أهلا وسهلا بالأخ ليث كَــني
سأل الأخ ليث لماذا إعتبر الله أقوامًا آمنين وبعيدين عن موطن اليهود أعداءَ لهم، بالرغم من أنَّ الفلسطيين لم يُلحقوا أدنى أذًى باليهود. في حين ترك الله المصريين، وفرعون تحديدًا، ولم يُصَّنفهم أعداء لليهود .. وما ذنبُ الفلسطيين لكي يُبادوا بهذا الشكل وبأمر من خالقِهم ؟. وأضاف سؤالاً ثانيًا : لماذا لم يُهَّييء أرضَ سيناء جنَّة خلدٍ لمن إعتبرهم شعبَه المختار، وكفاهم شرَّ القتال وكفى القوم الآخرين شر الإبادة الجماعية ؟
لماذا يُعتَبر الفلسطيون أعداءًا !
إنَّ كلمة ” عدو” في نصوص التوراة، أي الأسفارالخمسة الأولى من الكتاب المقدس، لا تعني حرفيًا ما تعنيه لنا نحن اليوم. إنَّ الله بحكمته خصَّص أرض كنعان، فلسطين اليوم، لآبراهيم ثم ليعقوبَ { إسرائيل } ونسله. ولما بدأ الشعبُ يُضطهدُ ويتألم في غربة مصر قرر الله تحريره من عبوديته وإعادته إلى البلد الذي خصَّصَه له. أما لماذا إختار الله هذه الأرض وأخرجَ إبراهيم من العراق الذي هو أفضل من فلسطين فتلك حكمته وله مُبَّرره الألهي. بل لا يحتاجُ الله الى تبرير أفعاله وتوزيع أرضِه وخيراته مادام هي ملكه وهو خالقها وموجدها (مز24: 1). أ ليس الله حُرًاٌ في التصَّرفِ فيها (متى20: 15)؟. ” أ تقول الجبلة لجابلها لماذا جبلتني هكذا ؟” (رم9: 20). إذا كان الله ” سيّد الحياة والموت” (حك 16: 13)، فيميتُ ويحيي من يشاء (1صم2: 6) فهل يحُّق للأنسان أن يعترض على نظام الله وأحكامه لأنه لا يفهم لماذا يتصرف الله بشكل لا يستوعبه؟. أما هكذا فعل أيوب فأجابه الله :” من هذا الذي يُغَّلفُ مشورتي بأقوال تخلو من كل معرفة؟” (اي38: 1)، مضيفًا ” أ حَقًّا تريد أن تنقضَ حكمي وأن تدينني لتُبَّررَ نفسَكَ “؟ (اي40: 7). لا أفكارُ الله ولا طرقُه هي مثل ما البشر(اش55: 8-9).
وللعلم ليس الله من وصف تلك الشعب بـ ” أعداء”. بل هو الشعبُ الذي وصَفهم هكذا (عدد 14: 3) لأنه كان عليه أن يستعيد منهم ما وهبه الله له وآستولوا عليه. وبما أنهم ما كانوا يتنازلون له عن موطنهم، أو مجَّرد ما كانوا يسمحون له بالعبور من حدودهم (تث2: 26-34؛ 3: 1-9)، كان عليه أن يحاربهم لأنهم عادوه هم أولا. وفي الحرب طبعًا أذيةٌ كبيرة لشعب الله أيضا إذ تُزهقُ منه أرواحٌ كثيرة وسواعد هو بحاجة اليها في المستقبل.
