أهلا وسهلاً بالأخ حسّان باكوس
كتب الأخ حسّان بخصوص قراءة الأنجيل بلغات في عيد مار اسطيفانوس، وعن الأحتفاء بجنازة الشماس الرسائلي مثل الكهنة في توديع الكنيسة ، وعن رسامة شماسات وما يجري في الساحة من إعتراضاتٍ أو رفض من قبل بعض الرعاة ، لاسيما والبابا قرر تحديث خدمة الشماسية للنساء، في الكنيسة اللاتينية، بدرجة قارئة و” مساعدات” (هوفديقن) لتفعيل دور المرأة المسيحية في الخدمة الكنسية الطقسية. وتساءَل :” هل ما يجري تقليدٌ أم طقسيٌ رسمي” ؟. ولما لاحظ إختلافًا بين قراراتٍ رسمية جماعية ومواقف فردية مضادّة ، سأل :” ما هو تفسير هذه التناقضات ” ؟.
مقـدمات !
قبل أن أبدأ بالرد على الأسئلة بالتفصيل أشرح بعضَ الأمور التي تخلق البلبلة وهي سبب ما يجري.
1+ الشماس :
كلمةٌ آرامية من ” شَمّاشا ܫܲܡܵܫܵܐ ” وتعني “الخادم”، وأُطلقتها القوانين الكنسية حَصْرًا على ” الشماس الأنجيلي” الذي هو أحد خدّام الكهنوت الثلاثة ” الأسقف ، الكاهن ، الشماس” ، الخادم كما سمّأه سفرأعمال الرسل (أع6: 2-4). تقول عنه القوانين أنَّه يخدم أمام الأسقف أو كاهن الرعية ويتعاون معه. أما بقية ” الشمامسة : الرسائليون و القارئون ” فهم أيضًا يخدمون في الكنيسة وتُسَّميهم القوانين” مْشَمْشانى ܡܫܲܡ̈ܫܵܢܹܐ “، أي” الخَـدَم “. لكن خدمتهم ليست كهنوتية. أمَّا المؤمنون فلمْ يُمَيِّزوا الفرق ، وآختلطت الأوراق عند الأكليروس. وعند عدم وجود شمامسة إنجيليين صار كلُّ خادم يطمع بصلاحياتهم ويصبو الى درجتهم.
الرسائلي :
عزت القوانين الى الشماس الرسائلي حينًا الإشرافَ على النظام داخل الكنيسة ولاسيما حراسة الأبواب من دخول الغرباء ، وإخراج من لا يحُّق لهم التناول (غير المعمَّدين ، غير المُثَّبَتين ، من لا يتناول ܡܵܢ ܕܠܵܐ ܫܩܝܠܵܐ ܠܹܗ …الخ). حتى منعته قوانين لسنة 430 م إستعمال الهرار داخل الهيكل !!. ثم كُلِّفَ بخدماتٍ أخرى. لكنه لا يقرأ. مجمع ربن هرمز سنة 1853م قرر، بسبب إختفاء الشماس الأنجيلي، أن يُنيطَ بالهوفديقن رسميًا خدمة القداس وقراءة الرسالة. فعند رسامته ” يوضع الهرار حول رقبته وكتفه الأيسر ويُسَّلمُ كتابَ الرسائل والمبخرة “، بينما يُسَّلمُ القاريءَ الكتابَ المقدس. إنَّما للعلم يتناوبُ، واقعيًا، القُرّاءُ والرسائليون في القراءاتِ والخدمةِ حسب قابليتهم. والقارئيةُ مؤقتَةٌ لتليها الرسائليةُ حتمًا !.
