أهلا وسهلا بالأخ عماد نيسان
بلَّغ الأخ عماد أسئلةَ شابٍ قبلَ المسيح في دولةٍ ذات أغلبية بروتستانتية وترَّدَدَ على كنائسها . زار إيطاليا لفترةٍ فتَرَّدَدَ على كنائس كاثوليكية. شاهد هناكَ فروقًا طقسية تختلفُ عن تلك التي قد تعَوَّد عليها. منها على سبيل المثال : لماذا يشرب الكاهن وحده الخمر بينما يتقاسمُ الخبزَ مع شعب المؤمنين؟. أ ليسَ المسيحُ من قال” خذوا إشربوا من هذا كلكم؟. فهل تكتملُ المناولة بأخذ جسد المسيح فقط؟. ولماذا هذا الأختلاف بين الكنيستين : البروتستانتية و الكاثوليكية “؟.
هذا هو جسدي ، هذا هو دمي !
أبدأُ من الأخير. يلاحظ القاريء الكريم أن الشاب تحَدَّثَ عن ” شرب الخمر وتقاسم الخبز”. وهنا إحدى نقاط الإختلاف الجوهرية بين الكنيستين. فبينما ترى الكنيسة البروتستانتية في القربان فقط خبزًا وخمرًا مُبارَكين، ورمزًا فقط لحضورالمسيح لمن يؤمن به، تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بأنَّ أشكال الخبز والخمر تحوي حضورًا حقيقيًا كاملاً للمسيح، كما قال المجمع التريدنتيني: ” يتحَوَّلُ كلُّ جوهرالخبز الى جوهر جسد المسيح ربِّنا، وكلُّ جوهر الخمر الى جوهر دمه ” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 1376)، وذلك إستنادًا الى تصريح مار بولس حيث قال:” من أكلَ خبزَ الرب أو شربَ كأسَه، ولم يكن أهلاً لهما فقد جنى على جسد الرب ودمه. .. ومن أكلَ وشرب وهو لا يرى فيه جسد الرب، أكلَ وشرب الحُكم على نفسِه” (1 كور11: 27-29). وللخلافِ في الأيمان مردودٌ أساسي على الأختلاف في طقس توزيع السِّر نفسِه.
الكاهن وحده يشرب الدم !
بدأت الكنيسة بأستعمال الشكلين معًا ، الجسد والدم، في التناول أثناء القداس. ويبقى بولس المصدر الرئيسي للمعلومة (1كور11: 20-22). وهناك كنائس، منها كنيسة المشرق، قد حافظت الى يومنا، على تلك العادة. غيرُها غَيَّرت بسبب أوضاعها الكنسية الراعوية و ظروفها الأجتماعية. منها الأضطهاد الذي حرم الكنيسة، لفترة طويلة في الغرب، من حُرَّية التصَّرف وآمكانية إتّباع إختياراتها. تبعتها بعد ذلك، في فترة حرّية إختياراتها، أزمنة أوبئةٍ مُعدية وفتّاكة جعلت الكنيسة لا تخاطرُ بتوزيع الدم خلال القداس من كؤوسٍ يتناوبُ على الشرب منها عامة الناس حتى الموبُؤُون. فآقتصر تناول الشعب على الجسد فقط، ويُوضع مباشرة في الفم وليس في اليد كما كانت العادة أيضًا. وأفهمهم الروح بأنَّ التناول من شكل واحد كافٍ للمشاركة في القداس. رُبَّما سَهَّل لهم الأمرَ ما حدثَ يوم القيامة لتلميذي عماوس في ثاني قداس أقامه يسوع نفسُه والذي إقتصر على تكريس الخبز فقط :” ولما جلسوا للطعام أخذ يسوعُ خبزًا وباركَ وكسَرَه وناولهما. فآنفتحت عيونُهما وعرفاهُ، لكنَّه توارى عنهما” (لو 24: 30-31).
هل تكتملُ المناولة تحت شكل واحد !
