بين عماد يسوع وظهوره

أهلا وسهلا بالأخ الشماس متي إسماعيل

يعيشُ الشماس متي في بيئة لاتينية، وهو كلداني، ويحِّبُ أن يستمرَّ في خدمة المذبح فيندهشُ أحيانًا للإختلافات الطقسية لأنه لم يتعَّود عليها ولم ينل ثقافة ليترجية عامّة ليُمَّيز الخصوصيات الفردية لكل طقس. كان رُبَّما يتصَّور أن كلَّ الطقوس والأعياد هي نفسُها في الكنيسة الجامعة، أي في كلِّ الكنائس المحَّلية كان الأمر كذلك في بدء المسيحية، أي في عهدِ الرسل. كانوا يشتركون مع اليهود، كلَّ يوم، في الصلاة الطقسية (أع2: 46؛ 3: 1)، لكنَّهم يلتقون وحدهم” في البيوت، مداومين على الأستماع إلى تعليم الرسل وعلى الحياة المشتركة وكسر الخبز والصلاة” (أع2: 42-47). ولمَّا كثرَ عدد المؤمنين بيسوع وبدأ عِداءُ اليهودِ للرسل ثم للمسيحية عامَّةً إبتعدت المسيحية عن الهيكل وطقوسه وصاروا يُنَّظمون لقاءاتهم الروحية مُستعملين الكتاب المقدس ، و مستنبطين جوهر الصلاة من أيمانهم وروحية يسوع المسيح. فآنفصلت عن اليهودية ولكنها ظلت متأثرة بتراثها الروحي مُقلَّدَةً كثيرًا من الطقوس القديمة التي لم يروا فيها لا آختلافًا ولا معارضة للأيمان الجديد. بعدَ ذلك صارت كلُّ “كنيسة محلية ” تُنَّظم عبادتها متأَثرين بغيرهم ويتمَّيزون عنهم بخصوصية تدُّلُ على حيوية إيمانهم وعُمقِه وعلى نباهة فكرهم ولاسيما على إهتمامهم بالتعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم الخاصّة، عن ذواتهم. وقِس عليها نمو الليترجيات وتطورها في أصقاع بعيدة وظروفٍ خاصّة وعقليات وثقافات مختلفة أدَّت إلى تشكيل الطقوس العديدة، والتي هي بذاتها غِنًى للكنيسة، بها تؤَّدي كلُّ مجموعة إنسانية عبادتها في تسبيحها لله حسب عقليتها وظروفها إستنادًا إلى ذلك وتبَعًا لآنقسام الأمبراطورية الرومانية الى ولايتين : غربية وشرقية ، تكَّونت الليترجية اللاتينية في الغرب وليترجيات شرقية عديدة في الشرق حسب إختلاف لغات وثقافات شعوبها العديدة، ومنها ليترجية كنيسة المشرق المعروفة اليوم بالكلدانية والآثورية، وفيها إختلافات جمَّة عن الليترجية اللاتينية لا بالأيمان بل بالذهنية ونظام العبادة. وكمثال على ذلك: تنقسم السنة الطقسية عند اللاتين الى ثلاثة أجزاء : البشارة والميلاد مع عماد المسيح، ثم الصوم والقيامة، وقبل الصوم وبعد القيامة آحاد السنة في تسلسل رقمي. ويُحتفلُ بالأعياد بطريقة تتابعية للأعياد المارانية مع حساب خاص للفترة التأريخية الواقعة بينها. مثلا: بين عيد البشارة والميلاد تسعة أشهر، وبين الميلاد وتقدمة يسوع أربعون يومًا، ومثلها غيرها، وتحتفل في الصوم بالأعياد أمَّا كنيسة المشرق فقد تنظمت على غرار السنة البابلية الى ثمانية أقسام تُسَّمى السوابيع، و تتخلَّلُها الأعياد حسب تسلسل حدوثها في التأريخ دون التقيد بعدد الأيام الفاصل بين أحدها والذي يليها. والسوابيع تتكون من عدد من آحاد. السابوع الأول ـ البشارة ـ والأخير ـ تقديس الكنيسة ـ يتكون كل واحد منهما من أربعة آحاد {صليب بدء السنة وصليب ختامها}. وبقية السوابيع الستة يتكون كل واحد منها من سبعة آحاد. ولا تحتفل في الصوم بأي عيد. مع إختلافات أخرى عديدة بين الليترجيتين. أمَّا عيدا مار يوسف والبشارة فكانا دخيلين على الطقس بتأثير الكنيسة اللاتينية، وقد أعادهما المجمع الكلداني سنة 1967م الى محّلهما الأصلي، قبل عيد الميلاد

فصلٌ بين عماد المسيح وظهور لاهوته

هذا كان سؤال الشماس متي. قال:” يحتفلُ اللاتين بعماد الرب في الأحد الذي يلي السادس من كانون الثاني. يطلقون عليه اسم ” عيد الظهور” دِنْحا ܕܸܢܚܵܐ “. نعلم أنَّ آلوهية المسيح ظهرت يوم العماد. لماذا هذا الفصل بين الحدثين” ؟

كان لابد من المقدمة لفهم الأختلافات الواردة بين الطقوس الكنسية العديدة والمختلفة عن بعضِها. بدءًا لا يوجد فصلٌ بين عماد المسيح وظهور لاهوته. لأنَّه حتى في الطقس الكلداني هكذا تجري الأمور. في 6/ كانون الثاني نحتفل بعماد المسيح ونُسَّميه بعيد الظهور . بالحقيقة يظهر وينكشفُ في عماد المسيح سِرُّ الثالوث الأقدس. بجانب لاهوت المسيح بصفته أقنوم الأبن في الثالوث شَدَّد الأنجيل على أن يسوع إعتمد كتائبٍ بآسم البشرية الخاطئة. إعترف بخطيئة البشرية في آدم وتاب عن رفض الأنسان الطاعة لكلام الله. لم يعتمد كإله وهو قدوسٌ ولا كمسيح وهو لم يخطأ ولا حتى يُعلن لاهوتَه. وإلا لكان سمع من يوحنا وما رفضَ، ضِمنيًا، أن يُعلنه يوحنا للجماهير المتقاطرة عنده لعماد التوبة. لم يعرف أحدٌ منهم هوية يسوع الألهية. يبدأ فيكشفه بعده لتلاميذه الذين ينتظرونه فعلا مسيحًا مُخَّلِصًا لا محَّررًا سياسيًا إحتفلَ الشرقُ بعماد المسيح وظهوره للناس، بعد فترة إختفائه عن الأنظار لأكثر من ثلاثين سنة. لم يحتفل الشرق بميلاد المسيح كما إحتفلَ به الغرب. والسبب أن الغرب عيَّد لميلاد الأله الشمس. و دحضًا لهذه الهرطقة شَدَّدت الكنيسة على لاهوت المسيح وملوكيته، وأنَّ الشمسَ وغيرها من الآلهة الوثنية ليست سوى خلائق. فبعد ميلاد يسوع عَيَّدَ الغربُ ملوكيته في 6/ كانون على يد المجوس، ثم عماده وآعتلانه للناس. تبَّنى الشرق عيد الميلاد في القرن الثالث أو الرابع الميلادي فقط وآحتفل بقدوم المجوس ثم عماد المسيح. فبينما عظَّم الطقس الغربي في الأحتفال بعيد الميلاد عظَّم الطقسُ الشرقي الأحتفال بعيد العماد ، ويتفقان معًا على إبراز إعلان سر الثالوث الأقدس

القس بـول ربــان