تذكار القديسين : ربان هرمز ، وربان بيا

  ” شــيرا ” القديس ربان هرمز 

                           و القديس ربان بــيا                         

           و القديسين شُفعاء الرعايا الخاصَّة          

     يُحتفلُ به عـادةً يوم الأحـد عشِّـيَّةَ التـذكــار

 

الـ ” شــيرا “ ؟

يعني ، بشكل عام، إحتفالاً دينّيًا وآجتماعيًا بمناسبة ذكرى القديسين. لكنَّ المعنى اللغوي للكلمة هو” السهرة “، مأخوذة من السُريانية ” شَهْرا ܫܲܗܪܵܐ “. وتُطلَقُ على جزءٍ من صلاة الفرض الطقسية للآحاد والأعياد وبعض المناسبات الدينية، يتلوها ليلاً عامَّةُ الأكليروس و لاسيما الرهبان في الأديرة. وكان سابقًا كثيرٌ من مؤمني رعايا القرى المجاورة للدير، بنوع خاص الذين لا وجود لكنيسةٍ أوكاهنٍ خاص بقُراهم، يحضرون القداس في الدير. كانت هذه الصلاة تتلى في الهزيع الأول من الليل أو حوالي منتصفه، يُرَّتلون فيها مزاميرَ وترانيمَ و  تسابيحَ خاصَّة ترفَعُ الفكرَ والقلب الى الله. لقد قال يسوع ” إسهروا وصَلُّوا لئَّلا تدخلوا في التجربة ” (متى26: 41)، و” آسهروا ، لأنَّكم لا تعرفون متى يأتي إبنُ الأنسان” (متى25: 13). والسهرُ هو عادة عدمُ النوم والخلودِ الى الراحة للحراسة وتأمين راحةِ الغير وخيره. لكنَّه أيضًا هو الأنتباهُ الى الذات والحرصُ على عدم الوقوع في فخِّ الشِّرير.

فالسهرُ على الذات مُهِّمٌ جِدَّا لأننا ضُعفاءُ وجُهلاءُ بما في الغيب، فقد يستّغلُ إبليسُ هذا الوضع، كما إستغَّلَ جهلَ أبوينا الأولين وعدمَ خبرتِهم بالتجربة وآستغَّلَ ضُعفَ جسدِ يسوع بعد أربعين يومًا من الصيام، ليُجَّربَنا عند سوءِ حالِنا ويُوقِعَنا في الشَّر مُبعِدًا لنا بذلك عن الله ومُهَّيِئًا لنا للهلاك الأبدي. يقول مار بطرس:” تيَّقظوا وآسهروا، لأنَّ عدُّوَكم إبليسَ يجولُ كآلأسدِ الزائِرِ باحثًا عن فريسةٍ له ” (1طر5: 8). فعلينا أن نتيَّقظَ وننتبِهَ، أن نسهر، فلا نقعَ في التجربة عندما يُباغِتُنا ابليسُ أو يُداهِمُنا الموتُ في وقتٍ لا نتوَّقعُه. بهذا الروح و الهدف كان المُتزَّهدون، رهبانًا أوعلمانيين، يُحيُون جُزءًا من الليل أو يُخَّصِصون جُزءًا من النهار للصلاة، ساهرين مع الرب يسوع الذي سهر من أجلنا في بستان الزيتون، فنُضَّحي بنومٍ أو بترفيهٍ لكي نقضيه مع الرب. ويُثمر هذا السهر لخلاصِنا.

وإِذا آنتقلت لفظةُ ” شيرا – السهرة ” إلى الأحتفال بعيد قديس شفيعٍ للكنيسة أو أَّيةِ مؤَّسسة فلأنَّ الجماعة المعنية بالأمر كانت تبدأ الأحتفال بسهرةٍ روحية، عشية المُناسبة أو صباح ذلك اليوم، بترانيم وصلواتٍ، يُرافقها في أغلب الأحيان القداسُ الألهي، للتسبيح والتمجيد و والشكر والتضَّرُع ولاسيما لذكر مناقب القديس بُغية نيل شفاعته والأقتداء به.

القديس ربَّان هرمز !

