أهلا وسهلا بالأخ عيسى رزوق.
لأحظ الأخ عيسى إكتظاظ الكنيسة بالمؤمنين في الآحاد التي يقام فيه العزاء عن مَّيت وبينهم غرباء، كما دعاهم، لم يسبق ورأينا وجههم في الكنيسة. ولما سأل عنهم قيل له إنهم مؤمنو المناسبات. فآستغربَ الأمر كيفَ يأتون الى الكنيسة لأداء واجب إرضاء أهل الميت ولا يفكرون في أداءِ واجبهم لإرضاء الله. يحترمون البشر ويشاركون آلامَهم ولا يحترمون أمرَ خالقهم ولا يفكرون في إظهار المحبة لله ، فســألَ :
# هل سيعرفُ هؤلاء الأغراب المسيحَ الحي الذي خسر العالم ليربَحَنا ؟
## ونحن الذين ربحنا العالم وخسرنا المسيح الحي .. هل نعي ذلك ؟
من يعرفُ المسيح ؟
السؤالُ مُؤرقٌ ومُحرج. بل لقد أحرجَ اللهَ نفسَه عندما عاين قساوة قلب الأنسان في معرفة ومحبة من يُحّبُه ويريدُ له الخير، وآتباع الشهوات التي” تغرقُ الناس في الدمار والهلاك” (1طيم6: 9). لقد إعتنى الله بشعبه مثل أم رؤوم و أسرعَ فلبَّى كل حاجاتِه وطلباتِه ، لكن الشعب ظل يتمَّردُ على الله حتى سئمه وملَّ من غباوتِه فتشكى منه عند موسى ناعتًا إياه بـ ” شعب قاسي الرقبة “(خر32: 9؛ 33: 3)، بل ملَّ منهم حتى موسى نفسُه (خر34: 9). وقد أرسل الله للشعب بعد موسى أنبياءَ يذكرونه بالعهد معه وحفظ وصاياه ألا أنهم إضطهدوهم (متى5: 12)، فمنهم من قتلوا ومنهم من رجموا(متى21: 35-36؛ 23: 37).
قضى يسوع ثلاث سنوات يعلم فيها تلاميذه فكرة المسيح المخلص الروحاني ويدربهم على التصرف بايمان لكنه لم يفلح معهم إلا جزئيا حتى سئمهم وآنفجرَ في وجههم مرَّة وصاح :” إلى متى أحتملكم” (متى17: 17). وكم حاول يسوع أن يُنوّرَ القادة الروحيين ويُعيدهم الى جادة الصواب لكنهم لا فقط لم يسمعوا منه، بل عادوه وقرروا قتله ليتخلصوا منه ولا يُبَّكتُهم كلَّ حين على سلوكهم الغبي والمشين ولا تعرف الناسُ الحقيقة (يو11: 53؛ 12: 19). و قتلوا إبن الله ليتبَّوأوا مكانته(متى21: 38-39)، وصلبوا ربَّ المجد (1كور2: 9).
هذا هو الأنسان الذي لا يؤمن إلا بنفسِه. لا يتحملُ الأنسان توجيه الله له. يريدُ أن يقَّررَ بنفسِه ما هو حق وأن يلَّبيَ رغباتِه ولاسيما أن يتبع الركب الأنساني كي لا يكون عن الناس شّاذًا ولا لآدابهم مخالفًا، ولا يُحاسبُه أحد. الناسُ يراهم وينتفعُ منهم فيداري مشاعرهم وينَّفذُ تقاليدَهم، أما الله فهولا يراه وربما يعتقدُ أنَّ الله أيضا لا يراهُ. وإذا أخرجَ اللهَ عن حياتِه و وضعَ الشكَّ في وجودِه فعندئذ لا يرى أصلاً مُبَّررًا لأن يُقَّيدَ نفسَه بتعليم من لا وجودَ له.
