الأحـد الأول للـدنـح !

.*. يُحتفل به هذه السنة مع عيد الدنح ، والأسبوع الذي يليه يتبَعُه ويحمل إسمَه.

تتلى علينا اليوم القراءات : خر3: 1-15 ؛ 2طيم3: 1-15 ؛ لو4: 14-30

الرسالة : 2 طيمثاوس 3 : 1 ـ 15

بعدَ أن أبدى تعليماته ونصائحه لطيمثاوس، وهي بمثابة وصِيَّتِه الأخيرة، إنتقل بولس في رسالته إلى الأهتمام بتلاميذ المسيح في المستقبل، وبنوع خاص من يكونون بعيدين في الزمن عن بداية المسيحية وقريبين من نهاية الحياة الزمنية، فيكشفُ لهم ما بلَّغه به الوحيُ ليعرفوا كيف يتفاعلون للبقاء أُمناءَ للمسيح ولتعليمه فيضمنون إكليل المجد الموعود للذين ” يشتاقون ظهوره” (2طيم4: 8). سبق وذكَّر بولس أهل تسالونيقي بأنَّ الأزمنة الأخيرة سيُخَّيم عليها أولا الإلحاد والأرتدادُ عن الدين إذ سينشُطُ ” ابنُ الهلاك، الخصم الذي يُناصِبُ العِداءَ كلَّ من يحملُ اسمَ الله أو ما كان معبودًا” (2تس2: 4). وبما أنَّ طيمثاوس مُحَّررُ تلك الرسالة (2تس1: 1) فآكتفى بولس هنا بذكر نتائج ذينك الإلحاد والجحود ليُحَّذر منهما مؤمني كل الأجيال.

أزمنة عسيرة !

في زمن الإلحاد والجحود لن ينعم المؤمنون بالمسيح بالراحةِ والأستقرار وحرية ممارسةِ إيمانهم بشكل يُرَّيحُهم. وسيتألمون نفسيًا أكثر منه جسديًا إذ يشعرون أنَّ الناسَ يكرَهونهم. مع أنَّهم لا يؤذون أحدًا ولا يُقَّصرون بواجباتِهم ولا يتطاولون على أحد. إنَّما هي الأخلاقُ العَّامة قد تشَوَّهت. وصارت تسود بين الناس قِيَمٌ مُخالفة لروحية المسيح وتعليمِه. بينما دعا يسوع الى المحَّبة وأعطاها شعارًا فعلامة بها يتمّيَّز فيُعرَفُ الأنسانُ صورةُ الله، سيتنَّكرُ لها الناس ويُمَّجدون عوضَها الأنانية وحُبُّ المال. والأنانية تجُّرُ خلفَها سلسلة من التصَّرفات السَّيئة كالكبرياء والصلافة والأهانة ونكران الجميل. ومن يتصَّرفُون هكذا ” لا وِدَّ لهم ولا عهد “، ولا يعرفون معنًى لا للصلاح ولا للأمانة ولا للقناعة. ولا يفهمون لماذا يتجَّنبون الشهوات الرديئة. بل يُقَّدسون كلَّ شهوةٍ تُبعِدُهم عن الله. لقد تجَّندوا لأبليسَ” الذي قد إعتقَلهم ليجعلَهم رهن مشيئتِه “. وقد ذاق العالمُ، في العقودِ الأخيرة، طعمَ أمثال هؤلاء من المُخَّربين الذين لم يعرفوا غير الشهوةِ والحقد والأنانية، ولم يُخَّلفوا غيرالدمار.

يُقاومون الحَّـق !

في نفس الزمن سيضيعُ الحَّق. فالكرامة والعدالة والأنصاف و” الحَّق ” تبقى كلماتٍ مكتوبة تُقرأ ويُنادى فيُتغَّنى بها لكنها مؤَّطرة بإعلان : ” ليست للتطبيق”. ومن يكون صادقًا يُعتَبَرُ جاهلاً ومُتخَّلِفًا يسيرُ ضِدَّ التيَّار العام. والكنيسة تُذَّكرُ دومًا بهذا. لأنه لا يجوز لتلاميذ المسيح أن يقلقوا منه أو يخافوا. ولا سيما أن ينخدعوا بتلك المباديء المُضِّلة. وقد حَذَّرَنا المسيحُ منها وأنبأَ عن الحيَّة القديمة التي تتظاهرُ مع جوقِ عملائِها الدَجَّالين بأنهم تلاميذه الأصيلون، ويأتون بأعمال مُدهشة ومغرية تحاولُ بها إغواءَ حتى المُختارين (متى ف24). لكنهم يفشلون أمام صمود المؤمنين في نضالِهم من أجل الحَّق. فالمسيحي خميرةُ العالم لأنَّه نور وملح، لا ليتأثرَ من العالم بل ليُنير ويُطَّعمَ ويُخَّمرَإلى أن يَهديَ الرَّبُ أولئك الملحدين الدَجّالين والجاحدين بالنعمة. يقيسُ المؤمنُ حياتَه وجهادَه على المسيح. فهو لا يقسُرُ العالم وأبناءَه على إتباع الحق والخير. بل يعيش الحَّقَ ويصمدُ في البر ويُقَّدمُ عنها للعالم مثالاً واقعيًا يُغريهم ويدعوهم إلى أن ” يثوبوا عن رشدِهم فيعرفوا الحَّق و يفلتوا من شَرَكِ ابليس ويتبعوا المسيح” (2طيم2: 26).