تَروي سيرةُ حياتِه بأنَّه من أصلٍ فارسي، لكنَّه ولِدَ لأبوينِ مسيحيين في بلدة مدينة شيراز ، من مقاطعة عيلام، في نهاية القرن السادس الميلادي. درس في مدينتِه، في مدرسة الكنيسة العلومَ المدنية لعصرِه واللغة والمبادئ الدينية. إستَهوَته دراسةُ الكتاب المقدس وكان يقرأُه بشغف. وشعَرَ برغبةٍ قوّية تدفعُه إلى حياةِ العُزلة والبعدِ عن العالم فالتفَّرُغ كلّيًا لعبادةِ الله والتأملِ في كلامِه والتحَّدُثِ إليه في الصلاة.

كان شّابًا بعمر عشرين سنة لمَّا قرَّرَ آلأنزواءَ في ديرٍ أو صومعةٍ يقودُ فيها حياة الزهدِ و النُسك مُتفَّرِغًا كلّيًا لله. وقبل البدء بتحقيقِ حُلمِه عزمَ على أن يزورَ أولاً الأرضَ المُقَدَّسة ليتبَرَّكَ من الأماكن التي عايشت وخلَّدتْ ذكرى المعَّلم الحبيب؛ ثم نوى أن يزورَ بعدَها مصرَ للوقوفِ على نوع حياة النسك التي إنطلقت منها ليشُّعَ وينتشر في البلدان المجاورة. إنَّ الحَّقَ يزهو وينتشر، أكثر من الميكروبات والفايروسات، لا بواسطة البشر بل بإرادةِ الله .لا حدودٌ أو بُعدٌ أمام الله. فأول حياةٍ رهبانية مُنتظمة ظهرت في مصر بدءًا على يد القديس

أنطونيوس الكبير وباخوميوس وغيرهم، وغزت جيرانها ومنهم بين النهرين.

وفي طريقِه الى فلسطين عبرَ هرمز بمدينة ” حالا” على ضفاف نهر ديالى. إلتقى هناك صُدفةً برهبان من دير” ربن بر عيتا ” الواقع في” مركا – المرج ” ، منطقة عقرة. وبعد التعَّرفِ على بعضهم أقنعوهُ بأن يتخَّلى عن حلم فلسطين ومصر لأنهم توَّسموا فيه دعوةً إلَهية ممتازة وجهلاً بما في البلد من إمكانيةِ لتحقيق دعوتِه. لبَّى نصيحتهم وتبعهم الى ديرهم، وأ َّجلَ تقرير مصيره. شعروا وكأنَّ الروحَ يقول لهم:” لا تدعوهُ يذهب. إنَّه صقرٌ سيُحَّلقُ في فضاء القداسة، ويبني كنيسته هنا. دعوتُه هي هنا “. وفي ديرهم إنخرط في رهبنتهم وأكمل الأبتداء وآجتهد في الصلاة والدرس والعمل كعادةِ الرهبان.

سُرعان ما برزَ وفاقَ رفاقَه فضيلةً وعلمًا ولاسيما سُمُّوًا في الحياة الروحية. كان مُتقَّشِفًا يُكثرُ الصوم والسهرَ والتأمُّلَ، ورغمَ تواضُعِهِ ومحاولتِه الأبتعادَ عن الأضواء إلاّ إنَّ صيتَ قداستِه وعطرَ فضائِله وأخبارَ مُعجِزاتِه إنتشرت بسرعة مُتحَّديةً حدود الرهبنة. وعُرِفَ عنه أنَّه إختبرَ حربًا ضروسًا مع ابليس الذي كان، بإِغراءٍ حينًا وبتهديدٍ أحيانًا أُخرى ، يُحاولُ إبعادَه عن الحياةِ النُسكية. ومن معجزاتِه العديدة أنَّه شفى، مرَّةً، شابًا إستولى عليه روحٌ نجس.

