الأحد الخامس للصوم

تتلى علينا اليوم القراءات :   يش9: 15-27؛ تك16: 1-16 رم12: 1-21؛ يو7: 37-53

القـراءة : ايشوع 9 : 15 – 27 :– يحتالُ أهلُ جبعون على ايشوع فيُعطيهم الأمان. و لمَّا إكتشفَ حيلتَهم لمْ يتراجع عن وعدِه لكنَّه أقامهم خُدّامًا لشعبِ الله.

القـراءة البديلة : تكوين 16 : 1 – 16 :– إبراهيمُ شيخٌ وسارة عاقر فتُعطيه خادمَتَها، حسبَ شريعة حمورابي، لتُنجبَ نسلاً. حبلت هاجر وآحتقَرَتْ سَيِّدَتَها. عُوقِبَتْ فتمَرَّدَتْ، ثم أُعِيدَتْ الى الطاعة ليولَدَ إسماعيلُ بشكلٍ طبيعي.

الرسالة : رومية 12 : 1 – 21 :– المؤمنون متساوون، لا فضلَ لأَحدٍ على غيِرهِ. لكلِّ واحدٍ موهَبَةٌ خاصّة يُفَّعِلُها لخِدمةِ الكنيسةِ وأبنائِها.

الأنجـيل : يوحنا 7 : 37 – 53 :– جدالٌ وخلافٌ بين الكهنة والفِرّيسيين حولَ يسوع : هل هو المسيح أم لا؟. يُرَّكزون على أصلِه الوضيع أنَّه من الجليل فرفضوه. أمَّا الناس فآعتبَروا شخصَه، أقوالَه وأعمالَه، وآعترفوا به مسيحًا.

لِنَقْـرَأْ كلامَ الله بآنتباهٍ وثِقـة

الصلاة الطقسية

يقولُ الكتاب:” لكلِّ شيٍ أوانُ. ولكلِّ أمرٍ تحت السماء زمن”(جا3: 1). فللعيد زمنٌ وللصوم زمنٌ. وكما يقعُ الخطأُ أيضًا في زمن مُحَدَّد كذلك للتوبةِ عنه زمنٌ. فآستعدادًا لآحتفالات عيد القيامة والتوَّشُح بالحياة الآلهية تُسَّبقُه الكنيسة بفترة الموت عن حياة الجسد، أي التخَّلُص من الخطيئة وآثاِرِها، بالتوبة للمؤمنين القُدامى وبالمعمودية للمؤمنين الجدد الذين كانوا يعتمدون يوم سبت النور لينتقلوا من ظلمة الخطيئة الى نور النعمة. هذا الزمن كان ولا يزالُ هو” الصوم”. فالصوم زمن التوبة بشكل رسمي، يدعونا اليه المسيح، ونظَّمته لنا الكنيسةُ لتساعدَ أبناءَها على السلوك في نور الحَّق للسير نحو الحياة الأبدية التي ضمنتها لنا قيامة المسيح.  كما عَلَّمنا صومُه سلوكَ سبيلِ التجَّرُد عن الذات والأيمان بالله وسماع كلامه. إختار يسوعُ صومه بنفسِه دون أن يطلبَه منه أحد. فعلَّمنا ألا يكون صومنا إجباريًا، أي تفرُضُه علينا الطبيعة بأمراضها وآقتصادِها، بل أن يكون إختياريًا أي نفرح به ونؤَّديه كما تعرُضُه علينا الكنيسة بهدف تقديس ذواتنا بالإقتراب من الله.

الترانيم

1+ ترنيمة الرمش : ” قضَيْتُ كلَّ زمن حياتي بآضطرابِ تُرَّهاتِ هذا العالم وأفنيْتُه باطلًا.

     بحيثُ لم أوَّدْ أن أَستَعِّدَ ولو ساعةً واحدة لأَقتربَ الى حرثِ الكرم الروحي، فلا أَنتظرُ

     أن آخُذَ الأُجرةَ المُعَّدَة للأبرار. أسألُ منكَ وَإنْ كنتُ لا أستحِقُ غفرانَ جروحَ خطاياي

     الخفية. ولهذا، وقبلَ أن أقفَ أمام منبرك المُخيف وأُدانَ على آثامي بحكمك العادل، قُلْ

     كلمةً وأُشْفَى برحمتِك. يا راحم الناس المجدُ لك “*.

2+ ترنيمة المجلس : ” إنَّه الزمنُ لنتوبَ عن إثمِنا ونَنْدَم على كثرةِ شرورِنا. هاجت علينا

     خطايانا لتُبيدَنا. والعدلُ يلتمعُ كالسيف يُهَّددُنا بأنْ تمحُوَنا من الأرض بموتٍ خاطف و

     فجائي بحروبٍ وأخبار مليئةٍ بالحزنٍ. إذًا لنَعُد كلُّنا الى التوبة لنحيا حياةً هادئة ومريحة.

