عـيد عمـاد يسوع
عندما يقع عيد الميلاد ، أو الدنح ، أو الصليب يومَ الأحد ، يُعتبَرُ ذلك الأحدَ الأولَ من سابوعِهِ، مثل عيد القيامة أو العُنصُرة، من أجل أُسبوعِه الذي يلي العيد. فالأحد يتبعُه أسبوعٌ كامل. أما العيد فلا يتبُعُه نظامٌ عبادي. العيد مناسبةٌ يُحتفَلُ بها وينتهي. أما الأحد فهو أساس السنة الطقسية ويمتَّدُ فِعلُه الطقسي العبادي على أسبوعٍ كامل ضمن الإطار العام. أما بالنسبة الى تلاوة الصلاة فتتفَوَّقُ من كل بُد صلاةُ العيد على صلاة الأحد. لأنه عيد الرب. فيُصَّلى العيد على حسابِ الأحد !. للعلم !
تتلى علينا اليوم القراءات : اش4: 2-6+11: 1-5 ؛ طي2: 11- 3: 7 ؛ متى3: 1-17 2* الرسالة : طيطس 2 : 11 ـ 3 : 7 كلَّفَ بولس تلميذه الأسقف طيطس أن يُنَّظم جزيرة كريت ويقيمَ كهنةٍ في كلِّ مدينة ويُعلنَ التعليمَ الصحيح داعيًا منه أن يجعلَ من نفسِه ” قدوةً في حسنٍ السيرة، من سلامةٍ في العقيدة وفضلٍ وتعليم صحيح لا يناله لوم (طي2: 7)، وأن يُرشدَ كلَّ فئةٍ من المؤمنين لتحيا إيمانها في ظرفِها وموقعها الأجتماعي فتكون نورًا يهدي الغرباء الى الأيمان بالمسيح كي يتعَّلقوا ” في كلِّ شيء بتعليم اللهِ مُخَّلِصنا “(طي2: 10).
نعمة الله ينبوع الخلاص !
إعتقدَ اليهودُ أنَّ خلاصَهم متَوَّقفٌ على الشريعة. وآعتقدَ الوثنيون والمُلحدون أنَّ مبادئَ العالم هي ضمان الخلاص. وفي كريت، كما في كلِّ مكان بشَّرَ بها الرسلُ، تواجدَت الفئتان معا. فدعا بولسُ طيطسَ إلى التمَّسك بشِدَّة بالعقيدة المسيحية، الجديدة على جميع الناس، بأنَّ خلاصَهم لا يتعَّلقُ لا بالأنسان ولا بمبادِئِه الدنيوية، ولا حتى بإرادتِه. الخلاص نعمَةٌ مجّانية من الله. لمَّا أخطأ الأنسان منذ بدءِ وجودِه، لم يعتذر لله عن عدم ثقتِه به، ولا تنازلَ عن كبريائِه، فلم يعُدْ بعدَه قادرًا على تصحيح مسارحياتِه والمصالحة مع الله. لأنه إمَّا نكرَ وجودَ الله وإمَّا رفضَ أن يعترفَ بسيادةِ الله. إستمَرَّ يفتخرُ بنفسِه ويتكلُ على طاقاتِه. نسيَ حتى أن يعترفَ بخطإِه ولا خطربباله أن يتوب. ظلَّ يتمَرَّغُ في وحل غلطتِه. فتحَنَّنَ اللهُ عليه، وبادرَ إلى تدبير إنقاذِه من ورطتِه. باشر اللهُ بعلاجه، وسَلَّطَ الدواء على أصل الداء. الأنسانُ فاقدُ القدرة على التكفير عن آثامِه. وقداسة الله تنتظرُ فِديَةً لَتغسِلَه بها وتُطَّهرَه فيرتفعَ رأسُه من جديد أمام الله. فتجسَّد الله في شخص المسيح ، فقَدَّم بطاعته ذبيحة دمِه تكفيرا عن التَمَّرُدِ الأول، وقبلَ بلاهوتِه الفِدية وأعلن الغفران من فوق الصليب. فالمسيح هو الذبيحة، وأيضًا الغفران. لم يكن بوسع الأنسان أن يفعلَ ذلك. ولا أحد طلب ذلك. ولا كان التكفير والغفران ممكنًين بغير إراقةِ دم (عب9: 22). فبدم المسيح ” نالت كل معصية ومخالفة جزاءًا عادلاً” (عب2: 2). جادَ” يسوع بنفسِه من أجلنا ليَفتَديَنا من كلِّ إثمٍ ويُطَّهرَنا ويجعلَنا شعبَه الخاص ” (آية 14). وبالتالي غفر اللهُ للأنسان سوءَه ودعاه من جديد إلى مشاركةِ خيراتِه مع إبن جنسِه يسوع المسيخ المُخَّلص. وهذه نعمة من الله لم يستحِقها إنسانٌ أبدًا. ولا قدرَ على تدبيرها.