وإذ توَّسمَ فيه رؤَساءُه سُمُّوَ دعوتِه للتحَّلُقِ في فضاءِ الروح والتكريس الكُلّي لله، نصحوه بحياةِ العُزلةِ التّامة عن الدير والأختلاءِ في صومعَةٍ – محبسٍ – مُتفَّرغًا للتأمل والصوم و الصلاة والأتّحادِ الحميم بالله. فآنزوى على مكانٍ خُلوة. وحدثت له رؤًى وآنخطافاتٌ شهدَ لها متوَّحدون آخرون بجوار صومَعتِه. ثم عزمَ على الإبتعادِ من المنطقة، وكأنَّ الرَّب يدعوه الى خدمةٍ أحوج. فقصدَ مع راهبٍ آخر جبلَ باعذرى قرب ألقوش. لكنَّ رفيقَه أوراها لم يمكثْ معه هناك إلاّ أيّامًا قليلة، ثم غادَرَه الى سهل بطنايا حيثُ أسَّسَ ديرًا، قائمًا الى اليوم، معروفًا بآسم ” دير مار أوراها “. أمَّا هرمز فبقيَ في الجبل قُربَ نبعِ ماءٍ يحتمي بمغارةٍ قريبة. ويُعرَفُ ذلك النبع الى اليوم بـ” عينا دْقَدّيشا – نبع القديس”.

ولم يطُلِ الزمن حتى عرفَ أهلُ ألقوش والقرى المجاورة بخبر قداستِه فصاروا يَؤُّمونَه و يترَّددون عليه، لاسيمَّا في حاجاتِهم ومِحَنِهم. وتُعزَى إليهِ معجزة إقامة شَيبين (عقبة ) إبن أميرِ الموصل، الأمرُ الذي أدَّى إلى مساندَتِه وتوفير حاجاتِه. وتقاطرَ عليه الشبابُ وآلتَّفوا حولَه آتينَ من مناطقَ مختلفة، قريبة وبعيدة، لسماعِهم بقداسةِ سيرتِه، ورغبةً منهم في الإنضمام إليه، والتعَّلُمِ منه كيفَ يرتقون في ممارسةِ محَّبةِ الله. وإذ كثروا بنوا لأنفسِهم كنيسةً أصبحت الحجرَ الأساس لقيامِ ديرٍ كبير، في جبل ألقوش، مأهولٍ بالرهبان. وقد عاونه في قيام الدير أهالي القرى المجاورة متبَّرعين بالأموالِ والقوت وضمان حاجات الجمعية. وقد برزَ فيهم مُتبَّرعٌ سخي من باقوفة إسمُه ” خوداهوِى شُبحي”. وهكذا حفروا الصوامعَ، نقرًا في الصخر، قِلاّيةً بعد قلّاية بلغ عددها المئة تقريبًا.

تقَّدمَ قدّيسُنا في شيخوخةٍ مُباركَةٍ وتُوُّفيَ بعمرِ سبعٍ وثمانين سنةً قضى منها سبعًا وستين سنة في حياةِ النُسكِ والعبادةِ لله. دُفنَ في كنيسةِ الدير. وآستمَّرت من بعدِه، لا فقط ذكراهُ العطرة ، بل وحتى الرهبنة التي أسَّسَها ما تزالُ قائمةً حاملةً إسمَه وساعيةً على تقديس النفوس وسندِ إيمانِ المؤمنين. يُحتفَل بعيده كلَّ سنة قبل يوم من تأريخه أي يوم الأحد الثالث للقيامة، مع قديسين وشفعاء كنائس محلية أُخرى. وجديرٌ بالذكر ألا نخلُطَ بين قدّيسِنا هذا وقدّيسٍ آخر يحملُ إسمًا شبيهًا له هو” آذور هرمز”، وآستشهدَ قرنين قبلَه.

لتكن صلاتُهما معنا تحمينا من كلَّ سوء مثل وباء كورونا اللعين وتحفظنا من كلِّ شَّر وتقودُ خطانا في سُبُل قداستِهما، في نور الحَّق ولهيبِ المحَّبة. إستجِبْ يا رب دعاءَنا بشفاعتهما بحَّقِ رضاكَ عنهما وقبولك صلاتهما عطرَ بخورٍ تهنأُ به (رؤ5: 8؛ 8: 4).

ربَّان بِــيا  !