بالأضافة الى ما نَوَّهنا اليه أعلاه، تؤمن الكنيسة بأنَّ المسيح واحدٌ لا ينقسم ولا يتجَزَّأُ، كما لا يتعّدَّدُ ولا ينقصُ. من خلال ظروف الحياة الزمنية يكشفُ الروح القدس للكنيسة الحَّق كلَّهُ (يو16: 13). لا يتغَّيرُ الأيمان إنَّما تتبلورالحقيقةُ فيعرفُ المؤمن كيف يعيش إيمانه، مُختلفًا مع عادات وتقاليد أو حتى مع جماعات أُخرى، ولكن مُطابقًا لمشيئة المسيح من أجل بناءِ الكنيسة في كلِّ زمانٍ ومكان. وبخصوص القربان فـ ” طريقة حضور المسيح في الأشكال الأفخارستية طريقة فريدة… هي إحتواءُ السِّر للمسيح كُلِّهِ كاملاً” (ت.م.ك.ك.رقم 1374)، فـ “المسيح حاضرٌ كلُّه في كلٍّ من الأَشكال، وفي كلِّ جزءٍ منها بحيثُ لا يتجَزَّاُ المسيح بتجَّزُءِ الخبز ” (ت.م.ك.ك. رقم 1377). فيسوعُ المسيح حاضرٌ كلُّه ” بنفسِه وآلوهيته” في جسده وفي دمه، وفي كلِّ جزء منها. آلافُ المؤمنين يتناولون جسد المسيح فهو لا يتجَزَّأ ولا يتعَدَّد، بل يبقى المسيح الواحد، وكاملاً في كلِّ واحد تناوله. هكذا أيضًا الذين تناولوا من الكأس الواحد. وعندما يتناول الواحد الجسد والدم لا يتناول ” مسيحين” بل المسيح الواحد نفسَه. وإذا تناول الواحد الجسد وحده، أو الدم وحدَه، لم يتناول نصفَ المسيح، بل المسيح كلَّه. هذا عمل الله الروحي يجريه الروح القدس، وليس عمل الأنسان.
ويتماشى مع هذا الأيمان قولُ يسوع ” كلوا .. وآشربوا “، أي لا تتمسَّكوا بأحدهم فقط ولا تفصلوا الواحد عن الآخر. فلا يوجد جسدٌ حيٌّ بلا دم. و” نفسُ الجسد هي في الدم” (أح17: 10). سبق وعندما تحَدَّثَ يسوع عن سِّرِ الأفخارستيا، قبل تأسيسه، تحَّث عن ” خبز جسده الحَّي” (يو6: 51). ثم فصَّل الخبر إلى أنَّ كلًّا من الخبز والدم قائمٌ كلّيًا بذاته:” فالجسد قوتٌ حقيقي، والدمُ شرابٌ حقيقي” وإذا رفضَ أحدٌ واحدًا منها ” لن تكون له حياةٌ في ذاته” (يو6: 53-55). وبالمقابل أذا تناول أيَّ واحدٍ منها فله الحياة الآلهية في ذاته. وهكذا يكون التناول تحت شكلٍ واحدٍ، أيٍّ كان الجسد أم الدم، كاملاً ومقبولا لدى الرب.
وربَّما لم يتحَدَّث المسيح عن الدم وحدَه إلا ليُفهمَ اليهود أن شريعة عدم أكل الدم خَصَّت دم الحيوان لا دم المسيح، كما أكلُ الجسدِ يخُّصُ جسدَ المسيح السِّري المذبوح على الصليب تكفيرًا عن خطيئة الأنسان وليس جسده البشري المادي. وبهذا يكون قد فسَّر الشريعة كاملةً. ودعا يسوع اليهود الى إستعمال ذبيحته قوتًا لخلاصهم. جاء في شريعة الدم أيضًا ما يُكَّمل أن الدمَ هو نفسُ الجسد فقالت:” جعلتُ الدمَ لكم على المذبح لتُكَّفروا به عن نفوسِكم. لأنَّ الدمَ يُكَّفرُ عن النفس” (أح17: 11). وهكذا قال يسوع عن دمه : ” إشربوا … هذه الكأسُ هي العهدُ الجديدُ بدمي الذي يُسفكُ من أجلكم ..لغفران الخطايا ” (لو22: 20؛ متى26: 27-29). في إقامة القداس ضروريٌّ تكريسُ الخبز والخمر، لأنَّ القداس ذبيحة الصليب فيها كُسرَ جسد يسوع وسُفكَ دمه. أمَّا في التناول فيسوع هو الذي يأتي الى المؤمن ، بالطريقة التي يختارُها المؤمن أو تُتاحُ له، ويُغَّذيه بالحياة الألهية.