خَلَّصَنا بغسل الميلاد الثاني !
نُعَّيدُ اليوم عمادَ الرب يسوع. كان يوحنا يُعَّمد للتوبة ويدعو المُعتمدين أن يُثمروا كما يليقُ بتوبتهم (متى3: 7-11)، وذهبَ إليه يسوع فدخل الماء تائبًا!. عن ماذا؟ عن خطيئة الأنسان . دخل الماءَ خاطئًا، مرذولاً مُبعَدًا، وآغتسلَ فيه وخرج منه وقد إنفتح أمامه باب الفردوس السمائ المغلوق. تقَّدَسَ به ناسوتنا فخرج، بعدَ العماد، إنسانًا جديدًا، وُلِدَ من الماء، قال عنه الله ” هذا هو إبني الحبيب الذي عنه رضيتُ ” (متى3: 17). ولد يسوع طبيعيًا من الأنسان ، وها هو الآن يلدُ روحيًا من الله. عمادُه يعني تطهيره من وسخ الخطيئة وصيرورتُه ” إبنًا لله”. وعلى هذا المثال سيؤَّكدُ يسوع لنيقوديمس أنَّه لا تكفي الولادة بالجسد من الوالدين ، بل يحتاج كلُّ من يريدُ أن يكون إبنًا لله أن يلدَ ” من الله ” بالماء والروح (يو3: 3-5). سيطلبُ من الرسل أيضًا أن يُعَّمدوا، يغسلوا بنار الروح المُطَّهرة، كلَّ من يؤمن به على أيديهم. و من يعتمد يضمن لنفسِه سلوك طريق الحياة. هكذا تنطلقُ نعمة الخلاص من الأيمان بيسوع والعماد بآسمه. فعماد المسيح رمزٌ ونموذجٌ لعماد الأنسان التوبوي. بعماده هيَّأَ الأنسان ليقبلَ نعمة الله. وعمادُ المؤمن هو قبول هذه النعمة التي تفتح له من جديد باب القردوس المسدود. لم تقوَ الشريعة أن تفتحَ طريق جَّنةِ الله، رغم كلِّ قرابينها و ذبائحها. ظلَّ طريق قدس النعيم مُغلَقًا ومحروسًا بشِدَّة (عب9: 8-9). كسرالمسيح أقفاله بتوبة المعمودية ودخله بقيامته بعد تقديم ذبيحة دمه الفدائية بطاعته حتى الصلب. وتركه مفتوحًا لكلِّ من يتوبُ بالعماد ويتجَدَّد في السلوك المستقيم، فيرضى عنه الله.
الحريص على الأعمال الصالحة !