الشماسات :
لمْ يأتِ أبدًا ذكرُ خادمة بـ ” شماسَّة “. والقوانين الكنسية لم تذكر أيَّةَ خدمةٍ رسمية للأُنثى في الهيكل، عدا مساعدة الكاهن في عماد الإناث. وكان بيت العماد معزولا عن الهيكل. أمَّا للذكور فلم يُحْتَجْ الى مثيلٍ لها. والأمرُ مفهومٌ إجتماعيًا. وبالأخص للكنيسة الكلدانية حيث تتطلب ريازةُ الكنيسة عدمَ إختلاط الأناث والذكور أثناء الصلاة. وما كان يحُّقُ للأنثى أن تقتربَ من المذبح ولا أن ترتقي البيما، مع الشمامسة، حيثُ كانت تُـلقى القراءات. كانت ربما فقط تهتم بنظافة الكنيسة. ولم تُعطِ لها القوانينُ رسميًا أيَّ دور مُحَدَّدٍ ومعروف. أمَّا ما
ذكره مار بولس عن فـيـبة ” خادمةِ كنيسةِ كنخرية ” فلا يبدو مختلفًا عن خدمات برسقِلَّة التي يذكرها بولس ايضًا، بل أقَّلَ منها، والتي سمَّاها” معاونةً له وفتحتْ بيتَها كنيسةً يجتمعُ فيها المؤمنون” (رم16: 1-5). بينما ذكر أقوى من ذلك لتلميذه طيمثاوس. في حديثه عن الشمامسة حيث حشر، بين فقرتين عن الشماس الأنجيلي، كلامًا عن النساء يطلبُ منهن صفاتٍ خاصّة، منها الأمانة في كلِّ شيء (1طيم3: 11). ليس الأمرُ غريبًا أن تكون النساءُ في الخدمةِ دون تكليفٍ رسمِيٍّ أو برسامة. فقد كان عددٌ منهن يساعدن يسوعَ وتلاميذَه (لو8 : 3) ويرافقنهم للخدمة (متى27: 55)، بل وحتى في التبشير(1كور9: 5). إنها خدمةٌ تنبعُ من الأيمان بالمسيح و محبَّتِه. إنها خدمةُ الكهنوتِ العام للمُعَّمَدين وليست للكهنوت الخدمي. لم يُقِم الرسلُ شماساتٍ بوضع اليد مثل اسطيفانوس ورفاقِه. لكنهم رحَّبوا بخدمتِهن الطوعيةِ وباركوا تعاونَهُن المُكَرَّم.
2+ تَـيَّاراتٌ .. وآجتهادات !
تشكَّى السائلُ من تناقضاتٍ بين القراراتِ وبين التطبيق. وهذا دليلُ وجودِ خلافاتٍ لا فقط في الرأي ولكن حتى في تفسير القرار. كما قلتُ لم يكن للمرأةِ أي دورٌ في الطقوس بينما قد استلمَتْ التعليمَ من عقودٍ طويلة. ومن عقودٍ برزَتْ في التسبيح والترتيل. ولم تُقَّصِرْ أبدًا في أداءِ أيةِ خدمةٍ قدرَتْ عليها وطُلبَت منها، بل تطوَّعَتْ هي لها، فقط عند ملاحظتها. ونعرف كم برَزَ دورُها في الحياة الأجتماعية، سياسيًا إقتصاديًا تربويًا وإداريًا. فكان من الطبيعي أن تصبُوَ الى البروز في كنيستِها كما في مجتمعِها. بل ومن الطبيعي أن تستغلَّ الكنيسةُ طاقاتِ كلِّ أولادها لخدمة المسيح بأي شكل كان. وفي هذا الجو برَزَ مُتشَّددون على الأستمرار في التقليد وكأنَّ مجالَ الأيمان يعارضُ التطورات الزمنية. وغيرُهم يستعجلون في نيل قصبِ السبق في إعطاءِ المرأةَ صورةً مختلفةً ومتجددة. ربمَّا لم يخلُ قصدُهم من نيل بعض المجدِ بذلك، فيفتخروا أن يكونوا الأوائلَ لا فقط في طرح الفكرة بل وفي تحقيقها.
من هذا المنطلق يبدو أنه أُتُخِذَتْ قراراتٌ لم تُبنَ على قناعةٍ تامة وآتّفاق عام. ولأنَّ راعيَ كلِّ أبرشيةٍ يعتبرُ نفسَه فيها المسيح ، وهذا مفروضٌ أن يحدث، فقد تغَّلب جانبُ الحرية و المُخالفةِ على الطاعةِ والنظام كما فعلَ المسيح تجاه الآب :” طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني و أُتَّمِمَ عملَه ” (يو4: 34)، أو كما فعلَ الرسلُ تجاه بطرس في قضيةِ الختانة و العماد (أع15: 7-12). أولُ ذكر أو طلبٍ رسمي برسامةِ ” شماساتٍ ” جاءَ في المؤتمر الكلداني العام سنة 1995 م ، من لجنة الطقوس والأسرار حيث إقترحَتْ ” فتحَ دوراتٍ لإِعدادِ الشمامسة و الشماسات حسبَ الشرع الكنسي والمجامعِ الكلدانية ” و” إقرارالنظام الخاص للذين يتقَدَّمون الى قبول الرتب والدرجات المقدسة “، من القاريء والى الكاهن من ضمنها ” الشماسات “. ولكن لم يتم هذا الأقرار لحد الآن رغم تجديدِ الطلب في سينودس سنة 2015 وتشكيلِ لجنةٍ تهتم به.