لم يحفظْ له التأريخ خبرًا سوى ذِكْرِهِ في قصّة الشهيد مار قرداغ (+358م)، بآسم” الراهب بيري”، عندما يلتقي به، قبلَ عمادِه، في صومعة الحبيس عوديشو، في جبل سفين قريبًا من مغارة ربان بيا. يعتذر منه عوديشو كَمِنْ رئيسِه لعدم إخباره بزيارة مرزبان حدياب قرداغ عنده، قائلاً: ” إِغفِرْ لي يا أبانا. لم أُرِدْ أن أُزعجَ شيخوختِكَ .. إذْ لم يكن هذا الراهب الشيخ قد غادر مغارتَه طوالَ الثماني والستين سنة .. قضاها في الزهد والصلاة ” (شهداء المشرق، ألبير أبونا، ج 1، 1985م، ص210). كان عوديشو يعيشُ في صومعةٍ في منطقة حوداو، في جبل سفين الواقع على جنوب شقلاوا، مُـطِّلًا على المساكن الشتوية لآهاليها، من الجهة الغربية وهي مدخلها للقادم من حَدياب / أربيل. لكن التأريخ حفظ له أثرًا لا يُمحى، سكَنًا فيه منولٌ وقبرٌ للقديس مع مدفنٍ داخلَ شَّقٍ في الصخر، في أعلى الجبل. وأكثر من ذلك هو أثرُ معجزاتِه التي كثرت في تلبية طلبات الرِزْقِ بالبنين. لقد كثرَ حاملوا اسم ” بِـيا أو بويا ” ، وأغلبُهم طَلبَتْهم أُمَّهاتُهم من القديس وآستجابَ لهم.

أمَّا عن إسمِه فأغلبُ الظَّنِ أنَّه مُشتَّقٌ أو مُحَّرَفٌ من كلمة ” بوياءَا – ܒܘܼܝܵܐܵܐ “، أي العزاء ، التسلية. وقد يكون لقبًا له. في أسفل سكن القديس خَزَّانٌ منقورٌ في الصخر يسعُ قرابة عشرة أمتار مكعبة من الماء التي تُخزن فيه ربيعًا من مياه الأمطارأو ذوبان ثلوج الجبل. و وجود مار عوديشو بالقرب منه دليلٌ أن ربان بيا لم يكن وحده يعيشُ هناك. صحيحٌ أنَّه لا يوجد ديرٌ قريبٌ فيه مستلزمات عيشٍ جماعي ولكن هناك مغاور وأثار إشتغلها الأنسان  في السفح الشمالي للجبل أي المطل على شقلاوا تدُّلُ على أنَّ أفرادًا عاشوا فيها. فعلى الجهة الشرقية لمغارة ربان بيا تنتشر شبه صوامع بآسم : ماريوسف، ماركوركيس ومار طوريس ومارميخائيل، وداخل القصبة توجد مزارات مار توما ومار أوراها ومار يوحنا. مما يدُّلُ على أنَّ المنطقة كانت مأهولة برهبان يقطنون جبل سفين والقرية نفسَها. ويُعتقَد أنَّ ربان بيا كان مركزًا لأرشاد ولقاءٍ أيام الآحاد والأعياد، ويبدو القديس نفسُه مُرشدًا عامًّا لهم.

ذكريات شيرا ربان بيا  !  

عن شيرا ربان بيا في شقلاوا، أتّذَّكرُ كانَ أهلُ القصبة يُحيونَه، في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، صيفًا عشّيةَ عيد الأنتقال، لملاءمةِ الموسم والطقس. أمَّا في الأحد الثالث للقيامة فكانوا يزورون مرقَده أفرادًا دون إحتفالٍ رسمِيٍّ بسبب برودة الجو وصعوبة تسَّلق الجبل في الأمطار والثلوج. وحتى سهرة الصيف وإحتفاله توَّقَفَتْ بسبب ظروف الحركة الكردية ومنع الدولة للناس إرتقاء الجبل منذ سنة 1962م. إلى أن عادت في التسعينات الى زيارات جماعية إنمَّا غير منظَّمة وذلك في الجمعة الثانية بعد القيامة وحسب سماح الجو.

