قساوة الله في العهد القديم !

أهلا وسهلا بالأخ فادي سركيس

يقول الأخ فادي ” نحن نعلم أنَّ الله هو إله الرحمة والمحبة. ولكن يُخَّيلُ لنا في العهد القديم أنه /: إلهٌ قاسٍ لا يلينُ ولا يعرفُ الشفقة والرحمة :” وأضاف :إن أمكن توضيحُ هذه الفكرة !

أعاقبُ ذنوب الآباء في الأبناء الى الجيل الـ 3 والـ 4 ! خر20: 5

عبارةٌ كهذه تهُّز ضمير من يقراُ في الأنجيل ،” يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون” (لو23: 34). ولكن الله لن يوصفَ على وقع آية أو آيتين. حتى الآية أعلاه تنتهي بـ” ممن يُبغضوني”!. أي لا يسامحُ اللهُ من يرفضُه ،يكرهُه ولا يُريدُه. ولا يُسامحُه يعني أنَّ الله لن يخضع لمشيئة الأشرار وليس مُلزَمًا أن يغفرَ لهم وهم لا يُريدون ذلك. بل يدعُهُم يواجهُون مصيرَهم الشقي مع من تبعوهم وفضلوهم عليه هو. فعلينا أن نفهم ما نقرأُه كما أراده الوحيُ الألهي. ولا يجوز أن تُحرمَنا العباراتُ والألفاظ البشرية عن ما يقصده الله. فالأبناءُ يتحملون ، شاؤوا أم أبوا، نتائج عقاب والديهم. لا يُقاصصُ الله الأبناء. ولكن إذا فقد الآباءُ ما يملكون ، أو أيَّدَهم أبناؤُهم في زلتهم، فسيتحمل الأبناء تداعيات تلك الزلة. إذا خسر والدٌ كل أملاكهِ وأموالِه لن يرثَ أبناؤُه عنه غير الفقرِ والذل. لقد أكَّد الله بأنه لا يُعاقبُ أحدًا بذنب غيرهِ. يقول: ” أدينُ كلَّ واحدٍ بحسب أفعالِهِ”(حز18: 30)،” كل واحد على طرقِه”(حز33: 20)، بل إنَّ ” النفسَ التي تخطأ هي وحدَها تموت. الأبنُ لا يحملُ إثمَ أبيه، والأبُ لا يحملُ إثمَ إبنِه “(حز 18: 20).

فهذا الله الذي يبدو أحيانا قاسيًا واجه الشعب المُلحد والمتذمر والمتمَرد والشرير(عد14: 2-27؛ 16: 3-14) بالغفران بناءًا على صلاة موسى وتوسلاته ، الذي ذكر الرب بقوله أنه بطيءٌ عن الغضب وكثيرُ الرحمة وغافرُ الذنبِ والأثم (خر34: 6-7)، فأضاف :” الآن إصفَح يا رب عن إثم هؤلاء الشعب لكثرةِ رحمتكَ، كما غفرتَ لهم من مصرَ الى هنا ” ؛ أجابه الرب ” صفحتُ بحسب قولك”(عد14: 19-20). لقد أخطأ الشعبُ كثيرًا أما الله فأبدى صبرَه فرحمَه و سامحه؟. لقد ملَّ الله من سوء تصرفات الشعب :” إلى متى يستهينُ بي هؤلاء الشعب؟ والى متى لا يؤمنون بي؟ رغم جميع المعجزات التي صنعتها فيما بينهم “؟ (عد14: 11). إنَّ الله عادلٌ وكريم حتى قال :” أُظهر رحمتي لألوف الأجيال الذين يُحّبونني ويحفظون وصاياي” (تث5: 10)؛ فليس اللوم على الله إن كان ” يجازي مُبغضيه فيبيدهم”. لأنه يبقى “إلَهًا غيوراً، نارًا آكلة “(خر20: 5؛ تث4: 24). بل يقع اللوم على الشعب الذي يحتقر الله ولا يتقيد بوعده له،” أنتم شعبٌ مقَّدَسٌ للرب.. آختاركم من بين الشعوب..فآعلموا أنَّ الربَّ الهَكم هو اللهُ ، الألهُ الأمين، يحفظ العهدَ و الرحمة لمحبيه والعاملين بوصاياهُ الى ألفِ جيل.. فإذا سمعتَ الأحكام وحفظتها وعملتَ بها .. يحفظُ الربُ إلهُك عهدَه لك ورحمتَه التي أقسمَ عليها لآبائك. .. فيحبُك.. ويباركُ ثمرة أحشائك وثمرة تربتِك..”(تث7: 6-14). الشعبُ هو قاسي القلب (خر33: 3)، ومتمردٌ وعنيد (تث9: 6-8). يرفضُ حبَّ الله ويأبى الأنصياع لأرشاداته لأنه يحُّنُ الى” قدور اللحم والقثاءِ” في مصر(خر16: 2-3).

لا يقفُ أحدٌ في وجهِكَ حتى تُفنيَهم ! تث7: 24 ؛ 1صم15: 3، 18

قولٌ يُحَّيرُ ويثيرُ السؤال:” هل يكونُ صاحبُ هذا القول هو نفسه الأله الرحوم والمسامح الذي قال :” لا تقاوموا من يُسيءُ اليكم “(متى5: 39)، و” آغفِروا يُغفرُ لكم”(لو6: 37)؟.

وقد لا يكون السائل خاطئًا وملامًا عندما يشعرُ بقسوةِ إلَـهٍ “لا يلين ولا يرحم”!.

