَه معهم، بتعليم جديد :” ما مِن أحدٍ يضعُ خمرًا جديدةَ في أوعيةٍ من جلدٍ عتيقة،..” . يسوع يُعفي آلرسل عن صوم موسى إِذ يُعيقهم عن صومه هو الجديد. صومُ موسى لا يبني، كما يفهمه آليهود ويُمارسونه. ولكن بعدَ أن يفهموا روحَ آلصوم آلجديد وهدفَه وكيفية آلقيام به لأنَّ ” الخمرَ آلجديدة تحتاج أوعيةً جديدة “، ولما يستلمون مسؤوليتهم في إدارةِ آلمؤمنين به، عندئذٍ لا فقط سيصومون ولكن أيضًا يعرفون متى يفرضونه وكيف يجب أن يقوم به آلمؤمنون به. وكما أنَّ ” إبنَ آلإِنسان هو سيِّدُ آلسبت ” (مر2: 28)، هكذا هو أيضًا سيِّدُ آلصوم، حتى لغى فيه مظاهر آلصوم :” إِذا صُمت لا تُعَّبس…لا تظهر للناس صائمًا ” (متى6: 16-18).
ولن يكون آلصومُ فرضًا أبديًا، بل يتماشى مع ظروف آلناس وتحَدَّيات الزمن وآلإمكانيات آلمتوَّفرة لكل آلأُمم أو حتى لكلِّ آلأفراد. هل يتساوى آلمرضى مع آلأصِّحاء؟. لأنَّ آلصومَ ليس لإذلال آلأنسان آلخاطيء بل هو وسيلة لإِنقاذه من ذلِّ آلخطيئة التي تُهَدِّدُه بآلهلاك. ليسَ لِيُفَّرحَ آلله، بل للسُمّو بآلإنسان إلى قداسةِ آلله. في كل آلأحوال يجب أن يؤولَ آلصومُ إلى خير آلصائم وليس إلى آلتباهي به أو دينونة آلآخر: ” لستُ مثل سائر آلناس آلظالمين وآلخطَأة، ولا مثل هذا آلعَشّار. انا أصومُ يومين في آلأُسبوع، وأوفي آلعُشر” (لو18: 12-13). هذَّبَ يسوعُ تلاميذه عن جوهر آلصوم وهو عن آلخطيئة. هو نفسُه صام وأعطاه مثالًا يقتدون به. ودعاهم إلى آلصوم وآلصلاة ليتغلبوا على آلشَّر وعلى سيِّدِه ابليس :” هذا آلجنس لا يخرج إلا بآلصوم وآلصلاة ” (متى17: 21). وقبلَ أن يفرضَه آلرسل في آلكنيسة صاموا وصلوا حيثُ أسسوا كنيسة (أع14: 23)، وعند آلضيق وآلحاجة (2كور6: 4-5). وكان آلصوم رفيق بولس يُلازمه في كلِّ جولاته وأحواله (2كور11: 27).
لم يُحَدِّد يسوع شيئًا لا للصوم ولا حتى للصلاة. بل دعا إليها ومارسها نموذجًا وتشجيعًا لمن يؤمنُ به. إِنَّما فرضته آلكنيسة بعد أن مارسته بنفسها في أشخاص قادتها، كوسيلةٍ ناجعة لنيل بركة آلله وعونه في آلتبشير وآلتنظيم، ومساندة آلمؤمنين على عيش إيمانهم آلجديد، ومقاومة ضلال آلعالم. وأول صوم عام فرضته آلكنيسة على عامَّة آلمؤمنين ذكره كتاب ” تعليم آلرسل ـ ديداخى”، لِسنة 95م، ويقول ما يلي :” قبل آلعماد يصوم آلمُعَّمِد ومَن يَعتمِد وأشخاصٌ قريبون إليه. مَن يعتمد أقله يصوم قبل آلعماد يومًا أو يومين” (الباب 7، رقم4) ؛ :” لا تصوموا في نفس أيام آلفرّيسيين ، الأثنين وآلخميس. أنتم صوموا يومَي آلأربعاء وآلجمعة ” ( (الباب 8، رقم 1).
وآلسمك البديل للحم ؟؟
لم تتطرَّق شريعة آلكنيسة إلى غير آللحم أو آلزفر (البيض ومنتوجات آلحليب). أللحم شيءٌ والسمكُ شيءٌ آخر. لا منعت عن أكل آلسمك، ولا وَصَّت أن يُؤْكلَ بديلا عن آللحم. وصَّت آلصيام عن السمك حيثُ كان، ولمَّا كان، الغذاءَ آلرئيسي لشعبٍ مُحَدَّد، ألأسكيمو، الذي يقتات على آلسمك، وسمحت له بأكل آللحم عندما يحصل عليه. وحيث كان آلزفر، ولمَّا كان ، القوتَ آلأساس لبلادٍ ما، وصَّت آلكنيسة آلصيام عنه عوض آللحم. لأنَّ آلصوم آلحقيقي لا يتعَلَّق بمَادَّةٍ مُحَدَّدة، بل بكسر آلأرادة عما نحن متعَّودون عليه. لنتخَلَّصَ أيضًا من عاداتنا آلسيِّئة، لا من سمكٍ أو لحم. ولِكي لا نهتمَ كثيرًا بآلأطعمة خاصَّةً التي نلتَذُّ بها، ولا أن نبحثَ عن آلتعويضِ عنها بغيرها، غاليةً كانت أو رخيصَة.
ومادة آلصيام تُحَدِّدُها آلكنيسة آلأُم وتنهَى عنها، لا آلعاداتُ وآلتقاليد. وآلمؤمن يتقيَّدُ بها طاعة للكنيسة. وآلطاعةُ خيرٌ من آلذبيحة (1صم15: 22 ؛ لو10: 16). وألصوم آلأساسي هو أصلا عن آلخطيئة قبل آلأَطعمة. وما آلصيام عن آلطعام إلّا للصيام عن آلخطيئة. و آلشراهةُ بوّابةُ آلخطيئة.
أمَّا الغالي وآلرخيص فلا تتدخل فيه آلكنيسة. ولا تهتم به أصلا. ليَمُّدْ كلُّ واحدٍ رجلَه على قدر لِحافِه. لا تريد آلكنيسة فرضَ آلصيام أو عدمه، تحتَ طائلةِ آلخطيئة إِلاّ قليلا جدًّا. تَدَعُه لحُرَّية كل واحد، حتى تكون لكل واحدٍ بادرتُه آلخاصَّة لمعالجة أمراضِه آلروحية. وتدعوه إلى أن يُقيم لنفسه أصوامًا خاصَّة به يُواجهُ بها حاجاتِه آو أخطاءَه التي لا تليقُ به، كونُه عُضوًا في جسد آلمسيح وشاهدًا له بحياة طاهرة نقية. لم يُصلَب آلمسيح ليُوَّفر لأَحّبائِه لحمًا أو سمكًأ. لقد وفرَّها بغزارة. ولم تسُّن آلكنيسةُ آلصيام أو آلقطاعة لتغيير وجبات آلطعام. بل تضع بين أيدينا سلاحًا قوّيًا لنضمن مع آلمسيح مجدًا أبديًا في آلسماء وراحَةً نتوق إليها ولا يَضمنُها لنا لا آلطعامُ ولا آلثروة ولا جاهُ آلعالم. لذا لا يُقاسُ آلصوم بمواده آلزمنية ، بل بأهدافِه آلروحية من أجل آلحياة آلأبدية.