تابع الأخ نوري مناقشة الموضوع من وجهات نظر مختلفة عديدة، في مقالات متتالية بين 11- 20 /8 / 2010 وآستمررتُ معه لأبداء تعليم الكنيسة ورأيها ومُبَّرراتِها، ولماذا لا أوافقٌه الرأي في خَلقٍ جديد لحواء بعد فصلها عن آدم.
1. قلتَ : {{ إنَّ النفخةَ في حواء لا علاقةَ لها بـتوارث الخطيئة الأصلية ، لأنَّها نسمةٌ جديدة من الخالق ولا علاقةَ لها بروح آدم وحوّاء }}.
*و أنا أرى وأقول : ما هو دورُ هذه النفخة الجديدة إذن؟. وما طبيعتُها؟ ما نبنيه من إستنتاجات يجب أن يقومَ على أساس منطقٍ فلسفيٍّ سليم، أي تكون مقبولةً لأنَّها نتيجة حتمية لا بديلَ لها. 1+1=2 !. وما نرتأيه في شؤون الأيمان يجب أن يقومَ ويتماشى مع الوحي الذي أيَّده الكتاب المقدس وآستلمته الكنيسة، صاحبة العصمة في التعليم الألهي. لا يُبنى الأيمان على المنطق البشري، لأنَّه لا يتَّفقُ دومًا مع الحقيقة الألهية. ليس المنطق البشري وهو طريقة تفكيره في تفسير الأحداث الكونية ولتبرير أخلاقه ، متماشِيًا في أغلب الأحيان مع مشيئة الله ونواياه.
الشريعة الموسوية، القانون الوضعي لليهود، حكمت على الخاطيء بعقوبة الموت، أمَّا الله فرفض قتل المخالف وطلب إعطاءَه فرصة التوبة، لأنَّ البشر كلَّهم يخطأون. ومن يتوب يحيا. هكذا قال النبي حزقيال (حز18: 23)، وأكَّد الربُّ يسوع ذلك في خبر رجم الزانية (يو8: 3-11). ولمَّا أعلن يسوع للرسل ، بعد إعترافهم به أنَّه المسيح ابن الله الحي، عن آلامِه وقتله على يد اليهود ، إعترضَ بطرس على كلام الرب :” حاشا لك يا رب من هذا المصير” . لأنَّ اليهود يعتقدون بعدم موت المسيح ويعقدون عليه آمالا عريضة بإعادة أمجاد المملكة الظافرة للأبد. إستنكر يسوعُ إعتراضَ بطرس وكَذَّبَ إستنتاجَ فكرِه فرَدَّ عليه :” سِر خلفي يا شيطان. أنتَ عقبةٌ دوني. لأنَّ أفكارَك ليست أفكار الله بل هي أفكارُ البشر” (متى16: 21-23). كانت صورتهم عن المسيح خاطئة وكاذبة.
كانت نسمة آدم هي نسمة الحياة الروحية للأنسان :” وكان آدمُ الأنسانُ الأولُ نفسًا حَيَّةً ” (1كور15: 45). فماذا تعني أنتَ بـ” نفخة نسمةٍ جديدة في حواء”؟. إذا عنيت بها إعطاءَ موهبةٍ جديدة كما فعل المسيح مع الرسل وقال لهم ” إقبلوا الروح القدس” (يو20: 22)، فهذه النفخة يُعطيها الله لكل معَّمد عندما يقتبل سرَّ التثبيت، فيعطيه الروح القدس ليساعده على أن يسلك حسب مقتضى إيمانه. وهذه نفخة لا علاقة لها فعلا بالخطيئة الأصلية. ولم يحُّل الروح القدس على أحد قبل الرسل. ولا علاقة أيضًا لهذه النفخة بالروح الأنسانية الناطقة الخالدة التي يمتلكها كلُّ إنسان صورةٍ لله حتى المُلحد. ويُفترض أنَّ حواء وُلِدَت من آدم، الأنسان الكامل، وأنَّها إشتركت بالنفخة الأولى وهي ما تزالُ واحدة فيه. ولم يقبل ناقلُ الوحي أن يقول بأنَّ الله كرَّر تلك النفخة. ما السبب؟. لأنَّه يُعَّلمُ أن الرجل والمرأة ليسا إنسانين مختلفين، بل إنسانًا واحدًا منذ لحظة الخلق.