     ونلقى رحمةً يوم الدين “*.

3+ ترنيمة للمجلس : ” هذا زمانُ فيه يدعو المسيح بالصوم جميع الخطأة الى التوبة. هَلُّموا

     كلُّنا أن نتلَّقَ معًا وجهَ الله بالشكر والتسبيح والرحمة تجاه الفقراء. فالرَّبُ رحومٌ رؤوفٌ

     ويريدُ أنَّ الجميعَ يحيون “*.

     ܥܵܠܲܡ. فاتَ الزمن وآقتربَ الأجَلُ ولم أَفِ ذنوبي. وها أنا حاضرٌ لحكم القضاء وللنار

     التي لا تنطفي. لأني عملتُ باطلاً. لم أَفطَنْ لأُعِّدَ لنفسي دمعَ الحزن. دانني عدُّوي

     بآلام نفسي. لا تتركني أقعُ في اليأس، لأنَّ ذنوبي لا تُغتفر. أنتَ حنون وكثير المراحم

     فآرأَفْ بي برحمتك وترَّحم عليَّ “*.

+4 ترنيمة السهرة :” أُؤتُمِنتُ أنْ أعيشَ زمنًا قصيرًا في العالم. وهذا الزمن قضَيْتُه باطلاً.

     إِذ لمْ أقتنِ شيئًا مفيدًا. ليتَني إذْ لم أقتنِ لمْ أَخسرْ أيضًا. أسرعتُ فكَوَّمتُ لي خطايا كثيرة

     بقدر ما إستطعتُ أنْ أَحملَ ذنوبًا وعيوبا. فمن أخمصِ القدم إلى المُخ فَجّاتٌ وضربات.

     بك يا رب تُشفى أوجاعي، وبزوفاكَ تَبْيَّضُ كلومي. فآرحمني يا راحم البشر”*.

5+ ترنيمة المذبَح : “إنّه زمن الخلاص والرجاءُ بالله وأنْ نتخَلَّصَ من الخطايا والزّلات

     التي إقترفناها في هذا العالم حتى نتقَّبَلَ مغفرةَ الخطايا “.

     ܫܲܒܲܚ. كونوا كلَّ وقت ساهرين وأحقاؤُكم مشدودة ومصابيحُ أشِعَّتِكم مُضاءَة كلَّ حين.

     لتستَحِّقوا تلك الغبطة الموعودة للخُدّام الصالحين الذين جاءَ فوجدَهم ساهرين “*.

 

التعليم

أجمعت الترانيمُ أنَّ الصومَ زمنُ التوبة و وسيلتُه الأقوى. لأنَّ الجسد هو وسيلة الخطيئة عند الأستجابة لشهواته بشكل فوضويٍّ. ولأنَّ الصومَ هو لجمُ أهواء الجسد وتنظيمُ حاجاتِه حتى لا يسُّدَ دربَ الروح في النشاط الحيوي، فالصومُ يتطلبُ كسرَ الشهوة والأرادة لفسح المجال للبر أن يُزَّين نفسَ الأنسان. الصومُ يفترضُ الصلاة ولاسيما السهر، كما قال الرب، كي لا نقع في التجربة. ولذا شدَّدت الصلاة على أنَّ الصوم الحقيقي هو من الخطيئة لا من الطعام. ولا ينفعٌ صومٌ من الخبز إذا لم ننقطع عن الشَّر ولم نسُّد طريق الخطيئة.

نبَّهتنا الترنيمة رقم3 على جماعية الصوم. إننا لا نعيشُ الآن منعزلين. وأخطاءُ كثيرة نفعلها جماعيًا. وسنُعَّيدُ القيامة معًا. والحياة الأبدية تهدم كلَّ فاصلٍ بيننا، وتزيلُ كلَّ تمييز بين أبناء الله. نحيا كلنا معًا مع الله. لذا دعت الصلاة أن تكون توبتُـنا أيضًا جماعيةً نتعاون فيها كلُّنا بقدر الأمكان لنتخَّلص معًا من أسباب الخطيئة ونقترب معًا الى الله. الخطيئة عزلت الناسَ عن بعضِها. أمَّا المسيحُ فجاء ليجمعَ الأنسانيةَ كلَّها في بيت الله كرعِيَّةٍ في حضيرةٍ واحدة (يو10: 16). فقالت ترنيمةٌ أخرى مُرَّكِزّةً على الفعل الجماعي والمشترك للرعّية :” تعالوا كُلُّنا نتضَرَّع إليه، قبلَ أن نتَّحدَ أمامَه بموجِبِ حكمِه، ونطلب الغفران، ونتوَّسَل فنسأَلُه كُلُّنا غزارة رحمتِه “.