هل تكفي المعمودية وحدَها؟. لا يبدو. أكَّد بولس في رسالتِه أن ثمارَ التوبةِ بالعماد هي ” التجديد الآتي من الروح القدس”. والتجديد يظهرُ في سلوك الأنسان الفعلي اليومي. وأكَّد بولس أيضًا أنَّ من تطَّهرَ بالعماد وتقَّدس يُصبحُ ” شعبَ المسيح الخاص، الحريص على الأعمال الصالحة “. فالله قد خلقنا لنمارسها. فال الرسول: ” نحن خليقة الله، خُلِقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة، التي أَعَّدَها الله لنا من قَبلُ لنسلُكَ فيها” (أف2: 10). إنَّها الأعمال التي تشهد لفاعلية المعمودية. قال يسوع عن تلاميذه أنهم أصبحوا نورًا يُضيئون الحَّق، ومِلحًا يُطَّيبون بأعمال قداسةِ البر ويُرَّيحون العلاقات الأجتماعية. وخاصَّةً ” خميرة ” يُغَّيرون حياة العالم وأهله، الفاسدة والمؤلمة، ويُطَّعمونها بالمحبة والتآخي والتعاون و التسامح نابذين كلَّ خبثٍ أو حسدٍ أو حِقدٍ. وبكلمة سامعين كلام الله وملتزمين به، كما فعل يسوع نفسُه (يو8: 29).
هكذا تكَلَّم !
ذكَّر الرسولُ طيطسَ بألا ينسى فيُنَّبه المؤمنين إلى هذا كلِّه فيُذَّكرُهم ” أن يكونوا متأَّهبين لكلِّ عملٍ صالح”. وسيَلِّحُ بشِدَّة على هذا فيقول: ” أُريدُ أن تكون قاطعًا في هذا الأمر. ليَنصرف المؤمنون بالله إلى القيام بالعمل الصالح. فهذا حسَنٌ ومُفيدٌ للناس” (طي2: 8). إنَّ رسولَ المسيح، بل وكلَّ مُعَّمَدٍ بآسمه، لم ينَل نعمة الخلاص ليحتكِرَها لنفسِه ويطمرَ وزنة الرب (متى25: 24-30). إن كان ” نورًا ومِلحًا وخميرةً ” فعليه أن يشُّعَ ذلك في سيرته الأجتماعية لكي” يرى الناس أعماله فيُمَّجدوا الآبَ السماوي” (متى5: 16). قبل أن يعتمد يسوع لم يكن أحدٌ يعرفُه، حتى ولا يوحنا المعمدان. ولكن ما أن إعتمد وبدأَ يُبَّشرُ بملكوت الحق والبر إنتشر خبرُه وأصبح موضوع حديث الساعة لكل الناس. لا فقط بسبب آياتِه المُعجزة. بل بنوع خاص بسبب سلوكه الذي لم يكن مثل الفرّيسيين والكتبة ولا مثل أهل العالم. بل إمتاز بالأعمال الصالحة حتى دُعي” المعَّلم الصالح” (متى19: 16) ، ولم يقدر أحدٌ أن يُثَّبتَ عليه خطيئة (يو8: 46). ولمْ يجدوا حتى في محاكمته شهادةً، حتى لو مُزَّوَرة، ليدينوه بأعمال سَيِّئة (متى26: 59-60). فالمعمودية إذن تضعُ المُعَّمَد على طريق النعمة. تجعله إبنًا لله وتزَّوده بالروح الألهي لكي يعيش حياة ” أبناءِ الله ” على الأرض. هذا هو التجديد الذي يحصلُ للمُعَّمد بقوَّة الروح القدس. لم يبقَ المُعَّمَدُ مُقَّيَدًا بنير الخطيئة. بل تحَرَّرَ منه وآغتسَلَ حتى من آثارِه. لقد بَرَّرَه الله،” بيسوع المسيح مُخَّلِصِنا “وألبسَه بدلة الُحرّية والكرامة، ومَيَّزَه بخاتم السيادة. كان مائتًا بالخطيئة فعاشَ بالنعمة، وكان تائهًا في برّية السوء فوُجد،َ إذ إكتشَفَ طريق النجاة، وتعافى (لو15: 22-23).