أهلا وسهلا بالأخ غيث عرشات
قرأَ الأخ غيث في رسالة يوحنا الأولى 5: 16-18 ، وسألَ :
1- ما هي الخطيئة التي تُؤَّدي للموت، والخطيئة التي لا تُؤَدي للموت ؟. ونحن نعلم أنَّ ” كلَّ إثم هو خطيئة ، وأجرةُ الخطيئة هي الموت ؟.
2- فرَضًا شخصٌ أخطأَ، وخطيئته ليست للموت، وتوُّفِيَّ الشخص. أينَ يذهب بعد الموت، إِن كان قومٌ لا يعترفون بالمطهر؟.
موتًا تموت !
هكذا حذَّرَ اللهُ آدمَ أبَ البشرية من أكل ثمرة ” شجرةِ معرفةِ الخير والشَّر” قائلاً له :” فيومَ تأكلُ منها موتًا تموت ” (تك: 2: 17). وأكلَ آدمُ فعلاً من تلك الشجرة. لكنَّه لم يمُتْ موتَ الجسد، لا هو ولا حوَّاء. ما حدَثَ هو أنَّه خسرَ إقامتَه مع الله في الفردوس، إِذ طُرِدَ منه، و حُرِمَ بذلك حياةَ المجدِ والزهو والراحةِ والرفاهية والهناء (تك3: 17-18، 23-24). الموتُ عنى إذًا القطيعةَ مع الله وحرمانَ خيراتِه. وهذا يعني التعاسةُ والشقاء والعذاب، أي الهلاك. لم يسمع كلام الله فأخطأَ. ولمَّا أخطأ ولم يتُب ماتَ عن الله. أدَّتْ خطيئتُه للموت.
الخطيئة الممـيتة ؟.
إذا طلبنا اليوم معرفة ما هي الخطيئة المميتة نسأل الكتاب. قال يوحنا ما قرأناه. يوحنا ينقلُ لنا ما تعَّلمه من يسوع. وفي نقاشٍ مع الفرّيسيين قال لهم يسوع :” أنا نور العالم. من يتبعني لا يمشي في الظلام… أنا لا أعملُ شيئًا من عندي ولا أقول إلاّ ما علَّمني الآب… ستموتون في خطاياكم إذا كنتم لا تؤمنون أَّني أنا هو” (يو8: 12-29). وصرَّح يسوعُ أمام بيلاطس أنَّه جاءَ ” ليشهدَ للحَّق” (يو18: 37). في الفردوس تكلَّم اللهُ غيرُ المنظور. أمَّا في المسيح فتكلمَ اللهُ المنظور، المتجَّسد. وقد قال عنه الآب :” هذا هو إبني الحبيب الذي به إرتضيتُ. له آسمعوا ” (متى17: 5). فالمسيح يسوع، أقواله وأفعاله، قياسُ الحَّق. وقبوله أو رفضُه يُقَّررُ موتَ الناس أو حياتَهم.
فالجحودُ مثلاً والهرطقات أي ناسٌ يدَّعون الأيمان بالمسيح لكنَّهم يرفضونه فعلياً إِلَهًا، أي يرفضون التجَّسُد :” لا يمكن أن يكون إلَهًا وإنسانًا معًا. ولا يجوز المشاركة بين الإنسان و الله حتى ولو روحيًا “، هذه كانت هرطقة ” الغنّوصيين” والتي يُحاربُها يوحنا في رسالته. لأنَّه إذا لم يكن ممكنًا للأنسان أن يشتركَ في حياةِ الله فالأنسانُ ليس صورةَ الله وروحًا من نفسِه (تك2: 7)، وبالتالي لا يوجد تجَّسد. وكيفَ شاركَ الأنسانُ فردوسَ الله؟. هذا النكرانُ معصيةٌ، فهو إثمٌ مميتُ. هي خطيئةٌ : عبادةُ المال، العنفُ، القتلُ، الزنى، زواجُ المثلية ، الطلاقُ، الأجهاضُ، الكذبُ، الكبرياءُ …و ذكر بولس غيرها في رسائله (رم1: 18-232؛ أف5: 3-6؛ 2طيم3: 2-8).