شددت الصلاةُ على إهمال المؤمن في إستعمال الزمن بشكل صحيح. والزمن لا يتكَّرر. إذا لم نستغله ونستثْمِرْه كما ينبغي سوف تفوتُ علينا فرصةُ ضمان الحياة الأبدية. فوقتُ التوبة يجب أن يسبقَ الموتَ وإلا نخسر الأبدية. لذا ألحَت الصلاةُ فذَكَّرت بأنَّ الصومَ زمنُ التوبة، كما ذكَّرت برحمة الله في هذه الحياة. أمَّا بعد الموت فنواجه سيف العدل والمحاسبة. فدعتنا الى التيَّقظ، قائلةً :” كونوا في كلِّ وقت ساهرين، أحقاؤُكم مشدودة ومصابيحُكم مُضاءة “.  تشجيعًا لنا تذكرنا فقرة المدراش بمثال دانيال النبي، الذي أحَّب الصوم حتى في شيخوخته فصام ثلاثة أسابيع على بعضِها (دا10: 2). وقالت : ” كان الصوم شهيًا عند دانيال. مثل إنسان عطشان الى الخمر. كان يُحِّبُ العِفَّةَ كما يحِّبُ الفاسقون الشراهة. خَبَزَ الصومَ وتقَوَّى فصام ثلاثة أسابيع، وآلتهبَ جمالُه من الشيخوخة. كان بهيًّا بسبب صومه *  لأنَّه أبغضَ شهوة الأكل صارَ بهّيًا للسماويين. ولأنَّه أحَّبَ الصوم والصلاة دُعيَ ” رجلَ الشهوة “. يا إخوتنا، ليكن لنا نحنُ أيضًا بشبه أيقونةٍ ، فنزهو مثله بالسهر والصوم الصلاة “*.

 

الصلاة

من جهةٍ لم تُخَّلف لنا الخطايا سوى ” الضيقِ والأضطرابات.. والشقاءِ والحسرات”. ومن أخرى يُسرعُ الزمنُ كما قالت ترنيمة :” زماننا قصير، كذلك مسيرة حياتنا تفوتنا مثل ظِلّ ونحن منه* فلا نخطأ إذًا بآمتلاك الزمن لأنه ليس لنا. ولا نفتخرْ بالأرضيات لأنها تبقى في الأرض”. عليه رفعتْ ترنيمةُ قانونا صلاتَها :” يا سَيِّدَ الأزمنةِ الذي في يده تقومُ الأزمنة ، أَزِلْ عنا الزمن الشِّرير الذي يُهَّددُنا * إقتربَ الزمن لآستئصال الأصنام، ولكي يُعبَدَ واحدٌ فقط : المسيحُ مُخَّلِصُ الكل “.

لا نيأسْ من خطايانا لأنَّ الربَّ يُمهِلُنا وينتظر توبتنا. قالت إحدى الطلبات :” بصومه علَّمَنا يسوع القداسَةَ فلم يُعاقِبْنا لأننا قضينا زماننا باطلاً “. ولا نخجَلْ أو نترَّدد فنتيه في أباطيل الزمن الزائل. بل شجَّعَتنا على التوبة بقولها :” إِهدأ أيُّها الخاطيء. لماذا تبكي؟. قلِّلْ من دموعِكَ فالرَّبُ يُحِّبُ صوت التائبِ ولحنَ ترانيمه * إِهدأْ ولا تبكِ ولا تقطع رجاءَك بالتوبة، لأنّي اُمَدِّدُ لك حياة الزمن إذا تُبتَ “. حرَّضتنا الصلاة ودعتنا ترنيمة المذبح الى التوبة و ضمنت لنا الغفران مُستندةً الى رحمة الله ورأفته، وصلَّتْ بآسمنا. لنُرَّدِدْ مع الكنيسة نحن أيضًا قائلين :” يا رَّب إنه زمن الرأفة والرحمة، فنتوَّسلُ إليك ونطلب أن إرحمنا. أيُّها الملك المسيح الذي صُلبتَ من أجلنا وعلَّمتنا أن نثق بك ونحن تائهون، وأظهرتَ لنا طريقَ الحَّق. هكذا أعطِ الكنائسَ ، في كل البلدان، وهي تلتجيءُ الى صليبك، النصر برحمتكَ من عُلاكَ. .. و كما أهدأتَ البحرَ وسَكَّنتَ إضطرابَه ليهدَأ برحمتِك العالمُ المُضطرِب. وآسنُدِ الخليقةَ المائلة الى السقوط بسبب ثِقَلِ إثمِنا “.