مع ذلك علينا قبل كل شيء أن نتذَكَّرَ بأنَّ الكتاب تعليمٌ يريدُ أن يُهَّذبَ الناسَ ليردعَهم عن الشر و ينيرَ لهم درب الحق والحياة مع الله. وهذا الأسلوب التربوي يسمحُ للكاتبِ أن يُعَّبرَ عن وحي الله بشكلٍ يُؤَّثرُ في القاريء أو السامع.

ثم يريدُ الكاتبُ أن يُؤَّكدَ على أُبَـوَّةِ الله وقداستِه ورفضِه القاطع لمن لا يُريدُه ويُهينُه ويرفضُ الحَّق. وبهذا الهدف يعزو أحيانًا الى الله ما لا يُريدُهُ اللهُ نفسُه بل حتى نهى عنهُ. لكن الظرفَ والهدفَ المنشودَ من وراء التعبير يسمحان للكاتب أن يصوغَ عبارته التي تأتي ظاهريًا معاكسة لوصية الله، ولكنها تُحَّققُ باطنيًا خيرَ الأنسان وتضمنُ عدم ضلاله وفسادِه. مثلاً : جاءَ في وصية صموئيل النبي الى الملك شاول في حربه ضد بني عماليق:” إذهب وآضرِبْ بني عماليق وأهلِكْ جميعَ ما لهم ولا تعفُ عنهم. بل أقتل الرجالَ والنساءَ والأطفالَ والرُّضعَ والبقرَ والغنم والجمالَ والحميرَ”(1صم15: 3). ولما لم يتقيد شاول بالأمر لامه وفصَّلَ أمرَ الله كالآتي:” وقاتِل أولئك الأثمة حتى يفنوا،.. فلم تسمع لصوت الرب ” (آية 18).

ثابتٌ أنَّ اللهَ لا يُناقضُ نفسَه. وقد أوحى الى موسى وصيتَه الخامسة :” لا تقتُلْ”(خر20: 13 ؛ تث5: 17). فكيفَ يأمرُ الله بقتل منعه هو نفسُه؟. وإذا تأملنا النصَّ وغيره من أمثالِه كثيرة ، نلاحظُ أنَّ النبي أو القائد هو الذي يدَّعي وينسبُ الأمرَ الى الرب. وينسُبُه اليه ليُعطيَه قوةً أشد فيخضع له الشعب دون نقاشٍ أوجدال. هذا من جهة. ومن أخرى قد حرصَ اللهُ والقادة على قداسة الشعب، ولاحظوا ضعفَه أمام مباهج العالم التي تمارسها الشعوب الوثنية وميله الى الأقتداءِ بها وهذا يقود الى ضلاله وخطر فشل تكوين الشعب المقَدَّس، وإرادةُ الله هي القضاءُ على ضلالة الآلهة الأصنام، لذا نجدُ أوامرَ برفض كل علاقة مع الوثنيين ومحاولةِ زرع الأيمان بالله وكسب الأمم له. من هذا القبيل نقرأ :” لاتقطعوا معهم عهدًا. ولا تتحَّننوا عليهم. ولا تصاهروهم..لأنهم يرُدُّون بنيكم عن اتباع الرب فيعبدون آلهةً أخرى.. أهدموا مذابحَهم وحَّطموا أصنامهم وآقطعوا أوتادَ آلهتهم..فأنتم شعبٌ مقدس للرب..”(تث7: 2-6). وسبق فحدثَ وتحقق خوفُ القادة وتورطَ بنو أسرائيل فسجدوا لآلهة الوثنيين وتبعوا بعل فغور في زمن بلعام (عد25: 1-3).

وأخيرًا شعب الله في طور التكوين وعليه أن يتبعَ قائدًا واحدًا فلا يتحَّزبَ وينقسم على نفسِه وتتلاشى طموحاته. الشعوب المجاورة سبق لها وتكَّونت وصار لها حضارة وتراثٌ و جيشٌ فهي متحَّصنة وعلى أرضها، ولها كل مقومات البقاء والتأثيرعلى الآخرين. أما بنو اسرائيل فعوده ليّنٌ وهزيل فقد يتكَّسرُ لأول عاصفة تهُّبُ عليه. فآضطر القادة أن يأمروا دائما بآسم الله، وسامحهم الله على ذلك لقساوة قلبهم وغلاظة رقبتهم!. ولكنه سمح بذلك غيرة منهم على أن يكون للشعب قائد واحد هو الله فيُطيعوه (1صم15: 19-23)؛ ولاسيما لأجل حماية شعبه من خطر الأنزلاق الى الوثنية. وأيضا لأنَّ الوثنيين تمادوا كثيرا في إستهانتهم بالله وبالحق. فهم أثمة حان وقتُ عقابهم (1صم 15: 18؛ عد25: 16-18).

ليس لله سوى وجهٍ واحد يحمَّرُ ويثورعند الأثم والتمرد عليه، بينما يبتسمُ ويشعُ نورًا وراحةً عندما يرى أبناءَه يسلكون طريق الحياة. وعندئذ حتى لو أخطأوا فهو لن يُسمعهم غير الحب والحنان. هكذا تصَّرفَ مع موسى على الجبل الذي إستجابَ لأمره وتفاعل مع مشيئتِه، فقال: ” الرَّبُ الرَّبُ إلهٌ رحيمٌ حنون، بطيءٌ عن الغضبِ وكثيرُ المراحم والوفاء، يحفظُ الرحمة لأُلوفِ الأجيال، ويغفرُ الإثمَ والمعصية والخطيئة. ولا يُبْريءُ الأثيمَ ..” (خر34: 6-7).

القس بـول ربــان