يُظهرون التقوى !

لكن الخطرالحقيقي على المؤمن ليس من الخارج بل من الداخل، من الذين يعتبرون أنفسهم مؤمنين بالمسيح ويجفظون شريعتَه. الذين إعتمدوا بآسمه ويترَّددون إلى الكنائس للعبادة فيُبدون أنهم ” أتقياءُ “. من هؤلاء حَذَّر بولس قائلا :” إنَّهم يُظهرون التقوى ولكنَّهم يُنكرون قُـوَّتَها “. إنهم يقولون، مثل الفريسيين، ولا يفعلون. سيسودُ النفاقُ والرياء. فهؤلاء أيضًا دَجّالون مثل الفئة االسابقة ويُقاومون الحَّق ” لأنَّ ذهنهم فاسد، وهم غيرُ صالحين للأيمان”. الفرقُ بين الفئتين أنَّ الأولى تُعلن صراحةً إلحادها ومحاربتها للدين ومبادِئه، لأنها لا تخجلُ من الناس ولا تخافُ إلَهًا لا تؤمنُ به. أما الثانية المنافقة فإنَّها تغُّشُ وتكذبُ لأنها تعترفُ بوجود الله وبتعاليم المسيح لكنها لا تؤمن أنَّها تضمن حياة الأنسان بل تؤمن بما ” يؤمن به الجميع ويفعله “، تبعًا للقول: ” الحشرُ مع الناس عيدٌ”!. أي تؤمن بنفسِها وبحياتها الزمنية فقط وبتحقيق شهواتها ورغباتِها الدنيوية. إنهم يرسمون للمسيح صورةً تحلو لهم وتضمن مصالحهم وتُباركُ أفكارَهم وتُقَّدسُ ملّذاتهم. ويعزون الى المسيح تعاليم من سُنَنهم، أو يُفَّسرون تعليم المسيح كما يطيبُ لهم إذ يُؤَّيدُ ما تصبو اليه نفوسُهم.

ويُضيفون الى هذه أنهم يُقاومون من يتبع المسيح بإخلاص ويُحاولون إزاحَتهم عن طريقهم حتى لا يُوَّبخوا ضميرَهم. لن يفعلوا ذلك علنًا و وجهًا لوجه. بل بالخفيةِ فـ ” يأتونكم بلباس الحملان، لكنَّهم في الباطن ذئابٌ خاطفة “(متى7: 15). وقد تنبَّأَ فتحَدَّثَ عنهم بولس وحَذَّرَ منهم أهل أفسس ، قائلاً: ” خذوا الحذرَ لأنفسكم … أعلمُ أن سيدخلُ فيكم بعدَ، رحيلي، ذئابٌ خاطفة لا تُبقي على القطيع. ويقومُ من بينِكم أنفسِكم أُناسٌ ينطقون بالضلال ليقتادوا به التلاميذ في إثرِهم” (أع20: 28-31). إنَّ المسيحي الحقيقي لا يبحث، بآسم المسيح، عن مصالح دنيوية أو جسدية محضة، بل يقتدي بالمسيح. ويراهُ أهل العالم ” شاذًّا ” فخطرًا، لذا يُحاربونه. ولهذا قال الرسول :” كُلًّ من أرادَ أن يحيا في المسيح حياة التقوى أصابه الإضطهاد “. أمَّا أولئك الدَّجالون فيتباهون بسلوكهم ويدَّعون أنَّه من فكر المسيح الأصيل. إِنهم يخدعون الناس. لكنهم ينتهون فيكتشفون أنَّهم همُ المخدوعون. وتنَّبُؤُ بولس هذا وتحذيرُه لم يكن لمن وجَّه الكلام اليهم فقط. بل لجميع تلاميذ المسيح جيلاً بعد جيل. لأنَّ مار بولس يكتبُ لأسقفٍ يحملُ تعليم المسيح وينقله الى الأجيال التالية قائلاً : ” أناشِدُك في حضرة الله والمسيح .. أنْ أعلِنْ كلامَ الله وأَلِحَّ فيه ، في وقتِه وفي غير وقتِه ، و وَّبِخْ وأَنذِرْ وعِظْ بصبرٍ جميل ورغبةٍ في التعليم. فسيأتي يومٌ لا يحتملُ فيه الناسُ التعليمَ الصحيح ” (2طيم4: 1-2).