على ايَّةِ حال ما دام اللهُ غفرَ لآدم بعدَ أن تابَ، عنه وعن نسله، إبنُه المسيح على الصليب و كفَّر عن خطيئته ، فكل خطيئةٍ قابلةٌ للغفران، إذا تاب عنها الخاطيء وطهَّر نفسَه من دنسها بالتكفير عنها. ما عدا ” الخطيئةُ ضد الروح القدس”. فقد قال الرب :” كلُّ خطيئةٍ وتجديفٍ يُغفَرُ للناس، حتى لو كان على إبن الأنسان، أمَّا التجديفُ على الروح القدس فلن يُغفَرَ لهم.. لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة “(متى12: 31-32). ومقاومةُ المسيح ورفضُه عن معرفةٍ وسبق إصرار دون توبة يُعتبرُ من هذا القبيل، كما أكده للفريسيين. لأنَّ الخطيئة ضد الروح القدس هي مقاومة الحق والخير والبر، ورفضُ الله كلّيًا ونهائيًا.
الخطايا غير المميتة !
قال الكتاب ” كلُّ معصيةٍ لله هي إثمٌ وخطيئة”، و” أجرة الخطيئة هي الموت” (رم6: 23؛ 2بط2: 15-16)). مع ذلك قال يوحنا أن كلَّ الخطايا لا تؤَّدي الى الموت لأنَّه ” اذا آعترفنا بخطايانا فالربُ أمينٌ وعادلٌ يغفرُ لنا خطايانا ويُطَهِّرُنا من كل شَّر”(1يو1: 9). والرب قال أنَّ كلَّ خطيئةٍ قابلة للغفران. وإذا غُفرَت خطيئةٌ فهي ليست بعدُ مميتة أي مهلكة. فمتى تُغفَرُ الخطيئة؟. بالتوبة. لصُّ اليمين آمنَ بالمسيح على الصليب وتابَ عن خطاياه فخلُصَ. إِنَّما للعلم : كَفَّرعنها أيضًا بآلامه القاسية. أما إذا تاب أحدٌ، كما قال السائل الكريم، وماتَ حالًا دون أن يُكَّفرَ عن خطاياهُ، ليتطَهَّرَ عن وسخها فما مصيرهُ؟. فهو إذا تابَ فلا موتَ له. لكنَّه إِذ لم يُكَّفر عنها كيف يدخل الملكوت؟. كيف يشتركُ في مجد الله وهو مُلَّبَسٌ بتبعاتِ خطاياه ؟. أين مصيرُه؟. قال السائل خاصَّةً : ” وإِن كان قومٌ لا يعترفون بالمطهر”؟.
هل يقررالله مصيرَ التائب غير النقي بناءًا على ما يؤمن به الناس أم بناءًا على رحمته و حكمته؟. أ لم يمُت المسيح عوضَ الأموات والأحياء؟. أ لم يُكَّفر عن ذنوب آدم ونسله؟. أين كانوا و هم لا يتمتعون مع الله بالرؤيا المجيدة؟. ومن أين قام الموتى الأبرار، الذين تابوا وماتوا و لم يتمتعوا بالملكوت؟ (متى27: 52-53). أتوا من حيثُ كانوا ينتظرون الخلاص مُكَّفرين عن ذنوبهم. هكذا من تاب ولم يلحق أن يُكَّفر عن ذنوبه ويتطهَّرَ عن تبعاتها يتألمُ لفترة ، بسبب عدم مشاركته مجد الله. وهذا ما نسَّميه المطهر. يتطَهَّرُ، في الآخرة (متى12: 32)، أصحابُ الذنوبِ المغفورةِ ليرتقوا بالقداسة الى مستوى قداسة الله، ليعاينوه ” وجهًا لوجه ” (1 كور13: 12). وقد شَوَّفَت مريمُ العذراء مشهَدًا من المطهر لرؤاة فاتيما سنة 1917 وطلبت أن يُصَّلوا من أجل نهاية آلامِ المتعَّذبين فيها ويعملوا إماتات تكفيرًا عنهم كي يدخلوا الملكوت. والكنيسة التي خوَّلها المسيح تعليمَ الناس درجت فعلمت منذ البداية تكريمَ الموتى والصلاةَ من أجلهم.