مع ذلك يجب أن ننتبه بأنَّ تلك الشعوب وثنية تعبد الأصنام. تلك إهانة كبيرة لعقل الأنسان. كيف يصنع بيده تمثالا من خشب أو حديد ، لا روح له ولا حياة ولا قوة ولا فكر، ثم يعبُده كخالقٍ له ويستشيره ويطلب حمايتَه وعونه؟. إنه منتهى الجهل والغباء. ولذا جاءت أولى وصايا الله أنه هو وحده الله ولا إلَه غيرَه ويجب لا فقط نبذ الأصنام بل القضاء على عبادتها ومحاربة كلَّ من يكَّرمها. والكتاب لا يني أن يُحَّذر الشعب من ذلك ويدعوه الى محاربة الوثنية. ولذا من يتمسَّك بها هو ” عدوٌّ” لله ولشعب الله. أما عن مصر وفرعونها من يقول بأن الكتابَ لم “يُصَّنفهم كعدو لليهود”؟. لنقرأ ما جاء في الكتاب :” نظرتُ الى معاناةِ شعبي الذين في مصر.. ها صراخُ بني إسرائيل وصلَ إليَّ و رأيتُ كيفَ يجورُ المصريون عليهم. فتعالَ أرسلك الى فرعون لتخرج شعبي من مصر..” ويضيفُ :” أنا أعلم أن ملك مصر لا يدعكم تذهبون إلا إذا أجبرته يدٌ قوية. لذلك أمُدُّ يدي وأضربُ مصر.” (خر3: 7-10، 19-20). وبعده يقول أيضا :” أنا أنقذكم من عبوديتهم. وأرفع ذراعي وأنزل بهم أحكامًا رهيبة ” (خر6: 2-7). وهل يحتاج الكاتب، بعد كلِّ هذا، أن يقول بأن فرعون وشعبُه كانوا عدُّوًا لليهود و أذوهم كثيرًا؟.
سيناء جَنَّة خلدٍ لليهود ؟؟؟
الأنسان يخططُ لمدى قريب وعلى مساحةٍ محدودة من الكون، وما يعمله اليوم يبدو بعد زمن قصير غير كاملٍ وأنه يوجد تصميم أفضل منه يريح وينفعٌ أكثر من الأول. لأن علم الأنسان محدود في رؤيته وإمكاناته. ولاسيما يجهل ما يُبطنه المستقبل. أما الله فمخططه أزليٌ مبنيٌّ على حكمته وعلى حاجة الأنسان وراحته، لا لزمن محدود بل لمدى الحياة. فللكون جغرافيته الخاصة وتضاريسه وعناصره كلّها منظمة بشكل تفي حاجة الأنسان مدى الأزمان. لكل بقعةٍ من الأرض خصوصيتها تؤدي خدمة معَّينة للبشرية جمعاء. فالكون يسكنه الأنسان ويستثمره.
أما أن تكون إعادة توطين اليهود في فلسطين كلَّفَت سفكَ دماءٍ غزيرة بريئة، وبأمر الله، لا بالسهولة يمكن تثبيتُه. عند الطوفان تدخل الله خصيصًا لأجل إنقاذ ثمانية أشخاص فقط الذين آمنوا و وثقوا به فسمعوا كلامه. كذلك في سدوم وعمورة لم يجد الله عشرة أبرياء ليُنقذ أهل المدينتين. ومن أجل أربعة أشخاص أرسل الله ملاكه فأنقذهم من الهلاك الذي جلبه عليهم شرُّهم وفسادُهم (تك18: 32؛ 19: 15-30). وليس الله من عاقب ودمَّر بل فساد الأنسان نفسه، لأنَّ الله ” لم يصنع الموت وهلاكُ الأحياء لا يسُّرُه. خلق كلَّ شيءٍ للبقاء.. والأشرار هم الذين جلبوا على أنفسهم الموت بأعمالهم وأقوالهم “(حك1: 13-16). أما الأبرياءُ من الشعوب والأتقياء” فيجدون الراحة وإن ماتوا شبابًا” (حك4: 7). فالحياة عند الله ليست بطول مدتها على الأرض، بل تقاس بقربها من الله أو بعدها عنه. فمن مات بريئًا يربح حياة مجد وراحة أبدية بالأضافة الى تحَّرُرِه من مصائب ومشَّقات الحياة الزمنية. فالأبرار من تلك الشعوب الوثنية ربحوا بموتهم في معارك إحتلال فلسطين من قبل اليهود.