وعن سهرات الصيف، كُنَّا ننتقلُ عشية 15/ آب الى الجبل حاملين الشموع وفواكه مع مواد صنع الشاي هناك ونرتقيه حتى بلوغ مغارة القديس ونُحيي الليل هناك. تتمركز كلُّ عائلة أو مجموعة من العوائل تحت شجرة أو على صخور. ولصغر المغارة وعدم إستيعابها عددا كبيرًا من الزوار كانت تزور القبر أفواجٌ تصَّلي ثم يعودون الى أماكنهم وترتقي أخرى الى القبر. كنَّا نشعل الشموع على القبر. نصَّلي الوردية. نُرَّنمُ تراتيل روحية ومزامير. يُصلي من في المغارة ويرُّدُ عليهم في الأسفل المنتشرون حول صهريج الماء { البئر}. وعندما تصمت الحناجر وينفرد الفوج لعبادته ومطاليبه الخاصة كان المنتشرون عند البئر يرتشفون الشاي أو يتناولون الفواكه حتى لا يغلبهم النُعاس، ولا يدخلوا بعدَه في التجربة.

ومن كان له مطلبٌ عند القديس كان ينبطح على الصخرة المُسَطَّحة وينزلق الى أسفل حيث يتلقاه شخصان، لئلا يسقط في الوادي. ومن جملة التراتيل المتناوبِ عليها، بين المغارةِ و البئر، ترتيلة ” بشما بابا وبرونا ” لمريم العذراء، و خاصة ترتيلة الحياة الرهبانية ” آلَها دْ كِمْ مَرْئىلَيْ أنْ قدّيشى وأنْ سَهدى ..ܐܲܠܵܗܵܐ ܕܟܸܡ ܡܲܪܐܹܝܠܲܝ ܐܲܢ ܩܲܕܝܼܫܹ̈ܐ ܘܐܲܢ ܣܵܗ̈ܕܑܹܐ..”، و هي تروي أخبارالسيرة الرهبانية وتُشِّددُ على عظمة حُبِّهم لله، وتواضعهم، وتقَّشفِ سيرتهم، ولطافةِ تعاملهم، وطيب أفعالهم، وقدرتهم على إجراء المعجزات بعون الله. وغيرها من تراتيل التقوى الشعبية القديمة. و كان الجبلُ كله يصدُحُ صوتًا واحدًا في تسبيح الرب فيُرَّددُ معنا صدى الألحان. هكذا دواليك تتناوب الفِرقُ في الصلاة والترتيل فلا ينقطع التسبيح لله طوال الليل إلى أن تلوح أضواءُ الفجر، وتتـوَّقفُ السهرة.

عند الفجر كنا ننزلُ من الجبل مُتّجهين نحو بيوتنا الصيفية سيرًا على الأقدام، ثم نتوَّجه إلى الكنيسة حيثُ نشترك في القداس الألهي ونتناول القربان المُقَدَّس. وبعد القداس نُكَّمل العيدَ مع ضيوفنا القادمين بنوع خاص من عينكاوا فنتقاسمُ الطعام ويتوشحون أزياء العيد الزاهية ،خّاصةً وأنَّه عيد الأنتقال. كان إستقبال الضيوفِ في العوائل فرصة عيش المحبة وممارسة الخدمة كما أوصانا به الرب. وأصبح عنصرًا مُهّمًا مشاركة الجيران أفراح وطعامَ إخوانهم المؤمنين و جيرانهم في عيد شُفعائِهم. وهكذا كانت تجري الأُمورُعادة في كلِّ قرى وبلدات شمال البلد. وما أحلى أن يجتمعَ الإخـوةُ معًا (مز132: 1) !.

كانت ذبيحة القداس قمَّة المشاركة في الأحتفال الديني بسهرته الروحية والأجتماعي بمظهر الفرح والبهجة والهناء. فالله هو الذي يجمع أَبناءَه الأحّباء أينما كانوا حول إِبنِه الحبيب يسوع المسيح، وحول القدّيسين الذين أرضوه بسلوكهم الطاهر وأصبحوا لنا مثالاً نقتدي بهم وقُوَّةً تسندنا فنتشَجَّع ولانتخاذلَ عند الضيق والألم، ولاسيما رجاءًا يدفعنا الى الألتجاء إليهم في حاجاتنا لأَّن صلواتِهم بخورٌ عَطِرٌ ترفعها الملائكةُ أمام الله (رؤ5: 8؛ 8: 4).