والحَّــلُ ؟
من المؤَّكَد أنَّ هؤلاء الغرباء لم يعرفوا لا المسيح ولا الله ، كما لم يعرفهما اليهودُ(يو8: 19 و55). ولو عرفوهما لأحَّسوا بالعلاقة الحارة التي تربطهم بهما وبَّينوا شوقهم الى لقائهما. و لشعروا برابط الإخاء الذي يشُّدُهم الى بقية المؤمنين ولكانوا أسرعوا الى لقائهم كلَّ أحد و مناسبة. لكنهم من نوع المؤمنين الذين نبتوا بين الأشواك فطغى عليهم ” هَّمُ الحياة الدنيا و فتنة الغنى وخنقوا كلام الله فلم يُثمروا “(متى13: 22). فالألحادُ من جهة وبريقُ الثروة من أخرى وإغراءُ الجاه مع دغدغة الكبرياء والأنانية فالأكتفاء بالذات، هذه كلها خنقت مؤمني المناسبات فغَّرَبتهم عن الله وعن الكنيسة.
وما الحَّل ؟ وهل يمكنهم أن يحُّسوا بالمسيح؟ كيف ؟. العلمُ عند الله. أما بخصوص ما نقدر أو يجب أن نفعله تجاهَهم نحن المؤمنين إخوتُهم فأعتقد أن الصلاة من أجلهم لن تكون نافلة أو باطلة ، والمحبة لهم تبقى واجبة، ومحاولة نصحهم بلطف وهدوء ربما تثمرُ، ولاسيما المثل بأننا مستفيدون وسعداءَ بلقاءاتنا الأحدية بحيث يتشوَّقون اليها. وإذا دعوناهم مرَّة ما للقداس فلن نخسرشيئًا حتى لو لم يُلَّبوا دعوتنا. علينا أن نعيش دعوتنا المسيحية بفرح وآفتخار دون التباهي على أحد، ودون آزدرائهم أو إعتبارهم خطأة هالكين. ربما لم يتلقوا تعليمهم الديني بشكل جيد وصحيح!. ربما ضحك عليهم أصدقاءُ سوء!. ربما شكَّكَهم مثلنا السيّيء أو خذلهم سلوكنا المشين!. ربما لم يُصادفوا أحدًا يُبَّين لهم الحب ويشَّجعهم على الأقتداء بالمسيح!. أو ربما لم يعرفوا المسيح كما عرفناه نحن!. قال الرب : لا تدينوا..
ربحنا العالم .. خسرنا المسيح !
بكت بنات أورشليم على المسيح وهو يتألم تحت ثقل الصليب والعار. لكنه نصحهم بكل هدوء ” أبكين على أنفسكن وعلى أولادكن”!. وقد نذرف الدمع نحن أيضا على الغرباء الذين نعتبرهم خسروا المسيح. من يدري من قد خسر المسيح؟. على أية حال إنَّ وضعَ الغرباء يجب أن يستفزَّنا لتسليط الضوءَ على حياتنا وترتيب بيتنا الخاص. قال الرب : نارًا مطفطفة لا تُطفئوا ، وقصبة مرضوضة لا تكسروا.. وإذا أخطأ أخوك إنصحه ، أو آطلب مساعدة غيرك ، أو أخبر الكنيسة .. وإذا لمْ يسمع فليكن عندك كوثني وعشار!. بما معناه ألا نكون نحن أولا سبب عثرة لأحد (متى18: 7)، وألا نعتبر المخالفين بنظرنا خطأة وقودًا للنيران الأبدية (لو18: 9 -14)، بل أن نحاولَ ونحيا حياة مسيحية حقيقية وننعش إيماننا عند سماع القداس ولقاء الأخوة ونعكس هذا في سلوكنا اليومي فعسى ولعل يُصبحُ مثالنا قدوة يجذبهم الى يسوع المسيح.
نقطة مهمة لا يجوز أن تغيبَ عن بالنا ، وهي: نحن مدعوون أولا أن نشهدَ ليسوع المسيح ونحمل تعليمه ودعوته الى كل الناس. لا نسمح لأبليس أن يُجَّربَنا و يُشغلنا عن رسالتنا بمراقبة الآخرين وإدانتهم. هذا لا ينفعهم بشيء، بل قد يُخسرنا المسيح إذ نفقدُ المحبة. و الشهادة تكون بالمثل قبل القول وبالأقتداء بسيرة يسوع قبل البحث عن معرفةِ حكمه على المقَّصرين أو المخالفين. الأنسان ميَّالٌ بطبعه الى مراقبة الآخرين ودينونتهم ، والمسيح عَّلمنا أن نترَّفعَ عن ذلك ودعانا الى تقدير حتى الخطأة، في حين نعتبر أنفسنا خطأةً ونجتهدُ في تقديس ذواتنا ليكون لنا شيءٌ نقدّمُه للآخرين.