الأسئلة المطروحة ../.. جوابها !
1- عيد مار اسطيفانوس. قراءة الأنجيل وبلغات من أين أتى؟
تقليد نتبعه، ويختلف من مدينة الى أُخرى، لا يُعرَفُ مَن بدأَ به؟ ولا متى بدأ به؟. ولا تُوجد عنه أيةُ تعليماتٍ طقسية أو معلومةٍ تأريخية مُسَجَّلة. مثله مثل تعميدِ المسيح وإقامةِ قريبٍ له الذي يتبرَّعُ للكنيسة بأعلى كميةٍ من المال!. ومثلَ إقامةِ جنازةٍ للمسيح في جمعةِ الآلام بدون أي مصدر وخلافًا لما في الصلاة الطقسية!. وغيرُها تَقَّلَدْناها وليس فيها لا طلبٌ ولا توجيهٌ ولا رتبةٌ مُنَّطمة. وبالمقابل تركنا أمورًا كثيرة من الطقس دون قرار أو حتى بقرار ولكن ما زالتْ تعليماتُها مُـثَـبَّتةً في الصلاة الطقسية. ربما قلدنا غيرنا. ربما غيَّرنا برأينا لفكرة أتتنا وحسبناها بنّاءة. أمَّا الرئاسةُ الكنسية فآكتفتْ بغضّ النظر!.
2- الأحتفاء بجنازة الرسائلي !. أيضًا تقليدٌ بدون أساس طقسي. يقول المثل:” عندما
يموتُ المرءُ تطولُ ساقاه “. يصبحُ أكثر عِزَّةً مما كان عليه أثناء خدمته. يطلبُ أهله تكريم جنازته مثل الكاهن. والأنكى أن البعضَ يعتقدُ بأنَّ التطوافَ بالجنازة في جهاتِ الكنيسة الأربع يعني رفعَ الدرجةِ عنه، وإعادته الى الحالة العلمانية ، كاهنًا كان أم شمّاسًا. في حين هي رتبة توديعية للكنيسة التي خدم فيها. حتى المدراشُ الذي يُرَتلُ أثناء التطواف يشير الى ذلك فيقول :” يا كنيسة وداعًا أنا ذاهب..”. وعرفتُ كاهنا كرم جنازةَ شماسٍ عن جهل بما يفعله !!.
3- رسامة شماسة ، هل تقتصر على القارئية ؟. هي أصلا ليست رسامة. الرسامة هي
بالكلدانية :” ܣܝܵܡ ܐܝܼܕܼܵܐ وضع اليد”. حتى مع وضع اليد هي صلاة تُكرِّس المُرَّشحة لنيل بركةِ الله لتقديم خدماتٍ تُكَّلفُ بها وليس لخدمة محددة ثابتة. فليست المُكَرَّسة قارئة فقط ولا تنتظرُ رسامةً رسائلية. يُمكن أن تقرأ القراءةَ أو الرسالة حسبَ الحاجة او الدور. إلا إذا تمَّ وضعُ نظام خاص. ويمكن أن تُعَّين لتدريس التعليم المسيحي أو قيادة جوقة أو إدارة لقاء أخوية نسائية أو تحضير للعماد … الخ.، مما تحتاجُ اليه الرعية، وهي مؤَّهَلةٌ لتلك الخدمة.
إنَّها طاقةٌ جديدة وموهبة إضافية لبنيان الكنيسة تستغلها حسب إيحاءات الروح القدس.
فيا أخ حسّان ما كتبه راعي ابرشيتكم صحيح. وله أن يتصَّرفَ حسب قناعته وضميره حتى لو كان مُخطِئًا. فقد سبقه غيرُه فسلكوا نفس الطريق. سينودساتٌ أعلنَتْ، وبقيت قراراتُها حِبرًا على ورق، إن لم يأتِ بعده من ألغاها وعكس المسيرة. وسيأتي غيرهم يفعلون نفس الشيء. والرعية تدفع الثمن. متى تتوحدُ القناعات؟؟. “عندما ينزلُ البعيرُ عن التَّل” !!!. ومتى ينزلُ البعيرُ عن التل ؟؟. ” عندما تتوَّحدُ القناعات ” !!!.