2. قلتَ : {{ القولُ : “ الروحُ غير مخلوقة لأُوغسطينوس بل مولودة، تتناقضُ مع تعليم الكنيسة. وقولُ: الله يخلقُ كلَّ نفسٍ روحانية يتناقضُ مع تعليم أوغسطينوس}}
*وأنا أرى وأقول : يبدو تناقضٌ ظاهري عند التدقيق في فهم عبارات ” الروح و الخلق”. ماذا تعني بالروح؟ وكيف تناقضُ كلمة روح غير مخلوقة ( بالنسبة الى حواء) مع تعليم الكنيسة ؟. بالنسبة الى الروح : هل هي النفس ؟ أم ماذا؟. المعروف والمُتَّفَقٌ عليه أنَّ النفس تعني الشخص:” النفسُ التي تخطأ هي وحدَها تموت”(حز18: 20). والنفس/الشخص روحٌ وجسد، حسب مكوناته المادية <الترابية> والروحية <نسمة الحياة> (تك2: 7). إنهما عنصران للناسوت المُتجَّسِد في كل فرد الذي يتمتع بالروح الوجودية والروح الناطقة.
أمَّا ما تُؤَّكدُ الكنيسة وتُشَّدد عليه فهو تفَوُّق الأنسان على بقية الكائنات، إِذ لا فناءَ له بل هو خالد، وأنَّه لم يوجَد من نفسِه بل مخلوقٌ من قبل الله، وتمَّ هذا في فعلٍ واحد كما قال الوحيُ :” فخلق اللهُ الأنسان على صورته. على صورةِ الله خلق البشر، ذكرًا وأُنثى خلقَهم” (تك1: 27). وعملُ الله واحدٌ لا يتكرر لأنَّه كامل.
فالمولودُ من الأبوين الأولين مخلوقٌ فيهما ولا يُخلق من جديد. لأنهَّ يتكَوَّن فيهما ومنهما، من نفس” الأضلاعِ ” التي خلقها الله وبكل خلايا مقَّومات الناسوت التي إمتدَّت من ” آدم ” (تك2: 21-22) ولا تزال تمتَّدُ الى كل إنسان. و الأبوان يُدعيان” والدين”، لأنَّهما يلدان ما وضعه الله فيهما. ويلدان طفلاً كاملاً، غير ناقص ، كما وُلِدَ يسوع من مريم وأخذ منها ناسوته ودُعِيَت” والدةِ الله”، مع أنَّها ليست هي إلَهًا و لا أعطت اللاهوت ليسوع. فوُلدَ منها ” إِلَهًا حَقًّا وإنسانًا حَقًّا، دون أن يحتاج الله أن يخلقَ لنفسه ناسوتًا جديدًا، أو نفخة روحية جديدة. فالناسوتُ مخلوقٌ مع آدم وفيه، ومنه يجري لكل إنسان حياةً روحية. وهكذا يلتقي أوغسطينوس بالكنيسة ويتَّفق مع تعليمها بأنَّ روح الفرد المولود من أبوين ليست مخلوقة من قبلهما، ولا خليقة جديدة من الله إضافةً للخلقة الأولى العامّة، بل إمتدادًا لعمل الله وتنفيذًا لمشيئته وقد توارثا إعطاءَها أو نقلها بالطبيعة كما ورثاها.
إنَّ الأمرَ الذي أعطاهُ الله للأنسان بالنُمُوِّ والتكاثر هو نفسُه المُعطَى للخلائق الحَيَّة كلَّها، من حيتانٍ ودبيبةٍ وزَحّافاتٍ وطيور:” أُنمي وآكثري”. فإِذا كانت كلُّ الخلائق الحَيَّة تُخَّلفُ مثلها كائنات حيَّة، حسب فصيلتها، بدون تدَّخلٍ إلهيٍّ جديد ، فلا غرابةَ أن يكون الأنسانُ أيضًا قادرًا على إنجابِ مثيل له دون تدَخُّلٍ إلهيٍّ جديد. وإذا لم يكن قادرًا على ذلك فكيف يكون صورَة حَقَّة لله ؟. فرأيُ أوغسطينوس يوافقُ الوحيَ الألهي كما جاءَ في الكتاب المقدَّس (تك 1: 21-22؛ 2: 7؛ رم5: 12-19). يجب التمييز بين المخلوق والمولود.
المخلوق هو فعل إلهي مباشر. أما المولود فهو تمديد فعل الله عى طريق المخلوق الأول. و هكذا نقول عن ناسوت يسوع المسيح ” مولودٌ غير مخلوق”، إلَهيًا وإنشانيًا. وُلِدَ أزليًا من الله :” أنا ولدت وجئتُ الى العالم” (يو18: 37)، ” خرجتُ من عند الآب وجئتُ الى العالم (يو16: 28)، و” لمَّا تمَّ الزمان أرسَلَ اللهُ إبنَه مولودًا من إمرأة ” (غل4: 4).